نتنياهو يستعين بنواب «الحركة الإسلامية» لإنقاذ حكومته

نتنياهو وغانتس في الكنيست مايو (أيار) الماضي عندما أعلن اتفاق الحكومة الجديدة (أ.ف.ب)
نتنياهو وغانتس في الكنيست مايو (أيار) الماضي عندما أعلن اتفاق الحكومة الجديدة (أ.ف.ب)
TT

نتنياهو يستعين بنواب «الحركة الإسلامية» لإنقاذ حكومته

نتنياهو وغانتس في الكنيست مايو (أيار) الماضي عندما أعلن اتفاق الحكومة الجديدة (أ.ف.ب)
نتنياهو وغانتس في الكنيست مايو (أيار) الماضي عندما أعلن اتفاق الحكومة الجديدة (أ.ف.ب)

توجه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى نواب الحركة الإسلامية في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، طالباً أن يمتنعوا عن التصويت على تمرير قانون لنزع الثقة عن حكومته وإسقاطها والتوجه لانتخابات جديدة. وجاء هذا العرض، أمس الثلاثاء، في اللحظة الأخيرة تماماً، عندما قرر حليفه رئيس حزب «كحول لفان» ووزير الأمن، بيني غانتس، التصويت مع هذا القانون الذي طرحه نواب المعارضة وسيتم التداول فيه اليوم الأربعاء.
وقد صدم هذا التوجه الحلبة السياسية في إسرائيل، حيث إن نتنياهو كان قد قوض شرعية وجود النواب العرب، قبل سنتين، عندما راح يحرض ناخبيه قائلاً، إن «العرب يهرولون إلى صناديق الاقتراع بالحافلات الضخمة الممولة من دول أجنبية»، وفي الانتخابات التي تلتها حاول نصب كاميرات في صناديق الاقتراع، واعتبر الأمر تخويفاً للناخبين العرب. هذا بالإضافة إلى اتهام النواب العرب بتشجيع الإرهاب.
وأثار هذا التوجه خلافات شديدة داخل «القائمة المشتركة» للأحزاب العربية، حيث اتهموا نتنياهو «بالسعي إلى تفكيك القائمة». وهاجمت قوى في هذه الأحزاب «القائمة العربية الموحدة» (الاسم الشكلي للإسلامية - الشق الجنوبي) ورئيسها د. منصور عباس، الذي نقل على لسانه القول إن قائمته تدرس التجاوب مع نتنياهو والتصويت إلى جانب حزب الليكود، الذي يتزعمه نتنياهو، ضد حل الكنيست، واعتبروها خطوة أخرى من جانبها للخروج عن الإجماع في المشتركة، التي قررت تأييد حل الكنيست. لكن النائب سعيد الخرومي من الحركة الإسلامية، قال، إن مشروع القانون سيمر بتأييد حركته أو عدم تأييدها، لكن الفرق هو أنها في حال تأييد نتنياهو، ستتمكن من تحصيل حقوق مهمة للمواطنين العرب من الحكومة.
المعروف أن مشروع حل الكنيست جاء بمبادرة رئيس كتلة «يش عتيد - تيلم» المعارضة، يائير لبيد، الذي توجه إلى شريكه السابق غانتس طالباً تأييده حل الكنيست وإسقاط نتنياهو عن الحكم. وقال: «أدعو بيني غانتس إلى استكمال ما بدأنا به لكي نخرج نتنياهو من بلفور (مقر الإقامة الرسمي لرئيس الحكومة الإسرائيلية)، ونخلص الدولة من فساده وإخفاقاته في جميع المجالات. فلدينا الآن إمكانية أن نحل الكنيست ونبدأ طريقاً جديدة تجعلنا نعالج كورونا وتبعاتها الاقتصادية والاجتماعية ومشاكل الدولة الأخرى، وفق القيم الديمقراطية واضعين حدا للرجل الذي يقدم مصلحته الشخصية على مصلحة الدولة، ويكرس كل شيء في الدولة لمصلحة محاربة القضاء الذي يحاكمه بتهم الفساد».
بالمقابل، توجه نتنياهو علناً إلى غانتس وقال له: «أدعوك إلى الذهاب في طريق الوحدة والامتناع عن حل الكنيست. لقد حققنا معاً إنجازات كثيرة، ويوجد جهد حقيقي من أجل خفض انتشار فيروس كورونا وبإمكاننا القيام بذلك معاً». ومع أن غانتس تأخر في رده وأظهر ارتباكا شديدا في الموقف، أعلن الوزير حيلي تروبير، من حزب «كحول لفان»، أمس الثلاثاء، إنه سيؤيد حل الكنيست. وقال: «سنذهب إلى انتخابات، لأن نتنياهو لا يريد الالتزام بالاتفاق الائتلافي». وأضاف الوزير يزهار شاي، من الحزب نفسه، «سنؤيد حل الكنيست غداً، لكن هذا قرار يتخذه غانتس، وسيتخذه مساء اليوم (الثلاثاء) أو صباح غد (الأربعاء)».
وأعلن وزيرا حزب العمل عمير بيرتس وإيتسك شمولي حليفا غانتس، دعمهما لقانون حل الكنيست والتوجه لانتخابات برلمانية رابعة، خلال سنتين، وذلك في مؤشر إضافي على تقويض الائتلاف الحكومي. وبناء على ذلك فإنه في حال صوت «كحول لفان» وحلفاؤه مع المعارضة، فإن اقتراح حل الكنيست سيحظى بدعم 62 نائباً، حتى لو صوت نواب الحركة الإسلامية الأربعة مع نتنياهو. وفي هذه الحالة سيبدأ مسارا طويلا للحل، أولاً في قراءة تمهيدية ثم البحث فيه لثلاث قراءات أخرى. ويقدر المراقبون أن يخوض غانتس مفاوضات مع نتنياهو لتحسين وضعه في الحكومة، وتحصيل التزام منه بتنفيذ اتفاق التبادل بينهما على رئاسة الحكومة. وحسب مصادر سياسية، فإن هذه المفاوضات جارية حالياً وراء الكواليس، وأن تأخر غانتس في إعلان موقفه ناجم عن استمرار هذه المفاوضات.
المعروف أن الاتفاق الائتلافي للحكومة ينص على أن يصبح غانتس رئيساً للحكومة في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) القادم. وهناك إجماع على أن نتنياهو لا ينوي تنفيذ التزامه هذا عندما وقع عليه. وهذا هو السبب الأساس للأزمة بينهما. ويفضل نتنياهو الذهاب للانتخابات على تنفيذ الاتفاق، لكنه يحاول تأجيلها بضعة شهور حتى يتمكن من حل مشكلة كورونا.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟