الأردن: إجراءات استثنائية... ونتائج تقليدية

تراجع التمثيلين النسائي والحزبي وإقبال متواضع على الاقتراع

الأردن: إجراءات استثنائية... ونتائج تقليدية
TT

الأردن: إجراءات استثنائية... ونتائج تقليدية

الأردن: إجراءات استثنائية... ونتائج تقليدية

لم يحظَ أي مجلس نيابي أردني سابق بحصة النقد التي نالها مجلس النواب الأردني التاسع عشر المنتخب، وذلك عشية صدور نتائج الانتخابات، الثلاثاء والأربعاء الماضيين، التي تبعها تجمعات جماهيرية واسعة لأنصار مرشحين لم يحالفهم الحظ، ونواب ظفروا بالمقعد البرلماني.
مؤشر الثقة بالمجالس النيابية الأردنية لدى جمهور الرأي العام، بحسب استطلاعات الرأي، ما زال يتراوح عند حاجز 17 في المائة. وهي نسبة شكلت تحدياً للمجالس النيابية أمام تراجع منحنى الأداء التشريعي والرقابي، وسط غياب ملحوظ لأطر العمل الكتلوي - البرامجي الملزم للمنضوين تحت ألوائه، كعنوان ناظم للعمل الجماعي. وأيضاً، مع بروز ظاهرة النائب - الحزب التي أفرزتها قوانين الانتخاب على مدى العقود الثلاثة الأخيرة، وغياب الإرادة السياسية في دعم برامج إصلاح تمثيل السلطة التشريعية في مهمتها الدستورية.
ووسط مخالفة نواب فائزين لأوامر الدفاع التي منعت التجمّعات، طالت سهام النقد صفقات شراء الأصوات التي بثّتها فيديوهات تم إحالتها للقضاء. وللعلم، كانت الهيئة المستقلة للانتخاب، التي تشرف على إجراء الانتخابات حصريا منذ 2013 بموجب تعديلات دستورية، قد ذكرت بأن التجاوزات قد طالت أعدادا قليلة من المرشحين. وذكرت أيضاَ أن معظمهم التزم تقاليد التنافس خلال مراحل العملية الانتخابية، مع الأخذ في الاعتبار زيادة نسبة الترشح للانتخابات لهذه المرة بواقع 1674 مرشحاً، فاز منهم 130 نائباً، بينهم 15 مقعداً مخصصة للكوتا النسائية. من ناحية أخرى، ولد المجلس النيابي والأردن في حالة وبائية مركبة، ليفجر بعد ولادته قفزات صادمة، في سلسلة إصابات فيروس «كوفيد- 19» في البلاد.

كشفت النتائج النهائية لانتخابات مجلس النواب التاسع عشر في الأردن عن نجاح 98 نائباً جديداً، لم يسبق لهم العمل البرلماني. وهذا ما يضاعف من حجم التحديات أمام السلطة الشريكة الحكومة رئيساً ووزراء، ولا سيما في ظل ضعف الخبرة في مراجعة التشريعات وإقرارها على الأقل في الأيام الأولى لدورتهم متأرجحة الانعقاد، أو ربما لصالح تكثيف العمل الرقابي الذي عادة ما يأخذ بُعداً استعراضياً خلال الدورة النيابية الأولى من عمر المجلس الوليد.
بعودة 30 نائباً سبق لهم العمل البرلماني، سواء خلال المجلس السابق أو مجالس سابقة، يبدو أن الأقطاب النيابية قد تجد صعوبة في تشكيل كتل برلمانية على أساس برامجي، باستثناء الكتلة الحزبية الوحيدة، كتلة «الإصلاح»؛ الذراع النيابية لحزب جبهة العمل الإسلامي، المحسوب على جماعة «الإخوان المسلمين» غير المرخصة في البلاد. ولكن الكتلة لن تحظى بالتسجيل لدى المكتب الدائم، لأن نصابها لم يصل لحاجز 13 في المائة كنسبة للتشكيل بحسب النظام الداخلي للمجلس، إذ حازت على 10 مقاعد نيابية تضم حزبيين ومتحالفين، وسط مؤشر عام على تراجع نسبة الأحزاب في عضوية المجلس من 26 في المائة في المجلس السابق إلى نحو 13 في المائة في المجلس الجديد.
من هنا، فتحت تركيبة المجلس المنتخب، بنوابه الجدد غير المؤطرين سياسياً، على عدة قراءات مبكرة تستشرف أداءً مرتبكاً، مع وصول نحو 10 في المائة من النواب إلى قبة البرلمان، من فئة الشباب العمرية بين 30 - 40 سنة، تقابلها حصة وازنة من النواب من المتقاعدين العسكريين (نحو 30 نائباً وبما نسبته 23 في المائة)، ما يدعم تشتيت فرص الانسجام والتناغم في الأداء. من جهة أخرى، تراجعت حصة المرأة من 20 مقعداً في المجلس السابق إلى 15 مقعداً فقط، وهي المقاعد المخصصة للنساء، ما سيترك أثراً على تعميق أزمة في الدراسات البرلمانية الجندرية التي تعكف مؤسسات المجتمع المدني على رصدها.
وسط هذا كله، تبرز تساؤلات آنية عن التحوّلات البنيوية التي طرأت على شكل المجالس النيابية فعلياً وأدائها. إذ طالما نظر إليها جمهور الرأي العام على أنها صورة مستنسخة، بعضها عن بعض، خاصة بعدما غلب الأداء الخدماتي على الرقابي للنواب، وبعدما وجد النائب تحت القبة نفسه محاصراً بين «فكي كماشة» ناخبين يسعون لتحقيق وعود نائبهم، وحكومات لا تمنح النائب أي تسهيلات سوى بشروط التبعية لها بالتصويت والموافقة على قراراتها. وبذا يتضح حجم التأثير السلبي لغياب الحياة الحزبية، واتساع الفجوة بين البرامج الحزبية والاحتياجات الشعبية.
نظرة تاريخية
استؤنفت الحياة الديمقراطية في البلاد عشية اندلاع أحداث «هبّة أبريل - نيسان» من العام 1989 التي تفاعل الناس مع شعاراتها الاقتصادية المعيشية، لتصل حدود المطالبة بالحريات وعودة الحياة النيابية. يومذاك، التقط الراحل الملك الحسين الرسالة، وبادر إلى صناعة برنامج التحول الديمقراطي الذي سمح بإجراء الانتخابات في نهاية العام نفسه، لتفوز بعضوية ذلك المجلس الشهير حصة معتبرة من نواب المعارضة الإسلامية والكتلة المحسوبة على التيار القومي واليساري. القوميون واليسار كانا الكتلتين اللتين تسببتا «بصداع سياسي» لحكومات المملكة الثلاث خلال ذلك المجلس. وعانى من هذا «الصداع» كل من رئيس الوزراء الأسبق مضر بدران، ثم طاهر المصري، الذي استقال قبل جلسة التصويت على سحب الثقة من حكومته، وأخيراً الأمير زيد بن شاكر، قبل أن يتسلم بعده عبد السلام المجالي، الذي جعل من قرار «حل مجلس 89» أيقونة للمجالس النيابية حتى يومنا هذا، في أدائه المؤثر، سياسياً ورقابياً.
بعد «مجلس 89»، التقطت الحكومات إفرازات قانون الانتخاب آنذاك، لتتجه فوراً لإعادة إنتاجه وفق معادلة تحجم التعددية والتمثيل في النظام الانتخابي. وخرج صناع القرار بتوليفة «الصوت الواحد»، لتقليص حصة المعارضة في المجالس النيابية، عبر تفتيت الدوائر الانتخابية من دوائر على مستوى المحافظات، إلى دوائر على مستوى البيئات المحلية التي لا تفرز سوى نواب محسوبين على مناطقهم جغرافياً واجتماعياً. هذا القانون أسهم في إضعاف مخرجات صناديق الاقتراع تباعاً، وبشكل أثّر في صياغة منحنى تراجع أداء البرلمانات حتى يومنا هذا.
استمر العمل بقانون الصوت الواحد طيلة 20 سنة، قبل أن تجرى تعديلات على القانون في فبراير (شباط) من العام 2016. وبعده أقر مجلس النواب السابع عشر صيغة القوائم النسبية المفتوحة على مستوى الدوائر الانتخابية التي نص عليها القانون، بواقع توسيع الدوائر إلى 23 دائرة انتخابية عوضاً عن 45 دائرة، وهو ما أسهم في تفتيت لحمة المجتمعات وتذويب النخب السياسية بعد تحجيم أدوارها.
وأمام تحييد النخب التقليدية وتحجيم دور الحياة الحزبية، لم ينجح القانون الجديد في صناعة برلمانات قوية. ذلك أن التنافس انتقل من المرشحين الفرديين إلى المرشحين داخل القائمة الواحدة وعبر منافسة أقرب إلى التناحر، وسط سعي المرشحين لدعم قوائمهم بأعلى الأصوات، وبدعم مرشح واحد داخل القائمة على حساب شركائه. أيضاً اتسمت آلية الترشح بالفردية دون وجود تقاطعات سياسية بين مرشحي القائمة الواحدة أو حواضن سياسية مشتركة، وذلك لصالح أسس التحالفات المناطقية داخل الدائرة الانتخابية.
وتدريجياً، بين عامي 1989 و2020، أصبحت المؤسسة البرلمانية على المحك، مع تسجيلها نسب رضا متدنية لم تتجاوز 17 في المائة، بحسب أحدث التقديرات أمام قواعد الناخبين وحالة سخط شعبي؛ خصوصاً أمام استذكار كارثة تزوير الانتخابات النيابية عام 2007 والتلاعب بالنتائج عام 2010، بعد العبث الذي قام به مدير المخابرات الأسبق محمد الذهبي وخلفه محمد الرقاد. ومن ثم، تواصل نسب الرضا عن البرلمانات تدني أرقامها، ما أثر في الثقة بكل مخرجات السلطة التشريعية، في ظل تقزيم مقاعد المعارضة وتحجيم الأصوات المرتفعة من خلال نواب الموالاة الذين عادة ما يحظون بدعم الحكومات.
تحوّلات على طريق الانتخابات
لقد انحسرت الخيارات اليوم في حتمية الابتعاد عن المجالس النيابية بعدما فقدت عناصرها المؤثرة في تشكيلها، وتراجع أثر تراكم الخبرة بين أعضائها، وغياب معادلة القطبية النيابية التي شكلت حالة انجذاب للنواب الجدد. وهذا، بعدما كانت المجالس النيابية مصنعاً للنخب السياسية عبر إفرازات الناخبين لقيادات وازنة قوية، وبعد أن لجأ الراحل الحسين لشخصيات نيابية في حل مشكلات مستعصية، واختار منهم شخصيات لتولي مسؤولية تشكيل الحكومات أمثال طاهر المصري وعبد الكريم الكباريتي. وتكرر الأمر في عهد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني عند اختياره لعبد الرؤوف الروابدة وعلي أبو الراغب وعبد الله النسور، وجرى تشكيل حكومات من طيف عريض من أعضاء المجالس النيابية.
تحديداً في انتخابات مجلس النواب الخامس عشر من العام 2007 طرأ تحول، وُصف بـ«الخطير» في المشهد الانتخابي، وذلك بعد ممارسة أوضح عملية تزوير لنتائج الانتخابات النيابية، التي مورست على مرأى من الناخبين، وتدّخل بعد توجيه مباشر من مدير المخابرات الأردنية (آنذاك) محمد الذهبي، المحكوم حالياً على خلفية قضايا تتعلق باستثمار السلطة. وكانت نتيجة تلك الفضيحة تحييد أقطاب برلمانية ونخب سياسية، ما ترك ثغرات واضحة في الحياة البرلمانية بعدها.
تلك للانتخابات لم تتوقف عند ذلك الحد، بل فتحت مرحلة الترشح خلالها على طرح أسماء من طبقة رجال الأعمال، الذين تورطوا بعمليات ضخمة لشراء الأصوات، وأسسوا «لسابقة» حول المال الأسود الذي يلوث الانتخابات. وساهم هذا الأمر أكثر في تحييد النخب السياسية أمام نفوذ النخب الاقتصادية، واختلال مبدأ المنافسة. ومنذ ذلك الحين شهدت قبة البرلمان هبوطاً حاداً في نوعية التشريع والرقابة، نظراً لتحالف السلطة مع الاقتصاد عبر رجال أعمال، تركوا عنهم تقاليد العمل البرلماني خلف سباق تعظيم الثروة والنفوذ.
لم يدرك صنّاع القرار، يومذاك، حجم الضرر الذي لحق بالسلطة التشريعية، الأهم في الدستور. واستمر العبث حتى مجلس النواب السادس عشر من العام 2010 الذي عادت إلى واجهته الطبقة الاقتصادية التي دفعت الرأي العام لفقدان الثقة بممثليهم وقبتهم التشريعية. ولم يشفع لصنّاع القرار حل المجلسين، من دون أن يكملا مدتيهما، فعصف «الربيع الأردني» الذي بدأت إرهاصاته مطلع العام 2010 من خلال تدشين حراك المعلمين، الذي كان له ما بعده من صناعة حراك شعبي عريض، عابر لمناطق الولاء التقليدية في الجغرافيا الأردنية عند العشائر في مناطق الأطراف.
وفي خضم تصاعد «الربيع العربي» وحراك الشارع الأردني، جرت الموافقة على تعديل 42 مادة دستورية، وأنشئت هيئة مستقلة للانتخاب للحد من عمليات العبث وشراء الأصوات. كذلك جرى تعديل قانون الانتخاب ليحتوي عنصراً جديداً لم يحدث فارقاً يذكر، هو تخصيص 27 مقعداً لما عُرفت وقتها بـ«القائمة الوطنية» (صوت لنائب وطن)، من دون أن يسجل لها أي حضور استثنائي في مجلس النواب السابع عشر.
احتمالات الصمود
وسط احتمالات متعددة بعد صدمة مراكز القرار بنتائج الانتخابات النيابية ونسبة الاقتراع التي سجلت 29.9 في المائة من مجموع الناخبين، وإفرازاتها التي أخلت بمعايير التمثيل للمجاميع الجغرافية والحضرية، التبس قرار موعد عقد أولى الدورات لمجلس الأمة التي تتزامن قبل الأول من ديسمبر (كانون الأول) المقبل. إذ أفتى قانونيون بأحقية تأجيل موعد الدورة بسقف زمني لا يتجاوز 27 يناير (كانون الثاني) ليدخل المجلس في دورة غير عادية، ما يزيد الفرصة لحسم اسم رئيس المجلس النيابي، من بين المتنافسين على الرئاسة اليوم في ظل غياب وجوه سياسية فاعلة.
هذا، وتتجسد أهمية شخصية رئيس مجلس النواب، في قدرته على التجسير الحذر بين مواقف الأردن الرسمية واستحقاقات إنجاز التشريعات بأقل صخب برلماني ممكن، وبين الموقف النيابي الذي يستند على مخاطبة ود الشارع الذي قلما يستحسن مواقف النواب من قضاياه.
وهنا تجدر الإشارة إلى أنه يستمر موقع رئاسة المجلس ضمن استحقاق الدورة العادية لعامين متتالين. وفي استحقاق الدورة غير العادية سيكون لعام واحد فقط، في ظل النصوص الدستورية الملزمة في هذا المبدأ. إذ تزداد التوقعات بشأن الذهاب إلى الدورة غير العادية، لغايات اختبار الفائز ومدى انسجامه مع مراكز القرار، لكون المترشحين للرئاسة - باستثناء القطب البرلماني المخضرم الذي سبقت له رئاسة مجلس النواب السادس عشر في دورة يتيمة، عبد الكريم الدغمي - سيكونون أمام تجربة هي الأولى لهم. وفي هذا السياق، تنحصر المنافسة على الموقع بين الدغمي، والنواب أحمد الصفدي ونصار القيسي وأيمن المجالي، في حين ترددت فيه أنباء عن نية النائب خليل عطية - ثاني أقدم أعضاء مجالس النواب - الترشح. والمتوقع أن يحجم النواب الآخرون عن طرح ترشيحاتهم لرئاسة المجلس، إلى حين اكتساب الخبرات اللازمة في المنافسة على المواقع المتقدمة في المكتب الدائم الذي يضم الرئيس ونائبيه الأول والثاني ومساعدين اثنين.
وعلى ضوء ما تقدم، ستجد حكومة بشر الخصاونة - في أولى مواجهاتها مع المجلس الجديد ببيان طلب الثقة - أن الدورة البرلمانية الأولى عادة ما تشهد خطابات نارية بسقف مرتفع، وذلك في أول ظهور للنواب الجدد أمام الشارع والإعلام، وهو عادة يقتبس عناوين حادة لخطابات النواب الغاضبة. وستدخل الحكومة خلال ذلك بحسابات معقدة، للبحث عن ثقة مريحة تمكنها من العمل بأقل الكلف، إلا أنها ستخضع لابتزاز عبورها امتحان الثقة الذي قد ينقلب في أكثر من مناسبة ولأكثر من سبب. وهذا ما قد يجبر الحكومة على إجراء حسابات دقيقة لمعايير المزاج النيابي الفاقد لقيم العمل الجماعي تحت شعار برامج الكتل الملزمة لأعضائها، وسيطرة الفرد على سلوك الأعضاء، باستثناء محدود تمارسه كتلة الإصلاح النيابية المحسوبة على حزب جبهة العمل الإسلامي.
وعليه، ستبقى الخريطة أمام تكهنات المشهد البرلماني الأردني خلال الفترة المقبلة غير مكتملة، ومساحات تراجع المشاركة السياسية متأثرة بضعف الحياة الحزبية، وغياب النخب القادرة على التأثير بوعي الرأي العام وإعادة جذب اهتمامه إلى ما كان بوصلة العمل السياسي العام للطامحين. وكل هذا، في ظل ظروف استثنائية تمر بها البلاد اقتصادياً وصحياً بسبب جائحة «كوفيد 19» التي تشهد أسوأ مراحلها.
إحصائيات وأرقام انتخابية

> كشفت دراسة لمركز الحياة (راصد) الأردني المتخصص في الدراسات البرلمانية (مؤسسة مجتمع مدني)، أن عدد البرلمانيين والبرلمانيات الجدد الذين أصبحوا أعضاءً في مجلس النواب التاسع عشر وصل إلى 98 برلمانياً وبرلمانية، بينما وصل 23 برلمانياً وبرلمانية من المجلس السابق الثامن عشر إلى المجلس التاسع عشر، كما وصل 9 برلمانيين سابقين قبيل المجلس الثامن عشر إلى المجلس التاسع عشر. وعلى صعيد تمثيل الأحزاب والتيارات السياسية في البرلمان التاسع عشر، بيّنت الدراسة أن 17 برلمانية وبرلمانياً من الأحزاب والتيارات السياسية وصلوا إلى مجلس النواب التاسع عشر، منهم 13 حزبياً مسجلين في قوائم الأحزاب، و5 منهم ضمن التيارات السياسية المتحالفة مع الأحزاب. كذلك بيّنت النتائج أن 4 أحزاب فقط وصلت إلى البرلمان التاسع عشر، وهي حزب جبهة العمل الإسلامي، بواقع 5 برلمانيين وبرلمانيات حزبيين، وحزب الوسط الإسلامي بـ5 برلمانيين وبرلمانيات، وحزب الجبهة الأردنية الموحدة ببرلماني واحد، وحزب الوفاء الأردني ببرلماني واحد. يذكر أن الأصوات التي حصلت عليها قوائم الأحزاب الفائزة بلغ عددها إلى 145386 من أصل 1387711 مقترعاً ومقترعة في الانتخابات.
وعن توزيع البرلمانيين والبرلمانيات حسب الفئات العُمرية، تبين أن معدل أعمار مجلس النواب التاسع عشر وصل إلى 51.8 سنة، فيما كان عدد البرلمانيين والبرلمانيات ضمن الفئة العُمرية 41 – 50 قد وصل إلى 43 برلمانياً وبرلمانية، وكان 51 برلمانياً وبرلمانية ضمن الفئة العمرية 51 – 60، ووصل عدسد الذين تجاوزوا 61 سنة إلى 21 برلمانياً وبرلمانية.
وبخصوص مجموع الأصوات التي نالتها القوائم التي حصلت على مقاعد في المجلس التاسع عشر، وصل عدد الأصوات إلى 1060151 من أصل 1387711 مقترعاً ومقترعة في الانتخابات، وبنسبة 76.4 في المائة من المقترعين، وبنسبة 22.8 في المائة من مجموع من يحق له الاقتراع على مستوى المملكة. أما فيما يتعلق بمجموع الأصوات التي حصل عليها البرلمانيون والبرلمانيات الذين حصدوا مقاعد المجلس التاسع عشر فقد وصل عدد أصواتهم إلى 604126 مقترعاً ومقترعة، ووصلت نسبة الأصوات التي حصل عليها الفائزون إلى 43.3 في المائة ممن اقترعوا في الانتخابات، فيما وصلت نسبة الأصوات التي حصل عليها الفائزون من مجموع من يحق له الاقتراع إلى 13 في المائة.


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.