مشروع لتقسيم الممتلكات الوقفية يغضب سنة العراق... والكاظمي يوقفه

TT

مشروع لتقسيم الممتلكات الوقفية يغضب سنة العراق... والكاظمي يوقفه

أثار مشروع لتقاسم الأوقاف والممتلكات الدينية في المحافظات العراقية، عدا إقليم كردستان، بين الوقفين السني والشيعي، غضب واستهجان غالبية المؤسسات والشخصيات السنية التي ترى أنه يؤسس لاستحواذ المكون الشيعي على غالبية الأملاك الوقفية للمكون السني. وفي الأثناء، أعلن «المجمع الفقهي العراقي» الذي يعد المرجعية السنية الأرفع في البلاد، أمس، أن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، خلال اتصال بكبير علماء المجمع الدكتور أحمد حسن الطه للاطمئنان على صحته «أصدر قراراً بعدم المضي بالاتفاق المشترك بين الوقفين». وكان المجمع الفقهي قد أصدر قبل أيام فتوى حرم فيها قرار الحكومة المتعلق بالأوقاف، نظراً «لما فيه من تلاعب وتحكم بأوقاف محسوبة لله تعالى، ومشيدة بشرط واقفها، ولذا يطالب بإلغاء هذا الاتفاق».
وبعد نحو أسبوع من المواقف الرافضة التي صدرت عن معظم الاتجاهات السنية، التحق الداعية أحمد الكبيسي، أمس، بموجة الغضب والاستنكار السنية حيال مشروع التقسيم، من خلال رسالة صوتية وجهها إلى رئيس ديوان الوقف السني سعد كمبش، قال فيها: «لقد تكلم العلماء عن مشروع تقاسم الأوقاف، وقد سموه مشروع الفتنة، وأنا أسميه مشروع الخزي والعار».
وأضاف أن «الأوقاف السنية ليست ملكاً للسنة فقط، وإنما ملك للعالم الإسلامي كله، فالشيخ عبد القادر الكيلاني وأبو حنيفة وغيرهما ملك لكل المسلمين، وليست ملكاً للعراقيين فقط، فاتقي الله يا رجل». وتابع: «لقد اتصل بي رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي شخصياً، وعرض عليّ رئاسة الأوقاف، وعرض عليّ المنصب وترجاني لقبوله، لكنني رفضت، وقلت له: الأوقاف مليئة بالفساد، وأنا لا أستطيع أن أتحمل وزر درهم واحد يسرق من مال الأوقاف».
وتابع الكبيسي، موجهاً كلامه إلى رئيس الوقف السني: «إذا كنت تظن أن سبب وجودك في المنصب هو توقيعك على هذه المعاهدة العفنة، فاطمئن، فإن السيد الكاظمي يبحث عن الشخص المناسب، ولن يبقى لك غير الخزي والعار، وأقول لك مرة ثانية: اتق الله يا رجل».
وتتواصل منذ أيام ردود فعل من غالبية الجهات والشخصيات السنية ضد قرار تقسيم الأوقاف، ما اضطر لجنة الأوقاف العليا إلى التريث في الموضوع إلى حين التوصل إلى صيغة اتفاق مرضية بين الوفقين للتقاسم، كما يقول بيان لديوان الوقف السني.
وقال الديوان أمس: «لا يخفى على المهتمين بشؤون الأوقاف الدينية، وما جرى بعد عام 2002 من أحداث، أن محاضر اجتماعات لجان الفك والعزل بدأ العمل بموجبها منذ 11 نوفمبر (تشرين الثاني) 2003، بهدف التوصل إلى اتفاقات وتفاهمات مشتركة لاسترجاع الأملاك الوقفية لكل من ديواني الوقفين السني والشيعي، طبقاً لما يملكه الطرفان من حجج وقفية أو قرائن».
وأضاف: «حرصاً منا على رغبة عدد من مراجعنا الفقهية والإفتائية والعلمائية وشيوخنا الكرام، فقد تقرر التريث بمحاضر الفك والعزل حتى يتوصل الطرفان من الوقفين السني والشيعي إلى صيغة اتفاق مرضية ومنصفة ومقنعة لا تجحف حق أحد ولا تبخسه».
ويقول مصدر مقرب من ديوان الوقف السني لـ«الشرق الأوسط» إن «قرار التوقف جاء بعد اجتماع عقد في الأمانة العامة لمجلس الوزراء للجنة الأوقاف العليا، نتيجة الاعتراضات الغاضبة التي صدرت ضد مشروع التقسيم».
ويضيف المصدر الذي يفضل عدم الكشف عن هويته أن «قرار تقسيم الأوقاف بين السنة والشيعة كان نتيجة حتمية لكل وزارة الأوقاف بعد عام 2003. وهو موضوع معقد وشائك نتيجة الاختلافات بين الجانبين حول الأسس القانونية والشرعية التي يستند إليها قرار التقسيم، مع تمسك كل طرف بحججه».
ويرى المصدر أن «أساس الغضب السني مصدره اعتماد توزيع الأوقاف استناداً إلى نسبة السكان في كل محافظة، حسب مقاعد المكونات في انتخابات المجالس المحلية، ومعنى ذلك أن غالبية الأوقاف السنية في بغداد والبصرة ستذهب إلى الوقف الشيعي».
ويستند الوقف الشيعي إلى حجج كثيرة في أحقيته بتقاسم الأوقاف وذرائع كثيرة، منها أن «الشيعة لم يسمح لهم في عهد نظام صدام حسين ببناء الجوامع والحسينيات، إلا بحدود ضيقة جداً، خلافاً للسنة، ما جعل الدولة حينها تخصص لهم الأراضي، وتسمح لهم بالتملك والبناء».
وبدوره، رفض رئيس الوقف السني في محافظة نينوى، أبو بكر كنعان، مشروع التقسيم، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إنه مشروع ظالم غير عادل، لا يستند إلى القضاء أو أي معايير شرعية، لذلك لن أقبل بتطبيقه في حال أقر في نينوى».
وخلافاً للحديث عن سيطرة ميليشيات وجماعات شيعية على أراضي وأملاك وقفيه في الموصل، نفى أبو بكر ذلك، وقال: «باستثناء قطعة أمام جامع النبي يونس، ما زالت محل ترافع أمام القضاء، لم تسيطر أي جهة على الأموال الوقفية في الموصل».
ويرى كنعان أن «موضوع تقسيم الأوقاف يجب أن يستند إلى الحجج والوثائق الرسمية التي تثبت عائدية الممتلكات لهذا الجهة أو تلك، وبإشراف القضاء، وليس بطريقة كيفية بعيداً عن ذلك».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.