تشكيك في جدية تنفيذ التدقيق الجنائي

الجميِّل يصف ما حصل في البرلمان بالمسرحية

TT

تشكيك في جدية تنفيذ التدقيق الجنائي

بعد الإجماع الذي تحقق أول من أمس في البرلمان اللبناني حول التدقيق الجنائي من قبل الكتل النيابية التي كان لبعضها الدور أساساً في إعاقته، ارتفعت المواقف المشككة في التنفيذ، مع التأكيد على أن العبرة تبقى في التنفيذ، إلى حد وصف رئيس حزب «الكتائب» سامي الجميِّل جلسة مجلس النواب بالمسرحية.
أتى ذلك في وقت علَّق فيه المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان بان كوبيتش على التوصية النيابية، وكتب على حسابه على «تويتر»: «إشارة سياسية قوية من مجلس النواب، تؤيد إجراء تدقيق جنائي واسع النطاق»، مضيفاً: «القيمة الحقيقية لأي شيء تظهر بعد تجربته».
وبينما اعتبر «الكتائب» أن ما حصل في البرلمان مسرحية، حذر حزب «القوات» من أن تتحول إلى مسرحية إذا لم يتم الإسراع في الخطوات التنفيذية.
وكتب رئيس حزب «الكتائب» النائب المستقيل سامي الجميِّل على حسابه على «تويتر» قائلاً: «من مسرحية القانون الانتخابي والبطولات الوهمية، إلى مسرحية الكل بات يريد التدقيق الجنائي في صفقاته. يكفي الناس مآسٍ يومية، ليسوا بحاجة لمزيد من الإذلال عبر إهانة ذكائهم». وأضاف: «هم يعرفون جيداً أنكم لن تحاسبوا أنفسكم، ما ينفعهم هو أن ترحلوا ليتمكنوا من إنقاذ مستقبلهم وبناء لبنان جديد».
الموقف نفسه عبر عنه حزب «القوات»؛ حيث قال رئيسه سمير جعجع: «بعد القرار الذي اتخذه مجلس النواب في جلسته المنعقدة والذي أكد فيه على ضرورة السير بالتدقيق الجنائي في مصرف لبنان، وفي مختلف وزارات الدولة وإداراتها والمؤسسات العامة والصناديق المستقلة، وبعدما أفتى المجلس النيابي بعدم سريان مفاعيل السرية المصرفية على عمليات التدقيق الجنائي هذه، فقد أصبحت الكرة في ملعب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وحكومة تصريف الأعمال. إن السلطة الإجرائية، أي رئيس الجمهورية وحكومة تصريف الأعمال، مدعوة إلى إعادة تكليف أي شركة مختصة بالتدقيق الجنائي في أسرع وقت ممكن، لكي تباشر بالتدقيق، بدءاً من مصرف لبنان وتباعاً على إدارات الدولة كلها، نظراً لما لهذه الخطوة من أهمية قصوى على صعيد أي خطوة إصلاحية منتظرة في المدى القريب، وإلا يكون كل ما شهدناه مسرحية (ثقيلة غليظة) في الوقت الذي يعاني فيه المواطن اللبناني مأساة عميقة وموجعة ومتمادية».
وبينما دعا النائب قاسم هاشم، في كتلة «التنمية والتحرير» (التي يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري)، إلى الإسراع في الاتفاق مع شركة تدقيق، أكد أن البرلمان سيكون جاهزاً لمواكبة أي خطوة إذا كانت حاجة لإقرار قوانين أو تعديلات، لتسهيل الوصول لكل المعطيات والمعلومات المطلوبة، بما يتوافق مع الوصول إلى الحقيقة فيما يتعلق بالمال العام.
من جهته، قال النائب في «الحزب التقدمي الاشتراكي» فيصل الصايغ، إن العبرة تبقى في التنفيذ. وكتب على حسابه على «تويتر»: «في الجلسة العامة لمجلس النواب بالأمس، أجمعت كل الكتل النيابية على اعتماد التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، وكذلك في كل وزارات وإدارات ومؤسسات وصناديق الدولة. تبقى العبرة في التنفيذ. والمسؤولية من اليوم هي على السلطة الإجرائية والحكومة في إنجاح التدقيق».



«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
TT

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)

تشهد أجزاء واسعة من اليمن هطول أمطار غزيرة مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة، متسببة في انهيارات طينية وصخرية تهدد حياة السكان وتلحق الأضرار بالممتلكات والأراضي، في حين لم تتجاوز البلاد آثار فيضانات الصيف الماضي التي ترصد تقارير دولية آثارها الكارثية.

وتسببت الأمطار الأخيرة المستمرة لمدد طويلة، والمصحوبة بضباب كثيف وغيوم منخفضة، في انهيارات صخرية أغلقت عدداً من الطرق، في حين أوقع انهيار صخري، ناجم عن تأثيرات أمطار الصيف الماضي، ضحايا وتسبب في تدمير منازل بمنطقة ريفية شمال غربي البلاد.

وعطلت الانهيارات الصخرية في مديرية المقاطرة التابعة لمحافظة لحج (جنوبي غرب) استمرار العمل في تحسين وصيانة طريق هيجة العبد التي تربط محافظة تعز المجاورة بباقي محافظات البلاد، بعد أن أغلقت الجماعة الحوثية بقية الطرق المؤدية إليها منذ نحو 10 أعوام، وتسببت تلك الأمطار والانهيارات في إيقاف حركة المرور على الطريق الفرعية.

أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

ويواجه السائقون والمسافرون مخاطر شديدة بسبب هذه الأمطار، تضاف إلى مخاطر أخرى، مما أدى إلى صعوبة التنقل.

ودعت السلطات المحلية في المحافظة السائقين والمسافرين إلى توخي الحذر الشديد في الطرق الجبلية والمنحدرات المعرضة للانهيارات الطينية والصخرية والانجرافات، وتجنب المجازفة بعبور الوديان ومسارات السيول المغمورة بالمياه.

وكان انهيار صخري في مديرية الطويلة، التابعة لمحافظة المحويت (شمالي غرب)، أدى إلى مقتل 8 أشخاص، وإصابة 3 آخرين، بعد سقوط كتلة صخرية هائلة كانت مائلة بشدة فوق منزل بُني أسفلها.

وتزداد الانهيارات الصخرية في المناطق التي تتكون من الصخور الرسوبية الطبقية عندما يصل وضع الكتل الصخرية المائلة إلى درجة حرجة، وفق الباحث اليمني في الجيمورفولوجيا الحضرية (علم شكل الأرض)، أنس مانع، الذي يشير إلى أن جفاف التربة في الطبقات الطينية الغروية أسفل الكتل المنحدرة يؤدي إلى اختلال توازن الكتل الصخرية، وزيادة ميلانها.

ويوضح مانع لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الغزيرة بعد مواسم الجفاف تؤدي إلى تشبع التربة الجافة، حيث تتضخم حبيباتها وتبدأ في زحزحة الكتل الصخرية، أو يغير الجفاف من تموضع الصخور، وتأتي الأمطار لتكمل ذلك التغيير.

انهيار صخري بمحافظة المحويت بسبب أمطار الصيف الماضي يودي بحياة 8 يمنيين (إكس)

وينبه الباحث اليمني إلى خطر يحدق بغالبية القرى اليمنية، ويقول إنها عرضة لخطر الانهيارات الصخرية بسبب الأمطار أو الزلازل، خصوصاً منها تلك الواقعة على خط الصدع العام الممتد من حمام علي في محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء)، وحتى ساحل البحر الأحمر غرباً.

استمرار تأثير الفيضانات

تواصل الأمطار هطولها على أجزاء واسعة من البلاد رغم انتهاء فصل الصيف الذي يعدّ موسم الأمطار الرئيسي، وشهد هذا العام أمطاراً غير مسبوقة تسببت في فيضانات شديدة أدت إلى دمار المنازل والبنية التحتية ونزوح السكان.

وطبقاً لـ«الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، فإن اليمن شهد خلال هذا العام موسمين رئيسيين للأمطار، الأول في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، والثاني بدأ في يوليو (تموز) إلى نهاية سبتمبر (أيلول)، و«كانا مدمرَين، بسبب أنماط الطقس غير العادية والأمطار الغزيرة المستمرة في جميع أنحاء البلاد».

ووفقاً للتقييمات الأولية التي أجرتها «جمعية الهلال الأحمر اليمني»؛ فقد تأثر 655 ألفاً و11 شخصاً، ينتمون إلى 93 ألفاً و573 عائلة بالأمطار الغزيرة والفيضانات التي ضربت البلاد أخيراً، ما أسفر عن مقتل 240 شخصاً، وإصابة 635 آخرين، في 20 محافظة من أصل 22.

فيضانات الصيف الماضي ألحقت دماراً هائلاً بالبنية التحتية في عدد من محافظات اليمن (أ.ب)

وألحقت الأمطار أضراراً جسيمة بمواقع السكان والنازحين داخلياً ومنازلهم وملاجئهم المؤقتة والبنية التحتية، مما أثر على آلاف الأسر، وكثير منهم كانوا نازحين لسنوات، حيث أبلغت «المجموعة الوطنية للمأوى والمواد غير الغذائية» في اليمن، عن تضرر 34 ألفاً و709 من المآوي، بينها 12 ألفاً و837 تضررت جزئياً، و21 ألفاً و872 تضررت بالكامل.

ونقل التقرير عن «المنظمة الدولية للهجرة» أن الفيضانات ألحقت أضراراً بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك تدمير الأنظمة الكهربائية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل تقديم الرعاية الصحية، وتسبب في تدمير الملاجئ، وتلوث مصادر المياه، وخلق حالة طوارئ صحية، وفاقم التحديات التي يواجهها النازحون.

تهديد الأمن الغذائي

وتعدّ الأراضي الزراعية في محافظة الحديدة الأعلى تضرراً بـ77 ألفاً و362 هكتاراً، ثم محافظة حجة بـ20 ألفاً و717 هكتاراً، وهو ما يعادل نحو 12 و9 في المائة على التوالي من إجمالي الأراضي الزراعية، بينما تأثر نحو 279 ألف رأس من الأغنام والماعز، وفقاً لتقييم «منظمة الأغذية والزراعة (فاو)».

شتاء قاسٍ ينتظر النازحين اليمنيين مع نقص الموارد والمعونات وتأثيرات المناخ القاسية (غيتي)

وكانت الحديدة وحجة والجوف الأعلى تضرراً، وهي من المحافظات الأكبر إنتاجاً للماشية، خصوصاً في الجوف، التي يعتمد نحو 20 في المائة من عائلاتها على الماشية بوصفها مصدر دخل أساسياً.

وتوقع «الاتحاد» أن العائلات الأعلى تضرراً من الفيضانات في كل من المناطق الرعوية والزراعية الرعوية غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الدنيا في غياب المساعدة، مما يؤدي إلى ازدياد مخاطر انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة.

وتشمل الاحتياجات الحرجة والعاجلة في المناطق المتضررة من الفيضانات؛ المأوى الطارئ، والغذاء، والمواد غير الغذائية، والمياه، والصرف الصحي، والملابس، والحماية، والمساعدات النقدية متعددة الأغراض، والإمدادات الطبية لضمان استمرارية وظائف مرافق الرعاية الصحية.

ودعت «مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين» إلى التحرك العالمي، والعمل على تخفيف آثار تغير المناخ بالتزامن مع انعقاد «مؤتمر المناخ»، مقدرة أعداد المتضررين من الفيضانات في اليمن خلال العام الحالي بنحو 700 ألف.

وسبق للحكومة اليمنية الإعلان عن أن الفيضانات والسيول، التي شهدتها البلاد هذا العام، أثرت على 30 في المائة من الأراضي الزراعية.