استياء روسي من «انزلاق المسار السياسي» في ليبيا

عكست انتقادات وجهها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، لمسار الحوارات الليبية، تزايد استياء موسكو حيال آليات الحوار ومجرياته، بالتزامن مع توجيه الاتهام لواشنطن بتعمد عرقلة تحقيق تقدم على صعيد تعيين مبعوث أممي جديد إلى ليبيا.
وقال لافروف في كلمة افتراضية أمام مؤتمر «الحوار المتوسطي» الدولي، إن «معظم المشاكل في المنطقة ذات طبيعة عابرة للحدود. وتنسحب التحديات التي تواجهها المنطقة على أجزاء أخرى من العالم». وزاد أن ما يثير القلق بشكل خاص «مشكلة المقاتلين الإرهابيين الأجانب، الذين يشاركون في الأعمال العدائية في المنطقة، ثم يعودون إلى بلدانهم الأصلية، ويطورون أنشطة تخريبية فيها». وجدد التأكيد على موقف بلاده بأن «إحلال السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتهيئة الظروف لتنمية شعوبها ورفاهيتها، ممكن فقط على أساس القانون الدولي، وهذا يفترض مسبقاً رفض التدخل الخارجي، واحترام السيادة والسلامة الإقليمية، والاعتماد على الحوار الوطني الشامل في كل بلد يعاني من صراعات».
ورأى الوزير الروسي أن الوضع في ليبيا مقلق بشكل خاص. وزاد: «دمر قصف الناتو كيان الدولة في عام 2011. والآن يضطر الجميع لبذل جهود كبرى للتغلب على عواقب ذلك العدوان غير المشروع». وقال إن الأطراف كافة رحبت «بالتوقيع في أكتوبر (تشرين الأول) على اتفاق وقف النار (بين حكومة الوفاق والجيش الوطني الليبي) كخطوة إيجابية نحو إقامة حوار وطني شامل». لكنه أضاف أن «الحركة على المسار السياسي تنزلق. والاجتماعات الأخيرة لم تسفر عن التقدم الذي كان يأمله الجميع». واعتبر أن «المهمة الرئيسية في هذه المرحلة تكمن في تقديم مساعدة من المجتمع الدولي لليبيين في التغلب على انعدام الثقة، وإيجاد حلول وسط من دون محاولة فرض وصفات جاهزة من الخارج أو الانحياز لأحد الأطراف الليبية».
وأضاف لافروف أن موسكو قلقة أيضاً بشأن مسألة تعيين مبعوث خاص جديد للأمين العام للأمم المتحدة لليبيا دون حل، موضحاً أن «الزملاء الأميركيين عرقلوا هذا القرار لشهور عديدة، متجاهلين موقف الاتحاد الأفريقي، ومضوا في محاولة إملاء شروطهم، رافضين السعي لحل وسط يناسب الجميع».
وتطرق إلى ملف النفط الليبي، مشيراً إلى أن «الوضع العام في ليبيا قد يستفيد من استئناف صناعة النفط، وقد تم الاتفاق على هذا الموضوع من قبل قيادة الجيش الوطني الليبي وممثلي الإدارة في طرابلس. لكن الشيء الرئيسي هو أن الدخل من تصدير النفط يجب أن يتم توزيعه بشكل عادل وشفاف لمصلحة جميع سكان ليبيا، وأن يستخدم بشكل فعال لإعادة الاقتصاد المدمر».
وعكست كلمات الوزير الروسي درجة الاستياء من الآليات التي تم وضعها لإطلاق الحوارات أخيراً، وكان هذا الملف محور نقاشات خلال زيارة مفاجئة قام بها إلى موسكو، قبل أسبوع، رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، والتقى خلالها لافروف. وأحيطت تلك المحادثات بتكتم، وكان لافتاً أن وزارة الخارجية ألغت قبل بدئها بوقت قصير دخول الصحافيين إلى الشق الاستهلالي المفتوح عادة من المحادثات، واكتفت بإصدار بيان مقتضب لاحقاً.
وأفادت مصادر روسية تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، في حينه، بأن المحادثات مع رئيس مجلس النواب جاءت في إطار «استمرار التنسيق الذي تحرص عليه موسكو مع كل الأطراف الليبية»، مشيرة إلى أن موسكو «دعمت كل المبادرات التي أطلقها عقيلة صالح لتعزيز مسار التسوية السياسية في البلاد».
وأكدت المصادر أن موسكو معنية بتعزيز الحوار مع الأطراف المعنية بالأزمة الليبية بهدف تنفيذ القرارات الدولية، مشيرة إلى «تساؤلات ظهرت لدى موسكو حول تركيبة لجنة الحوار التي انطلقت مناقشاتها في تونس أخيراً، وإلى تحفظات على آلية اختيار الشخصيات التي تمت إضافتها إلى اللجنة»، معتبرة أن «هذه الآلية تعكس محاولات أطراف معينة تحقيق مكاسب سياسية».
وأعادت المصادر التذكير بأن موسكو كانت أطلقت مبادرة في بداية العام لإنجاح حوار يجمع الأطراف الليبية الأساسية. وزادت أنه «رغم أن اللقاء فشل في حينها في الخروج بالنتائج المرجوة، لكن موسكو ما زالت ترى أن هذه هي الآلية الصحيحة والمنسجمة مع قرارات مجلس الأمن لدفع الحوار الليبي والتسوية في هذا البلد».