الرئيس الأميركي يطرح تحدياً غير مسبوق لنتائج الانتخابات

يمارس ضغوطاً تتجاوز تجربة اقتراع 1876

الرئيس الأميركي يطرح تحدياً غير مسبوق لنتائج الانتخابات
TT

الرئيس الأميركي يطرح تحدياً غير مسبوق لنتائج الانتخابات

الرئيس الأميركي يطرح تحدياً غير مسبوق لنتائج الانتخابات

تعد المحاولات التي يبذلها الرئيس دونالد ترمب لتغيير نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020 غير مسبوقة في تاريخ الولايات المتحدة، وتتجاوز الاستخدام الجريء للقوة السياسية الذي لجأ إليه الكونغرس عندما منح روذرفورد هايس الرئاسة إبان حقبة إعادة الإعمار.
تتراوح فرص ترمب في الفوز بالانتخابات الرئاسية الحالية بين بعيد المنال والمحال. ومع ذلك، فإن محاولاته أثارت مخاوف على نطاق واسع، وليس أقلها داخل معسكر بايدن المنافس.
وصرّح بايدن في مؤتمر صحافي في مدينة ويلمينغتون بولاية ديلاوير الخميس، قائلا: «أنا على يقين بأنه يعلم أنه لم يفز»، وذلك قبل أن يضيف قائلا: «إنه ما يواصل فعله الآن لأمر شائن حقا». ورغم أن بايدن قد وصف تصرفات الرئيس دونالد ترمب بأنها مثيرة للحرج السياسي البالغ، فإنه أقر بقوله: «هناك رسائل عميقة الضرر يبعث بها إلى جميع أرجاء العالم حول كيفية عمل الديمقراطية في الولايات المتحدة». ولم يبق أمام الرئيس دونالد ترمب سوى بضعة أسابيع كي يبذل قصارى جهده لإنجاح مساعيه، إذ إن أغلب الولايات التي يحتاج حرمان بايدن من أصواتها ستصادق على لائحة كبار الناخبين بحلول بداية الأسبوع المقبل. فيما يدلي الناخبون بأصواتهم في الاثنين 14 ديسمبر (كانون الأول)، ثم يقوم الكونغرس بفرز الأصوات في 6 يناير (كانون الثاني). وحتى إن تمكن ترمب من قلب أصوات كبار الناخبين لصالحه، فما تزال هناك ضمانات أخرى سارية ومعمول بها، على افتراض أن الشخصيات النافذة في مواقع السلطة لا ترضخ لإرادة الرئيس المنتهية ولايته.
وأولى هذه الاختبارات سوف تشهدها ولاية ميشيغان، التي يبذل فيها الرئيس ترمب قصارى جهده من أجل إقناع المجلس التشريعي بإلغاء هامش فوز جوزيف بايدن البالغ 157 ألف صوت. ولقد اتخذ الرئيس ترمب خطوة استثنائية أخرى تتمثل في دعوة وفد من الشخصيات الجمهورية البارزة في الولاية إلى زيارة البيت الأبيض، على أمل منه أن ينجح في إقناعهم بتجاهل نتائج التصويت الشعبي في الولاية.
وصرح مايك شيركي، زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ بولاية ميشيغان قائلا يوم الثلاثاء الماضي: «لا يمكن لهذا أن يحدث أبدا، سوف ننفذ القانون ونتابع سير العملية الانتخابية».
كما يمكن لغريتشن ويتمر حاكمة ولاية ميشيغان الديمقراطية أن تبعث إلى الكونغرس بقائمة انتخابية منافسة استنادا إلى التصويت الانتخابي، فيما تم تجاهل الإجراءات المعمول بها في مثل هذه الحالات. ومن شأن هذا النزاع أن يخلق قدرا كبيرا من الإرباك، يدفع مجلسي الشيوخ والنواب في الكونغرس إلى التدخل لتسوية الخلافات في خطوة غير معهودة في العصر الحديث. ويوفر القانون الفيدرالي التي يرجع تاريخه إلى عام 1887، والذي جرى تمريره كرد فعل على انتخاب راذرفورد هايس، الإطار العام لحل هذا النوع من الخلافات.
وولاية ميشيغان وحدها لن تشكل فارقا كبيرا أو كافيا بالنسبة إلى دونالد ترمب. فإنه في حاجة ماسة أيضا إلى ولايتين أخريين تنضمان إلى جهود قلب نتيجة الانتخابات. ومن أبرز تلك الولايات هناك ولاية جورجيا وأريزونا، اللتان اختارتا انتخاب ترمب في انتخابات عام 2016 الرئاسية، فضلا عن المجالس التشريعية فيهما الخاضعين تماما لسيطرة أعضاء الحزب الجمهوري.
تذكّر الجهود والضغوط الراهنة التي يمارسها الرئيس ترمب بما حدث في عام 1876. ففي ذلك العام، كان راذرفورد هايس يشغل منصب حاكم ولاية أوهايو، وليس رئيس الولايات المتحدة. وكان الرئيس الفعلي وقتذاك هو يوليسيس إس. غرانت، إلا أن راذرفورد هايس فاز في الانتخابات الرئاسية عن طريق التلاعب بالأصوات الانتخابية في ثلاث ولايات أميركية، وأصبح منذ ذاك يُعرف باسم «السيد المحتال».

* خدمة «نيويورك تايمز»



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟