الأردن: إجراءات استثنائية... ونتائج تقليدية

تراجع التمثيلين النسائي والحزبي وإقبال متواضع على الاقتراع

الأردن: إجراءات استثنائية... ونتائج تقليدية
TT

الأردن: إجراءات استثنائية... ونتائج تقليدية

الأردن: إجراءات استثنائية... ونتائج تقليدية

لم يحظَ أي مجلس نيابي أردني سابق بحصة النقد التي نالها مجلس النواب الأردني التاسع عشر المنتخب، وذلك عشية صدور نتائج الانتخابات، الثلاثاء والأربعاء الماضيين، التي تبعها تجمعات جماهيرية واسعة لأنصار مرشحين لم يحالفهم الحظ، ونواب ظفروا بالمقعد البرلماني.
مؤشر الثقة بالمجالس النيابية الأردنية لدى جمهور الرأي العام، بحسب استطلاعات الرأي، ما زال يتراوح عند حاجز 17 في المائة. وهي نسبة شكلت تحدياً للمجالس النيابية أمام تراجع منحنى الأداء التشريعي والرقابي، وسط غياب ملحوظ لأطر العمل الكتلوي - البرامجي الملزم للمنضوين تحت ألوائه، كعنوان ناظم للعمل الجماعي. وأيضاً، مع بروز ظاهرة النائب - الحزب التي أفرزتها قوانين الانتخاب على مدى العقود الثلاثة الأخيرة، وغياب الإرادة السياسية في دعم برامج إصلاح تمثيل السلطة التشريعية في مهمتها الدستورية.
ووسط مخالفة نواب فائزين لأوامر الدفاع التي منعت التجمّعات، طالت سهام النقد صفقات شراء الأصوات التي بثّتها فيديوهات تم إحالتها للقضاء. وللعلم، كانت الهيئة المستقلة للانتخاب، التي تشرف على إجراء الانتخابات حصريا منذ 2013 بموجب تعديلات دستورية، قد ذكرت بأن التجاوزات قد طالت أعدادا قليلة من المرشحين. وذكرت أيضاَ أن معظمهم التزم تقاليد التنافس خلال مراحل العملية الانتخابية، مع الأخذ في الاعتبار زيادة نسبة الترشح للانتخابات لهذه المرة بواقع 1674 مرشحاً، فاز منهم 130 نائباً، بينهم 15 مقعداً مخصصة للكوتا النسائية. من ناحية أخرى، ولد المجلس النيابي والأردن في حالة وبائية مركبة، ليفجر بعد ولادته قفزات صادمة، في سلسلة إصابات فيروس «كوفيد- 19» في البلاد.

كشفت النتائج النهائية لانتخابات مجلس النواب التاسع عشر في الأردن عن نجاح 98 نائباً جديداً، لم يسبق لهم العمل البرلماني. وهذا ما يضاعف من حجم التحديات أمام السلطة الشريكة الحكومة رئيساً ووزراء، ولا سيما في ظل ضعف الخبرة في مراجعة التشريعات وإقرارها على الأقل في الأيام الأولى لدورتهم متأرجحة الانعقاد، أو ربما لصالح تكثيف العمل الرقابي الذي عادة ما يأخذ بُعداً استعراضياً خلال الدورة النيابية الأولى من عمر المجلس الوليد.
بعودة 30 نائباً سبق لهم العمل البرلماني، سواء خلال المجلس السابق أو مجالس سابقة، يبدو أن الأقطاب النيابية قد تجد صعوبة في تشكيل كتل برلمانية على أساس برامجي، باستثناء الكتلة الحزبية الوحيدة، كتلة «الإصلاح»؛ الذراع النيابية لحزب جبهة العمل الإسلامي، المحسوب على جماعة «الإخوان المسلمين» غير المرخصة في البلاد. ولكن الكتلة لن تحظى بالتسجيل لدى المكتب الدائم، لأن نصابها لم يصل لحاجز 13 في المائة كنسبة للتشكيل بحسب النظام الداخلي للمجلس، إذ حازت على 10 مقاعد نيابية تضم حزبيين ومتحالفين، وسط مؤشر عام على تراجع نسبة الأحزاب في عضوية المجلس من 26 في المائة في المجلس السابق إلى نحو 13 في المائة في المجلس الجديد.
من هنا، فتحت تركيبة المجلس المنتخب، بنوابه الجدد غير المؤطرين سياسياً، على عدة قراءات مبكرة تستشرف أداءً مرتبكاً، مع وصول نحو 10 في المائة من النواب إلى قبة البرلمان، من فئة الشباب العمرية بين 30 - 40 سنة، تقابلها حصة وازنة من النواب من المتقاعدين العسكريين (نحو 30 نائباً وبما نسبته 23 في المائة)، ما يدعم تشتيت فرص الانسجام والتناغم في الأداء. من جهة أخرى، تراجعت حصة المرأة من 20 مقعداً في المجلس السابق إلى 15 مقعداً فقط، وهي المقاعد المخصصة للنساء، ما سيترك أثراً على تعميق أزمة في الدراسات البرلمانية الجندرية التي تعكف مؤسسات المجتمع المدني على رصدها.
وسط هذا كله، تبرز تساؤلات آنية عن التحوّلات البنيوية التي طرأت على شكل المجالس النيابية فعلياً وأدائها. إذ طالما نظر إليها جمهور الرأي العام على أنها صورة مستنسخة، بعضها عن بعض، خاصة بعدما غلب الأداء الخدماتي على الرقابي للنواب، وبعدما وجد النائب تحت القبة نفسه محاصراً بين «فكي كماشة» ناخبين يسعون لتحقيق وعود نائبهم، وحكومات لا تمنح النائب أي تسهيلات سوى بشروط التبعية لها بالتصويت والموافقة على قراراتها. وبذا يتضح حجم التأثير السلبي لغياب الحياة الحزبية، واتساع الفجوة بين البرامج الحزبية والاحتياجات الشعبية.
نظرة تاريخية
استؤنفت الحياة الديمقراطية في البلاد عشية اندلاع أحداث «هبّة أبريل - نيسان» من العام 1989 التي تفاعل الناس مع شعاراتها الاقتصادية المعيشية، لتصل حدود المطالبة بالحريات وعودة الحياة النيابية. يومذاك، التقط الراحل الملك الحسين الرسالة، وبادر إلى صناعة برنامج التحول الديمقراطي الذي سمح بإجراء الانتخابات في نهاية العام نفسه، لتفوز بعضوية ذلك المجلس الشهير حصة معتبرة من نواب المعارضة الإسلامية والكتلة المحسوبة على التيار القومي واليساري. القوميون واليسار كانا الكتلتين اللتين تسببتا «بصداع سياسي» لحكومات المملكة الثلاث خلال ذلك المجلس. وعانى من هذا «الصداع» كل من رئيس الوزراء الأسبق مضر بدران، ثم طاهر المصري، الذي استقال قبل جلسة التصويت على سحب الثقة من حكومته، وأخيراً الأمير زيد بن شاكر، قبل أن يتسلم بعده عبد السلام المجالي، الذي جعل من قرار «حل مجلس 89» أيقونة للمجالس النيابية حتى يومنا هذا، في أدائه المؤثر، سياسياً ورقابياً.
بعد «مجلس 89»، التقطت الحكومات إفرازات قانون الانتخاب آنذاك، لتتجه فوراً لإعادة إنتاجه وفق معادلة تحجم التعددية والتمثيل في النظام الانتخابي. وخرج صناع القرار بتوليفة «الصوت الواحد»، لتقليص حصة المعارضة في المجالس النيابية، عبر تفتيت الدوائر الانتخابية من دوائر على مستوى المحافظات، إلى دوائر على مستوى البيئات المحلية التي لا تفرز سوى نواب محسوبين على مناطقهم جغرافياً واجتماعياً. هذا القانون أسهم في إضعاف مخرجات صناديق الاقتراع تباعاً، وبشكل أثّر في صياغة منحنى تراجع أداء البرلمانات حتى يومنا هذا.
استمر العمل بقانون الصوت الواحد طيلة 20 سنة، قبل أن تجرى تعديلات على القانون في فبراير (شباط) من العام 2016. وبعده أقر مجلس النواب السابع عشر صيغة القوائم النسبية المفتوحة على مستوى الدوائر الانتخابية التي نص عليها القانون، بواقع توسيع الدوائر إلى 23 دائرة انتخابية عوضاً عن 45 دائرة، وهو ما أسهم في تفتيت لحمة المجتمعات وتذويب النخب السياسية بعد تحجيم أدوارها.
وأمام تحييد النخب التقليدية وتحجيم دور الحياة الحزبية، لم ينجح القانون الجديد في صناعة برلمانات قوية. ذلك أن التنافس انتقل من المرشحين الفرديين إلى المرشحين داخل القائمة الواحدة وعبر منافسة أقرب إلى التناحر، وسط سعي المرشحين لدعم قوائمهم بأعلى الأصوات، وبدعم مرشح واحد داخل القائمة على حساب شركائه. أيضاً اتسمت آلية الترشح بالفردية دون وجود تقاطعات سياسية بين مرشحي القائمة الواحدة أو حواضن سياسية مشتركة، وذلك لصالح أسس التحالفات المناطقية داخل الدائرة الانتخابية.
وتدريجياً، بين عامي 1989 و2020، أصبحت المؤسسة البرلمانية على المحك، مع تسجيلها نسب رضا متدنية لم تتجاوز 17 في المائة، بحسب أحدث التقديرات أمام قواعد الناخبين وحالة سخط شعبي؛ خصوصاً أمام استذكار كارثة تزوير الانتخابات النيابية عام 2007 والتلاعب بالنتائج عام 2010، بعد العبث الذي قام به مدير المخابرات الأسبق محمد الذهبي وخلفه محمد الرقاد. ومن ثم، تواصل نسب الرضا عن البرلمانات تدني أرقامها، ما أثر في الثقة بكل مخرجات السلطة التشريعية، في ظل تقزيم مقاعد المعارضة وتحجيم الأصوات المرتفعة من خلال نواب الموالاة الذين عادة ما يحظون بدعم الحكومات.
تحوّلات على طريق الانتخابات
لقد انحسرت الخيارات اليوم في حتمية الابتعاد عن المجالس النيابية بعدما فقدت عناصرها المؤثرة في تشكيلها، وتراجع أثر تراكم الخبرة بين أعضائها، وغياب معادلة القطبية النيابية التي شكلت حالة انجذاب للنواب الجدد. وهذا، بعدما كانت المجالس النيابية مصنعاً للنخب السياسية عبر إفرازات الناخبين لقيادات وازنة قوية، وبعد أن لجأ الراحل الحسين لشخصيات نيابية في حل مشكلات مستعصية، واختار منهم شخصيات لتولي مسؤولية تشكيل الحكومات أمثال طاهر المصري وعبد الكريم الكباريتي. وتكرر الأمر في عهد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني عند اختياره لعبد الرؤوف الروابدة وعلي أبو الراغب وعبد الله النسور، وجرى تشكيل حكومات من طيف عريض من أعضاء المجالس النيابية.
تحديداً في انتخابات مجلس النواب الخامس عشر من العام 2007 طرأ تحول، وُصف بـ«الخطير» في المشهد الانتخابي، وذلك بعد ممارسة أوضح عملية تزوير لنتائج الانتخابات النيابية، التي مورست على مرأى من الناخبين، وتدّخل بعد توجيه مباشر من مدير المخابرات الأردنية (آنذاك) محمد الذهبي، المحكوم حالياً على خلفية قضايا تتعلق باستثمار السلطة. وكانت نتيجة تلك الفضيحة تحييد أقطاب برلمانية ونخب سياسية، ما ترك ثغرات واضحة في الحياة البرلمانية بعدها.
تلك للانتخابات لم تتوقف عند ذلك الحد، بل فتحت مرحلة الترشح خلالها على طرح أسماء من طبقة رجال الأعمال، الذين تورطوا بعمليات ضخمة لشراء الأصوات، وأسسوا «لسابقة» حول المال الأسود الذي يلوث الانتخابات. وساهم هذا الأمر أكثر في تحييد النخب السياسية أمام نفوذ النخب الاقتصادية، واختلال مبدأ المنافسة. ومنذ ذلك الحين شهدت قبة البرلمان هبوطاً حاداً في نوعية التشريع والرقابة، نظراً لتحالف السلطة مع الاقتصاد عبر رجال أعمال، تركوا عنهم تقاليد العمل البرلماني خلف سباق تعظيم الثروة والنفوذ.
لم يدرك صنّاع القرار، يومذاك، حجم الضرر الذي لحق بالسلطة التشريعية، الأهم في الدستور. واستمر العبث حتى مجلس النواب السادس عشر من العام 2010 الذي عادت إلى واجهته الطبقة الاقتصادية التي دفعت الرأي العام لفقدان الثقة بممثليهم وقبتهم التشريعية. ولم يشفع لصنّاع القرار حل المجلسين، من دون أن يكملا مدتيهما، فعصف «الربيع الأردني» الذي بدأت إرهاصاته مطلع العام 2010 من خلال تدشين حراك المعلمين، الذي كان له ما بعده من صناعة حراك شعبي عريض، عابر لمناطق الولاء التقليدية في الجغرافيا الأردنية عند العشائر في مناطق الأطراف.
وفي خضم تصاعد «الربيع العربي» وحراك الشارع الأردني، جرت الموافقة على تعديل 42 مادة دستورية، وأنشئت هيئة مستقلة للانتخاب للحد من عمليات العبث وشراء الأصوات. كذلك جرى تعديل قانون الانتخاب ليحتوي عنصراً جديداً لم يحدث فارقاً يذكر، هو تخصيص 27 مقعداً لما عُرفت وقتها بـ«القائمة الوطنية» (صوت لنائب وطن)، من دون أن يسجل لها أي حضور استثنائي في مجلس النواب السابع عشر.
احتمالات الصمود
وسط احتمالات متعددة بعد صدمة مراكز القرار بنتائج الانتخابات النيابية ونسبة الاقتراع التي سجلت 29.9 في المائة من مجموع الناخبين، وإفرازاتها التي أخلت بمعايير التمثيل للمجاميع الجغرافية والحضرية، التبس قرار موعد عقد أولى الدورات لمجلس الأمة التي تتزامن قبل الأول من ديسمبر (كانون الأول) المقبل. إذ أفتى قانونيون بأحقية تأجيل موعد الدورة بسقف زمني لا يتجاوز 27 يناير (كانون الثاني) ليدخل المجلس في دورة غير عادية، ما يزيد الفرصة لحسم اسم رئيس المجلس النيابي، من بين المتنافسين على الرئاسة اليوم في ظل غياب وجوه سياسية فاعلة.
هذا، وتتجسد أهمية شخصية رئيس مجلس النواب، في قدرته على التجسير الحذر بين مواقف الأردن الرسمية واستحقاقات إنجاز التشريعات بأقل صخب برلماني ممكن، وبين الموقف النيابي الذي يستند على مخاطبة ود الشارع الذي قلما يستحسن مواقف النواب من قضاياه.
وهنا تجدر الإشارة إلى أنه يستمر موقع رئاسة المجلس ضمن استحقاق الدورة العادية لعامين متتالين. وفي استحقاق الدورة غير العادية سيكون لعام واحد فقط، في ظل النصوص الدستورية الملزمة في هذا المبدأ. إذ تزداد التوقعات بشأن الذهاب إلى الدورة غير العادية، لغايات اختبار الفائز ومدى انسجامه مع مراكز القرار، لكون المترشحين للرئاسة - باستثناء القطب البرلماني المخضرم الذي سبقت له رئاسة مجلس النواب السادس عشر في دورة يتيمة، عبد الكريم الدغمي - سيكونون أمام تجربة هي الأولى لهم. وفي هذا السياق، تنحصر المنافسة على الموقع بين الدغمي، والنواب أحمد الصفدي ونصار القيسي وأيمن المجالي، في حين ترددت فيه أنباء عن نية النائب خليل عطية - ثاني أقدم أعضاء مجالس النواب - الترشح. والمتوقع أن يحجم النواب الآخرون عن طرح ترشيحاتهم لرئاسة المجلس، إلى حين اكتساب الخبرات اللازمة في المنافسة على المواقع المتقدمة في المكتب الدائم الذي يضم الرئيس ونائبيه الأول والثاني ومساعدين اثنين.
وعلى ضوء ما تقدم، ستجد حكومة بشر الخصاونة - في أولى مواجهاتها مع المجلس الجديد ببيان طلب الثقة - أن الدورة البرلمانية الأولى عادة ما تشهد خطابات نارية بسقف مرتفع، وذلك في أول ظهور للنواب الجدد أمام الشارع والإعلام، وهو عادة يقتبس عناوين حادة لخطابات النواب الغاضبة. وستدخل الحكومة خلال ذلك بحسابات معقدة، للبحث عن ثقة مريحة تمكنها من العمل بأقل الكلف، إلا أنها ستخضع لابتزاز عبورها امتحان الثقة الذي قد ينقلب في أكثر من مناسبة ولأكثر من سبب. وهذا ما قد يجبر الحكومة على إجراء حسابات دقيقة لمعايير المزاج النيابي الفاقد لقيم العمل الجماعي تحت شعار برامج الكتل الملزمة لأعضائها، وسيطرة الفرد على سلوك الأعضاء، باستثناء محدود تمارسه كتلة الإصلاح النيابية المحسوبة على حزب جبهة العمل الإسلامي.
وعليه، ستبقى الخريطة أمام تكهنات المشهد البرلماني الأردني خلال الفترة المقبلة غير مكتملة، ومساحات تراجع المشاركة السياسية متأثرة بضعف الحياة الحزبية، وغياب النخب القادرة على التأثير بوعي الرأي العام وإعادة جذب اهتمامه إلى ما كان بوصلة العمل السياسي العام للطامحين. وكل هذا، في ظل ظروف استثنائية تمر بها البلاد اقتصادياً وصحياً بسبب جائحة «كوفيد 19» التي تشهد أسوأ مراحلها.
إحصائيات وأرقام انتخابية

> كشفت دراسة لمركز الحياة (راصد) الأردني المتخصص في الدراسات البرلمانية (مؤسسة مجتمع مدني)، أن عدد البرلمانيين والبرلمانيات الجدد الذين أصبحوا أعضاءً في مجلس النواب التاسع عشر وصل إلى 98 برلمانياً وبرلمانية، بينما وصل 23 برلمانياً وبرلمانية من المجلس السابق الثامن عشر إلى المجلس التاسع عشر، كما وصل 9 برلمانيين سابقين قبيل المجلس الثامن عشر إلى المجلس التاسع عشر. وعلى صعيد تمثيل الأحزاب والتيارات السياسية في البرلمان التاسع عشر، بيّنت الدراسة أن 17 برلمانية وبرلمانياً من الأحزاب والتيارات السياسية وصلوا إلى مجلس النواب التاسع عشر، منهم 13 حزبياً مسجلين في قوائم الأحزاب، و5 منهم ضمن التيارات السياسية المتحالفة مع الأحزاب. كذلك بيّنت النتائج أن 4 أحزاب فقط وصلت إلى البرلمان التاسع عشر، وهي حزب جبهة العمل الإسلامي، بواقع 5 برلمانيين وبرلمانيات حزبيين، وحزب الوسط الإسلامي بـ5 برلمانيين وبرلمانيات، وحزب الجبهة الأردنية الموحدة ببرلماني واحد، وحزب الوفاء الأردني ببرلماني واحد. يذكر أن الأصوات التي حصلت عليها قوائم الأحزاب الفائزة بلغ عددها إلى 145386 من أصل 1387711 مقترعاً ومقترعة في الانتخابات.
وعن توزيع البرلمانيين والبرلمانيات حسب الفئات العُمرية، تبين أن معدل أعمار مجلس النواب التاسع عشر وصل إلى 51.8 سنة، فيما كان عدد البرلمانيين والبرلمانيات ضمن الفئة العُمرية 41 – 50 قد وصل إلى 43 برلمانياً وبرلمانية، وكان 51 برلمانياً وبرلمانية ضمن الفئة العمرية 51 – 60، ووصل عدسد الذين تجاوزوا 61 سنة إلى 21 برلمانياً وبرلمانية.
وبخصوص مجموع الأصوات التي نالتها القوائم التي حصلت على مقاعد في المجلس التاسع عشر، وصل عدد الأصوات إلى 1060151 من أصل 1387711 مقترعاً ومقترعة في الانتخابات، وبنسبة 76.4 في المائة من المقترعين، وبنسبة 22.8 في المائة من مجموع من يحق له الاقتراع على مستوى المملكة. أما فيما يتعلق بمجموع الأصوات التي حصل عليها البرلمانيون والبرلمانيات الذين حصدوا مقاعد المجلس التاسع عشر فقد وصل عدد أصواتهم إلى 604126 مقترعاً ومقترعة، ووصلت نسبة الأصوات التي حصل عليها الفائزون إلى 43.3 في المائة ممن اقترعوا في الانتخابات، فيما وصلت نسبة الأصوات التي حصل عليها الفائزون من مجموع من يحق له الاقتراع إلى 13 في المائة.


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

خافيير ميلي (أ.ب)
خافيير ميلي (أ.ب)
TT

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

خافيير ميلي (أ.ب)
خافيير ميلي (أ.ب)

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار والطروحات «التخريبية» التي حملها برنامجه وباشر بتطبيقها منذ توليه المنصب في مثل هذه الأيام من العام الفائت. حالة لم يتح لها الوقت الكافي بعد كي تفجّر كل «مواهبها» ومفاجآتها التي لا يوفّر ميلي مناسبة ليتوعّد بها، خاصة بعد نيله «بركة» مثاله الأعلى، دونالد ترمب، الذي يستعد للعودة قريباً إلى البيت الأبيض.

في مقابلة أجرتها معه مجلة «الإيكونوميست» نهاية الشهر الماضي، قال ميلي إنه يشعر بازدراء لا نهاية له تجاه الدولة، مؤكداً أنه سيفعل كل ما بوسعه للقضاء على تدخل الدولة في شؤون المواطنين وتنظيم حياتهم «لأن ذلك يشكّل أسرع الطرق إلى الاشتراكية». لكن اللافت أن «الإيكونوميست»، الموصوفة برصانتها، تعتبر أن ما يقوم به هذا «المخرّب الأكبر» - كما يحلو له أن يطلق على نفسه – يجب أن يكون قدوة للولايات المتحدة وحكومتها الجديدة التي يبدو أنها مستعدة لتحذو حذو الرئيس الأرجنتيني وتكليف هذه المهمة إلى الملياردير إيلون ماسك.

تدلّ كل المؤشرات على أن الهدف الأساسي من وصول ميلي إلى الحكم، أواخر العام الفائت، هو «تدمير» الدولة من الداخل. ألغى 13 وزارة، وسرّح ما يزيد على ثلاثين ألفاً من الموظفين العموميين، وخفّض بنسب وصلت إلى 74% مخصصات الرواتب التقاعدية والتعليم والصحة والعلوم والثقافة والتنمية الاجتماعية. وعلى هذه الخلفية، سارعت أسواق المال للاحتفاء بالفائض المالي وتراجع التضخم الذي ليس سوى ثمرة واحدة من أكبر الجراحات المالية في التاريخ. لكن الوجه الآخر لهذه العملة البرّاقة كان انضمام 5 ملايين أرجنتيني إلى قافلة الفقراء الذين يعيش معظمهم على المعونة الغذائية في واحد من أغنى البلدان الزراعية والغذائية في العالم، وانكماشا اقتصاديا... من غير أن تتراجع شعبية ميلي الذي يفاخر بأنه الرئيس الأوسع شعبية على وجه الكرة الأرضية.

لا يكفّ ميلي عن مخاطبة مواطنيه عبر وسائط التواصل التي لعبت دوراً أساسياً في وصوله إلى الرئاسة، ويقول إن «القوى السماوية» التي تسدد خطاه وتقود كفاحه ضد الطبقة السياسية التقليدية والاشتراكية ستجعل من الأرجنتين قريباً «قوة عالمية كبرى».

رئيسة الأرجنتين السابقة كريستينا كيرشنر (أ.ب)

لا يعترف الرئيس الأرجنتيني بالتغيّر المناخي، ولا بالمساواة بين الرجل والمرأة، أو بالعدالة الاجتماعية، وينكر الذاكرة التاريخية لأنظمة الاستبداد التي تعاقبت على بلاده، ويعتبر أن كل ذلك ليس سوى بدع يسارية يتوعّد بالقضاء عليها في «حرب ثقافية» يتبّلها بكل أنواع الشتائم التي توقد الحماسة في صفوف أنصاره وتزرع الحيرة في أوساط المعارضة المشتتة.

الأغرب في كل ذلك هو أن ميلي لا تؤيده سوى أقلية في مجلسي الشيوخ والنواب، فضلاً عن أن جميع حكّام الولايات الذين يتمتعون بصلاحيات واسعة، ليسوا من حزبه «الحرية تتقدم». كما أنه اضطر للإبقاء على العديد من كبار موظفي الحكومة اليسارية السابقة في مناصبهم لعدم وجود كوادر مؤهلة كافية في حزبه. لكن رغم هذا العجر الهائل، تمكّن ميلي من إقرار حزمة قوانين يعتبرها أساسية لمشروع تفكيك الدولة ورفع القيود عن العجلة الاقتصادية، من غير أن يتضّح بعد إذا كانت هذه السنة الأولى من ولايته مدخلاً لإحكام سيطرته على الدولة، أو هي تمهيد لهيمنة اليمين المتطرف على المشهد السياسي.

يعتمد ميلي على التأييد الشعبي الواسع الذي ما زال يلقاه، وعلى حاجة حكّام الولايات لموارد الدولة، وبشكل خاص على الحلف التشريعي الذي أقامه مع اليمين المعتدل ممثلاً بالحزب الذي يقوده رئيس الجمهورية الأسبق ماوريسيو ماكري. ومنذ نزوله المعترك السياسي، بعد أن كان ينشر أفكاره وطروحاته عبر البرامج التلفزيونية التي كان يقدمها، استمد شعبيته وقوته ضد ما يسميه «السلالة»، أي الطبقة السياسية التقليدية. أما الاتفاقات أو الائتلافات التي سعى إليها، فهي لم تكن سوى تكتيكية، ولم يفاوض على برنامجه مع الأحزاب أو القوى التي تحالف معها، بل بقي تحالفه الأساسي مع القاعدة الشعبية التي ما زالت تدعمه، والتي يرجّح أن تكون هي أيضاً نقطة ضعفه الرئيسية التي ستؤدي إلى سقوطه عندما تتوقف عن دعمه بعد أن تفقد الأمل الضئيل الذي ما زال يحدوها في أن تتحسن الأوضاع المعيشية.

وصفة ميلي تحقق نتائجها

يقول المقربون من ميلي إن سر استمرار شعبيته التي توقع كثيرون أنها إلى زوال سريع، هو أنه ينفّذ كل الوعود التي قطعها في حملته الانتخابية، فيما بدأ بعض منتقديه يعترفون بأن «وصفته» تحقق النتائج التي وعد بها.

وقد شهدت الأشهر الأخيرة انشقاق بعض رموز الحزب البيروني واصطفافهم إلى جانب ميلي، مثل العضو البارز في مجلس الشيوخ كارلوس باغوتو، وهو قريب من الرئيس الأسبق كارلوس منعم. وقال باغوتو: «إن ميلي هو الشخص الذي تحتاجه الأرجنتين للتخلص من الموجة الشعبوية الاشتراكية التي حكمتها طيلة العقدين المنصرمين... كنا في حال من التحلل الاجتماعي الذي بلغ مستويات يصعب تصورها. وبعد أن أصبحت الدولة تتدخل في جميع مسالك الحياة، عاجزة عن توفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية لشريحة واسعة من المواطنين، وبعد أن أخفقت جميع المحاولات لضبط التضخم الهائل، أدركت الطبقات المتواضعة أن الخلاص لا يمكن أن يأتي من غير تضحيات... وكان ميلي».

"يقول ميلي إن «القوى السماوية» تسدد خطاه وتقود كفاحه ضد الطبقة السياسية التقليدية والاشتراكية ستجعل من الأرجنتين قريباً «قوة عالمية كبرى»."

خدمة مصالح رجال الأعمال

لكن قراءة المعارضة للمشهد الاجتماعي تختلف كلياً، إذ يرى وزير الداخلية السابق إدواردو دي بيدرو المقرّب من الرئيسة السابقة كريستينا كيرشنر، أن ميلي قضى على حقوق وخدمات أساسية، مثل الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية، بينما خدم، في المقابل، مصالح رجال الأعمال والمراكز المالية. ويضيف: «إن قرارات مثل قطع الأدوية عن مرضى السرطان في المراحل الأخيرة، أو الكف عن توفير التغطية العلاجية للمتقاعدين، أو إقفال المطاعم الشعبية التي كانت تؤمن وجبات أساسية لحوالي 19% من السكان يعيشون على المعونة الغذائية، هي دليل ساطع على قسوة هذه الحكومة وعدم إحساسها».

يردّ ميلي على هذه الانتقادات بوصفها من أفعال الشيوعيين المناهضين للحرية، ويكرر أنه يقود «أفضل حكومة في التاريخ»، مقتنعاً بأنه مكلّف مهمة سماوية، ويقترح حرباً نضالية عالمية تحت راية «اليمين الدولي» من أجل القضاء نهائياً على اليسار، يجوز فيها استخدام كل الوسائل، بما في ذلك العنف. كما أكّد مؤخراً في أحد المهرجانات السياسية: «لست في وارد اللياقة أو الوفاق. لن أتراجع أبداً، وسأواصل السير نحو النار، لأن الهجوم هو أفضل وسيلة للدفاع. لسنا ملزمين بتبرير أفعالنا، وإذا فعلنا فسوف يعتبرون ذلك من باب الضعف. كلما تعرضنا لضربة من خصومنا، سنردّ الواحدة بثلاث».

تكيف وبراغماتية

الهجوم الدائم هو العلامة الفارقة في أسلوب الرئيس الأرجنتيني، لكن ميلي أظهر قدرة لافتة على التكيّف والبراغماتية التفاوضية كلّما وجد نفسه بحاجة إلى أصوات المعارضة، في مجلسي الشيوخ والنواب وبين حكام الولايات، خاصة عندما طرح «قانون الأساسات» الذي يتضمّن مئات المواد التي تعتبرها الحكومة ضرورية لتنفيذ برنامجها. يفعل ذلك وهو يدرك جيداً أن الأحزاب التقليدية فقدت شعبيتها، وهي في حال من الانهيار السريع الذي يمكن لحزبه أن يستفيد منه في الانتخابات العامة المرحلية في خريف العام المقبل ليقلب المعادلة البرلمانية الحالية التي تشكّل عائقاً كبيراً أمام مشروعه «التخريبي».

ستكون انتخابات العام المقبل حاسمة بالنسبة لميلي ليقلب المعادلة البرلمانية ويضمن الأغلبية التي تحرره من التفاوض مع المعارضة كلما أقدم على خطوة اشتراعية لتنفيذ برنامجه، خاصة أن التأييد الشعبي ليس مضموناً في المدى الطويل.

ويخشى معاونوه من أن جنوحه الشديد نحو التعصب والصدام العنيف مع خصومه السياسيين قد يبعده عن تحقيق هدفه الأساسي الذي كان وراء فوزه في الانتخابات الرئاسية، وهو معالجة الأزمة الاقتصادية المزمنة التي تتخبط فيها البلاد منذ عقود. وينصحه المقربون بعدم التمادي في «الحروب الثقافية» مع حلفائه الغربيين الذين حصرهم منذ اليوم الأول بالولايات المتحدة وإسرائيل والدول «الحرة»، وسمّى الاشتراكيين واليساريين خصومه إلى الأبد.

لكن رغم خطابه الناري والتهديدي الذي لا يخلو أبداً من الألفاظ البذيئة، والذي بدأ مستشاروه يواجهون صعوبة في تبريره بالقول إن هذا هو أسلوبه والناس تعرف ذلك، بدأ ميلي يعطي مؤشرات على أنه ليس غريباً كلياً عن البراغماتية والواقعية. وهو اعترف قبل أيام أنه تعلّم الكثير في السياسة خلال هذه السنة الأولى من ولايته. وقال إنه لم يعد لديه أعداء سياسيون في الأرجنتين، بل خصوم يريدون الخير للبلاد. وبعد أن كان صرّح مراراً خلال الحملة الانتخابية بأن الصين هي في معسكر الأعداء وبأنه لن يتعامل مع «القتلة»، قال مؤخراً: «إن الصين شريك رائع لا يطلب شيئاً سوى التبادل التجاري الهادئ» وإن الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي كان وصفه غير مرة بأنه «يساري فاسد»، لن يصبح صديقه، لكن مسؤوليته الدستورية تقتضي منه التعامل معه.

الأرقام الاقتصادية في نهاية العام الأول من ولاية ميلي تظهر أن الشركات الكبرى في قطاع المحروقات، وكبار المستثمرين في أسواق المال والمصارف، هم الذين حققوا أرباحاً استثنائية خلال هذه السنة، وأن الجائزة الكبرى كانت من نصيب المتهربين من دفع الضرائب الذين استفادوا من خطة «التبييض» التي وضعها، بما يزيد على 20 مليار دولار، أي نصف القرض الذي حصلت عليه الأرجنتين منذ سنوات من صندوق النقد الدولي لوقف الانهيار الاقتصادي التام وما زالت حتى اليوم عاجزة عن سداده أو حتى عن جدولته. أما في الجهة المقابلة فكان المتقاعدون والموظفون العموميون وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة هم الأكثر تضرراً من النموذج الذي خفّض الإنفاق العام وألغى القيود على الواردات بهدف احتواء التضخم الجامح الذي يقضّ مضاجع ملايين الأسر منذ سنوات، فضلاً عن الفقراء (19% من السكان حسب الإحصاء الأخير) الذين حُرموا فجأة من المعونة الغذائية التي كانت تقدمها الدولة.

أرباح الشركات الكبرى في قطاع الطاقة بلغت أرقاماً قياسية هذا العام بفضل زيادة الإنتاج وتحرير الأسعار والتدابير الضريبية والجمركية والقانونية التي أعلنها ميلي الذي يريد لهذا القطاع أن يكون المحرك الأساسي لاقتصاد الأرجنتين في العقود الثلاثة المقبلة، انطلاقاً من منطقة «باتاغونيا» الشاسعة في أقصى الجنوب التي تختزن، بحسب تقديرات، ثاني أكبر احتياطي من الغاز ورابع احتياطي من النفط في العالم. وفي نهاية الشهر الماضي كانت أسعار أسهم شركة النفط الرسمية قد ارتفعت بنسبة 140% عن العام الفائت، فيما ارتفعت أسعار أسهم الشركات الخاصة 75%.

تمديد الإنفاق

في موازاة ذلك قرر ميلي تجميد الإنفاق على المشاريع العامة، بينما كان الاستهلاك يتراجع إلى أدنى مستوياته والصناعة الأرجنتينية تعاني على جبهات ثلاث: انخفاض المبيعات، وتدفق السلع المستوردة بأسعار تصعب منافستها، وتراجع الصادرات بسبب ارتفاع سعر البيزو مقابل الدولار الأميركي. إلى جانب ذلك، سحب ميلي جميع إجراءات الدعم التي كانت اتخذتها الحكومات السابقة لمساعدة الطبقات الفقيرة، ما أدّى إلى ارتفاع أسعار النقل العام بنسبة 1000% وفواتير الغاز والكهرباء والتأمين الطبي والتعليم الخاص بنسب تزيد على 500%. وكانت الأشهر الستة الأولى من ولاية ميلي هي الأكثر صعوبة، إذ تزامنت مع نسبة تضخم قاربت 30% شهرياً بحيث تجاوزت نسبة المصنفين فقراء بين السكان 53%.

ستكون الأشهر الأولى من العام الثاني لولاية ميلي، حاسمة في تقدير عدد من المراقبين، لأنها ستبيّن مدى صمود شعبيته أمام انهيار الخدمات الأساسية والمساعدات التي تعيش نسبة عالية من السكان عليها، فيما يصرّ هو على رهانه بأن الفشل الذريع الذي تتخبط فيه القوى السياسية الأرجنتينية منذ عقود سيكون الخزان الذي سيغرف منه لترسيخ شعبيته حتى نهاية الولاية.