في فيينا.. اسبح في الخزنة وكل في المصرف واشرب فنجان قهوة «زاخر»

سحرها لا يبدأ من المطار ولكن مربعها الذهبي يحكي قصتها

الحي الذهبي في فيينا الأقدم في المدينة .. فرصة للمشي والتسوق
الحي الذهبي في فيينا الأقدم في المدينة .. فرصة للمشي والتسوق
TT

في فيينا.. اسبح في الخزنة وكل في المصرف واشرب فنجان قهوة «زاخر»

الحي الذهبي في فيينا الأقدم في المدينة .. فرصة للمشي والتسوق
الحي الذهبي في فيينا الأقدم في المدينة .. فرصة للمشي والتسوق

قد تكون قد مللت من قراءة مطلع كل موضوع عن فيينا بعنوان أغنية «ليالي الأنس في فيينا»، وأنا كذلك، ولو أن ليالي تلك المدينة يليق بها الأنس وأكثر، ولنغير الأغنية إلى «قل لي متى أشوفك يا كامل وصوفك؟» للفنان وليد توفيق، والسبب هو أن مدخل هذه المدينة العريقة يظلم جمالها، فأنا لا أذكر من طريقي من المطار باتجاه وسط المدينة إلا طرقات ضيقة، أبنية غير متناسقة، وفوضى عمرانية، ولكن وفي الوقت نفسه تشعر بتشوق كبير لرؤية المدينة التي وصفتها أسمهان في أغنيتها، ولو أنها غنتها خلال الحرب العالمية الثانية، ووقتها كانت فيينا تحت وابل من القصف وكانت مدمرة، أشبه بجهنم أكثر منها من الجنة.
ففيينا قصفت 52 مرة خلال الحرب العالمية الثانية ودُمرت قصورها، وهدم 87 منزلا في وسطها، وفي الوقت الذي غنت فيه أسمهان الأغنية، كانت النمسا واقعة ضمن ألمانيا النازية.
وقد يكون هذا هو السبب الحقيقي لتكريم فيينا للراحلة أسمهان العام الماضي، بسبب أغنيتها التي ساعدت على تعزيز موقع النمسا وفيينا بالتحديد سياحيا، وعرفت العرب على تلك المدينة التي كانت شبه مجهولة بالنسبة لهم، لتصبح اليوم حلم العربي الذي استمع إلى الأغنية وتشوق ليعيش كلماتها بانتظار رؤيتها كـ«روضة من الجنة ونغم في الجو له رنة سمع له الطير بكى وغنى».. ومن الحري بأن تتطابق الأغنية مع فيينا اليوم، وليس في تاريخ إصدارها عام 1944.
في كل الأحوال، وبالعودة إلى وصولي إلى مطار فيينا، استغرق الطريق ضعف الوقت المتوقع بسبب زحمة السير في وقت الذروة، وبدأ الأنس بالفعل يعبق مع أول مشهد لمدخل المدينة التاريخية من بين أبنيتها المفعمة بالروح الإمبراطورية التي تجسدها القصور التي تزدان بها منطقة «إنره شتات» العريقة، وتزامن وقت زيارتي مع أعياد الميلاد، فكان سحر المدينة مصحوبا ببهجة العيد الذي ينشر الفرح في نفوس أهالي المدينة وزوارها من خلال أسواق عيد الميلاد الجميلة.

* مصرف النمسا الوطني.. المحطة الأولى

* أول محطة فترة المساء اليانع في المدينة في أول زيارة لي، كان مبنى مصرف النمسا الوطني الذي تحول في يونيو (حزيران) الماضي إلى فندق تابع لسلسلة «بارك حياة»، ليكون الفندق الأول التابع لتلك السلسلة في النمسا.
يتمتع المبنى المنتصب في قلب الحي الذهبي، برهبة حقيقية، فهو يحمل في جعبته مائة عام من التاريخ، تفاصيل الزمن الجميل واضحة من خلال مدخله الواسع وأبوابه العملاقة، البهو الرئيس لا يشبه الردهات المعهودة في الفنادق من الفئة ذاتها.
الذي يميز غرف الفندق البالغ عددها 143 غرفة حجمها الكبير، فهي كانت في السابق غرف موظفي المصرف، وبذكاء تام، تم مزج التكنولوجيا مع المحافظة على النمط النمساوي الذي تتحلى به فيينا.
في هذا الفندق، لا بد أن تقوم بجولة منظمة مع أحد الموظفين لتعريفك على ثنايا المكان وقصة كل ركن منه، بدءا من المدخل الذي كان يعبر منه مئات العملاء قاصدين المصرف لتخصيص معاملاتهم المالية، وصولا إلى صالة «الكاشير» أو الصناديق المالية التي تحولت اليوم إلى مطعم «بانك» الذي تقصده الطبقة النخبوية في فيينا ونزلاء الفندق، واللافت هو وجود مدخل فرعي، والسبب، وبحسب أحد موظفي الفندق، الخصوصية التي يرنو إليها النمساويون؛ فهم يفضلون الدخول من باب شبه سري على الدخول من الباب الواسع، وتم تحويل غرف الموظفين في المصرف بما فيها غرف المديرين إلى غرف فندقية رائعة، وهذه العملية كانت مكلفة وصعبة التحقيق، لأن المبنى مدرج على لائحة التراث العالمي لـ«اليونيسكو»، لذا كان من البديهي التنبه إلى مسألة المحافظة على الشكل الأصلي للسقف والأرضية، مع تغييرات صغيرة وذكية.

* غرفة المدخنين

* صحيح أن التدخين مضر بالصحة، ولكن الفندق نجح في تحويل أحد أركانه إلى غرفة خاصة بالمدخنين، يطلق عليها اسم «ليفينغ روم»، واللافت هو وجود عدد كبير من غير المدخنين فيها، لأنها تشبه المكتبة أو غرفة المعيشة في بيت راقٍ، وفيها أثاث مريح، وتُعدّ مكانا يجتمع فيه أهالي فيينا فترة المساء بعد انتهائهم من أعمالهم، والجميل هو وجود الزوار من جميع الأعمار في تلك الغرفة، كما أنها مجهزة بنظام تنقية الهواء من خلال ماكينات خاصة وُضعت بطريقة مبتكرة تحت السجاد الذي يكسو الأرضية.
البنك للذواقة

* لمحبي الأكل اللذيذ يمكنهم التوجه إلى «البنك» (The Bank)، حيث يقدم المأكولات الأوروبية في مطبخ مفتوح أمام الزوار، وتقدم في المطعم نفسه وجبة الفطور. والذي يميز المأكولات هو توفرها في موسمها الأصلي، فكل شيء طازج وعضوي.
اللؤلؤ

* غرفة «بيرل» أو اللؤلؤ، ركن آخر في الفندق يجذب أهالي المدينة لتناول المشروبات والعصائر التي لا يمكن أن تتذوقها إلا في الفندق، تُقدم إلى جانب أطباق صغيرة على طريقة التاباس الإسبانية، ننصحكم بتذوق طبق دجاج الشنيتزل والريزوتو.
الخزنة

* في «بارك حياة فيينا» يمكنك أن تسبح في خزنة الفندق، التي تحولت إلى بركة سباحة رائعة التصميم، بأرضية مرصوصة بسبائك الذهب لتذكرك بتاريخ المبنى العريق، ويطل على البركة مباشرة نادٍ صحي مجهز بأحدث التقنيات، ضمن السبا الذي يحمل اسم «الذهب» باللغة المجرية «أراني» الذي يحتل مساحة مائة متر مربع، يقدم العلاجات على أنواعها. وفي مدخل السبا تجد ماكينة أصلية كانت تساعد على حفظ المال في الخزنة.
200 حرفي

* قام بعملية ترميم المبنى من الداخل مجموعة من أهم الحرفيين العالميين، قاموا بتبديل 20 ألف متر مربع من الحجارة الطبيعية بعد دراسة معمقة قام بها أكاديميون لفهم تاريخ المبنى بالتعاون مع مكتب الآثار والقطع الأثرية في المدينة، وخلال عملية الترميم، حصل حريق في الطابق الثاني أتى على معالمه بالكامل، فاستعانت شركة «سينيا» المتخصصة ببيع وشراء العقار المالكة للمبنى بحرفيين من بولندا قاموا بإعادة رسم الصور التي كانت تزين السقوف، تماما مثلما كانت من قبل مستعينين بصور كانت محفوظة لديهم، واليوم تحول هذا الطابق إلى قاعات لإقامة حفلات الزفاف والاجتماعات والمؤتمرات.
الموقع

* يحتل الفندق موقعا مميزا في الحي الأول من المدينة، حيث تقبع أهم المحلات العالمية والمحلية، يكفي بأن تخرج من باب الفندق لتجد الأسواق التجارية في المربع أو الحي الذهبي باستقبالك. المشي في تلك المنطقة ممتع جدا، لا سيما في شارعي كيرنتنر وجرابن وتوخلاوين وماريا هيلفر. فكل المنطقة مخصصة للمشاة فقط، وفي طريقك إليها سوف تطالعك القصور التي تحولت إلى عقارات خاصة تستقبل حفلات الزفاف وأعياد الميلاد، بالإضافة إلى المتاحف الفنية والكاتدرائيات الجميلة، نذكر منها كاتدرائية سانت ستيفين، فزيارته حتمية، لأنها تتمتع بهندسة فريدة وتفتح أبوابها أمام الجميع.
للمزيد من المعلومات:
www.vienna.park.hyatt.com

* زيارة ناقصة من دون قهوة وحلوى

* الفرنسيون يطلقون اسم «فيينواز» على الحلوى والكلمة مشتقة من فيينا، نسبة لروعة مذاق حلوى فيينا، لا سيما التارت «الفييني» المصنوع من طبقتي كيك محشوة فيما بينهما بطبقة من مربى المشمش ومكسوة كلها من الخارج بطبقة من الشوكولاته الذائبة، تؤكل إلى جانب الكريمة المخفوقة ليزيد السكر حلاوة. تحفظ خارج الثلاجة وتكون صالحة للأكل لغاية 18 يوما على فتحها.
ومن أشهر الأماكن التي تقدم هذه الحلوى، حيث يمكنك أن تشاهد شريطا يبين عملية تحضيرها «كافيه زاخر» (Sacher Café) التابع لفندق «زاخر» التاريخي في وسط فيينا.
يتعين عليك الانتظار في طابور طويل للحصول على مقعد وطاولة لتناول القهوة والكيك، أفضل قهوة يمكن أن تتذوقها هي قهوة فيينا الكلاسيكية مع الكريمة، وقد يكون هذا المذاق أفضل ذكرى تتركه فيينا معك عند تعود إلى بلادك.
www.sacher.com

* فيينا في سطور

* لا يقتصر تميز فيينا عاصمة النمسا على عراقة مبانيها التي تجعل منها واحدة من أجمل مدن العالم، إذ توفر المدينة الكثير من عروض الأوبرا، وحفلات موسيقى الفالس للموسيقار شتراوس. بالإضافة إلى التسوق. وتنتشر فيها أسواق رائعة ومحلات لبيع أهم الماركات العالمية.
أبرز معالمها: كاتدرائية سانت ستيفين وميدان المتاحف وبرج الدانوب ومدرسة الفروسية الإسبانية، ودولاب فيينا، ويبقى قصر شونبرون من أهم معالمها إضافة إلى دار الأوبرا الحكومية ومتحف ليوبود والقصر الإمبراطوري (هوفبورج).

* عناوين الذواقة

* كافيه سنترال Café Central يعود تاريخه إلى 130 سنة عابرة.. افتتح أبوابه عام 1876 وكان يجتمع فيه أهم الفنانين والسياسيين والمثقفين
لا يزال لغاية اليوم من أهم العناوين التي يقصدها أهالي المدينة والزوار، يجدر بك الانتظار للحصول على طاولة، أهم ما يقدم في كافيه سنترال «دجاج الشنينزل» مع السلطة بالإضافة إلى الحلوى المحلية والقهوة على أنواعها.
- فابيوز Fabios مطعم إيطالي، يقع في وسط الحي الذهبي، يقدم المأكولات الإيطالية، من أهم ما يمكن أن تتذوقه طبق «الرافيولي» والسمك.
هذا المكان يقصده أهالي المدينة فترة المساء، لأنه يتميز بأجواء جميلة وأنيقة ليلا.
- ماير أم فاربلاتز Mayer am Pfarrplatz ويقع على مسافة 15 دقيقة من وسط المدينة بواسطة السيارة.
عاش في الطابق العلوي من المبنى الموسيقار العظيم بيتهوفن وألف خلال إقامته هناك سيمفونيته التاسعة التي تعد من أهم إنجازاته.
يتميز المطعم بتقديم المأكولات المحلية، لا توجد به لائحة طعام، فالأكل يأتيك إلى الطاولة، ألذ ما يقدمه الخضار المقلية ودجاج الشنيتزل وأنواع كثيرة من السلطة. الديكورات بسيطة ولكنها تقليدية جدا، من وحي الريف النمساوي.
باليه كوبورغPalais Coburg التابع للفندق الذي يحمل الاسم نفسه، هذا الفندق مشهور باستضافته الكثير من الوفود السياسية خلال عقد القمم والمؤتمرات الدولية فيينا.
يتميز المطعم بموقعه على التراس المطل على المدنية سقفه الزجاجي المدور ومأكولاتها التي تشبه لوحات فنية، أسعاره معقولة بالنسبة لنوعية الأكل التي تُقدم فيه.
لا تفوت عليك تذوق الزبد والخبز الأسمر www.palais - coburg.com

* عناوين أخرى لتناول القهوة والحلوى

- موزارت كافيه Mazart Cafe
- بروكل Pruckel
- شوارزنبرغ Shwarzenberg
- ريتر Ritter
- سبيرل Sperl

* بيت الشوكولاته

- ديميل Demel: تعبق من هذا المحل رائحة الشوكولاته وستجد نفسك في الداخل من دون تفكير ومن دون سابق تصميم. يبيع المحل أفضل أنواع الشوكولاته في المدينة إلى جانب تشكيلة واسعة من الحلوى المحلية، وفي المحل من خلف تنتشر مقاعد وطاولات خشبية يتناسب لونها الداكن من الديكورات القديمة، سوف تنتظر طويلا، ولكن صدقني رؤية المطبخ والعاملين فيه وهم يحضرون الشوكولاته ستنسيك الوقفة المتعبة على السلم الحلزوني.
يقدم ديميل أجود أنواع الشوكولاته الساخنة
www.demel.at



قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
TT

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)

في الخلف من البقع السياحية السحرية بأنحاء مصر، توجد قرى مصرية تجذب السائحين من باب آخر، حيث يقصدونها للتعرف على الحرف التقليدية العتيقة والصناعات المحلية التي تنتجها هذه القرى وتتخصص فيها منذ عشرات السنوات، وفاقت شهرتها حدود البلاد.

ويشتهر كثير من القرى المصرية بالصناعات اليدوية، ذات البعدين التراثي والثقافي، مثل صناعة أوراق البردي، والأواني الفخارية، والسجاد اليدوي وغيرها، وهي الصناعات التي تستهوي عدداً كبيراً من الزوار، ليس فقط لشراء الهدايا التذكارية من منبعها الأصلي للاحتفاظ بها لتذكرهم بالأيام التي قضوها في مصر؛ بل يمتد الأمر للتعرف عن قرب على فنون التصنيع التقليدية المتوارثة، التي تحافظ على الهوية المصرية.

«الشرق الأوسط» تستعرض عدداً من القرى التي تفتح أبوابها للسياحة الحرفية، والتي يمكن إضافتها إلى البرامج السياحية عند زيارة مصر.

السياحة الحرفية تزدهر في القرى المصرية وتجتذب السائحين (صفحة محافظة المنوفية)

ـ الحرانية

قرية نالت شهرتها من عالم صناعة السجاد والكليم اليدوي ذي الجودة العالية، والذي يتم عرضه في بعض المعارض الدولية، حيث يقوم أهالي القرية بنقش كثير من الأشكال على السجاد من وحي الطبيعة الخاصة بالقرية.

والسجاد الذي يصنعه أهالي القرية لا يُضاهيه أي سجاد آخر بسبب عدم استخدام أي مواد صناعية في نسجه؛ حيث يتم الاعتماد فقط على القطن، والصوف، بالإضافة إلى الأصباغ النباتية الطبيعية، من خلال استخدام نباتي الشاي والكركديه وغيرهما في تلوين السجاد، بدلاً من الأصباغ الكيميائية، ما يضفي جمالاً وتناسقاً يفوق ما ينتج عن استخدام الأجهزة الحديثة.

تتبع قرية الحرانية محافظة الجيزة، تحديداً على طريق «سقارة» السياحي، ما يسهل الوصول إليها، وأسهم في جعلها مقصداً لآلاف السائحين العرب والأجانب سنوياً، وذلك بسبب تميُزها، حيث تجتذبهم القرية ليس فقط لشراء السجاد والكليم، بل للتعرف على مراحل صناعتهما المتعددة، وكيف تتناقلها الأجيال عبر القرية، خصوصاً أن عملية صناعة المتر المربع الواحد من السجاد تستغرق ما يقرُب من شهر ونصف الشهر إلى شهرين تقريباً؛ حيث تختلف مدة صناعة السجادة الواحدة حسب أبعادها، كما يختلف سعر المتر الواحد باختلاف نوع السجادة والخامات المستخدمة في صناعتها.

فن النحت باستخدام أحجار الألباستر بمدينة القرنة بمحافظة الأقصر (هيئة تنشيط السياحة)

ـ القراموص

تعد قرية القراموص، التابعة لمحافظة الشرقية، أكبر مركز لصناعة ورق البردي في مصر، بما يُسهم بشكل مباشر في إعادة إحياء التراث الفرعوني، لا سيما أنه لا يوجد حتى الآن مكان بالعالم ينافس قرية القراموص في صناعة أوراق البردي، فهي القرية الوحيدة في العالم التي تعمل بهذه الحرفة من مرحلة الزراعة وحتى خروج المنتج بشكل نهائي، وقد اشتهرت القرية بزراعة نبات البردي والرسم عليه منذ سنوات كثيرة.

الرسوم التي ينقشها فلاحو القرية على ورق البردي لا تقتصر على النقوش الفرعونية فحسب، بل تشمل أيضاً موضوعات أخرى، من أبرزها الخط العربي، والمناظر الطبيعية، مستخدمين التقنيات القديمة التي استخدمها الفراعنة منذ آلاف السنين لصناعة أوراق البردي، حيث تمر صناعة أوراق البردي بعدة مراحل؛ تبدأ بجمع سيقان النبات من المزارع، ثم تقطيعها كي تتحول إلى كُتل، على أن تتحول هذه الكتل إلى مجموعة من الشرائح التي توضع طبقات بعضها فوق بعض، ثم تبدأ عملية تجفيف سيقان النباتات اعتماداً على أشعة الشمس للتخلص من المياه والرطوبة حتى تجف بشكل تام، ثم تتم الكتابة أو الرسم عليها.

وتقصد الأفواج السياحية القرية لمشاهدة حقول نبات البردي أثناء زراعته، وكذلك التعرف على فنون تصنيعه حتى يتحول لأوراق رسم عليها أجمل النقوش الفرعونية.

تبعد القرية نحو 80 كيلومتراً شمال شرقي القاهرة، وتتبع مدينة أبو كبير، ويمكن الوصول إليها بركوب سيارات الأجرة التي تقصد المدينة، ومنها التوجه إلى القرية.

قطع خزفية من انتاج قرية "تونس" بمحافظة الفيوم (هيئة تنشيط السياحة)

ـ النزلة

تُعد إحدى القرى التابعة لمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، وتشتهر بصناعة الفخار اليدوي، وقد أضحت قبلة عالمية لتلك الصناعة، ويُطلق على القرية لقب «أم القرى»، انطلاقاً من كونها أقدم القرى بالمحافظة، وتشتهر القرية بصناعة الأواني الفخارية الرائعة التي بدأت مع نشأتها، حيث تُعد هذه الصناعة بمثابة ممارسات عائلية قديمة توارثتها الأجيال منذ عقود طويلة.

يعتمد أهل القرية في صناعتهم لتلك التحف الفخارية النادرة على تجريف الطمي الأسود، ثم إضافة بعض المواد الأخرى عليه، من أبرزها الرماد، وقش الأرز، بالإضافة إلى نشارة الخشب، وبعد الانتهاء من عملية تشكيل الطمي يقوم العاملون بهذه الحرفة من أهالي القرية بوضع الطمي في أفران بدائية الصنع تعتمد في إشعالها بالأساس على الخوص والحطب، ما من شأنه أن يعطي القطع الفخارية الصلابة والمتانة اللازمة، وهي الطرق البدائية التي كان يستخدمها المصري القديم في تشكيل الفخار.

ومن أبرز المنتجات الفخارية بالقرية «الزلعة» التي تستخدم في تخزين الجبن أو المش أو العسل، و«البوكلة» و«الزير» (يستخدمان في تخزين المياه)، بالإضافة إلى «قدرة الفول»، ويتم تصدير المنتجات الفخارية المختلفة التي ينتجها أهالي القرية إلى كثير من الدول الأوروبية.

شهدت القرية قبل سنوات تشييد مركز زوار الحرف التراثية، الذي يضمّ عدداً من القاعات المتحفية، لإبراز أهم منتجات الأهالي من الأواني الفخارية، ومنفذاً للبيع، فضلاً عن توثيق الأعمال الفنية السينمائية التي اتخذت من القرية موقعاً للتصوير، وهو المركز الذي أصبح مزاراً سياحياً مهماً، ومقصداً لهواة الحرف اليدوية على مستوى العالم.

صناعة الصدف والمشغولات تذهر بقرية "ساقية المنقدي" في أحضان دلتا النيل (معرض ديارنا)

ـ تونس

ما زلنا في الفيوم، فمع الاتجاه جنوب غربي القاهرة بنحو 110 كيلومترات، نكون قد وصلنا إلى قرية تونس، تلك اللوحة الطبيعية في أحضان الريف المصري، التي أطلق عليها اسم «سويسرا الشرق»، كونها تعد رمزاً للجمال والفن.

تشتهر منازل القرية بصناعة الخزف، الذي أدخلته الفنانة السويسرية إيفلين بوريه إليها، وأسست مدرسة لتعليمه، تنتج شهرياً ما لا يقل عن 5 آلاف قطعة خزف. ويمكن لزائر القرية أن يشاهد مراحل صناعة الخزف وكذلك الفخار الملون؛ ابتداء من عجن الطينة الأسوانية المستخدمة في تصنيعه إلى مراحل الرسم والتلوين والحرق، سواء في المدرسة أو في منازل القرية، كما يقام في مهرجانات سنوية لمنتجات الخزف والأنواع الأخرى من الفنون اليدوية التي تميز القرية.

ولشهرة القرية أصبحت تجتذب إليها عشرات الزائرين شهرياً من جميع أنحاء العالم، وعلى رأسهم المشاهير والفنانون والكتاب والمبدعون، الذين يجدون فيها مناخاً صحياً للإبداع بفضل طقسها الهادئ البعيد عن صخب وضجيج المدينة، حيث تقع القرية على ربوة عالية ترى بحيرة قارون، مما يتيح متعة مراقبة الطيور على البحيرة، كما تتسم بيوتها بطراز معماري يستخدم الطين والقباب، مما يسمح بأن يظل جوها بارداً طول الصيف ودافئاً في الشتاء.

مشاهدة مراحل صناعة الفخار تجربة فريدة في القرى المصرية (الهيئة العامة للاستعلامات)

ـ ساقية المنقدي

تشتهر قرية ساقية المنقدي، الواقعة في أحضان دلتا النيل بمحافظة المنوفية، بأنها قلعة صناعة الصدف والمشغولات، حيث تكتسب المشغولات الصدفية التي تنتجها شهرة عالمية، بل تعد الممول الرئيسي لمحلات الأنتيكات في مصر، لا سيما في سوق خان الخليلي الشهيرة بالقاهرة التاريخية.

تخصصت القرية في هذه الحرفة قبل نحو 60 عاماً، وتقوم بتصدير منتجاتها من التحف والأنتيكات للخارج، فضلاً عن التوافد عليها من كل مكان لاحتوائها على ما يصل إلى 100 ورشة متخصصة في المشغولات الصدفية، كما تجتذب القرية السائحين لشراء المنتجات والأنتيكات والتحف، بفضل قربها من القاهرة (70 كم إلى الشمال)، ولرخص ثمن المنتجات عن نظيرتها المباعة بالأسواق، إلى جانب القيمة الفنية لها كونها تحظى بجماليات وتشكيلات فنية يغلب عليها الطابع الإسلامي والنباتي والهندسي، حيث يستهويهم التمتع بتشكيل قطعة فنية بشكل احترافي، حيث يأتي أبرزها علب الحفظ مختلفة الأحجام والأشكال، والقطع الفنية الأخرى التي تستخدم في التزيين والديكور.

الحرف التقليدية والصناعات المحلية في مصر تجتذب مختلف الجنسيات (معرض ديارنا)

ـ القرنة

إلى غرب مدينة الأقصر، التي تعد متحفاً مفتوحاً بما تحويه من آثار وكنوز الحضارة الفرعونية، تقبع مدينة القرنة التي تحمل ملمحاً من روح تلك الحضارة، حيث تتخصص في فن النحت باستخدام أحجار الألباستر، وتقديمها بالمستوى البديع نفسه الذي كان يتقنه الفراعنة.

بزيارة القرية فأنت على مشاهد حيّة لأهلها وهم يعكفون على الحفاظ على تراث أجدادهم القدماء، حيث تتوزع المهام فيما بينهم، فمع وصول أحجار الألباستر إليهم بألوانها الأبيض والأخضر والبني، تبدأ مهامهم مع مراحل صناعة القطع والمنحوتات، التي تبدأ بالتقطيع ثم الخراطة والتشطيف للقطع، ثم يمسكون آلات تشكيل الحجر، لتتشكل بين أيديهم القطع وتتحول إلى منحوتات فنية لشخصيات فرعونية شهيرة، مثل توت عنخ آمون، ونفرتيتي، وكذلك التماثيل والأنتيكات وغيرها من التحف الفنية المقلدة، ثم يتم وضع المنتج في الأفران لكي يصبح أكثر صلابة، والخطوة الأخيرة عملية التلميع، ليصبح المنتج جاهزاً للعرض.

ويحرص كثير من السائحين القادمين لزيارة المقاصد الأثرية والسياحية للأقصر على زيارة القرنة، سواء لشراء التماثيل والمنحوتات من المعارض والبازارات كهدايا تذكارية، أو التوجه إلى الورش المتخصصة التي تنتشر بالقرية، لمشاهدة مراحل التصنيع، ورؤية العمال المهرة الذين يشكلون هذه القطع باستخدام الشاكوش والأزميل والمبرد، إذ يعمل جلّ شباب القرية في هذه الحرفة اليدوية.