الحرب العراقية جمعت النقائض واختلفت في المضامين

كلينت إيستوود يشعلها من جديد

برادلي كوبر كما في «قناص أميركي»
برادلي كوبر كما في «قناص أميركي»
TT

الحرب العراقية جمعت النقائض واختلفت في المضامين

برادلي كوبر كما في «قناص أميركي»
برادلي كوبر كما في «قناص أميركي»

بعد هدوء نسبي، تنطلق الحرب العراقية على شاشات السينما الأميركية من جديد. فيلم جديد عنوانه «قنّاص أميركي» يسرد حكاية شخصية لجندي أميركي حقيقي اسمه كريس كايل، شارك في الحملة الأميركية على العراق (ما يسمّى بالحرب العراقية الثانية) وقام الممثل برادلي كوبر بشراء الحقوق والمشاركة في إنتاج الفيلم الذي قام بإخراجه كلينت إيستوود.
الحرب الأميركية - العراقية التي بدأت سنة 2003 بهدف إقصاء الرئيس الأسبق صدّام حسين عن السلطة وإلقاء القبض عليه ومحاكمته، كانت شهدت الكثير من الأفلام حولها في الفترة التي امتدت من 2005 إلى 2010. ليس أن بعض الأفلام لم تتحقق قبل ذلك التاريخ أو بعده، بل شهدت الفترة المذكورة فورة اهتمام كبيرة نتج عنها أكثر من 20 فيلما تناولت الحرب ذاتها أو تأثيراتها على الأميركيين العائدين أو لمجرد وضع وصف لخلفية بطل فيلم أكشن سريع. من أهم تلك الأفلام كان «خزنة الألم» وStop‪ - ‬Loss. كلاهما سنة 2008 وكلاهما من إخراج امرأتين هما، على التوالي، كاثلين بيغيلو وكمبرلي بيرس. قبلهما بعام قام المخرج برايان دي بالما بتحقيق «منقح» Redacted وأخرج إيرل موريس فيلمه التسجيلي «إجراءات قياسية وعملاتية» Standing and Operating Procedure
هذا من قبل وصول مخرجين آخرين للمشاركة في وضع بعض النقاط على بعض الحروف ومنهم الآيرلندي بول غرينغراس في «منطقة خضراء» والبريطاني كن لوتش في «طريق آيرلندي» وكلاهما سنة 2010.
كما الحال مع الحرب الفيتنامية، انقسمت كل الأفلام المذكورة والكثير من الأفلام الأخرى التي اتصلت بتلك الحرب ما بين مؤيد ومعارض. هذا الانقسام كان عاديا ومتوقّعا بين أفلام وجدت الحرب الفيتنامية مأساة تدحرجت فيها الولايات المتحدة حتى احترقت أصابعها فيها («العودة للوطن» لهال آشبي: «سفر الرؤيا الآن» لفرنسيس كوبولا و«خسائر حرب» لبرايان دي بالما) وأخرى مؤيدة («القبّعات الخضر» لجون واين و«فتيان الفرقة سي» لسيدني ج. فيوري الخ..).

* جمهور شاهد كل شيء
* لكن الحرب العراقية تميّزت عن حروب أميركا السابقة، ومنها حرب فيتنام، في أنها وقعت في زمن تستطيع فيه أن تكون كاميرات التصوير موجودة في قلب المعارك تنقل على الهواء مباشرة ما يدور. هذا ما حد من نجاح الأفلام التي تناولت الحرب العراقية سواء أيدتها أو عارضتها. فالقاعدة العريضة من الناس كانت، بحلول النصف الثاني من العقد الأول من هذا القرن اكتفت بما شاهدته. وصلت إلى قناعاتها ولم يعد لديها أسئلة ملحّة يتكلّف الواحد منها 10 دولارات لشراء تذكرة لدخول السينما.
وليس صحيحا أن الأفلام المناوئة للحرب العراقية، مثل «ستوب-لوس» أو «خزنة الألم» هي وحدها التي ابتعد عنها الجمهور، إذ لم يحالف النجاح أفلاما مؤيدة، على نحو واضح أو خفي، تلك الحرب كما حال «لعبة عادلة» لدوغ ليمان و«وطن الشجعان» لإروين وينكلر.
مع فيلم كلينت إيستوود «قنّاص أميركي» تعود مسألة الحرب العراقية إلى الواجهة. الفيلم سورع بعرضه في الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي ليلحق بترشيحات الأوسكار التي تنص على أن يكون الفيلم عرض في بلاده خلال العام الفائت (2014 في هذه الحالة) لكي يستطيع اللحاق بالأوسكار. العرض كان محدودا وخلال هذا الأسبوع سينتقل إلى عدد أكبر من الصالات. مستوى الإقبال عليه غير معروف، لكن الحديث عنه لم ينتظر شيوع عروضه بل انطلق مؤيدا هنا ومهاجما هناك.
«قنّاص أميركي» في واقعه فيلم يميني يتبع سيرة حياة الجندي كريس كايل الذي منح وسامين فضّيين عن خدماته العسكرية في حرب العراق ووصف بأنه صاحب أعلى رقم في قتل الأعداء (162 حالة مؤكدة قد تصل إلى 200). إيستوود، بمرجوعه وثقافته اليمينية ينقل ما ورد في كتاب كايل (الذي قُتل في حادثة إطلاق نار في الولايات المتحدة بعد عودته من جولته الرابعة من الخدمة) الذي لا يحتاج إلى جهد لمعرفة موقع قلب كاتبه من تلك الحرب. بعد صفحات قليلة من الفصل الأول، كتب كايل قائلا واصفا العراقيين: «كثيرون وأنا منهم وصفنا العدو بـ(المتوحشين). كم كنت أتمنّى لو قتلت منهم عددا أكبر، ليس لتسجيل رقم بل لأنني أؤمن بعالم أفضل من دون متوحشين يقتلون أرواحا أميركية».

* على طرفي نقيض
* المنظور اختلف مرارا وتكرارا، وأحد أهم ملامح السينما الأميركية سعتها لأن تنتقد أو تؤيد على راحتها ومن دون أن يتّهم أحد الآخر بالنعوت السلبية. لم يصف أحد برايان دي بالما بأنه معاد لأميركا كونه أدان بشدّة الممارسات الأميركية في العراق في «منقّح» ولن يتعدى الأمر بالنسبة لفيلم إيستوود أكثر من إبداء وجهة نظر لها شعبيّتها في الولايات المتحدة وخارجها ولها معارضوها أيضا في كل مكان.
ما يفرّق الأفلام ويجمعها هو قدر من التحليل الفكري الذي يمنح العمل السينمائي (أي عمل) قيمته الضمنية. إذا ما تم سكب هذا التحليل في حرفة جيّدة ساهم في رفعه بصرف النظر عن الرأي الخاص الذي يقف وراءه. هذا ما ميّز فيلم كاثلين بيغيلو «خزنة الألم» (2008): صاغت عملا يعايش ما يواجهه الجندي الأميركي من مخاطر في العراق. طبعا كثيرون هاجموه لأنه «لم يتحدّث عن العراقيين وما يواجهونه» لكن هذا ليس مطلوبا من المخرج، ولا حتى من السينما الأميركية، بل مطلوب من السينما والسينمائيين العراقيين وربما يحدث في يوم ما.
«منقّح» هو الفيلم المعارض تماما لـ«خزنة الألم» علما أن برايان دي بالما استخدم الأدوات ذاتها: الكاميرا الرقمية المحمولة. الاقتراب الحثيث من حياة المجنّدين الأميركيين والرصد الكامل لعملياتهم. لكن في حين أن اهتمام بيغيلو كان لتأييد الجهد الفردي الأميركي، صب دي بالما اهتمامه على نقد ذلك الجهد الفردي وجهد السياسة الأميركية ككل.
والكثير من الأفلام لم ترد أن تبحث في الحرب بل في تبعاتها: أفلام مثل «وطن الشجعان» لإروين وينكلر و«النعمة مضت» لجيمس ستراوس و«في وادي إيلاه» لبول هاجيز أريد لها أن ترصد ما الذي يحدث بعد عودة المقاتل الأميركي من المعركة الدامية («وادي إيلاه») أو كيف يمكن لزوج فقد زوجته في تلك الحرب أن يشق وولداه طريقهم إلى مستقبلهم من دونها («النعمة مضت»).
في معظم الأحوال التي تتحدّث عن عودة جندي من الحرب نجد أن ذلك الجندي، وكما الحال في «قنّاص أميركي» أيضا، يعود إلى فراغ لم يكن يتوقّعه. يخفق في التعايش، وكما في فيلم «ستوب-لوس» الرائع، يقرر أن مكانه لا يزال في أتون الحرب وليس في السلام. لقد حولته منه تلك الحرب إلى البندقية التي يحملها.



شاشة الناقد: أفلام على اختلافها لم تأتِ جيدة جداً

«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)
«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)
TT

شاشة الناقد: أفلام على اختلافها لم تأتِ جيدة جداً

«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)
«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)

معطراً بالنعناع ★★☆

رسائل شفهية في عتمة الأماكن

فيلم محمد حمدي الأول مختلف جداً عن أي فيلم مصري (أو عربي) حٌقّق في تاريخ السينما العربية. الاختلاف بحد ذاته لا يمنح الفيلم درجة التقييم. من الممكن أن يكون مختلفاً وبديعاً أو مختلفاً ورديئاً وهو أقرب إلى التصنيف الثاني. فيلم داكن في الصورة وفي الذوات البشرية التي تسكنه. يجد المخرج لها مبررات مناسبة. هذا لأن أبطاله يتقدمهم دكتور محبط (علاء الدين حمادة)، يعيشون حالات من الكآبة المطلقة تزداد عبثاً مع تناولهم الحشيشة طوال الوقت. أي نحو 90 دقيقة من مدة عرض الفيلم (التي تبلغ 113 دقيقة). وعوض استمتاعهم بهذه «السلطنة» تبقى أدمغتهم واعية وقادرة على الحديث في مسائل وجودية وسياسية (على الخفيف) مع قليل من الشّعر وكثير من الذكريات التي تتشابك بحيث لا تتضح لها زاوية فعلية تنطلق منها أو تعود إليها.

في دقائقه الـ10 الأولى يؤسّس أسلوب عمله من حالات شخصية وتصوير (قام به بنفسه) وإيقاع. هذا الإيقاع خافت باستمرار والمُشاهد عليه أن يفتح أذنيه جيداً ليتمكّن من التقاط الكلمات المتبادلة. هذا لأن الإيقاع الخافت يشمل كذلك الأداء والتلقين وتشخيص الحالات. الدكتور وأصحابه (من ثلاثة لأربعة حسب المشاهد) يركضون في الظلمة مثل جرذان هاربة من مطاردين (لا نعرفهم) ويأوون دوماً إلى خرابات تضمّهم بعتمتها أو إلى شِقق هي بدورها تبدو كخرابات كلّ شيء فيها قديم وباهت. حتى في ساعات النهار فإن النور مبتسر تأكيداً أو ترميزاً للحالة التي يمر بها أشخاص الفيلم.

الصورة، على الرغم من سوداويتها، هي أهم وأفضل من الموضوع المطروح. صحيح أن رجال الفيلم يتعاطون، لجانب الحشيش، مسائل تهمّهم، لكن ليس كل ما يهم شخصية ما في فيلم ما يهم المشاهدين. بالضرورة. لذا تنحصر الحسنات في الصورة. بينما تمرّ المَشاهد بإيقاع خافت ورتيب، مما يحدّ كثيراً من قدرة الفيلم على التواصل مع مشاهديه.

* عروض حالياً في مهرجان مراكش

Maria ★★★

العمق العاطفي لماريا كالاس

«ماريا» هو ثالث فيلم بيوغرافي ينجزه المخرج التشيلي بابلو لاراين (حسب اللفظ الأسباني) بعد (Jackie) «جاكي»، 2016 و(Spencer) «سبنسر»2021. مثل سابقيه هو فيلم عن امرأة ومثلهما هو عن شخصية حقيقية هي مغنية الأوبرا ماريا كالاس (هناك حفنة أفلام عنها أهمها «Maria By Callas» لتوم وولف، 2017) إلى جانب فيلم إيطالي آخر في التحضير بعنوان «Maria‪/‬Callas» لروبرت دورنهلم.

«ماريا» (ذِ أبارتمنت)

معالجة لاراين تختلف كونها متّصلة بالكيفية التي يحاول فيها تقديم رؤيته لشخصياته فهو يسعى دائماً إلى التقاط العمق العاطفي أكثر مما يهتم لسرد السيرة حكائياً. على ذلك، «ماريا» كما يقدّمه هنا يبقى على السطح أكثر من الدخول في عمق شخصيّته. ما يشغله في سرد الأيام الأخيرة من حياة بطلته هو التصاميم الفنية والديكوراتية وتحريك الكاميرا عبرها وهذا جيد لولا إنه يأتي على حساب تحديدٍ أفضل لمن هي ماريا كالاس.

يسرد الفيلم أحداثها الأخيرة وبعض مواقفها الشخصية والفنية لكن الحكاية يمكن لها أن تكون عن أي شخصية لمغنية وإن كانت خيالية. بطبيعة الحال، وكما بات مألوفاً، يعمد المخرج إلى مشاهد استرجاعية (الفلاشباك) بالأبيض والأسود لكن أهم عنصر في هذه الدراما هي محاولة ماريا التغلّب على ذكرياتها مع أرسطو أوناسيس (الذي تركها للزواج من جاكي كينيدي، شخصية فيلم لوراين السابق).

* عروض حالياً في مهرجان البحر الأحمر

TROIS AMIES ★⭐︎

حوارات ومشاهد تُراوح مكانها

لا يبتعد المخرج موريه في فيلمه «ثلاث صديقات» عن التيمة التي اختارها سابقاً لمعظم ما حقّقه من أفلام مثل «تغيير عنوان» (Changement d'adresse) 2007، و«هل نُقبّل» (Shall We Kiss) 2007، و«الأشياء التي نقولها، الأشياء التي نفعلها» (Les Choses qu'on dit, les Choses qu'on fait) 2020. التيمة المذكورة لا تخرج عن نطاق تداول وتناول العلاقات المتأرجحة ما بين الحب والجنس، أو الحب من دون جنس أو العكس.

«ثلاث صديقات» (موبي دَك فيلمز)

القصّة في عنوانها: 3 صديقات جوان (إنديا هير)، ريبيكا (سارا فورستييه) وأليس (كامل كوتان) والعديد من الحكايات السابقة (تشعر جوان إنها مسؤولة عن موت حبيبها السابق إريك لأنها تركته)، وفي الحكايات الحاضرة يتداولن التجارب التي مررن بها مع آخرين. لا الأحداث مهمّة ولا الحوار (يمتد بلا نهاية) يعني كثيراً. كل ذلك يَرِد مثل قراءة صفحة واحدة من مجلة إشاعات ومن دون لمسات فنية تذكر. بدورها كل لقطة تشبه، تأسيساً وإدارة. ما يسبقها وما يليها.

* عروض: حالياً في صالات فرنسية

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز