اليسار التونسي غاضب من تصريحات «معادية للمرأة»

أطلقها نائب إسلامي تحت قبة البرلمان

تشهد تونس جدلاً واسعاً بعد حديث نائب إسلامي عن تحول النساء إلى {سلعة مكشوفة ورخيصة}. وفي الصورة طبيبات وطالبات طب خلال احتجاج أمام وزارة الصحة بعد وفاة طبيب نتيجة خلل في مصعد مستشفى (أ.ف.ب)
تشهد تونس جدلاً واسعاً بعد حديث نائب إسلامي عن تحول النساء إلى {سلعة مكشوفة ورخيصة}. وفي الصورة طبيبات وطالبات طب خلال احتجاج أمام وزارة الصحة بعد وفاة طبيب نتيجة خلل في مصعد مستشفى (أ.ف.ب)
TT

اليسار التونسي غاضب من تصريحات «معادية للمرأة»

تشهد تونس جدلاً واسعاً بعد حديث نائب إسلامي عن تحول النساء إلى {سلعة مكشوفة ورخيصة}. وفي الصورة طبيبات وطالبات طب خلال احتجاج أمام وزارة الصحة بعد وفاة طبيب نتيجة خلل في مصعد مستشفى (أ.ف.ب)
تشهد تونس جدلاً واسعاً بعد حديث نائب إسلامي عن تحول النساء إلى {سلعة مكشوفة ورخيصة}. وفي الصورة طبيبات وطالبات طب خلال احتجاج أمام وزارة الصحة بعد وفاة طبيب نتيجة خلل في مصعد مستشفى (أ.ف.ب)

أثارت مداخلة النائب في البرلمان التونسي محمد العفاس، وهو قيادي في حزب «ائتلاف الكرامة» (إسلامي)، حول وضع المرأة في تونس، جدلاً سياسياً ومجتمعياً واسعاً، في ظل انقسام بين الإسلاميين، من جهة، والتيارات اليسارية والمنظمات الحقوقية المدافعة عن حقوق المرأة، من جهة أخرى.
وتعرض النائب العفاس لهجوم كبير بعد وصفه الأمهات العازبات بـ«العاهرات»، حيث قاطع عدد من النواب، ومعظمهم من اليسار والليبراليين، جلسة البرلمان، وسط مطالبات لراشد الغنوشي، رئيس البرلمان التونسي ورئيس حركة النهضة (حزب إسلامي)، باتخاذ قرارات حازمة ضد نائب «ائتلاف الكرامة» بتهمة التشجيع على التطرف.
وليست هذه المرة الأولى التي يبرز فيها الخلاف الحاد بين التيارات اليسارية والتيارات الإسلامية في تونس، فقد بدأت الخلافات العميقة عند مناقشة مسألة هوية التونسيين عند كتابة دستور 2014، وتواصلت من خلال تمسك عدد من الأحزاب السياسية بـ«تطبيق الشريعة والتنصيص عليها في الدستور»، وامتدت إلى مختلف مناحي الحياة في تونس. وكان الدفاع عن حقوق المرأة التونسية من بين أهم الملفات التي فتحت أبواب فوز بعض الوجوه السياسية في الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
وواضح، في هذا الإطار، أن تيارات يسارية عدة تدفع إلى صدام مع التيارات الإسلامية من خلال التحريض عليها وإبرازها في مظهر من لا يحترم المرأة ويحاول العودة بها إلى «بيت الطاعة» من خلال سن قوانين تتضمن تراجعاً عن حقوقها الاجتماعية.
وكان العفاس قد أكد، خلال مداخلة تحت قبة البرلمان التونسي، أن حرية المرأة لدى «المتاجرين» بقضاياها تتمثل في حرية الوصول إلى المرأة وحرية الانحلال والفسوق والفجور، على حد تعبيره، دون أن يشير صراحة إلى المرأة التونسية. وأضاف أن المرأة بصفة عامة أصبحت «سلعة مكشوفة ورخيصة» وأن المكاسب التي يتحدث عنها المدافعون عن ملف المرأة هي «الإنجاب خارج إطار الزواج والإجهاض وممارسة الرذيلة والشذوذ الجنسي»، قائلاً: «هم أرخصوها والإسلام أكرمها».
وإثر تصريح النائب العفاس، طالبت عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر (ليبرالي معارض) باستقالة وزيرة المرأة التونسية في حال لم تتخذ إجراءات «تعيد للمرأة التونسية كرامتها»، على حد تعبيرها. واتهمت موسي، الرافضة لأحزاب الإسلام السياسي في تونس، الوزيرة بعدم تحريك أي ساكن أمام إهانة النساء وضرب النموذج المجتمعي في تونس، كما طالبت بعقد اجتماع برلماني استثنائي لمناقشة نقطة وحيدة تتمثل في تصريحات النائب العفاس. ودعت موسي أيضاً راشد الغنوشي، رئيس البرلمان التونسي، إلى تقديم اعتذار رسمي من البرلمان التونسي إلى المرأة التونسية، مؤكدة ضرورة تحرك النيابة العامة طبق «إجراءات التلبس» لتتبع العفاس. وأضافت: «ننتظر الجواب وسنزلزل الأرض تحت أقدامهم إن تهاونوا في رد الاعتبار للمرأة التونسية».
من ناحيتها، نددت حركة «تحيا تونس»، التي يتزعمها يوسف الشاهد رئيس الحكومة التونسية السابق، بـ«خطاب العنف ضد المرأة من قبل بعض النواب عن طريق خطاب تكفيري متماه مع الإرهاب وتخوين الناشطات في مجال حقوق الإنسان تحت غطاء حرية التعبير». وقال مصطفى بن أحمد رئيس الكتلة البرلمانية لـ«تحيا تونس»، إن أربعة رؤساء كتل برلمانية (تحيا تونس، وكتلة الإصلاح الوطني، وكتلة حزب قلب تونس، والكتلة الديمقراطية) قد وقعوا على عريضة وجهت لرئاسة المجلس للنظر في محتوى خطاب النائب العفاس الذي «خرق الدستور وتجاوز النظام الداخلي للبرلمان التونسي»، على حد تعبيره.
ويرى المحلل السياسي ناجي العباسي أن هذه الخلافات مردها استبطان المعترضين على انتقاد وضعية المرأة التونسية، لوجود رئيس ينتمي إلى الإسلام السياسي على رأس السلطة التشريعية (البرلمان). واعتبر أن مخاوف المرأة التونسية من عودة «القهر الاجتماعي» ليست جديدة، وقد كانت في السابق في صالح الأحزاب الحداثية وعلى رأسها حزب «نداء تونس» حيث صوتت نحو مليون امرأة تونسية لفائدة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، ولم يكن ذلك على خلفية برنامج سياسي واجتماعي واقتصادي أفضل من غيره من البرامج التي تقدم بها المنافسون، بل نتيجة للخوف المستبطن من التراجع عن حقوق المرأة التونسية في مجال الحريات الفردية والعامة.
وفي الإطار ذاته، اتهمت جمعية النساء الديمقراطيات (جمعية حقوقية يسارية)، البرلمان التونسي بالترويج للخطاب المتطرف، وعبّرت في بيان لها عن «تنديدها الشديد بأقوال النائب المتطرف المتستر بغطاء الدولة المدنية الضامنة للحريات من أجل الترويج لأفكاره الإرهابية وتصورات تياره الرجعية والمنقلبة على الدولة وعلى الدستور». واستنكرت الجمعة ما سمته «تواطؤ رئيس الجلسة العامة (طارق الفتيتي) الذي لم يقاطع النائب وسمح له بترويج إهاناته للتونسيات تحت قبة البرلمان التونسي».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.