«قانون الجرائم المعلوماتية» في العراق يصطدم بمعارضة

TT

«قانون الجرائم المعلوماتية» في العراق يصطدم بمعارضة

عاد إلى دائرة الجدل والاختلاف مشروع قانون «الجرائم المعلوماتية» بصيغته القديمة وغير المعدلة، الذي بدأ البرلمان العراقي مناقشته أول من أمس. وترفض الاتجاهات المدنية والقانونية المعنية بحرية التعبير والحق في تداول المعلومات المشروع، وترى أنه يعيد البلاد إلى «عهود الديكتاتورية».
وواجه مشروع القانون الذي نوقشت مسودته في حدود عام 2007، ثم ظهر إلى العلن عام 2011، انتقادات ورفض منظمات المجتمع المدني والجهات الرقابية المحلية والدولية على طوال الخط. وفي عام 2018 اجتمع ممثلون عن طيف من منظمات المجتمع المدني مع نائب رئيس البرلمان حسن الكعبي وخرجوا باتفاق على صياغة جديدة تراعي الأخطاء التي وقعت فيها مسودة المشروع الأولية التي عاد البرلمان لطرحها مجدداً دون تعديل، مما أثار رفض وحفيظة منظمات المجتمع المدني، حيث أعلن «تحالف المادة 38 من الدستور العراقي» (تتعلق بحرية التعبير والصحافة)، الذي يضم طيفاً واسعاً من منظمات المجتمع المدني، رفض القانون. وقال التحالف في بيان، أمس، إنه «يتابع بقلق محاولات بعض الكتل واللجان البرلمانية تمرير قانون (جرائم المعلوماتية) سيئ الصيت، متجاوزاً بذلك كل الوعود التي سبق وأطلقها النائب الأول لرئيس البرلمان (حسن الكعبي) لإشراك منظمات المجتمع المدني في إعداد فقرات القانون». وأضاف: «إننا في (تحالف المادة 38) سبق أن نجحنا في إيقاف التصويت على هذا القانون لدورتين برلمانيتين، ونستغرب إصرار الحكومة والبرلمان على إعادة إدراج نفس المسودة التي سبق رفضها لأكثر من مرة». وأكد التحالف على «رفضه وبشدة أي محاولات للالتفاف على حرية التعبير التي كفلها الدستور وفق (المادة 38)، ونعتبر المسودة المدرجة للقراءة هي محاولة للعودة بالعراق إلى حقبة الديكتاتورية والمخبر السري».
وخرج العشرات في مظاهرة ببغداد أمس نددت بمسودة القانون وطالبت بإلغائها؛ «لأنها تتعارض مع أبسط مبادئ حرية التعبير وحقوق الإنسان التي كفلها الدستور العراقي». وتقول الناشطة وعضو التحالف، ذكرى سرسم، لـ«الشرق الأوسط»: «يبدو أن بعض الأحزاب والجماعات في البرلمان وبدفع من لجنة الأمن والدفاع التي طرحت مسودة المشروع القديمة، تريد تمريره لدوافع أمنية واستخبارية لا أكثر، وهي بذلك تتجاهل اعتراضات المنظمات الحقوقية المحلية والدولية على الصيغة الحالية». وتضيف: «في تقديري أن قضايا المعلومات والعقوبات المتعلقة بها يمكن معالجتها عبر قانون العقوبات العراقي مع بعض التعديلات، ولا حاجة لقانون جديد».
ووجه قاضي النزاهة الأسبق، رحيم العكيلي، انتقادات لبعض بنود القانون، خصوصاً المادة الثامنة التي نصها: «يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 7 سنوات ولا تزيد على 10 سنوات وبغرامة لا تقل عن 5 ملايين دينار ولا تزيد على 10 ملايين دينار عراقي، كل من دخل عمداً موقعاً أو نظاماً أو أجهزة حاسوب أو ما في حكمها بقصد الحصول على معلومات تمس الأمن القومي أو الاقتصاد الوطني». وكتب العكيلي في تدوينة على «فيسبوك»: «نص (المادة 8) من (قانون جرائم المعلوماتية) يعاقب على مجرد الدخول بقصد الحصول على معلومات، أي إنه يعاقبك سواء حصلت على المعلومة أم لم تحصل، وحتى لو كان دخولك مشروعاً أو غير مسموح، ولا يفرق النص بينهما». وأضاف: «لا أدري لماذا يجرمون السعي للحصول على المعلومات بحجة أنها تمس الأمن الوطني أو الاقتصاد الوطني، ثم من الذي يحدد طبيعة المعلومات التي تمس الأمن والاقتصاد الوطنيين ولا تمس بهما؟».
ويقول رئيس «جمعية الدفاع عن حرية الصحافة»، مصطفى ناصر، إن «القانون لم يجرم قضية التنصت التي تقوم بها الأجهزة الأمنية على المواطنين دون أوامر قضائية، وكان يجدر به تجريمها، وهذا بتقديري من أوضح عيوب مشروع القانون». ويضيف ناصر لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك اعتراضات أخرى لا تقل أهمية حول (المادة 8) الفضفاضة التي تتحدث عن عقوبات قاسية بالسجن والغرامات المالية الضخمة بشأن قضايا الأمن الوطني، إلى جانب مواد فضاضة هي الأخرى وردت وتتعلق بمسألة المساس بالمبادئ الدينية والاجتماعية».
بدوره، وجه النائب عن كتلة «التغيير» الكردية هوشيار عبد الله، أمس، انتقادات شديدة لمشروع القانون ورفض تمريره في البرلمان. وقال عبد الله في بيان، أمس: «منذ الدورة البرلمانية السابقة كنت من أشد الرافضين تشريع (قانون جرائم المعلوماتية)، وما زلت أرفضه رفضاً قاطعاً لأسباب عدة؛ أهمها أنه يشكل تهديداً جدياً لحرية التعبير، ويعد الخطوة الأولى لتأسيس الدولة البولیسیة». وأضاف: «لقد شاهدنا بأعيننا ما حصل لكثير من (ثوار تشرين) من قتل واعتقالات وتعذيب، لمجرد أنهم طالبوا بحقوقهم المشروعة وانتقدوا الفاسدين، كما تمت ملاحقة كثير من الناشطين وتعرضوا للاغتيال بسبب منشوراتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، كل ذلك حصل وبشكل علني وأمام أنظار الأمم المتحدة والعالم من دون وجود مظلة قانونية تحمي القتلة، فكيف ستكون الحال إذا أصبح في يد بعض أحزاب السلطة قانون يتيح لها اعتقال الناشط الذي ينتقد مسؤولاً فاسداً؟».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.