لماذا استغرق الاعتراف بتأثير تسديد الكرة بالرأس على الدماغ 50 عاماً؟

مدربو الدوري الإنجليزي مستعدون لمنعها خلال التدريبات إذا أثبتت الأبحاث خطورتها

التسجيل بتسديد الرأس إحدى مهارات البرتغالي رونالدو  لكن هل يعلم مدى خطورتها؟ (رويترز)
التسجيل بتسديد الرأس إحدى مهارات البرتغالي رونالدو لكن هل يعلم مدى خطورتها؟ (رويترز)
TT

لماذا استغرق الاعتراف بتأثير تسديد الكرة بالرأس على الدماغ 50 عاماً؟

التسجيل بتسديد الرأس إحدى مهارات البرتغالي رونالدو  لكن هل يعلم مدى خطورتها؟ (رويترز)
التسجيل بتسديد الرأس إحدى مهارات البرتغالي رونالدو لكن هل يعلم مدى خطورتها؟ (رويترز)

يطرح بعض الأشخاص الذين نجري معهم لقاءات عدداً من الأسئلة أكثر من تلك التي يجيبون عنها. فبمجرد أن تتحدث إلى عائلات لاعبي كرة القدم السابقين الذين يعانون من الخرف، سوف يخبرونك بكل الأشياء الصغيرة التي حدثت في الماضي، والتي ينظرون إليها الآن وهم يطرحون كثيراً من الأسئلة بشأنها. فقد صرحت زوجة مدافع ميدلسبره، بيل غيتس، في حوار معنا عن الصداع النصفي الذي كان يعانى منه زوجها في بعض الأحيان بعد تسديد الكرة بالرأس في التدريبات.
وسمعت الأمر نفسه من نجل مهاجم هال سيتي، كريس شيلتون، الذي يتذكر كيف كان والده، عندما كان في منتصف الثلاثينيات من عمره، يذهب إلى طبيب متخصص لرؤية فحوصات الأشعة التي أجراها، ليخبره الطبيب بأن «عنقه كأنها لرجل في الثانية والتسعين من العمر». وفي النهاية، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: لو كان شيلتون يعرف آنذاك ما ثبت اليوم هل كان سيواصل اللعب؟
من المؤكد أن معرفة تأثير تسديد الكرة بالرأس على الدماغ ليست مسؤولية اللاعبين أنفسهم لأنهم قد وضعوا ثقتهم في الرجال الذين يديرون اللعبة، وفي الأندية التي تعاقدت معهم، وفي الأطباء الذين يعتنون بهم.
هل كان جون أرلوت يعلم هذا عندما كتب في صحيفة «الغارديان» في عام 1969 يقول: «كان هناك محترفون آخرون أصيبوا بغثيان بسبب التأثير المستمر لتسديد الكرة الموحلة بجباههم. ومن المثير للدهشة أننا لا نسمع عن حالات تلف في الدماغ مماثلة لدى أولئك الذين يسددون الكرة برؤوسهم بشكل مستمر». إنه لشيء مفزع أن نقرأ تلك الكلمات في ضوء آخر ما تم الكشف عنه بشأن العلاقة بين الإصابة بالخرف وكرة القدم.
وأخيراً، بدأ المدربون يشعرون بالخطر من ضربات الرأس، وطالب بعضهم في أندية الدوري الإنجليزي الممتاز بمنعها خلال التدريبات، إذا أثبتت الأبحاث أنها تتسبب في الإصابة بالخرف مع تقدم العمر.
وتم تسليط الضوء على هذه القضية عقب وفاة لاعب منتخب إنجلترا السابق نوبي ستايلز الشهر الماضي. وأصيب ستايلز، وعدد من زملائه في منتخب إنجلترا الفائز بكأس العالم 1966، بالخرف قبل وفاتهم، بينما كشفت زوجة بوبي تشارلتون (83 عاماً) عن معاناة لاعب مانشستر يونايتد الشهير من الخرف أيضاً في الآونة الأخيرة.
وعن ذلك، قال سلافن بيليتش، مدرب وست بروميتش ألبيون: «إذا أثبتت الأبحاث أن ضرب الكرة بالرأس 10 مرات خلال التدريبات سيسبب الخرف، فعلينا منع ذلك». كما قال فرانك لامبارد، مدرب تشيلسي، إنه يفكر حالياً في أسلوب تدريب لاعبيه، وإنه يفضل منع ضرب الكرة بالرأس خلال تدريبات الشبان والناشئين قبل تطبيق ذلك على لاعبي الصف الأول. وأضاف لامبارد: «علينا القيام بأي شيء من شأنه جعل الوضع أكثر أمانا».
وقال دين سميث، مدرب أستون فيلا، الذي عانى والده من الخرف قبل وفاته بفيروس كورونا، إنه يتفق مع آراء بيليتش، فيما يتعلق بضرورة إجراء مزيد من الأبحاث في هذا الجانب.
وأردف سميث: «للأسف، أصبح ألزهايمر والخرف أكثر شيوعاً حول العالم حالياً، لكني أعتقد أنه يتعين علينا التحرك، إذا تبين وجود علاقة بين ضرب الكرة بالرأس والإصابة بالخرف».
وفي مارس (آذار) عام 1973، قدم البروفسور بيل جونسون ورقة إلى أعضاء نقابة المهندسين في مانشستر. وفي ذلك الوقت، كان جونسون رئيساً لقسم الهندسة الميكانيكية في معهد العلوم والتكنولوجيا التابع لجامعة مانشستر. وتخصص جونسون في اللدونة وصناعة البلاستيك، لكن كانت لديه أوراق بحثية جانبية في الكتابة عن الميكانيكا التطبيقية، ومن بينها ورقة بحثية عن تأثير تسديد الكرة بالرأس.
وبعد ما يقرب من 20 عاماً، ذكر عضو في نقابة المهندسين في مانشستر تفاصيل ذلك الاجتماع، في رسالة إلى صحيفة «الغارديان»، حيث كتب: «في المناقشة التالية، جرى بحث آليات التعرض للضربة القاضية في الملاكمة، وتسديد الكرة بالرأس في لعبة كرة القدم. لقد لوحظ أن لاعبي كرة القدم المحترفين لا يبذلون أي محاولة -بشكل غريزي- لتسديد الكرة بالرأس إذا كانت تتحرك بسرعة تزيد على 40 ميلاً في الساعة، للحفاظ على الضرر الذي يلحق بالدماغ عند مستوى مقبول».
ويبدو أن المحادثة التي يتذكرها هذا العضو قد استحوذت على خيال جونسون الذي قام بعد ذلك بإجراء تجربة في مختبره، تتضمن مقياس تسارع، وقبعة غوص، واثنين من أشعة الضوء، ومرآتين، وخلية كهروضوئية، وكثيراً من الخيط. وسمحت تلك التجربة لجونسون بقياس سرعة الكرة، وتسارع الرأس بعد الاصطدام، ومن ثم حساب النتائج على مؤشر يسمى «مؤشر شدة جاد» الذي يستخدم لتقييم تأثير التصادم في السيارة على السائق. وقد وجد جونسون أن تسديد الكرة لمرة واحدة «من غير المحتمل أن يكون ضاراً»، لكن النتائج ستكون مختلفة في حال تسديد الكرة أكثر من مرة، وفي حال وجود أي دوران في الرأس.
وأوضح جونسون أيضاً أن عمله يشير فقط إلى «توجيه ضربة واحدة، يحتمل أن تكون ارتجاجية، ولا يتطرق مطلقاً لمشكلة آثار الضربات المتكررة». واعترف جونسون بأن المشكلة تكمن في تسديد الكرات المتكررة، أو ما وصفه بالضربات المتكررة، قائلاً: «يعرف كثيرون ممن لعبوا كرة القدم أن تسديد الكرة بالرأس أكثر من مرة قد يسبب لهم الصداع. ومن غير المعروف ما هو عدد الضربات المتكررة التي تؤدي إلى تلف دائم في الدماغ أو إلى ضعف سريع الزوال. وقد يأخذنا هذا الأمر لنتساءل عما إذا كانت الضربات ذات الشدة المتواضعة، المتكررة في أقل فترة زمنية، تتسبب أيضاً في مثل هذه الأضرار أم لا». لقد بات من المقبول الآن على نطاق واسع أن مثل هذه الضربات المتواضعة المتكررة تسبب ضرراً في الدماغ أيضاً.
ولم يكن جونسون متخصصاً طبياً، لكنه كان مدفوعاً لإمعان النظر في هذه القضية لأنه كان يدرك أن هناك مجموعة متزايدة من الأدلة على أن هذا الأمر يمثل مصدر قلق كبير. واستشهد جونسون بمقال نُشر عام 1972 في المجلة الطبية البريطانية، بقلم دبليو بي ماثيوز، الذي أبلغ عن حالات «صداع نصفي، بما في ذلك مشكلات في البصر، ظهرت مراراً لدى 5 لاعبين شباب مباشرة بعد تسديدهم للكرات بالرأس في أثناء لعب كرة القدم».
ويشير جونسون أيضاً إلى مقال نُشر في صحيفة «صنداي تايمز» في عام 1974، أشار إلى أن «من بين 55 لاعباً ورد ذكرهم في الصحيفة ممن فارقوا الحياة في كرة القدم منذ عام 1951، أصيب 26 منهم في الرأس، وأن 8 منهم قالت تحقيقات الطب الشرعي إنهم لقوا حتفهم بسبب تسديد الكرة بالرأس».
وكان جونسون يطرح الأسئلة الصحيحة، وقد توصل إلى الاستنتاجات الصحيحة أيضاً، حيث كتب: «من الواضح تماماً أن هناك حاجة لمزيد من المناقشات والقياسات البحثية المضبوطة حول هذا الموضوع، إذا كنا نرغب في معرفة تداعيات تسديد الكرة بالرأس على الدماغ».
وإذا كان هذا السطر الأخير يبدو مألوفاً، فيعود ذلك إلى أنه ربما يكون له صدى في البيان الذي أصدرته جمعية ألزهايمر هذا الأسبوع، والذي قال: «توافق جمعية ألزهايمر على أن هناك حاجة إلى مزيد من البحث في العلاقة المحتملة بين تسديد الكرة بالرأس والخرف». ويمكننا أيضاً أن نقرأ شيئاً مماثلاً في إجماع برلين لعام 2017 بشأن الارتجاج، وهو المستند الذي يشكل سياسة وممارسة الارتجاج في جميع الرياضات العالمية، حيث قال: «ومع ذلك، هناك الكثير لنتعلمه حول العلاقة المحتملة بين التعرض للضربات المتكررة في الرأس والارتجاجات».
وبعد خمسين عاماً، ما زلنا نتحدث عن كيفية إجراء مزيد من الأبحاث. وبعد مرور خمسين عاماً، يبدو أننا ما زلنا نكتشف هذه المشكلة من جديد. لكن ماذا لو كان الناس يتحدثون عن هذه المشكلة ويكتبون عنها ويدرسونها ويعانون منها طوال الوقت؟ وبالتالي، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: لماذا استغرق الأمر كل هذا الوقت حتى نلاحظ العلاقة بين ضربات الرأس والخرف؟



مصر: قرارات «ضبط أداء الإعلام الرياضي» تثير تبايناً «سوشيالياً»

أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)
أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)
TT

مصر: قرارات «ضبط أداء الإعلام الرياضي» تثير تبايناً «سوشيالياً»

أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)
أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)

أثارت قرارات المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر لـ«ضبط أداء الإعلام الرياضي» تبايناً على «السوشيال ميديا»، الجمعة.

واعتمد «الأعلى لتنظيم الإعلام»، برئاسة خالد عبد العزيز، الخميس، توصيات «لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي»، التي تضمّنت «تحديد مدة البرنامج الرياضي الحواري بما لا يزيد على 90 دقيقة، وقصر مدة الاستوديو التحليلي للمباريات، محلية أو دولية، بما لا يزيد على ساعة، تتوزع قبل وبعد المباراة».

كما أوصت «اللجنة» بإلغاء فقرة تحليل الأداء التحكيمي بجميع أسمائها، سواء داخل البرامج الحوارية أو التحليلية أو أي برامج أخرى، التي تُعرض على جميع الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمواقع الإلكترونية والتطبيقات والمنصات الإلكترونية. فضلاً عن «عدم جواز البث المباشر للبرامج الرياضية بعد الساعة الثانية عشرة ليلًا (منتصف الليل) وحتى السادسة من صباح اليوم التالي، ولا يُبث بعد هذا التوقيت إلا البرامج المعادة». (ويستثنى من ذلك المباريات الخارجية مع مراعاة فروق التوقيت).

وهي القرارات التي تفاعل معها جمهور الكرة بشكل خاص، وروّاد «السوشيال ميديا» بشكل عام، وتبعاً لها تصدرت «هاشتاغات» عدة قائمة «التريند» خلال الساعات الماضية، الجمعة، أبرزها «#البرامج_الرياضية»، «#المجلس_الأعلى»، «#إلغاء_الفقرة_التحكيمية»، «#لتنظيم_الإعلام».

مدرجات استاد القاهرة الدولي (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)

وتنوعت التفاعلات على تلك «الهاشتاغات» ما بين مؤيد ومعارض للقرارات، وعكست عشرات التغريدات المتفاعلة هذا التباين. وبينما أيّد مغرّدون القرارات كونها «تضبط الخطاب الإعلامي الرياضي، وتضمن الالتزام بالمعايير المهنية»، قال البعض إن القرارات «كانت أُمنية لهم بسبب إثارة بعض البرامج للتعصب».

عبّر روّاد آخرون عن عدم ترحيبهم بما صدر عن «الأعلى لتنظيم الإعلام»، واصفين القرارات بـ«الخاطئة»، لافتين إلى أنها «حجر على الإعلام». كما انتقد البعض اهتمام القرارات بالمسألة الشكلية والزمنية للبرامج، ولم يتطرق إلى المحتوى الذي تقدمه.

وعن حالة التباين على مواقع التواصل الاجتماعي، قال الناقد الرياضي المصري محمد البرمي، لـ«الشرق الأوسط»، إنها «تعكس الاختلاف حول جدوى القرارات المتخذة في (ضبط المحتوى) للبرامج الرياضية، فالفريق المؤيد للقرارات يأتي موقفه رد فعل لما يلقونه من تجاوزات لبعض هذه البرامج، التي تكون أحياناً مفتعلة، بحثاً عن (التريند)، ولما يترتب عليها من إذكاء حالة التعصب الكروي بين الأندية».

وأضاف البرمي أن الفريق الآخر المعارض ينظر للقرارات نظرة إعلامية؛ حيث يرى أن تنظيم الإعلام الرياضي في مصر «يتطلب رؤية شاملة تتجاوز مجرد تحديد الشكل والقوالب»، ويرى أن «(الضبط) يكمن في التمييز بين المحتوى الجيد والسيئ».

مباراة مصر وبوتسوانا في تصفيات كأس الأمم الأفريقية 2025 (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)

وكان «الأعلى لتنظيم الإعلام» قد أشار، في بيانه أيضاً، إلى أن هذه القرارات جاءت عقب اجتماع «المجلس» لتنظيم الشأن الإعلامي في ضوء الظروف الحالية، وما يجب أن يكون عليه الخطاب الإعلامي، الذي يتعين أن يُظهر المبادئ والقيم الوطنية والأخلاقية، وترسيخ وحدة النسيج الوطني، وإعلاء شأن المواطنة مع ضمان حرية الرأي والتعبير، بما يتوافق مع المبادئ الوطنية والاجتماعية، والتذكير بحرص المجلس على متابعة الشأن الإعلامي، مع رصد ما قد يجري من تجاوزات بشكل يومي.

بعيداً عن الترحيب والرفض، لفت طرف ثالث من المغردين نظر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام إلى بعض الأمور، منها أن «مواقع الإنترنت وقنوات (اليوتيوب) و(التيك توك) مؤثرة بشكل أكبر الآن».

وحسب رأي البرمي، فإن «الأداء الإعلامي لا ينضبط بمجرد تحديد مدة وموعد وشكل الظهور»، لافتاً إلى أن «ضبط المحتوى الإعلامي يكمن في اختيار الضيوف والمتحدثين بعناية، وضمان كفاءتهم وموضوعيتهم، ووضع كود مهني واضح يمكن من خلاله محاسبة الإعلاميين على ما يقدمونه، بما يمنع التعصب».