سكان مدينة مصرية يعتمدون «الحنطور» في تنقلاتهم اليومية

يثقون في «العربجية القدامى» ويعترضون على «قيادة الصبية»

TT

سكان مدينة مصرية يعتمدون «الحنطور» في تنقلاتهم اليومية

لعلها واحدة من المدن القليلة في مصر التي ما زالت تحتفظ بالحنطور باعتباره وسيلة مواصلاتها الرئيسية التي يستخدمها معظم الأهالي، إنها مدينة مغاغة، التابعة لمحافظة المنيا (جنوب القاهرة) التي تحظى بشهرة كبيرة باعتبارها مسقط رأس «عميد الأدب العربي» الدكتور طه حسين، الذي جعل منها مسرحاً لبعض أعماله التي من بينها سيرته الذاتية «الأيام»، أما شوارعها فما زالت حتى الآن تحتفظ بالكثير من هدوئها، ورغم الإضافات العمرانية التي أدت إلى زيادة رقعتها السكانية، لم تشهد حتى الآن باستثناء السيارات الخاصة والدراجات النارية التي يمتلكها البعض، أي نوع من وسائل المواصلات التي غزت غيرها من المدن، بما في ذلك سيارات الأجرة، أو مركبات «التوكتوك»، الذي لا وجود له مطلقاً في أي من الأحياء السبعة التي تتشكل منها المدينة.
ورغم أن الحنطور وسيلة نقل بطيئة وبدائية، فإنه يعد الوسيلة الرئيسية التي يعتمد عليها سكان المدينة في تحركاتهم اليومية على غرار الذهاب من وإلى محال العمل والمدارس والمصالح الحكومية، بحسب سيد علي (سائق حنطور) بالمدينة، الذي يقول لـ«الشرق الأوسط»، «إن (العربجية) يحظون بكثير من الاحترام في المدينة، وجميعهم معروفون هم وعائلاتهم لدى الأهالي؛ لذلك يتمتعون بثقة الأهالي الكبيرة فيهم، وقد كان معظم السائقين حتى سنوات قريبة حريصين على إثبات مهنتهم في بطاقاتهم الشخصية من دون الخجل من ذلك».
ولا يوجد إحصاء بعدد سائقي الحنطور في مغاغة، بسبب عدم إثبات البعض منهم عمله في بطاقة الهوية، ورغم أنهم يدفعون الضرائب، فإنهم كثيراً ما يتعرضون للحملات النظامية التي تطاردهم في الشوارع وتمنعهم من العمل.
ويعتبر أحمد سالم، الذي تجاوز الستين من عمره، أحد أكبر سائقي الحنطور في المدينة، ويتمتع بشهرة كبيرة منذ أكثر من ثلاثين عاماً بين تلاميذ المدارس، حيث كان عدد من الآباء يعتمدون عليه لتوصيل أبنائهم كل صباح، ثم العودة بهم بعد انتهاء اليوم الدراسي.
بدوره، يلفت صلاح حسيب (عربجي) إلى أن الحنطور ما زال قادراً على توفير لقمة العيش الكريمة لصاحبه، وتلبية احتياجاته المعيشة، قائلاً «يكفي أنني أعمل في مهنة آبائي وأجدادي التي أحبها ولا أعرف سواها، ولست وحيداً في ذلك، فمعظم من يعملون على عربات الحنطور حالياً ورثوا هذه المهنة عن آبائهم».
وعن سر استمرار الحنطور في أداء دوره وسيلةَ مواصلات رئيسية في مغاغة، عكس بقية مدن المحافظة الأخرى، يقول الألفي «هذا يرجع إلى إقبال الأهالي الكبير على ركوب الحنطور، وخصوصاً السيدات اللواتي يفضلن ركوب الحنطور عن غيره بسبب اعتيادهن ركوبه منذ سنوات عدة وثقتهن بالعربجية».
وتعتبر مغاغة مدينة فريدة في استخدام الحنطور وسيلةً للنقل العام، فمعظم المدن السياحية التي من بينها القاهرة والأقصر وأسوان، تتعامل معه بوصفه وسيلة ترفيه فقط، لكن سكان مدينة مغاغة يعتمدون عليه في تنقلاتهم اليومية الضرورية وبأجرة لا تتجاوز 10 جنيهات (الدولار الأميركي يعادل 15.6 جنيه مصري).
ووفق حسيب، فإن مهنة العربجي، ليست حكراً على عائلات بعينها في مغاغة، لكن من الممكن أن يعمل بها من يريد، شرط أن يهتم بالحصان الذي يحتاج كل فترة إلى تغيير حِدوته التي تتعرض للتآكل، وقتها يجب أن يتعامل العربجي بحرص كبير مع فرسه، أما عن العربة فيجب أن تكون نظيفة؛ حتى لا تكون سبباً لإصابة أحد الزبائن بالأمراض.
ويفضل فخري شوقي (13 عاماً)، الذي يداوم على قيادة الحنطور مساءً، بعد انتهاء فترة عمل والده الصباحية عليه، التمركز بعربته أمام «حديقة مغاغة» منتظراً زبائنه المتجهين صوب كورنيش النيل، ويقطع بهم المسافة حتى شارع البحر الذي يتمتع بإقبال شديد في فترات الصيف، حيث يخرج الكثير من الأهالي للتمتع بأجواء نهر النيل، وعندما يعودون مساءً، لا يجدون سوى الحنطور وسيلة لإعادتهم، أما في فصل الشتاء فيكون التركيز أكثر على مشاوير العمل والمدارس.
ورغم ثقة الكثير من سكان مغاغة في الحنطور، فإن بعضهم يشكو من بعض السلوكيات التي يعدونها سلبية، من بينهم مصطفى قطب، الذي يقول لـ«الشرق الأوسط»، إنه «رغم اعتياده وأسرته على ركوب الحنطور، فإنه يحرص دائماً على أن يكون السائق رجلاً كبيراً؛ حتى يشعر بالأمان داخل العربة»، ويرى أن «هذا ضروري؛ لأن بعض الشوارع غير ممهدة، وهناك خطورة كبيرة يمكن أن يتعرض لها الركاب لو كان السائق صبياً، الذي لن يتحمل أي مسؤولية لو تعرض الحنطور لأي حادث، أو صدم أحدهم، كما أنه لن يستطيع أن يتحكم في الحصان إذا ثار أو غضب في أي وقت».
ويؤكد مصطفى، أن جميع السكان يتحفظون على قيادة الصبية للحناطير؛ لأنها في هذه الحالة تكون مصدر خطر، وهو ما يمكن معالجته بزيادة الرقابة ووضع ضوابط تحكم المهنة.



صفعات وضرب بالهواتف والمأكولات... بعض هدايا جمهور الحفلات إلى المغنِّين

المغنية الأميركية بيبي ريكسا مصابة بجرح في الحاجب بعد أن رماها معجب بهاتفه (إنستغرام)
المغنية الأميركية بيبي ريكسا مصابة بجرح في الحاجب بعد أن رماها معجب بهاتفه (إنستغرام)
TT

صفعات وضرب بالهواتف والمأكولات... بعض هدايا جمهور الحفلات إلى المغنِّين

المغنية الأميركية بيبي ريكسا مصابة بجرح في الحاجب بعد أن رماها معجب بهاتفه (إنستغرام)
المغنية الأميركية بيبي ريكسا مصابة بجرح في الحاجب بعد أن رماها معجب بهاتفه (إنستغرام)

خلال إحدى حفلاته الأخيرة في بيروت، فوجئ المغنّي السوري «الشامي» بأحد الحاضرين الذي صعد إلى المسرح ووجّه إليه حركة نابية، بعد أن رفض الفنان الشاب ارتداء الكوفيّة نزولاً عند رغبة المعجب. أثارت تلك الحادثة الاستغراب، فبعد أن كان المعجبون يقتحمون خشبات المسارح لاستراق قبلة أو صورة مع مطربيهم المفضّلين، ها هم يحطّمون الحواجز الأخلاقية بينهم وبين الفنان.

لكن إذا كانت تلك التصرّفات العدائية من قبل المعجبين تجاه الفنانين طارئة على العالم العربي، فهي تُعد سلوكاً رائجاً في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا منذ عام 2021، وتحديداً بعد عودة الحفلات الموسيقية عقب جائحة «كورونا».

تعرَّض المغني الشامي قبل أسابيع لحركة نابية من معجب اقتحم المسرح (إنستغرام)

هاتف وسِوار على وجهَي ريكسا وأيليش

قبل أسابيع، وخلال حفلٍ لها في أريزونا، التقطت عدسات الكاميرا الفنانة الأميركية الشابة بيلي أيليش وهي تتلقّى سواراً على وجهها. بدت أيليش ممتعضة من هذا التصرّف الذي قام به أحد الحاضرين، فما كان منها إلا أن رمت السوار جانباً. أيليش، محبوبة الجيل الصاعد، معتادة على مواقف كهذا؛ في عام 2019 جرى تطويقها من قبل مجموعة من المعجبين؛ حيث حاول أحدهم خنقها بينما سرق آخر خاتمها.

قبل أيليش، تعرَّض عدد كبير من الفنانين لاعتداءات بأغراضٍ من العيار الثقيل، وأكثر أذى من مجرّد سوار. كان على المغنية بيبي ريكسا التوجّه من حفلها في نيويورك إلى المستشفى مباشرة، بعد أن رماها شخصٌ من بين الحضور بهاتفه على وجهها. وفي وقتٍ ظهرت ريكسا بعد الإصابة مجروحة الحاجب، جرى توقيف المعتدي الذي قال إنه تصرّف على هذا النحو آملاً في أن تلتقط الفنانة صوراً بهاتفه.

دجاج مقلي ومشروبات ورماد موتى

من بين الحوادث الصادمة، الصفعة التي تلقّتها المغنّية آفا ماكس من شخصٍ صعد إلى المسرح، بينما كانت تؤدّي أغنية خلال حفل لها في لوس أنجليس. أما المغنّي هاري ستايلز فكانت حصّته من هذه الظاهرة المستجدة قطعة دجاج مقلي أصابت عينه خلال إحدى حفلاته.

إلى جانب الهواتف التي نال مغنّي الراب دريك نصيبه منها كذلك خلال حفل في شيكاغو عام 2023، غالباً ما يلجأ الحضور إلى رمي الفنانين بالدّمى، وقطع الملابس، والمأكولات، والمشروبات. هذا ما حصل مع المغنية كاردي بي التي وجّه إليها أحد حاضري حفلها في لوس أنجليس كوباً من المشروب، فما كان منها سوى أن رمته بالميكروفون. إلا أن صدمة المغنية بينك كانت الأكبر من بين زملائها، فخلال إحيائها حفلاً في لندن، قام فردٌ من الحضور بنَثر رماد والدته المتوفّاة على المسرح!

مغنية الراب كاردي بي تضرب معجباً بالميكروفون بعد أن رماها بالمشروب (يوتيوب)

إن لم يتطوّر الأمر إلى رمي الفنان بأداة ما، غالباً ما يلجأ الحاضرون مفتعلو المشكلات إلى حِيَل أخرى، كتصويب فلاشات الكاميرا إلى وجه المغنّي بهدف إزعاجه، أو كالصراخ والسعي إلى الانخراط في محادثة معه.

في المقابل، يلوم بعض متابعي هذا المشهد المستجدّ الفنانين أنفسهم، على اعتبار أنّ بعضهم يعمد إلى رمي الجمهور بأغراض خاصة به، مثل القبعات والملابس والنظارات، ما دفع بالحضور إلى اكتساب تلك العادة والقيام بالمثل.

يلجأ بعض حضور الحفلات إلى إزعاج المغنِّين بالصراخ أو بفلاشات الكاميرات (رويترز)

لماذا يعنّف الجمهور الفنانين؟

* كورونا وعزلة الحَجْر

إذا كان الجمهور في الماضي يرمي الفنان بالبيض أو الطماطم في حال لم يعجبه الأداء، فإنّ وسائل التعبير وأسباب الامتعاض تبدّلت كثيراً على أيادي «الجيل زد». يعزو خبراء العروض الموسيقية وعلماء النفس والاجتماع تفاقم تلك الظاهرة في السنوات الأخيرة، إلى الحجْر الذي فرضته جائحة «كورونا». بسبب العزلة وتوقّف العروض الترفيهية المباشرة، نسي بعض الناس لياقة التصرّف وأدبيّات السلوك خلال الحفلات، ولا سيما منهم الجيل الصاعد.

* أوهام السوشيال ميديا وأرقامُها

السبب الثاني الذي جعل المعجب يرفع الكلفة مع الفنان، ويعد نفسه متساوياً معه محطّماً الحواجز كلها، هي وسائل التواصل الاجتماعي التي أوهمت الجمهور بأنّ الفنان صديق له، وبأنّ ما بينهما معرفة ومشاعر حقيقية وليست افتراضية. يظنّ المعجبون أنهم بمتابعتهم للفنان، وبمعرفتهم أموراً كثيرة عنه، قد كسروا جدار البروتوكول، ونالوا اهتمام الشخصية المشهورة.

تتحمّل «السوشيال ميديا» كذلك مسؤولية تحويل الحفلات الموسيقية إلى عروضٍ من العنف ضد الفنان، بسبب هوَس الجيل الصاعد بمفهوم «التريند» وتجميع المشاهدات، ولا سيما على «تيك توك». يسعى الحاضرون إلى افتعال تلك المواقف النافرة بهدف أن يصيروا جزءاً من العرض، وأن ينشروا بالتالي فيديوهات لتلك اللحظات الغريبة على أمل أن تنال الرواج على المنصة، فيدخلون بدَورهم نادي المشاهير، ولو لأيام قليلة.

* حقدٌ ماليّ

من بين الأسباب التي حوّلت حفلات أشهر الفنانين إلى عروض من العنف، أسعار البطاقات التي قد تكون خيالية في بعض الأحيان. يلجأ الحاضرون إلى التعبير عن امتعاضهم من الغلاء، بأن ينتقموا على طريقتهم من الفنان. وما يزيد الأمر سوءاً ويستفزّ البعض، ظهور الفنانين أمام الناس وهم يرتدون الملابس والحلي ذات الأثمان الباهظة والماركات العالمية.

يترافق ذلك وقناعة لدى أفراد الجمهور الذين يقومون بأعمال نافرة، بأنّ عشقَهم للشخصية المشهورة يبرر العنف ضدّها إن لم تبادلهم الاهتمام؛ خصوصاً إذا أنفقوا الكثير من أموالهم لشراء بطاقات الحفل. فبعض الجمهور يذهب في إعجابه إلى حدّ اعتبار أنّ أي شيء مبرّر من أجل الحصول على لفتة انتباه أو نظرة من الفنان، حتى وإن اضطرّه ذلك إلى افتعال مشكلة أو ضرب المغنّي بأداة حادّة!

يعد بعض جمهور الحفلات كل التصرفات مبررة من أجل لفت انتباه الفنان (رويترز)

أدبيات سلوك الحفلات

من ليدي غاغا، إلى دوا ليبا، مروراً بجاستن بيبر، وكولدبلاي، وليس انتهاءً بمايلي سايرس وتايلور سويفت؛ لم ينجُ أحد من اعتداءات الجمهور الغريبة. فرض ذلك اتّخاذ مواقف من قبل الفنانين تجاه ما يحصل، فخلال إحدى حفلاتها في لوس أنجليس رفعت المغنية البريطانية أديل الصوت قائلة: «هل لاحظتم كم نسي الناس أخلاقيات الحفلات؟ إذا تجرّأ أحد على أن يرميني بغرض ما، فسأقتله».

أما رابطة معجبي تايلور سويفت، فقد ابتكرت دليلاً لأدبيّات السلوك في الحفلات، خوفاً على محبوبتهم من التعدّيات. مع العلم بأنّ المغنية الأميركية الشابة كانت قد نالت نصيبها من تلك التصرفات، وقد عاشت إحدى أكثر اللحظات غرابة، عندما هجم أحد المعجبين باتّجاه المسرح، وحاول التقاط قدمِها بينما كانت تغنّي، قبل أن يلقي عناصر الأمن القبض عليه.