كشفت مصادر أمنية في تل أبيب، أمس الجمعة، أن الموساد (جهاز المخابرات الخارجية لإسرائيل)، تمكن من زرع عميل له قريباً جداً من عالم الذرة الإيراني، محسن فخري زاده، الذي تم اغتياله في طهران يوم الجمعة الأسبق. وأن هذا العميل تمكن من التقرب من العالم في سنة 1993. أي قبل 27 سنة، واستطاع تسجيل صوته وهو يتحدث عن المشروع النووي العسكري.
وجاء في تقرير للخبير في الشؤون الأمنية، رونين بيرغمان، ونشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أمس الجمعة، أن التخطيط في إسرائيل لشن هجمات ضد المنشآت النووية في إيران كان قد وضع، وبدأ العمل عليه خلال ولاية رئيس الحكومة السابق، إيهود أولمرت، في عام 2008، عندما كان إيهود باراك يتولى منصب وزير الأمن. فقد حصلت في حينه على تسجيل بصوت العالم النووي فخري زاده، يتحدث فيه عن برنامج نووي عسكري سري.
وكتب بيرغمان، أن أولمرت وباراك أطلعا الرئيس الأميركي الأسبق، جورج بوش الابن، على الخطط الإسرائيلية لمهاجمة إيران، في شهر أبريل (نيسان) 2008، عندما زار إسرائيل للمشاركة في احتفالات الذكرى السنوية الستين لتأسيسها. وتبين أن بوش كان قد تلقى تقريراً حول هذه الخطط من الاستخبارات الأميركية، وتداول في أمرها مع مستشاره لشؤون الأمن القومي، ستيف هادلي. وخلال مأدبة عشاء احتفالية، دخل بوش وأولمرت وهادلي وباراك إلى غرفة جانبية، وطلب باراك تزويد جيشه بطائرات أميركية مقاتلة قادرة على الهبوط بصورة عمودية، وكذلك قنابل ذكية. ونقل بيرغمان عن باراك قوله إن «بوش أشار بإصبعه إليّ، وقال إن (هذا الرجل يخيفني). ثم قال الرئيس: أريد أن تعرفوا موقفنا الرسمي. الولايات المتحدة تعارض بشدة إمكانية أن تنفذ إسرائيل عملاً ضد البنية التحتية للبرنامج النووي الإيراني. وكي لا أكون غير واضح، فإني أقول لكما إن الولايات المتحدة لا تعتزم العمل، طالما أنا الرئيس». ولكن أولمرت التقى بوش في اليوم التالي، وأسمعه تسجيلاً بصوت فخري زاده، وسعى إلى مواصلة إقناعه بالطلب الذي قدمه باراك، في اليوم التالي.
وحسب بيرغمان، فإن أولمرت طلب الاجتماع مع بوش على انفراد، وأسمعه تسجيلاً صوتياً، وقال «أطلب منك ألا تتحدث مع أي أحد عنه، ولا حتى مع رئيس (سي آي إيه)». وأخرج أولمرت جهاز تسجيل صغيراً، وشغله، حيث انطلق منه صوت رجل، قال أولمرت إن «الرجل الذي يتحدث هنا هو محسن فخري زاده. وهو رئيس البرنامج النووي العسكري السري الإيراني. البرنامج الذي تنفي إيران وجوده». وأضاف بيرغمان، أنه وفقاً لكاتب السيرة الذاتية لبوش ومراسل صحيفة «نيويورك تايمز» الحالي في البيت الأبيض، بيتر بيكر، وتقرير نشرته صحيفة «دي تسايت» الألمانية، فإن الاستخبارات الإسرائيلية جندت عميلاً مقرباً من فخري زاده، وسجل أقواله. وقال أولمرت لبوش إن إسرائيل تمكنت من تجنيد هذا العميل. وأعطى أولمرت النص المترجم للإنجليزية لأقوال فخري زاده، «الذي تحدث بشكل واضح عن تطوير سلاح نووي إيراني. وشكا من عدم منحه ميزانية كافية من أجل تطوير المشروع، وانتقد عدداً من زملائه في وزارة الدفاع والحرس الثوري».
ويضيف بيرغمان أن أولمرت، الذي أدرك أن بوش لن يزود إسرائيل بالأسلحة التي طلبتها بالأمس، قرر أن يستغل الفرصة بعد سماع التسجيل الصوتي كي يقدم طلباً آخر، وهو التعاون الاستخباراتي الكامل بين إسرائيل والولايات المتحدة. ووافق بوش على ذلك، ووافق أيضاً على طلب أولمرت بتنفيذ عمليات من نوع آخر ضد البرنامج النووي الإيراني. ونقل بيرغمان عن مسؤولين في أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية قولهم إن «هذه لحظة بنيوية: لم تتعاون الولايات المتحدة وإسرائيل أبداً، في أي موضوع استخباراتي، مثلما تعاونتا في الموضوع النووي الإيراني». وبعد سنتين، أخرجت إلى حيز التنفيذ العملية السيبرانية «ألعاب أولمبية»، التي ألحقت ضرراً فادحاً بالبرنامج النووي وعرقلته بشكل كبير، بإدخال فيروس إلكتروني إلى برنامج مراقبة أجهزة الطرد المركزي الإيرانية. وتابع بيرغمان أن «التسجيل بصوت فخري زاده انضم إلى ملف معلومات هائل أعدته الاستخبارات الإسرائيلية، وخُصص كله لفخري زاده. ويحتوي الملف على كميات كبيرة من التفاصيل، الوثائق، الصور، التسجيلات وغير ذلك، عمل استخباري جنوني على مدار عقود، حول شخص واحد».
وتبين أن الموساد أعد تقريراً عن فخري زاده بدأ منذ عام 1993، في حينه، تمكن ضابط في الموساد، يعرف بتسمية «كالان»، من تجنيد عميل، نقل إلى إسرائيل رسوماً أولية لأجهزة طرد مركزي إيرانية، فيما كانت منظومة تخصيب اليورانيوم في بدايتها.
وخلال ذلك بدأ يتكرر اسم فخري زاده. و«كالان» هو عملياً رئيس الموساد الحالي، يوسي كوهين، وفقاً لبيرغمان. وحسب الملف، فإن فخري زاده انضم إلى الحرس الثوري الإيراني في عام 1979. وخدم في البداية كضابط علوم. وبعد إقامة إيران منظومة صغيرة تجريبية لأجهزة طرد مركزي بفترة قصيرة، اكتشف الإيرانيون أن الولايات المتحدة وإسرائيل كشفتا هذه المنظومة، ونقلوا المشروع إلى موقع سري في نتنز، وحسب الموساد، فإن المشروع النووي العسكري موجود في هذا الموقع.
وقد أعد الموساد قائمة بأسماء علماء نوويين إيرانيين، على رأسها فخري زاده. ووفقاً لبيرغمان، فإن أولمرت صادق على اغتياله. وكان أولمرت قد قال في مقابلة تلفزيونية «إنني أعرف فخري زاده جيداً. وهو لا يعلم مدى معرفتي به. وعلى الأرجح أنه لو التقيت به في الشارع، لتعرفت عليه. وهو يرأس برنامجاً غايته تنفيذ أمور لا يمكن الموافقة عليها. ولا توجد حصانة له. ولم تكن له حصانة. ولا أعتقد أنه ستكون حصانة له». لكن الموساد عاد وطلب تأجيل الاغتيال، لأن الإيرانيين اكتشفوا أن الإسرائيليين على وشك تنفيذ الاغتيال، وقرروا وضع كمين لفريق الاغتيال. ولم يطرح موضوع الاغتيال إلا في سنة 2015، عندما حذر الموساد من أن إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، تجري مفاوضات مع إيران، حول اتفاق نووي.
«الموساد» زرع عميلاً قرب فخري زاده قبل 27 سنة
أولمرت أسمع بوش تسجيلاً صوتياً للعالم النووي الإيراني
«الموساد» زرع عميلاً قرب فخري زاده قبل 27 سنة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة