عمرو موسى: أقنعنا صدام حسين بعودة المفتشين الدوليين لكن الولايات المتحدة كانت اتخذت قرار الحرب على العراق

«الشرق الأوسط» تنشر فصولاً من كتابه الجديد «سنوات الجامعة العربية» (3)

قمة شرم الشيخ 2003
قمة شرم الشيخ 2003
TT

عمرو موسى: أقنعنا صدام حسين بعودة المفتشين الدوليين لكن الولايات المتحدة كانت اتخذت قرار الحرب على العراق

قمة شرم الشيخ 2003
قمة شرم الشيخ 2003

في الحلقة الثالثة من الكتاب الجديد للأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية عمرو موسى، «سنوات الجامعة العربية» الذي سيصدر قريباً عن «دار الشروق»، تستعرض «الشرق الأوسط» جهود موسى والجامعة العربية في القضية العراقية، التي خصص لها فصلين على مساحة 63 صفحة، تناول الأول جهوده مع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في محاولة لتجنيب العراق الضربة الأميركية، فيما خصص الثاني لأحداث «الغزو الأميركي للعراق»، وجهوده في العملية السياسية بعد 2003.
وفي هذه الحلقة من الفصل الأول، يتحدث موسى بتفاصيل دقيقة عن لقائه الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وتلك «النعومة على يدي ذلك الرجل المخيف»، مشيراً إلى أنه تحدث إلى صدام حسين بلهجة جادة قال من حضرها «إنها أعنف لهجة تحدث بها مسؤول عربي إلى صدام حسين». وأوضح أن جهوده والأمين العام للأمم المتحدة آنذاك كوفي أنان، لم تؤتِ ثمارها لأن الأميركيين كانوا قد اتخذوا قرار الحرب، وأن وزير الخارجية الأميركي حينها كولن بأول، وصف صدام بأنه «مخادع وكذاب»، قائلاً له إن «صدام لحس مخك أنت وأنان».
من أولى القضايا التي فرضت نفسها عليَّ فور أن توليت مهام منصبي أميناً عاماً للجامعة العربية، مسألة توقف المفاوضات بين العراق والأمم المتحدة بخصوص التفتيش على أسلحة الدمار الشامل، والتي كانت الولايات المتحدة الأميركية تزعم أن العراق يمتلك أو يسعى لامتلاك بعضها، خصوصاً الأسلحة النووية.
في أوائل نوفمبر (تشرين الثاني) 2001 كانت زيارتي الأولى للأمم المتحدة بصفتي أميناً عاماً للجامعة العربية؛ لحضور اجتماعات الجمعية العامة بعد أن تأجلت، عن موعدها المقرر في سبتمبر (أيلول) من كل عام، بسبب وقوع هجمات 11-9. تحدثت إلى الأمين العام كوفي أنان، وقلت له: «لا يليق في عهدك والأمم المتحدة تحت رئاستك، ألا يكون هناك مجهود واضح في منع حرب وشيكة على العراق تريدها وتسعى إليها الولايات المتحدة».
قال أنان بتململ: «أحاول جهدي، لكنّ صدام حسين عنيد، وأنت تعرفه أكثر منّي». قلت: «لا بد أن نمنح العراق فرصة للإفلات من الحرب التي تستعد لها واشنطن. سأزور الرئيس العراقي في يناير (كانون الثاني) المقبل. أريد منك رسالة أستطيع أن أنقلها إليه لحلحلة الموقف فيما يخص استئناف عمل المفتشين الدوليين. أنا على ثقة في أنني عندما أقول له في أثناء مباحثاتي معه، إنني قادم ومعي رسالة واضحة من الأمين العام للأمم المتحدة تدعو إلى تحريك الموقف فيما يخص موضوع التفتيش على الأسلحة فإنه سيتعاطى بإيجابية». فوافق أنان.
رتَّبت مع وزير الخارجية العراقي ناجي صبري الحديثي، أمر زيارتي للعراق. هبطت طائرتي في مطار بغداد صباح 18 يناير 2002. وجدتُ الحديثي في استقبالي، وكان من وزراء الخارجية المهنيين الذين أحترمهم، لكن ديكتاتورية صدام وانفراده بالقرار كانت تحدّ بشكل كبير من هوامش المناورة والفعل لديه.
كان اليوم التالي هو موعد لقائي مع صدام. تحرك بي موكب رسمي مهيب من مقر إقامتي في إحدى دور الضيافة التابعة لرئاسة الجمهورية في منطقة «كرادة مريم» الراقية بوسط بغداد، إلى مقر قيادة عسكرية، ومعي من وفد الجامعة العربية: السفير أحمد بن حلي، الأمين العام المساعد للجامعة العربية -رحمه الله- والسفير حسين حسونة رئيس بعثة الجامعة لدى الأمم المتحدة، والسفير هشام بدر، مدير مكتبي.
بمجرد دخولي مقر الوحدة العسكرية، وجدت ذلك الرجل الذي يرافق صدام كظله، والمعروف بشاربه الكثّ والبزّة العسكرية الأنيقة، والمسدس الذي يتدلى من خصره حتى في أثناء الاجتماعات الرسمية مع الرئيس العراقي، وكان ذلك استثناءً نادراً منحه له صدام لثقته الكبيرة فيه.
تقدم إلى الرجل في احترام شديد. قدم لي نفسه قائلاً: «أنا الفريق عبد حمود. تفضل، سأصطحب سيادتك لمقابلة سيادة الرئيس صدام حسين».
قلت: «لا بد من حضور زملائي الثلاثة من وفد الجامعة».
قال: «سيحضرون بسيارة أخرى». ركبت سيارة «تويوتا»، بيج اللون، بجوار عبد حمود، الذي قادها بنفسه إلى المقر الذي سألتقي فيه صدام، والذي قال لي حمود إنه في منطقة «الرضوانية» جنوب غربي بغداد. كان قصراً صغيراً لكنه جميل.
في نهاية طريق مليء بالأشجار وصلنا إلى القصر المنشود. بمجرد دخولي وجدت بن حلي وحسين حسونة وهشام بدر في انتظاري خارج القاعة التي سألتقي فيها صدام.
بمجرد أن دخلت، تحرك الرئيس العراقي من مقعده لاستقبالي. تقابلت أيدينا عند منتصف القاعة تقريباً. صافحته مصافحة اعتنيت ألا يكون فيها قبلات، أردته «سلاماً ناشفاً»، كما نقول في مصر؛ كي أضفي طابع الجدية على جلسة المباحثات التي سأجريها معه. لكن على أي حال، هالتني تلك النعومة التي كانت عليها يد صدام حسين، ذلك الرجل المخيف!
رحب بي صدام: «أهلاً بسيادة الأمين العام... أهلاً بالأخ عمرو» (نطقها بضم الراء)، وراح يشيد بمواقفي القومية. بدأنا اللقاء الذي استغرق نحو ساعتين وخمس عشرة دقيقة.
بعد التحية والسؤال عن الصحة والشكر لكرم الضيافة وبعض الجمل العامة، تحدثت إلى صدام حسين بلهجة جادة قال من حضرها «إنها أعنف لهجة تحدث بها مسؤول عربي إلى صدام حسين».
أعدت على الرئيس العراقي ما قلته لكبار مساعديه قبل لقائي معه -دون الإشارة إلى حديثي معهم طبعاً- من الجمود الذي تبديه وفوده في الجامعة العربية. وعِبتُ عليه تعامله غير الإيجابي مع زيارة خبراء الأمم المتحدة المعنيين بالتفتيش على أسلحة الدمار الشامل في العراق، ونقلت إليه رسالة الأمين العام كوفي أنان في هذا الشأن.
قلت له إن العراق يخسر تعاطف منظمتين كبيرتين، وهو في الحقيقة يحتاج إلى كسبهما في صفه... هل يُعقل يا سيادة الرئيس أن يخسر العراق دعم الجامعة العربية ويفقد ساحة الأمم المتحدة؟
قبل أن يجيب قلت له: اسمح لي يا سيادة الرئيس أن أوجه لك سؤالاً: هل لديك أـسلحة نووية تخشى التفتيش عليها؟
قال: لا يوجد لدى العراق أسلحة نووية وأعلنت ذلك مراراً.
قلت له: اسمح لي يا سيادة الرئيس أن أعيد عليك السؤال مرة أخرى: هل لديك أسلحة نووية تخشى التفتيش عليها؟
قال ويبدو أنه مأخوذ من لهجتي الحادة: لا... لا يوجد لدينا أسلحة نووية.
قلت: إذن لماذا تمانع في حضور المفتشين الدوليين ما دام العراق لا يخشى شيئاً؟
قال: لأن هناك ما نخشاه.
قلت: وما هو؟
قال: كل المفتشين الذين يأتون إلينا عملاء لوكالة المخابرات الأميركية (CIA).
قلت: ماذا لو تأكدنا من أنهم من خارج CIA، أي يعملون لحساب الأمم المتحدة؟ نستطيع أن نشدد على المنظمة الدولية كي ترسل مفتشين على درجة من النزاهة والاستقلالية. ويمكنني تأكيد ذلك من خلال عملية مفاوضات تتم بينكم وبين الأمم المتحدة وبالذات كوفي أنان.
قال لي: أقبل بذلك، وآخذ بكلمتك؛ لأنك رجل عربي محترم.
قلت له: هل تقبل أن أنقل هذا الكلام للأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان؟
قال: نعم أقبل.
- شهادة أحمد بن حلي
أستكمل ما دار في مقابلتي مع صدام من خلال السفير أحمد بن حلي، الذي قال في شهادة مسجلة بصوته لمحرر هذا الكتاب خالد أبو بكر، بعد أن أعطاه صورة من محضر المقابلة (منشور بكامله في الكتاب) ما يلي بالنص الحرفي:
«هذه نسخة من محضر مقابلة الأمين العام السيد عمرو موسى مع الرئيس صدام حسين، مكتوب بخط يدي، الذي أتمنى أن تستطيع قراءته بسهولة. لكنني أود أن ألفت انتباهك بأننا في كتابة محاضر الاجتماعات لا نسرد كل التفاصيل، ونكتبها بطريقة حرفية معينة. دعني أقص عليك بعضاً من هذه التفاصيل التي لن تجدها بالمحضر فيما يلي:
عندما دخلنا إلى الاجتماع مع الرئيس صدام بدأ عمرو موسي بتلطيف الجو بعدم البدء بالموضوعات الخلافية. كان صدام يعيش في هيلمان وأبهة ويتكلم بنوع من الفخامة. شعرت عند بدء اللقاء أنه لا يعرف عمرو موسى عن قرب، ربما التقاه مرة أو مرتين عندما كان وزيراً للخارجية (المصرية)، لكنه لا يعرفه حق المعرفة.
بعد التقديم بالقضايا العامة دخلنا للموضوع المهم، وهو إقناع الرئيس صدام بالتجاوب مع قرار صادر عن القمة العربية خاص بتعامل العراق مع المراقبين والمفتشين الدوليين (على أسلحة الدمار الشامل)، والعراق كان متحفظاً على القرار.
كما كان عمرو موسى يريد أن يتعامل العراق بأقصى حد من التعاون دون إثارة المشاكل مع الأمم المتحدة؛ لتفويت الفرصة على المساعي الأميركية لضربه. كان الأمين العام يريد من صدام اتخاذ قرارات تجنب العراق ضربة عسكرية يراها وشيكة، ويريد إقناع الرئيس صدام بأن العراق مقبل بالفعل على هذه الضربة التي ستقضي على العراق كله، وهذه رسالة قوية بدأ عمرو موسى يشرحها.
راح الرئيس صدام يخفف من هول ما يتعرض له العراق بقوله: إحنا صامدين ومهما كان لن يموت العراق.
عندما سمع موسى هذا الكلام شعرت أنه فقد صبره، ووجدته يرد بغضب شديد بلهجته المصرية على صدام: اسمع بقى يا سيادة الرئيس... التنظير لن ينفع العراق ولن ينفعك بكل صراحة. أنا بقولك العراق معرض لضربة قاصمة من الولايات المتحدة، القوة الكبرى الأولى في العالم... هل أنت واعٍ بأن بلدك معرض لهذا الخطر الداهم؟
هل أنت واعٍ لمسؤوليتك في تجنيب العراق هذه الويلات؟
قال ذلك عمرو موسى بنبرة بدت وكأنها صرخة في وجه صدام حسين.
حاول صدام مقاطعته قائلاً: يا دكتور عمرو.
باغته موسى غاضباً: أنا مش دكتور، بقولك يا سيادة الرئيس: العراق في خطر، استجب لما نطرحه عليك من إجراءات تعيد تواصل العراق مع الأمم المتحدة ومع أشقائه في الجامعة العربية.
شعرت بأن الرئيس صدام كان في غيبوبة؛ فاكتشف الوضع الخطير بكلام عمرو موسى الذي قال له بوضوح: إن العالم تغيّر، وإنه لا الأوروبيون ولا الروس سيساعدونك، ومصير الشعب العراقي في يدك.
وبدأ صدام يصغي بالفعل لطرح عمرو موسى، وعندما وصل الحديث للفنّيات الخاصة بالتفتيش على الأسلحة أعطاني عمرو موسى الكلمة، وكان معنا السفير حسين حسونة والسفير هشام بدر.
بدأ صدام يستوعب. وفي الأخير قال لعمرو موسى: أنا أفوّضك لتتكلم باسم العراق، واذهب إلى سكرتير عام الأمم المتحدة وقل له سنتعاون معه.
شعرت وكأن الرئيس العراقي اكتشف عمرو موسى؛ لأنه تحدث معه بلغة لم يعتد عليها صدام، لغة فيها صراحة وتحميل مسؤولية، وفي آخر المطاف قال له: أنا مفوضك للتحدث باسم العراق، وقال له: اتصل بأميركا وكوفي أنان. وفعلاً أجرى عمرو موسى اتصالاته، لكن للأسف كان يبدو أن قرار الحرب قد اتُّخذ.
وربما هذا اللقاء التاريخي بين موسى وصدام لو كان قبل هذا التاريخ -أنا أقول لك بكل أمانة- كنا جنّبنا العراق هذه المأساة وهذه الحرب ضده من الولايات المتحدة».
- إبلاغ العرب وأنان بنتائج الزيارة
في اليوم التالي لوصولي القاهرة قادماً من بغداد عقدتُ اجتماعاً للجامعة العربية على مستوى المندوبين الدائمين لإبلاغهم بنتائج زيارتي للعراق ومباحثاتي مع صدام حسين، وتم ذلك مساء 20 يناير 2002. اتصلت في اليوم نفسه بالقصر الملكي في الأردن طالباً موعداً عاجلاً للقاء الملك عبد الله، بصفته رئيس القمة العربية، لتقديم تقرير عن مباحثاتي مع صدام حسين. وكذلك اتصلت تلفونياً بالرئيس مبارك، ثم بوزير الخارجية أحمد ماهر السيد، وبالأمير سعود الفيصل.
صبيحة اليوم التالي أجريت اتصالاً هاتفياً مع الشيخ صباح الأحمد، النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الكويتي، أمير الكويت فيما بعد، لإطلاعه على ملخص ما اتفقت عليه مع صدام حسين فيما يخص مسألة الأسرى والمفقودين الكويتيين منذ الغزو العراقي للكويت سنة 1990، واتفقنا خلال الاتصال على أن أقوم بزيارة سريعة للكويت في 22 يناير 2002.
ذهبت إلى الكويت، والتقيت الشيخ صباح الأحمد، وعدداً من المسؤولين. كان الجو العام يقول إن الإخوة في الكويت غير مرتاحين لزيارتي للعراق. وكانت وجهة نظري التي شرحتها لهم: إنه مهما يكن غضبنا مما حدث في سنة 1990 فالعراق بلد عربي عضو في الجامعة العربية، وهو طرف رئيس في واحدة من أكثر الأزمات العربية خطورة بعد عدوانه على الكويت، ويهم الجامعة العربية أن تضع نهاية عربية مقبولة لهذا الوضع المهدِّد لاستقرار العالم العربي، وأن تضمن عدم تكراره. وفي نفس الوقت جئت إليكم لأطلعكم على ما دار خلال الزيارة، وما توصلت إليه بشأن موضوع الأسرى والمفقودين الكويتيين.
والحقيقة أنني كنت مقدراً لحالة الغضب الكبير الذي يشعر به الكويتيون بعد ما حصل من صدام حيالهم، وأفهم تخوفهم من دورٍ للجامعة العربية يتم خارج إطار التفاهمات الدولية عالية المستوى إزاء عراق صدام حسين وسياساته في المنطقة، لكنهم ظلوا على غضبهم لفترة امتنعوا فيها عن دفع حصتهم السنوية في ميزانية الجامعة العربية، إلى أن وجدوا –على ما أعتقد- أن الجامعة تتطور، وأن أمانتها العامة وأمينها العام يقومون بجهد ملموس في مختلف القضايا العربية، فتماهوا مع الجامعة؛ لأن الكويت بلد يحب الجدية في العمل؛ ولذلك سريعاً، قدّروا ما نقوم به من جهد في خدمة العمل العربي المشترك.
كنت فور عودتي من بغداد قد تحدثت تليفونياً إلى كوفي أنان. قلت له: لقد زرتُ العراق والتقيت صدام حسين، وأنا قادم إلى نيويورك لحضور «المنتدى الاقتصادي العالمي» (دافوس) الذي يُعقد استثنائياً هذه السنة في نيويورك بين 31 يناير و4 فبراير (شباط) 2002، للتضامن مع الولايات المتحدة ومدينة نيويورك بعدما حدث في 11-9.
قال أنان: «لن أنتظر وصولك إلى نيويورك. أريد أن أعرف ما دار بينك وبين صدام. اسمع يا عمرو، أنا في استوكهولم اليوم وسأكون غداً في النمسا، أرجوك دعنا نلتقي في فيينا في طريقك إلى نيويورك». التقينا بالفعل في العاصمة النمساوية أواخر يناير، وعرضت عليه ما توصلت إليه مع صدام حسين بشأن موافقته على عودة المفتشين الدوليين للتفتيش على أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة.
في نهاية اللقاء سألت أنان عن خطوات الأمم المتحدة إزاء انفتاح صدام على عودة المفتشين.
قال: لنتمهل قليلاً.
فهمت أنه كان يريد أن يتشاور مع الأميركيين.
وهنا قررت أن أتشاور أيضاً مع الأميركيين بشأن المسألة العراقية. من فيينا تحدثت تليفونياً إلى كولن باول، وزير الخارجية. قلت له: لقد زرت العراق خلال الأيام القليلة الماضية، وقادم إلى نيويورك لحضور منتدى دافوس، وأريد أن أقابلك.
قال: نلتقي صباح الثاني من فبراير، ولنشرب القهوة معاً في مقري بنيويورك ولتكن في الساعة 11 صباحاً.
بعد وصولي إلى نيويورك تحدثت إلى أنان فقلت له: سألتقي باول.
قال: أعلم ذلك.
سألته: متى نلتقي؟
قال: بعد لقائك مع باول.
جاء موعد اجتماعي مع وزير الخارجية الأميركي. بعد الترحيب وجدته يستبق الحديث بقوله: صدام حسين ضحك عليك كما ضحك على كوفي أنان. سترى أنت وأنان كيف أن صدام «نصاب وكذاب».
قلت له: اسمع لما دار بيني وبين الرئيس العراقي أولاً. وعرضت عليه ما توصلت إليه مع صدام. وفي النهاية قلت له: إذا كنت تريد إرسال مفتشين إلى العراق فلترسل فوراً، عبر مفاوضات بين أنان وصدام، وأن تتعامل المفاوضات مع شكوك صدام من أن بعض المفتشين ينتمون إلى جهاز المخابرات المركزية الأميركية (CIA).
ضحك باول وعقّب بقوله: غسل مخكم صدام حسين أنت وأنان!
وأضاف: «لا أنت ولا كوفي ستستطيعان إنجاز شيء». كان يقول ذلك جازماً. (لأن قرار ضرب العراق كان قد تم اتخاذه والتحضير له كان على قدم وساق من الإدارة الأميركية). وإن كان في الواقع لم يرفض اقتراحي بالتفاوض بين العراق والأمم المتحدة بشأن عودة التفتيش.
جاء موعد لقائي مع كوفي أنان يوم 4 فبراير. ذهبت إليه فوجدته يجهز لي مفاجأة، وهي وجود هانز بليكس، رئيس هيئة المفتشين التابعين لمجلس الأمن. في نهاية اللقاء، وافق الأمين العام للأمم المتحدة على أن يقدم دعوة إلى الحكومة العراقية لاستئناف الحوار، وجرى تحديد 7 مارس (آذار) 2002 لعقد الجلسة الأولى في هذا الشأن.
لم تمضِ الأمور على ما يرام، لم تكن الولايات المتحدة مستعدة للتراجع عن سياستها تجاه العراق؛ فسرعان ما تعثرت المفاوضات بين العراق والأمم المتحدة.
(توجد بالكتاب تفاصيل محاولات الأمين العام إنقاذ المفاوضات المتعثرة في سبتمبر 2002، بحضور وزير خارجية العراق، بالتوازي مع اتصالاته التي لم تنقطع بطارق عزيز في بغداد من مكتب كوفي أنان، إلى أن نجح في نهاية المطاف في إعادة المفاوضات بين الأمم المتحدة والعراق، وصرح أنان لوسائل الإعلام بعدها بأنه بناءً على الجهود المشتركة بين السكرتير العام للأمم المتحدة والأمين العام للجامعة العربية توصلنا إلى اتفاق بعودة المفتشين).
باتفاق خاص مع «دار الشروق»
- جميع الحقوق محفوظة



إشهار تكتل واسع للقوى اليمنية لمواجهة الانقلاب الحوثي

جانب من ممثلي القوى اليمنية المشاركين في بلورة التكتل الحزبي الجديد (إكس)
جانب من ممثلي القوى اليمنية المشاركين في بلورة التكتل الحزبي الجديد (إكس)
TT

إشهار تكتل واسع للقوى اليمنية لمواجهة الانقلاب الحوثي

جانب من ممثلي القوى اليمنية المشاركين في بلورة التكتل الحزبي الجديد (إكس)
جانب من ممثلي القوى اليمنية المشاركين في بلورة التكتل الحزبي الجديد (إكس)

بهدف توحيد الصف اليمني ومساندة الشرعية في بسط نفوذها على التراب الوطني كله، أعلن 22 حزباً ومكوناً سياسياً يمنياً تشكيل تكتل سياسي جديد في البلاد، هدفه استعادة الدولة وتوحيد القوى ضد التمرد، وإنهاء الانقلاب، وحل القضية الجنوبية بوصفها قضيةً رئيسيةً، ووضع إطار خاص لها في الحل النهائي، والحفاظ على النظام الجمهوري في إطار دولة اتحادية.

إعلان التكتل واختيار نائب رئيس حزب «المؤتمر الشعبي» ورئيس مجلس الشورى أحمد عبيد بن دغر رئيساً له، كان حصيلة لقاءات عدة لمختلف الأحزاب والقوى السياسية - قبل مقاطعة المجلس الانتقالي الجنوبي - برعاية «المعهد الوطني الديمقراطي الأميركي»، حيث نصَّ الإعلان على قيام تكتل سياسي وطني طوعي للأحزاب والمكونات السياسية اليمنية، يسعى إلى تحقيق أهدافه الوطنية.

القوى السياسية الموقعة على التكتل اليمني الجديد الداعم للشرعية (إعلام محلي)

ووفق اللائحة التنظيمية للتكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية، ستكون للمجلس قيادة عليا تُسمى «المجلس الأعلى للتكتل» تتبعه الهيئة التنفيذية وسكرتارية المجلس، على أن يكون المقر الرئيسي له في مدينة عدن، العاصمة المؤقتة للبلاد، وتكون له فروع في بقية المحافظات.

وبحسب اللائحة التنظيمية للتكتل، فإن الأسس والمبادئ التي سيقوم عليها هي الدستور والقوانين النافذة والمرجعيات المتفق عليها وطنياً وإقليمياً ودولياً، والتعددية السياسية، والتداول السلمي للسلطة، والعدالة، والمواطنة المتساوية، والتوافق والشراكة، والشفافية، والتسامح.

ونصَّ الباب الثالث من اللائحة التنظيمية على أن «يسعى التكتل إلى الحفاظ على سيادة الجمهورية واستقلالها وسلامة أراضيها، والتوافق على رؤية مشتركة لعملية السلام، ودعم سلطات الدولة لتوحيد قرارها وبسط نفوذها على كافة التراب الوطني، وتعزيز علاقة اليمن بدول الجوار، ومحيطه العربي والمجتمع الدولي».

وكان المجلس الانتقالي الجنوبي، الشريك في السلطة الشرعية، شارك في اللقاء التأسيسي للتكتل الجديد، لكنه عاد وقاطعه. وأكد المتحدث الرسمي باسمه، سالم ثابت العولقي، أن المجلس الانتقالي الجنوبي يتابع نشاط التكتل الذي تعمل عليه مجموعة من الأطراف لإعلانه، ويؤكد عدم مشاركته في هذا التكتل أو الأنشطة الخاصة به، وأنه سيوضح لاحقاً موقفه من مخرجات هذا التكتل.

ومن المقرر أن يحل التكتل الجديد محل «تحالف الأحزاب الداعمة للشرعية»، الذي تأسس منذ سنوات عدة؛ بهدف دعم الحكومة الشرعية في المعركة مع جماعة الحوثي الانقلابية.

ويختلف التكتل الجديد عن سابقه في عدد القوى والأطراف المكونة له، حيث انضم إليه «المكتب السياسي للمقاومة الوطنية» بقيادة العميد طارق صالح عضو مجلس القيادة الرئاسي، و«مؤتمر حضرموت الجامع»، وغيرهما من القوى التي لم تكن في إطار التحالف السابق.

ووقَّع على الإعلان كل من حزب «المؤتمر الشعبي العام»، وحزب «التجمع اليمني للإصلاح»، و«الحزب الاشتراكي اليمني»، و«التنظيم الناصري»، و«المكتب السياسي للمقاومة الوطنية»، و«الحراك الجنوبي السلمي»، وحزب «الرشاد اليمني»، وحزب «العدالة والبناء».

كما وقَّع عليه «الائتلاف الوطني الجنوبي»، و«حركة النهضة للتغيير السلمي»، وحزب «التضامن الوطني»، و«الحراك الثوري الجنوبي»، وحزب «التجمع الوحدوي»، و«اتحاد القوى الشعبية»، و«مؤتمر حضرموت الجامع»، وحزب «السلم والتنمية»، وحزب «البعث الاشتراكي»، وحزب «البعث القومي»، وحزب «الشعب الديمقراطي»، و«مجلس شبوة الوطني»، و«الحزب الجمهوري»، وحزب «جبهة التحرير».

وذكرت مصادر قيادية في التكتل اليمني الجديد أن قيادته ستكون بالتناوب بين ممثلي القوى السياسية المُشكِّلة للتكتل، كما ستُشكَّل هيئة تنفيذية من مختلف هذه القوى إلى جانب سكرتارية عامة؛ لمتابعة النشاط اليومي في المقر الرئيسي وفي بقية فروعه في المحافظات، على أن يتم تلافي القصور الذي صاحب عمل «تحالف الأحزاب الداعمة للشرعية»، الذي تحوَّل إلى إطار لا يؤثر في أي قرار، ويكتفي بإعلان مواقف في المناسبات فقط.

بن دغر مُطالَب بتقديم نموذج مختلف بعد إخفاق التحالفات اليمنية السابقة (إعلام حكومي)

ووفق مراقبين، فإن نجاح التكتل الجديد سيكون مرهوناً بقدرته على تجاوز مرحلة البيانات وإعلان المواقف، والعمل الفعلي على توحيد مواقف القوى السياسية اليمنية والانفتاح على المعارضين له، وتعزيز سلطة الحكومة الشرعية، ومكافحة الفساد، وتصحيح التقاسم الحزبي للمواقع والوظائف على حساب الكفاءات، والتوصل إلى رؤية موحدة بشأن عملية السلام مع الجماعة الحوثية.