رهان على ضغوط ماكرون لتسهيل تشكيل الحكومة اللبنانية

الرئيس ماكرون متحدثاً في مؤتمر مساعدة لبنان وإلى يمينه وزير الخارجية جان إيف لودريان (رويترز)
الرئيس ماكرون متحدثاً في مؤتمر مساعدة لبنان وإلى يمينه وزير الخارجية جان إيف لودريان (رويترز)
TT

رهان على ضغوط ماكرون لتسهيل تشكيل الحكومة اللبنانية

الرئيس ماكرون متحدثاً في مؤتمر مساعدة لبنان وإلى يمينه وزير الخارجية جان إيف لودريان (رويترز)
الرئيس ماكرون متحدثاً في مؤتمر مساعدة لبنان وإلى يمينه وزير الخارجية جان إيف لودريان (رويترز)

أطبق المؤتمر الدولي الثاني، الذي خُصّص لتقديم المساعدات الإنسانية عبر هيئات المجتمع المدني والجيش اللبناني لبيروت واللبنانيين، الحصار السياسي على الطبقة السياسية وحشرها مجدداً في الزاوية محمّلاً إياها مسؤولية إعاقة توفير المساعدات المالية والاقتصادية للبنان لوقف تدحرجه نحو الهاوية بتأخيرها تشكيل حكومة مهمة تُعتبر الممر الإجباري الوحيد لإنقاذه، ولم يفلح رئيس الجمهورية ميشال عون في كلمته التي خاطب فيها المؤتمرين في الالتفاف على الحصار ووضع البلد على سكة تعديل جدول أعمال المؤتمر باتجاه فتح الباب للتعاطي مع المنظومة السياسية التي تتحمل مسؤولية إعادة لبنان إلى الوراء.
والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي تولى رعاية المؤتمر الدولي حرص في كلمته الافتتاحية على مخاطبة ممثلي المجتمع المدني الذين شاركوا فيه، ولم يلتفت إلى رئيس الجمهورية ولا إلى القوى السياسية المُدرجة من وجهة نظره على لائحة تحميلها مسؤولية مباشرة حيال انقلابها على التزاماتها التي كانت تعهدت بها لجهة تسهيل ولادة حكومة مهمة تتبنّى خريطة الطريق التي وافقت عليها عندما التقاها في قصر الصنوبر. وتأتي مضامين الرسالة التي خاطب بها ماكرون المجتمع المدني بمثابة محاكمة مكشوفة للطبقة السياسية على قصورها في إنقاذ لبنان، ولتؤكد أن الثقة اللبنانية والدولية بالطبقة السياسية ما زالت مفقودة، وأنّ تبادل الحملات بين أطرافها لن يقدّم أو يؤخّر في تعديل الموقف الدولي الذي يأخذ عليها عدم استجابتها لتطلّعات الشعب اللبناني ومطالبه في التغيير، وبالتالي لن تُصرف لمصلحة هذا الفريق أو ذاك لأن جميعهم يتحمّلون مسؤولية جرّ البلد إلى الإفلاس.
ويبقى السؤال، كيف ستتعامل القوى السياسية مع الموقف المتجدّد لماكرون، وتحديدا الرئيس عون والرئيس المكلّف بتشكيل الحكومة الجديدة سعد الحريري باعتبار أنهما يتحمّلان مسؤولية تعثّر تشكيل الحكومة، آخذين بعين الاعتبار التقيّد بالمواصفات الفرنسية لتشكيلها والمدعومة من المجتمع الدولي لأن باريس ما زالت الأقدر دوليا وإقليميا على التعاطي مع الملف اللبناني على خلفية أنها لن تتخلى عنه، ولن تتركه وحيدا يواجه تفاقم الأزمات التي بلغت ذروتها لحظة الانفجار الذي حصل في مرفأ بيروت، وأغرق العاصمة في نكبة تستدعي الإسراع في إعادة إعمارها.
والتذاكي اللبناني لن يبدّل من واقع الحال الدولي الذي ينطق باسمه ماكرون، والذي لن يتراجع عن تعهده بإنقاذ لبنان شرط أن تُلاقيه القوى السياسية في منتصف الطريق، وهذا ما لم يحصل حتى الساعة، ما دام أنها ما زالت منشغلة بالحرتقات السياسية بدلاً من أن تبادر إلى تقديم أوراق اعتمادها إلى المجتمع الدولي، وإنما على قاعدة تصالحها أولا مع اللبنانيين.
لذلك فإن إلحاح ماكرون على تشكيل حكومة مهمة يرفع من منسوب الإحراج لكل من عون والحريري من دون أن يعني إعفاء الآخرين من مسؤولياتهم بمقدار ما أن توافقهما على تسهيل تشكيل الحكومة يشكل إحراجا للآخرين، خصوصا أن خفض سقف تبادل الشروط يقع أولا وأخيرا على عاتقهما.
وفي هذا السياق كشفت مصادر سياسية لـ«الشرق الأوسط» أن الحريري لن يبقى صامتا، وسيضطر للخروج سياسيا إلى العلن في أي لحظة، وإن كان يحتفظ لنفسه باختيار التوقيت المناسب لوضع النقاط على الحروف في رده على اتهامه من قبل عون بأنه يحتفظ لنفسه بتسمية الوزراء المسيحيين، فيما يحجب عنه التداول بأسماء الوزراء من الطوائف الإسلامية.
وإذ اعترفت المصادر نفسها بأن الحريري ينقطع عن التواصل مع القيادات السياسية المعنية بتأليف الحكومة، ولا يلتقي ممثلين عنها منذ أكثر من 3 أسابيع، أكدت في المقابل جهات مقرّبة منه بأنه يتجنّب التداول بأسماء المرشحين لدخول الحكومة حتى مع أعضاء الفريق المقرّب منه.
ولفتت إلى أن الأصدقاء والحلفاء يأخذون على الحريري الانقطاع عن التواصل معهم ولو من باب التشاور في الإطار العام من دون الدخول في التفاصيل، وقالت إن انقطاعه ينسحب على رؤساء الوزراء السابقين، وعزت السبب إلى أنه أراد أن يتّبع معايير جديدة في تشكيل الحكومة غير المعايير التقليدية التي كانت متّبعة في السابق والتي أدت إلى تقاسم الحصص ونقل الاشتباك السياسي من الخارج إلى طاولة مجلس الوزراء.
وقال عدد من المقربين من الحريري إن مجرد عودته إلى التواصل مع هذا الفريق سيضعه في خانة الإحراج وسيضطره إلى معاملة الآخرين بالمثل، وبالتالي يصبح أسيرا لشهوات التوزير، وأكد هؤلاء أنه يتّبع الأصول الدستورية بالتشاور مع رئيس الجمهورية.
واستغرب هؤلاء ما يوجّهه عون من اتهامات للحريري بالتفرّد بتشكيل الحكومة، وأكدوا أنه كان تداول في مشاورات التأليف معه، وقبل أن تتوقف في أسماء الوزراء من الطوائف الإسلامية، وكشفوا بأنه يُبدي حرصه على التشاور وصولا إلى أنه لا يمانع بأن يرشّح عون وزراء من الطوائف الإسلامية من أصحاب الاختصاص ومستقلين شرط أن لا يكونوا من المحازبين.
واعتبر هؤلاء أن لا صحة لما يتردّد بأنه يريد مصادرة التمثيل المسيحي، فيما سألت المصادر السياسية ما إذا كان لدى عون قناعة بالتعاون مع الحريري لتسهيل ولادة الحكومة أم أنه يحرّض طائفيا لقطع الطريق على تشكيلها رغم أنه يُدرك سلفا أنه لن يعتذر عن مهمة التكليف، وبالتالي فإن المشكلة تكمن في أن عون يريد الحصول على الثلث الضامن أو المعطّل الذي يتيح لرئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل السيطرة باتجاه إعطائه حق النقض الذي يؤدي إلى تعطيل الحكومة.
وأكدت المصادر أن الرئيس بري ورئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط وإن كانا لا يتلقّيان أي اتصال من الحريري فإن انقطاعه عنهما لن يفتح الباب أمام عودتهما عن قرارهما بتسهيل مهمته، مع أن جنبلاط يغمز من حين لآخر من قناة عون والحريري، وعليه فإن مرحلة ما بعد انعقاد مؤتمر باريس تبقى عالقة على ما سيقرره الحريري لإعادة تحريك مشاورات تأليف الحكومة؛ لأن لبنان لا يحتمل المزيد من إضاعة الفرص، فهل ينجح ماكرون الذي أحال الطبقة السياسية على محاكمة دولية في إعادة الروح إلى مشاورات التأليف بإخراجها من حالة «الموت السريري» الذي تمر فيه الآن؟



مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
TT

مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)

أكدت مصر خلال زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي للكويت، على دعم القاهرة الكامل للأمن الخليجي بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، وسط لقاءات ومباحثات تناولت مجالات التعاون، لا سيما الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة.

تلك الزيارة، بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، تأتي تأكيداً على مساعي مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي بوتيرة أكبر ونشاط أوسع، خصوصاً في ضوء علاقات البلدين التاريخية، وكذلك حجم الاستثمارات بين البلدين الكبيرة، مشددين على أهمية التنسيق بين بلدين مهمين في المنطقة.

واستهل عبد العاطي زيارته إلى الكويت بلقاء ولي العهد الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح، الأحد، مؤكداً «عمق العلاقات التاريخية والروابط الأخوية التي تجمع البلدين الشقيقين، وتوافر الإرادة السياسية لدى قيادتي البلدين من أجل تطوير العلاقات لآفاق أرحب»، مبدياً «الحرص على تعزيز التعاون والتنسيق مع دولة الكويت وزيادة وتيرته»، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وأبدى الوزير المصري «تطلُّع مصر لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين البلدين، أخذاً في الحسبان ما اتخذته الحكومة المصرية من خطوات طموحة لجذب الاستثمارات، وتنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادي»، مشدداً على «دعم مصر الكامل للأمن الخليجي، بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري».

وفي مايو (أيار) الماضي، قال سفير الكويت بالقاهرة، غانم صقر الغانم، في مقابلة مع «القاهرة الإخبارية» إن الاستثمارات الكويتية في مصر متشعبة بعدة مجالات، وتبلغ أكثر من 15 مليار دولار، بينها 10 مليارات دولار للقطاع الخاص.

كما اجتمع عبد العاطي مع الشيخ فهد يوسف سعود الصباح، رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي، مؤكداً «الحرص على الارتقاء بعلاقات التعاون إلى آفاق أرحب، بما يحقق طموحات ومصالح الشعبين الشقيقين»، وفق بيان ثانٍ لـ«الخارجية المصرية».

وزير الخارجية المصري يجتمع مع رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي الشيخ فهد يوسف سعود الصباح (الخارجية المصرية)

فرص استثمارية

عرض الوزير المصري «الفرص الاستثمارية العديدة التي تذخر بها مصر في شتى القطاعات، والتي يمكن للشركات الكويتية الاستفادة منها، فضلاً عن الاتفاق على تبادل الوفود الاقتصادية، وتشجيع زيادة الاستثمارات الكويتية في مصر»، مبدياً «ترحيب مصر ببحث مجالات التعاون الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة».

كما بحث الوزير المصري في لقاء مع وزيرة المالية ووزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار، نوره الفصام، الفرص الاستثمارية المتاحة في مصر بشتى القطاعات، وسط تأكيد على حرص الجانب المصري على تعزيز الاستثمارات الكويتية في مصر وإمكانية تعزيز نشاط الشركات المصرية لدعم عملية التنمية في الكويت.

ووفق خبير شؤون الخليج في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بالقاهرة، الدكتور محمد عز العرب، فإن الزيارة تحمل أبعاداً عديدة، أبرزها الحرص المصري على تطوير العلاقات المصرية العربية، ومنها العلاقات مع الكويت لأسباب ترتبط بالتوافقات المشتركة بين البلدين والتعاون ليس على المستوى السياسي فحسب، بل على المستوى الأمني أيضاً.

التنسيق المشترك

البعد الثاني في الزيارة مرتبط بالاستثمارات الكويتية التي تستحوذ على مكانة متميزة وسط استثمارات خليجية في مصر، وفق عز العرب، الذي لفت إلى أن الزيارة تحمل بعداً ثالثاً هاماً مرتبطاً بالتنسيق المشترك في القضايا الإقليمية والدولية خاصة وهناك إدراك مشترك على أولوية خفض التصعيد والتعاون الثنائي بوصفه صمام أمان للمنطقة.

تحديات المنطقة

يرى الكاتب والمحلل السياسي الكويتي، طارق بروسلي، أن زيارة عبد العاطي «خطوة مهمة في إطار العلاقات التاريخية الوطيدة بين البلدين، وتعكس عمق التفاهم والاحترام المتبادل بين قيادتي البلدين والشعبين الشقيقين».

وتحمل الزيارة قدراً كبيراً من الأهمية، وفق المحلل السياسي الكويتي ورئيس «المنتدى الخليجي للأمن والسلام» فهد الشليمي، خصوصاً وهي تأتي قبيل أيام من القمة الخليجية بالكويت، مطلع الشهر المقبل، وما سيتلوها من ترأس الكويت مجلس التعاون الخليجي على مدار عام، فضلاً عن تحديات كبيرة تشهدها المنطقة، لا سيما في قطاع غزة وحربها المستمرة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وأفادت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية، الأحد، بأن أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح تلقى رسالة شفهية من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تتعلق بالعلاقات الأخوية المتميزة بين البلدين والشعبين الشقيقين وآخر المستجدات الإقليمية والدولية، خلال استقبال ولي العهد لوزير الخارجية المصري.

كما نوهت بأن عبد العاطي التقى رئيس الوزراء بالإنابة، و«جرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون بين البلدين إضافة إلى بحث آخر المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية».

تطوير العمل الدبلوماسي

وتهدف الزيارة، وفق بروسلي، إلى «تعميق التعاون في عدة مجالات والتنسيق المشترك في المواقف على الصعيدين الإقليمي والدولي، لا سيما في قضايا فلسطين وسوريا ولبنان واليمن»، مرجحاً أن تسهم المباحثات المصرية الكويتية في «زيادة فرص التعاون الاقتصادي والتجاري وتعزيز الاستثمارات وزيادة التنسيق الأمني ومواجهة التحديات الأمنية المشتركة».

ويعتقد بروسلي أن الزيارة «ستكون فرصة لبحث تطوير العمل الدبلوماسي، ودعم البرامج التعليمية المتبادلة بين البلدين والخروج بمذكرات تفاهم تكون سبباً في تحقيق التكامل الإقليمي، وتعزيز التعاون في ظل التحديات المشتركة بالمنطقة».

بينما يؤكد الشليمي أن الزيارة لها أهمية أيضاً على مستوى التعاون الاقتصادي والتجاري، خصوصاً على مستوى تعزيز الاستثمارات، إضافة إلى أهمية التنسيق بين وقت وآخر بين البلدين، في ظل حجم المصالح المشتركة الكبيرة التي تستدعي التعاون المستمر.