لبنان يرشّد السلّة الغذائية المدعومة

بعد وقائع تلاعب بالمواطنين... وتهريب منتجات إلى الخارج

أبو حيدر في جولة على بعض المحال التجارية قبل أيام (الوكالة المركزية).
أبو حيدر في جولة على بعض المحال التجارية قبل أيام (الوكالة المركزية).
TT

لبنان يرشّد السلّة الغذائية المدعومة

أبو حيدر في جولة على بعض المحال التجارية قبل أيام (الوكالة المركزية).
أبو حيدر في جولة على بعض المحال التجارية قبل أيام (الوكالة المركزية).

في خطوة متوقّعة، لا سيّما مع تناقص احتياط مصرف لبنان من العملات الأجنبيّة، أعلنت وزارة الاقتصاد ترشيد دعم السلّة الغذائيّة عبر خفض عدد سلع هذه السلّة بنسبة تتراوح بين 55 و60 في المائة، أي تقليل كلفتها من 210 ملايين دولار شهرياً إلى أقل من 100 مليون، ما يُسهم في إطالة أمد دعمها لأشهر إضافيّة.
«نظرياً يجب أن يؤثّر ترشيد الدعم على المواطن مباشرة ولكن عملياً الأمر سيّان»، حسبما يقول صاحب بقالة في العاصمة بيروت، شارحاً في حديث مع «الشرق الأوسط» أنّ السلع المدعومة لم تكن أصلاً موجودة في الأسواق بكميّات كافية فكان المواطن يشتري في معظم الأحيان السلعة غير المدعومة التي تسعّر على أساس سعر صرف الدولار في السوق السوداء.
عدم تأثير ترشيد السلة على المواطن لا ينطلق من شحّ مواد هذه السلّة فقط حسبما يقول أحد المواطنين، مشيراً إلى أنّ «الفرق بين السلعة المدعومة وغير المدعومة لم يكن كبيراً، وفي أكثر الأحيان لا يتجاوز الألفي ليرة (1.33 دولار حسب سعر الصرف الرسمي وتقريباً 20 سنتاً على سعر دولار السوق السوداء). فبينما يُباع وعلى سبيل المثال كيلو السكّر المدعوم بـ2250 ليرة يبلغ ثمن غير المدعوم 3750. أمّا الأرز الذي طال الدعم نوعين اثنين منه فقط، فيباع الكيلو المدعوم منه (البسمتي) بـ8500 بينما يبلغ سعر غير المدعوم 10500».
ويُشار إلى أنّ وزارة الاقتصاد كانت أطلقت ما يُسمّى السلة الغذائية المدعومة منذ يوليو (تموز) الماضي، بهدف وضع حد لارتفاع أسعار السلع الغذائية مع شحّ الدولار وارتفاع سعره في السوق السوداء، لا سيّما أنّ لبنان يستورد أكثر من 90 في المائة من هذه السلع. وضمّت السلة (قبل الترشيد) 30 سلعة غذائية وأساسية إلى جانب 270 سلعة تُصنّف مواد أولية تدخل في التصنيع. وأتاحت آليّة دعم هذه السلّة للمستورد أن يؤمن دولار استيراد السلع التي تدخل ضمنها من مصرف لبنان على أساس سعر صرف 3900، أي وسطي بين سعر السوق السوداء (حالياً بحدود 8000) والرسمي (1515 ليرة)، ولكنّ مصرف لبنان الذي يدعم القمح والدواء والمحروقات أيضاً ولكن على أساس سعر الصرف الرسمي، أعلن مؤخراً أنّه لم يعد قادراً على الاستمرار بالدعم بسبب تناقص احتياطه من العملات الأجنبيّة.
ولاقت السلة الغذائية ومنذ إطلاقها انتقادات عديدة لجهة عدم جدواها، لا سيّما أنّها لم تسهم في خفض أسعار السلع كما بيّن مؤشّر الأسعار غير مرّة، إلّا أنّ ترشيدها لم ينطلق من مبدأ إعادة تقييمها بل جاء «بهدف المساهمة في استمرارها لوقت أطول»، حسبما يشير مدير عام وزارة الاقتصاد محمد أبو حيدر. ولفت في حديث مع «الشرق الأوسط» إلى أنّه «تمّ إخراج المواد الأولية وبعض السلع المصنّفة فَخمة أو غير أساسية مثل الفاكهة المجفّفة والمكسرات». وأشار أبو حيدر إلى أنّ ترشيد الدعم لن يمس بالأمن الغذائي، فالدعم مستمر بالنسبة للحوم والحليب والمعكرونة والأرز والسكر والعدس والفول والحمص وغيرها من المواد الأساسيّة.
وكان إدراج المكسرات لا سيّما الكاجو والمكاديميا ضمن سلة غذائية مدعومة وُضع في إطار «التنفيعات»، انطلاقاً من «مبدأ المحاصصة»، وفق رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو. وأشار في حديث مع «الشرق الأوسط» إلى أنّ «بعض الشركات المحسوبة على جهات سياسية معينة وزعماء لا تعمل بالمواد الأساسية، فتتمّ إضافة مجال عملها إلى السلة المدعومة حتى لو لم تكن أساسية كالكاجو مثلاً، وكلّه على حساب أموال المودعين».
إدراج سلع غير أساسيّة بهدف تنفيع تجار معينين، الذي لم يعد موجوداً مع ترشيد الدعم، لم يكن سبب الانتقاد الوحيد للسلّة، فالآليّة المعتمدة في الدعم «أتت على قياس التجار وعلى حساب المواطن الذي لم يصل إليه من الدعم سوى 3 في المائة»، حسبما يرى برو.
وكانت وزارة الاقتصاد حوّلت الأسبوع الماضي إلى النيابة العامة، شركتين ظهرت منتوجات مدعومة تعود إليهما في مراكز بيع خارج لبنان، ما أعاد الحديث عن تهريب هذه البضائع.
في هذا الإطار، يرى برّو أنّ «تهريب البضائع المدعومة وبيعها للخارج يعود بأرباح كبيرة وبالدولار الجديد إلى التجار»، لافتاً إلى أنّ التهريب ليس باب التلاعب الوحيد، «إذ يخزن بعض التجار هذه المواد ليتم بيعها بعد وقف الدعم المتوقّع، فتكون مصدراً لجني أرباح هائلة غير قانونية». ويتمثل الاحتيال على السلة الغذائية أيضاً في قيام بعض التجار بالتلاعب بالمنتج المدعوم وتقديمه على أنه منتج جديد، ما ينفي عنه صفة «الدعم»، أو أن يقوم التاجر برفع سعره بحجّة إعادة توضيبه، كما يوضح برّو كبيع الدجاج بسعر مختلف، لأنّه بات موضباً كصنف غير محدّد سعره في لائحة الوزارة.
ويشير برو أيضاً إلى «فوضى» تسببت بها السلة الغذائية، «فهي دعمت عدداً قليلاً من كبار التجار المحتكرين الذي يملكون السوق، فكسدت بضائع تجار آخرين».



المقاتلات الأميركية تتصيّد مقرات لمخابرات الحوثيين

آثار قصف أميركي استهدف موقعاً للحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
آثار قصف أميركي استهدف موقعاً للحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

المقاتلات الأميركية تتصيّد مقرات لمخابرات الحوثيين

آثار قصف أميركي استهدف موقعاً للحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
آثار قصف أميركي استهدف موقعاً للحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

بينما واصلت المقاتلات الأميركية ضرباتها على مواقع ومخابئ الحوثيين في خطوط التماس مع قوات الحكومة اليمنية في محافظات مأرب والجوف وتعز والحديدة، كثفت تلك المقاتلات من استهداف مقار أجهزة مخابرات الجماعة، ومراكز للقيادة والسيطرة، خلال الأيام القليلة الماضية.

ووسط إشاعات عن تلقي الحوثيين بلاغات مسبقة من جهة غير معروفة قبل استهداف بعض المواقع المهمة، أكدت مصادر وثيقة الاطلاع لـ«الشرق الأوسط» أن الضربات التي استهدفت حي 14 أكتوبر في مديرية السبعين في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء أصابت منزلاً يستخدم كمقر سري لجهاز الأمن والمخابرات الحوثي الذي يقوده عبد الحكيم الخيواني، وقالت إنه تم إخلاء المنزل قبل ساعات من استهدافه.

ووفق هذه المصادر، فإنها ليست المرة الأولى التي يتلقى فيها الحوثيون تحذيرات من استهداف بعض مواقعهم، بل إن ذلك حدث عدة مرات، مثلما حدث خلال سنوات المواجهة مع القوات الحكومية، حيث أفلت عدد من القادة العسكريين في الجماعة، ومجاميع من المقاتلين من ضربات دقيقة بسبب تلك التحذيرات التي مكنتهم من مغادرة أماكن وجودهم قبل استهدافها بوقت قصير.

الحوثيون أزالوا بقايا موقع سري للمخابرات في جنوب صنعاء بعد استهدافه (إعلام محلي)

وأكدت مصادر عسكرية يمنية حدوث مثل هذه الأمور في السابق، واتهمت أطرافاً إقليمية ودولية بمساعدة الحوثيين على الإفلات من ضربات مميتة بغرض إطالة أمد الصراع في البلاد.

وذكرت المصادر أن عودة هذه التنبيهات خلال استئناف الولايات المتحدة ضرباتها على مواقع ومخابئ الحوثيين يظهر أن هناك من يسعى لإفشال خطط الإدارة الأميركية في تدمير القدرات العسكرية للحوثيين كما حدث مع الضربات الإسرائيلية ضد «حزب الله» اللبناني.

مواقع سرية

مع ذلك، بيّنت المصادر أن الضربات التي نُفذت خلال الـ72 ساعة الماضية تركزت على مواقع مفترضة لأجهزة مخابرات الحوثيين وقادة هذه الأجهزة في صنعاء وصعدة ومراكز القيادة المتقدمة في محافظات مأرب والجوف والحديدة.

واستهدفت الضربات مقراً سرياً آخر ملحقاً بمعسكر قوات الأمن المركزي يُستخدم كمكتب لوزارة داخلية الحوثيين ومقر لجهاز مخابرات الشرطة الذي استُحدث مؤخراً وعُين على رأسه نجل مؤسس الجماعة، كما استهدفت الغارات مخبأ لأحد قادة المخابرات في اتجاه مطار صنعاء.

ونشر سكان في صنعاء مقاطع مصورة أظهرت انفجارات ضخمة وتشكل سحباً من الدخان عقب الضربات الأميركية لهذه المواقع، كما سُمعت أصوات سيارات الإسعاف لعدة ساعات، فيما حرص الحوثيون على جرف المباني المستهدفة طوال الليل حتى لا تُعرف تفاصيلها مع حلول الصباح.

وطالت الغارات التي وصفها السكان بالأعنف منذ بدء هذه الضربات في منتصف شهر مارس (آذار) الماضي، مواقع مفترضة للقيادة والسيطرة في مديرية بني الحارث شمالي صنعاء، بعد استهداف مواقع للقيادة في المخابئ الجبلية في جبل نقم شرقي المدينة.

واستهدف القصف الجوي مواقع للقيادة والسيطرة ومخازن الأسلحة في محافظة صعدة، حيث توجد مخابئ متعددة لزعيم الجماعة ومراكز الأمن والمخابرات التي تتولى تأمينه والقيادات العسكرية والأمنية البارزة.

ونفذت القوات الأميركية أيضاً سلسلة غارات استهدفت مخابئ ومخازن وثكنات للحوثيين في المناطق الواقعة بين محافظتي مأرب وصنعاء، طالت مواقع تابعة لمديرية مجزر وأطراف رغوان وصرواح، ومديرية نهم بمحافظة صنعاء.

أهداف متقدمة

وضربت الغارات الأميركية مقرات لما تسمى قيادة المنطقة العسكرية المركزية التي يقودها عبد الخالق الحوثي شقيق زعيم الجماعة، كما استهدفت مخازن ومنصات وأنظمة إطلاق الصواريخ في منطقة فرضة نهم التابعة لمحافظة صنعاء وامتدت إلى مواقع أخرى في أطراف مديريتي نهم وصرواح.

رئيس مجلس القيادة اليمني يطالب بشراكة استراتيجية دولية لتأمين الممرات المائية (إعلام حكومي)

وفي محافظة الجوف (شمال شرقي صنعاء) استهدفت المقاتلات مواقع متقدمة للحوثيين في مديرية برط العنان، كما استهدفت مواقع مماثلة في مديرية مدغل شمال غربي محافظة مأرب.

في حين أكدت مصادر محلية في الحديدة (غرب) أن معظم سكان جزيرة كمران التي تستهدفها الضربات الأميركية بشكل متواصل غادروها بعد أن حولها الحوثيون إلى قاعدة عسكرية، وفرضوا قيوداً مشددة على تحركات السكان الذين يعملون في الصيد، وزاد من خطورة البقاء فيها أنها أصبحت هدفاً للضربات بشكل شبه يومي.

وعقب اقتحامهم العاصمة اليمنية في سبتمبر (أيلول) 2014، قام الحوثيون بحل أجهزة المخابرات وشكلوا جهازاً جديداً أطلقوا عليه اسم الأمن والمخابرات، كما استحدثوا جهازاً آخر أسموه استخبارات الشرطة يقوده علي حسين الحوثي نجل مؤسس الجماعة، إلى جانب جهازهم الأمني الخاص المسمى الأمن الوقائي، وما يسمى دائرة الاستخبارات العسكرية التي يقودها عبد الله الحاكم، الموضوع على قائمة العقوبات الدولية.