انقضى عام على ظهور الإصابات الأولى بفيروس «كورونا» المستجدّ في مدينة ووهان الصينية، وما زالت الأسئلة حول منشأ هذا الوباء تنتظر الأجوبة المدعومة بالأدلّة والقرائن العلمية القاطعة: هل كان الخفّاش أو النمس البرّي أو حيوان آخر هو الذي نقل الوباء إلى البشر؟ وهل حصل الانتقال الأول للفيروس من الحيوان إلى الإنسان في الصين؟ أو ربما في بلد آخر كما تقول المصادر الرسمية الصينية؟
الأوساط العلمية تعتبر أن الإجابات عن هذه الأسئلة وغيرها، أساسية لفهم هذا الفيروس الذي ما زال يكتنفه غموض كبير، والاستعداد لمواجهة جائحات أخرى أو منع ظهورها في المستقبل، وكانت تطالب منذ أشهر بأن تسمح لها السلطات الصينية بمعاينة المواقع الأولى التي ظهر فيها الوباء والاطلاع على نتائج التحليلات التي أجريت آنذاك.
وبعد أشهر من الضغوط والمفاوضات تجاوبت الصين مع طلب منظمة الصحة العالمية لإرسال بعثة علمية من أجل تقصّي تلك المرحلة ومحاولة الإجابة عن تلك الأسئلة، ووافقت على بعثة تضمّ 10 خبراء صينيين و10 أخصائيين دوليين في العلوم الوبائية والفيروسية والأمراض الحيوانية والصحة العامة. كما حصلت البعثة على تصاريح لإجراء تحليلات في مجال الصحة الغذائية في روسيا وأستراليا والسودان والدنمارك وهولندا وألمانيا واليابان وفيتنام والولايات المتحدة وبريطانيا.
ويقول أحد خبراء منظمة الصحة إن «المريض صفر»، أي الذي ظهرت عليه الإصابة الأولى بالوباء الذي غيّر العالم، ليس معروفا حتى الآن، والشيء الوحيد المؤكد عن منشأ الفيروس هو أن عيّنات من نفس العائلة الفيروسية وُجدت على خفافيش في مقاطعة يونان جنوب غربي الصين العام الماضي، علما بأن الإصابات الأولى بـ(كوفيد - 19) ظهرت على بعد أكثر من ألف كيلومتر في مدينة ووهان.
ولا يستبعد الخبراء أن الفيروس كان ساريا قبل رصد الحالات الأولى على البشر، كما يقول عالم الفيروسات الأميركي المعروف إيان ليبكين الذي سبق وشارف على البحوث التي أدت إلى اكتشاف مصدر فيروس MERS عام 2015، والذي تعاقدت معه الحكومة الصينية مؤخرا لكشف مصدر (كوفيد - 19).
ويرى ديفيد ريلمان، الأخصائي في العلوم الجرثومية، أن ثمّة تفاصيل أساسية ما زالت مجهولة حول مصدر الفيروس، من معرفة مساره الارتقائي أو أسلافه، إلى الموقع واللحظة وآليّة السريان للإصابة البشرية الأولى، وهي بالضبط المعلومات التي تسعى بعثة منظمة الصحة العالمية للتوصّل إليها في أجواء ملبّدة بالتجاذبات السياسية بين الصين والولايات المتحدة وكل أنواع النظريّات والفرضيّات، بما فيها أن الفيروس تسرّب من المختبر الذي تمّ تطويره فيه.
وكانت بعثة التحقيق قد عقدت اجتماعها الأول مؤخرا، عبر الفيديو، وناقشت خلاله خطة العمل التي استمرّت المفاوضات حولها 4 أشهر بين الصين ومنظمة الصحة التي تعرّضت لانتقادات شديدة من الإدارة الأميركية التي تتهمها بالتواطؤ مع بكّين والدفاع عن مصالحها.
ومن المقرّر أن تبدأ المرحلة الأولى من نشاط البعثة في ووهان قبل انتقالها إلى المقاطعات الصينية التي سجّلت فيها إصابات، ثم إلى بلدان أخرى.
وينصّ الاتفاق حول البعثة أن تقتصر البحوث الميدانية التي تجريها البعثة في الصين على الخبراء الصينيين، بمساعدة عن بعد من الخبراء الدوليين الذين ينتقلون لاحقا إلى بؤرة الوباء الأولى بعد إنجاز تحاليل نتائج البحوث الأولى. وتبدأ البعثة في المرحلة الثانية بإجراء الدراسات على المدى الطويل انطلاقا من نتائج البحث في الصين والبلدان الأخرى.
ومن المنتظر أن تبدأ الأبحاث الميدانية في سوق المحاريّات التي تقع وسط مدينة ووهان، ويعتقد أنها كانت مصدر الوباء. وتخضع هذه السوق المقفلة حاليا للحجر الصحي، بعد أن كان يباع فيها كل أنواع الخضراوات والسمك والحيوانات الداجنة والبريّة، الحيّة والميّتة. وكانت دراسة على الحالات الأربعين الأولى قد بيّنت أن 30 منها كانت على اتصال بالسوق، من بينها الحالات الأربع الأولى.
لكن عندما ظهرت الإصابات الأولى في السوق، سارعت السلطات الصينية إلى إغلاقها والتضحية بجميع الحيوانات من غير أخذ عيّنات لتحليلها، واكتفت بعيّنات من المنتجات المجلّدة وأخرى موقعيّة من الأدوات المستخدمة وقنوات الصرف الصحي. وتفيد بيانات منظمة الصحة التي تنطلق منها البعثة في تقصّياتها بأن السلطات الصينية جمعت نحو 1200 عيّنة من السوق، منها 336 عيّنة حيوانية لم تظهر على أي منها آثار للفيروس، بينما ظهرت على 8 في المائة من العيّنات البيئية.
ويشير التقرير الأولي الذي أعدته منظمة الصحة إلى أنه ليس من الواضح حتى الآن إذا كانت السوق المذكورة مصدرا للسريان، أو بؤرة لانتشاره بين البشر، أو مصدرا وبورة في آن واحد. ويذكّر التقرير بدراسة أجريت في الربيع الماضي وبيّنت أن 14 في المائة من قطط مدينة ووهان، الأليفة والبريّة، كانت مصابة بالفيروس.
ومن المقرر أن يقوم أعضاء البعثة أيضا بالتدقيق في السجلّات الطبية لجميع المرضى في مستشفى ووهان لمعرفة ما إذا كان الفيروس ساريا في المدينة قبل ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي. كما سيقومون باستجواب الحالات الأولى لتحديد طريقة السريان، وبدراسة عيّنات الدم المستخرجة قبل ظهور الوباء وبعده، والمحفوظة في مستشفيات المدينة، بحثا عن مضادات الأجسام، وفي حال تبيّن وجودها سيقومون بتتبّع أنشطة حامليها لمعرفة ملابسات إصابتهم وموقعها. ويذكر أن مضادات الأجسام كانت مفتاح تحديد مصدر الفيروسات التنفسية الأخرى، مثل SARS وMERS في الأعوام الماضية.
وكان المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم قد أعلن يوم الأربعاء الماضي أن «البعثة ستعمل بذهنية منفتحة وتدقيق شديد من غير استبعاد أي فرضيّة من شأنها أن تسهم في توفير الأدلّة وتركيز البحوث نحو الهدف المنشود، وهو منع ظهور جائحات أخرى في المستقبل».
مسيرة البحث عن مصدر الوباء تبدأ من الصين
المصاب الأول بـ «كورونا» لا يزال مجهولا
مسيرة البحث عن مصدر الوباء تبدأ من الصين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة