«التعليم الإلكتروني» هدف الهند المنشود للتغلب على نقص الإمكانات

جهود لإصلاح المنظومة التعليمية يدعمها انتشار الإنترنت

جامعة أنديرا غاندي الوطنية المفتوحة بنيودلهي
جامعة أنديرا غاندي الوطنية المفتوحة بنيودلهي
TT

«التعليم الإلكتروني» هدف الهند المنشود للتغلب على نقص الإمكانات

جامعة أنديرا غاندي الوطنية المفتوحة بنيودلهي
جامعة أنديرا غاندي الوطنية المفتوحة بنيودلهي

تخضع المنظومة التعليمية بالهند حاليا لجهود إصلاحية كبرى من أجل إحداث قفزة كبرى باتجاه التعليم الإلكتروني. وقد أطلقت الحكومة الهندية مبادرة لعقد دورات تدريبية عبر الإنترنت تهدف لتوفير تعليم رفيع الجودة بتكلفة مناسبة للمواطنين. وتعرف المبادرة التي تحمل اسم «الدراسة عبر الشبكة لتوفير تعليم نشط للعقول الشابة الطموحة»، اختصارا باسم «سوايام».
وفي ظل توقعات بوصول أعداد مستخدمي شبكة الإنترنت في الهند إلى 250 مليون نسمة، لتنافس بذلك الولايات المتحدة وتأتي في المرتبة الثانية عالميا بعد الصين، فإن هذا يعزز بدرجة كبيرة إمكانات الهند بوصفها سوقا ضخمة لنشاطات التعلم الإلكتروني.
وتبعا لما أفادته بعض التقارير، فإنه من المتوقع نمو حجم سوق التعليم الإلكتروني في الهند لتصل إلى 40 مليار دولار بحلول عام 2017، بارتفاع عن المستوى الراهن البالغ 20 مليار دولار. المعروف أن الهند تتميز بواحدة من أكبر المنظومات التعليمية على مستوى العالم، حيث تضم شبكة مدارس يتجاوز عددها مليون مدرسة، إضافة إلى 18 ألف مؤسسة للتعليم العالي. كما أن ما يزيد على نصف السكان البالغ عددهم 1.2 مليار نسمة ينتمون للفئات العمرية المرتبطة بسوق التعليم والخدمات المرتبطة به.
ومع انتماء قرابة نصف سكان البلاد للفئة العمرية دون 25 عاما في وقت يتزايد فيه استخدام الإنترنت والأجهزة المحمولة بين أفراد هذه الفئة، فإن نمو سوق التعليم عبر الإنترنت داخل الهند أصبح أمرا محتوما. والملاحظ أنه خلال السنوات الـ3 الأخيرة، أصبح يجري الاعتماد على الإنترنت في إجراء عدة اختبارات مثل «الاختبار المشترك للقبول» و«جي مين»، بل واختبارات تتعلق بخدمات مدنية حكومية ومصرفية وغيرها.
الملاحظ كذلك أن الهند تحولت لمركز لجهود تعهيد محتويات التعليم الإلكتروني. في هذا الصدد، كشفت شركة «ديلويت» أن تطوير دورة تدريبية عبر الإنترنت سيحمل تكاليف أقل كثيرا داخل الهند (بنسبة تتراوح بين 20 في المائة و40 في المائة) من إجمالي تكاليف المشروع.
وقد أقيمت شراكة بين المجلس الهندي للتعليم الفني والاتحاد الأميركي للكليات المجتمعية بهدف تنفيذ «دورات ضخمة مفتوحة عبر الإنترنت» لتوفير مواد الدورات الأميركية للطلاب الهنود.
على الجانب الآخر، حذر سوهاس بيدنكار، رئيس «رامنارين رويا كوليدج» بمنطقة ماتونغا، من أنه «رغم توسع المنظومة التعليمية لدينا، فإن مستوى الجودة في تراجع»، مستطردا أن «هذا التعاون هو ما نحتاج إليه الآن لأنه سيحسن مستوى جودة التدريب المقدم للمدرسين والطلاب».
جدير بالذكر أن الهند تضم حاليا قرابة 11 جامعة توفر بصورة حصرية برامج للتعليم عن بعد لطلاب دوليين. كما أن الكثير من الجامعات العادية تضم وحدات منفصلة معنية بالتعليم عن بعد. مثلا، تملك جامعة دلهي مدرسة للتعليم المفتوح توفر دورات تعليمية عن بعد للطلاب. وتعد جامعة أنديرا غاندي الوطنية المفتوحة بنيودلهي واحدة من أكبر الجامعات المفتوحة على مستوى العالم، حيث توجد في أكثر من 40 دولة، منها الإمارات وقطر والكويت وعمان والبحرين والسعودية وإثيوبيا وناميبيا وكينيا وميانمار واليمن وسوريا ونيجيريا ومنغوليا وزامبيا. وتدير الجامعة برامج للتعليم عن بعد وتضم أكثر من مليون طالب بمختلف أرجاء العالم.
وقد حققت شركات عملاقة بمجال التقنية، مثل «إنتل» و«كوالكوم» و«تاتا»، قفزات في هذا الاتجاه. مثلا، أطلقت «إنتل» أخيرا مبادرة «المهارات الرقمية للهند»، التي طرحت في إطارها «تطبيق تدريب المهارات الرقمية» الرامي للقضاء على الأمية الرقمية.
أما «كوالكوم» فأطلقت برنامج «اللعب والتعلم» الموجه لتلاميذ المدارس بين 5 و8 سنوات. وبالمثل، أعلنت «سامسونغ» أخيرا عن مبادرة «التعلم الذكي» لتوفير مواد تعليمية تفاعلية للطلاب. أما «تاتا» فتعمل على توسيع نطاق الأدوات التي تطرحها لتيسير التعليم بالمدارس في إطار برنامج «كلاسيدج». واستحوذت شركة «ريليانس» على 38.5 في المائة من شركة «إكستراماركس إيديوكيشن برايفيت ليميتيد». وبالمثل، اتخذت «بي إس إن إل» استعداداتها لإطلاق خدمتها التعليمية عبر الإنترنت بعنوان «توبر إيديوكيشن».
ويعد التحرك باتجاه التعليم الرقمي من الخطوات التي تلقى قبولا داخل الهند، التي تناضل للتغلب على نقص البنية التحتية والمدرسين المؤهلين بمستويات التعليم الأعلى. ويرى خبراء أن مثل هذه التحركات ربما تضفي صبغة ديمقراطية على التعليم العالي.
من جهتها، قالت وزيرة الموارد البشرية، سرميتي إراني، إن مبادرة «الدورة التعليمية الواسعة عبر الإنترنت» جرى إطلاقها في ضوء المخاوف التي أعرب عنها البعض بخصوص مستويات جودة التعليم وتكلفته.
وأعرب تي في برابهاكار، بروفسور علوم الحاسب الآلي والهندسة بمعهد كانبر الهندي للتقنية، عن اعتقاده أن هذه المبادرة لديها إمكانات تؤهلها للتحول إلى منصة للتدريس والتعليم، مع تصديق الجامعات لشهاداتها وتوفير فرص تكوين الشبكات وتطوير المهارات الأخرى. وفي هذا الإطار، تعمل «الدورة التعليمية الواسعة عبر الإنترنت» بمثابة كتب مدرسية.
في ظل خطة الحكومة الهندية للتعليم الإلكتروني، من المقرر أن توفر جميع المعاهد التقنية والجامعات المركزية والمعاهد الإدارية ومجموعة منتقاة من أفضل الكليات والمعاهد، دورات تعليمية للطلاب والخريجين مجانا. وبمقدور الساعين للحصول على درجة علمية أو شهادة بمجال معين التقدم للاختبار بتكلفة رمزية لدى مؤسسة متخصصة بالمجال المرغوب.
جدير بالذكر أن الكثير من الجامعات العربية، بالتعاون مع أخرى هندية، توفر تعليما للطلاب والخريجين عبر الإنترنت. وتوفر بعض الجامعات في سوريا والإمارات ولبنان إمكانية الحصول على درجة البكالوريوس عبر شبكة الإنترنت بالتعاون مع جامعات في الولايات المتحدة والهند.
وتوفر الكثير من المؤسسات التعليمية الهندية دورات تعليمية عبر الإنترنت، علاوة على وجود مؤسسات معنية بالمناهج الإلكترونية تطرح مجموعة متنوعة من المواد، مثل محاضرات مصورة عبر الإنترنت وفصول تفاعلية عبر البث الحي من خلال الفيديو ومواد دراسية عبر الإنترنت واختبارات عبر الشبكة وأدوات للتحليل.
على سبيل المثال، تتولى مؤسسة «إدوريكا» في بنغالور إدارة دورات عبر شبكة الإنترنت لتدريب مهنيين بمجالات استخدام البيانات والتحليل وتقنيات الحوسبة السحابية عبر دورات تستمر لما بين 4 أسابيع و6 أسابيع خلال عطلات نهاية الأسبوع. وتضم الشركة هيئة من 150 معلما مخضرما يعملون بشكل حر. وتضيف «إدوريكا» 3 دورات شهريا، ويبلغ إجمالي الدورات التي توفرها حاليا 20 دورة تتراوح تكلفة الاشتراك بالواحدة منها بين 10 آلاف و25 ألف روبية (نحو 160 إلى 400 دولار). حتى الآن، تولت الشركة تدريب أكثر من 100 ألف طالب في الهند والخارج. وتبعا لما أفاده مؤسسو الشركة، فإن موظفين ينتمون للمستويات الإدارية المتوسطة في شركات متعددة الجنسيات، مثل «مايكروسوفت» و«إنترناشيونال ماشينز كورب» و«كوغنزانت تكنولوجي سلوشنز كورب»، سجلوا لخوض هذه الدورات.
يذكر أن «إدوريكا» وقع الاختيار عليها أخيرا باعتبارها عاشر أسرع الشركات نموا في المنطقة الآسيوية المطلة على المحيط الهادي تبعا للتصنيف الذي وضعته «ديلويت» لأسرع 500 شركة تقنية آسيوية نموا خلال عام 2014.
وفي الإطار ذاته، تولت أكاديمية جيغسو تدريب أكثر من 20 ألف طالب من مختلف أرجاء الهند، إضافة للولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا، حسبما أوضح غوراف فوهرا، أحد مؤسسي الأكاديمية والرئيس التنفيذي لها. ويجري تنفيذ نشاطات التدريب عبر الشبكة وخارجها التي توفرها «جيغسو» من خلال 10 أعضاء بها يعملون بدوام كامل و55 آخرين يعملون بدوام جزئي. وتوفر الأكاديمية 10 دورات تدريبية بمجالات مختلفة، مثل الخدمات المالية والبيع بالتجزئة والموارد البشرية وشبكات التواصل الاجتماعي للمبتدئين والراغبين في الالتحاق بالمستويات المتوسطة والمتقدمة، وذلك بتكلفة تتراوح بين 25 ألفا و35 ألف روبية.
كما تحظى فكرة الدورات الإلكترونية بشهرة واسعة في أوساط المعاهد الإدارية مثل «غريت ليكس» والمعهد الهندي للإدارة ببنغالور والمعهد الآسيوي للإدارة و«مانيلا»، بجانب الكثير من شركات تقنية المعلومات والأخرى الاستشارية.
أيضا، يتولى موقع «Wiziq.com»، الذي تأسس عام 2007، الربط بين المعلمين والمتعلمين عبر دورات تدريبية حية. ويستخدم الموقع ما يصل إلى 300 ألف معلم و3.7 مليون طالب ينتمون لأكثر من 100 دولة.
وتتضمن الدورات تعليمات حية، خاصة أن بعض الدورات قد تتطلب معلمين على درجة عالية من التخصص. وعبر الاعتماد على سبل البث الحي، يمكن لهؤلاء المعلمين التواصل وتقديم التوجيهات للكثير من الطلاب بأماكن مختلفة. وتزداد درجات التخصص مع انتقال الطلاب لمستويات تعليمية أعلى، مثل المستويات التي تمنح درجات علمية متقدمة في الطب.
أيضا تعتمد هذه الدورات على تسجيلات مصورة للمحتويات التعليمية، مثل المحاضرات وأفلام وثائقية وغيرها، بحيث يمكن للطالب الاطلاع عليها وقتما شاء، علاوة على أسلوب مؤتمرات الفيديو التي تتيح التفاعل بين الطلاب، بحيث يصبح في مقدورهم التعلم بعضهم من بعض مثلما يتعلمون من المعلمين. والملاحظ وجود تزايد كبير في الطلب على التعليم الإلكتروني داخل الهند؛ نظرا لمرونته وسهولة استخدام التقنيات المرتبطة به.
من جهته، قال أكشاي لاكهي (22 عاما) الذي تخرج في معهد فيرماتا جيجاباي للتقنية، وحصل على دورتين تدريبيتين من «كورسيرا» حول التمويل وأنماط السلوك غير العقلاني في فبراير (شباط) الماضي: «أنا من أشد المعجبين بالدورات التدريبية عبر الإنترنت، لكن الجامعات الهندية تفتقر إلى النطاق الواسع للدورات الذي توفره الجامعات الأميركية. ومن شأن مبادرة الحكومة الهندية لتقديم دورات عبر الإنترنت معاونة الطلاب على اكتساب منظور عالمي والحصول على شهادة علمية بتكلفة رمزية».
جدير بالذكر أنه حتى الآن، اقتصرت مبادرة «الدورة التعليمية الواسعة عبر الإنترنت» على القليل من الجامعات النخبوية، مثل المعهد الهندي للتقنية بمومباي والمعهد الهندي للتقنية بدلهي والمعهد الهندي للتقنية ببنغالور.



{سفارات المعرفة}... خدمات بحثية وأنشطة ثقافية في 20 مدينة مصرية

القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
TT

{سفارات المعرفة}... خدمات بحثية وأنشطة ثقافية في 20 مدينة مصرية

القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)

منذ 15 عاما حينما تأسست مكتبة الإسكندرية الجديدة، وكان الطلاب والباحثون من مختلف أنحاء مصر يشدون الرحال إلى «عروس المتوسط» للاستفادة من الأوعية المعرفية كافة التي تقدمها المكتبة لزائريها، والاطلاع على خدمات المكتبة الرقمية والدوريات العلمية والبحوث، لكن الجديد أن كل ذلك أصبح متاحا في 20 محافظة في مختلف أنحاء مصر وللطلاب العرب والأفارقة والأجانب المقيمين في مصر كافة من خلال «سفارات المعرفة».

فعاليات لنبذ التطرف
لم تكتف مكتبة الإسكندرية بأنها مركز إشعاع حضاري ومعرفي يجمع الفنون بالعلوم والتاريخ والفلسفة بالبرمجيات بل أسست 20 «سفارة معرفة» في مختلف المحافظات المصرية، كأحد المشروعات التي تتبع قطاع التواصل الثقافي بالمكتبة لصناعة ونشر الثقافة والمعرفة ورعاية وتشجيع الإبداع الفني والابتكار العلمي.
ويقول الدكتور مصطفى الفقي، مدير مكتبة الإسكندرية، لـ«الشرق الأوسط»: «هذا المشروع من أدوات المكتبة لنشر العلم والثقافة في مصر والعالم أجمع، ووجود هذه السفارات يساعد المكتبة على تحقيق أهدافها على نطاق جغرافي أوسع. ونحن هذا العام نسعى لمحاربة التطرف الذي ضرب العالم، وخصصنا السمة الرئيسية للمكتبة هذا العام (نشر التسامح تعظيم قيمة المواطنة، ونبذ العنف والتصدي للإرهاب) والتي سوف نعلن عن فعالياتها قريبا». يضيف: «نتمنى بالطبع إقامة المزيد من السفارات في كل القرى المصرية ولكن تكلفة إقامة السفارة الواحدة تزيد على مليون جنيه مصري، فإذا توافر الدعم المادي لن تبخل المكتبة بالجهد والدعم التقني لتأسيس سفارات جديدة».

خطط للتوسع
تتلقى مكتبة الإسكندرية طلبات من الدول كافة لتفعيل التعاون البحثي والأكاديمي، يوضح الدكتور الفقي: «أرسلت لنا وزارة الخارجية المصرية مؤخرا خطابا موجها من رئيس إحدى الدول الأفريقية لتوقيع بروتوكول تعاون، وتسعى المكتبة لتؤسس فروعا لها في الدول الأفريقية، وقد أوصاني الرئيس عبد الفتاح السيسي بالعلاقات الأفريقية، ونحن نوليها اهتماما كبيرا».
يؤكد الدكتور الفقي «المكتبة ليست بعيدة عن التعاون مع العالم العربي بل هناك مشروع (ذاكرة الوطن العربي) الذي سيكون من أولوياته إنعاش القومية العربية».
«مواجهة التحدي الرقمي هو أحد أهداف المكتبة منذ نشأتها»، يؤكد الدكتور محمد سليمان، رئيس قطاع التواصل الثقافي، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «مشروع سفارات المعرفة يجسد الاستخدام الأمثل للتكنولوجيا في نقل المعرفة لكل مكان في مصر، ومصطلح (سفارة) يعني أن للمكتبة سيطرة كاملة على المكان الذي تخصصه لها الجامعات لتقديم الخدمات كافة، بدأ المشروع عام 2014 لكنه بدأ ينشط مؤخرا ويؤدي دوره في نشر المعرفة على نطاق جغرافي واسع».
يضيف: «تقدم المكتبة خدماتها مجانا للطلاب وللجامعات للاطلاع على الأرشيف والمكتبة الرقمية والمصادر والدوريات العلمية والموسوعات التي قام المكتبة بشراء حق الاطلاع عليها» ويوضح: «هناك 1800 فعالية تقام بالمكتبة في مدينة الإسكندرية ما بين مؤتمرات وورشات عمل وأحداث ثقافية ومعرفية، يتم نقلها مباشرة داخل سفارات المعرفة بالبث المباشر، حتى لا تكون خدمات المكتبة قاصرة على الباحثين والطلاب الموجودين في الإسكندرية فقط».
«كل من يسمح له بدخول الحرم الجامعي يمكنه الاستفادة بشكل كامل من خدمات سفارة المعرفة ومكتبة الإسكندرية بغض النظر عن جنسيته» هكذا يؤكد الدكتور أشرف فراج، العميد السابق لكلية الآداب بجامعة الإسكندرية، والمشرف على «سفارات المعرفة» لـ«الشرق الأوسط»: «هذه السفارات هي أفرع لمكتبة الإسكندرية تقدم للباحثين خدماتها والهدف من هذا المشروع هو تغيير الصورة النمطية عن المكتبة بأنها تخدم النخبة العلمية والثقافية، بل هذه الخدمات متاحة للطلاب في القرى والنجوع» ويضيف: «يمكن لأي باحث من أي دولة الحصول على تصريح دخول السفارة من مكتب رئيس الجامعة التي توجد بها السفارة».

صبغة دبلوماسية
حول اسم سفارات المعرفة ذي الصبغة الدبلوماسية، يكشف الدكتور فراج «للمصطلح قصة قانونية، حيث إن قسم المكتبات يدفع للناشرين الدوليين مبلغا سنويا يقدر تقريبا بنحو 25 مليون، لكي تكون الدوريات العلمية المتخصصة والمكتبات الرقمية العالمية متاحة لمستخدمي المكتبة، ولما أردنا افتتاح فروع للمكتبة في المدن المصرية واجهتنا مشكلة بأن هذه الجهات ستطالب بدفع نفقات إضافية لحق استغلال موادها العلمية والأكاديمية لكن مع كونها سفارة فإنها تتبع المكتبة ولها السلطة الكاملة عليها».
ويضيف: «تهدف السفارات لإحداث حراك ثقافي ومعرفي كامل فهي ليست حكرا على البحث العلمي فقط، وقد حرصنا على أن تكون هناك فعاليات خاصة تقام بكل سفارة تخدم التنمية الثقافية في المحافظة التي أقيمت بها، وأن يتم إشراك الطلاب الأجانب الوافدين لكي يفيدوا ويستفيدوا، حيث يقدم كل منهم عروضا تقديمية عن بلادهم، أو يشارك في ورشات عمل عن الصناعات اليدوية التقليدية في المحافظات وبالتالي يتعرف على التراث الثقافي لها وهذا يحقق جزءا من رسالة المكتبة في تحقيق التلاحم بين شباب العالم».
تتيح سفارات المعرفة للطلاب أنشطة رياضية وفنية وثقافية، حيث أسست فرق كورال وكرة قدم تحمل اسم سفارات المعرفة، وتضم في عضويتها طلابا من مختلف الجامعات والتخصصات وتنافس الفرق الجامعية المصرية. ويلفت الدكتور فراج «تقيم سفارات المعرفة عددا من المهرجانات الفنية وورشات العمل ودورات تدريبية لتشجيع الطلاب على بدء مشروعاتهم الخاصة لكي يكونوا أعضاء منتجين في مجتمعهم خاصة في المدن السياحية».

قواعد موحدة
تم عمل بروتوكول تعاون مع وزارة التعليم العالي والجامعات الحكومية ومع التربية والتعليم ومع أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، ويوجد بكل سفارة شخصان تكون مهمتهما إرشاد الطلاب للمصادر الرقمية للمكتبة، وتقديم برنامج الأحداث والفعاليات الخاص بالمكتبة لمدة 3 شهور مقبلة، لكي يتمكن الباحث من تحديد المؤتمرات التي يرغب في حضورها عبر البث الحي».
كل قواعد المكتبة تتبع في كل سفارة ويتم التحكم في الأنظمة والأجهزة كافة عبر السفارات العشرين، من مكتبة الإسكندرية بالشاطبي حيث تتابع المكتبة السفارات العشرين عبر شاشات طوال فترة استقبال الباحثين من الساعة الثامنة النصف صباحا وحتى الخامسة مساء.
ويكشف الدكتور فراج «السفارة تنفق نحو نصف مليون كتكلفة سنوية، حيث توفر الخدمات والأجهزة كافة للجامعات بشكل مجاني، بل تساعد سفارات المعرفة الجامعات المصرية في الحصول على شهادات الأيزو من خلال ما تضيفه من تكنولوجيا وإمكانيات لها. ويؤكد فراج «يتم إعداد سفارة في مرسى مطروح لخدمة الطلاب هناك وسوف تقام مكتبة متكاملة في مدينة العلمين الجديدة».

أنشطة مجتمعية
يشير الدكتور سامح فوزي، المسؤول الإعلامي لمكتبة الإسكندرية إلى أن دور سفارات المعرفة يتخطى مسألة خدمة الباحثين وتخفيف عبء الحصول على مراجع ومصادر معلومات حديثة بل إن هذه السفارات تسهم في تطوير المجتمع بشكل غير مباشر، أما الأنشطة المجتمعية ذات الطابع العلمي أو الثقافي فهي تخلق جواً من الألفة بين أهل القرى وبين السفارة».
تُعد تلك السفارات بمثابة مراكز فرعية للمكتبة، فهي تتيح لروادها الخدمات نفسها التي تقدمها مكتبة الإسكندرية لجمهورها داخل مقرها الرئيسي، وتحتوي على جميع الأدوات والامتيازات الرقمية المقدمة لزوار مكتبة الإسكندرية؛ مثل إتاحة التواصل والاستفادة من الكثير من المشروعات الرقمية للمكتبة، مثل: مستودع الأصول الرقمية (DAR)؛ وهو أكبر مكتبة رقمية عربية على الإطلاق، ومشروع وصف مصر، ومشروع الفن العربي، ومشروع الأرشيف الرقمي لمجلة الهلال، ومشروع ذاكرة مصر المعاصرة، ومشروع «محاضرات في العلوم» (Science Super Course)... إلخ، بالإضافة لإتاحة التواصل مع الكثير من البوابات والمواقع الإلكترونية الخاصة بالمكتبة، مثل: موقع «اكتشف بنفسك»، والملتقى الإلكتروني (Arab InfoMall)، وبوابة التنمية... إلخ. ذلك إلى جانب خدمة «البث عبر شبكة الإنترنت»، التي تقدِّم بثاً حياً أو مسجلاً للفعاليات التي تقام بمركز مؤتمرات مكتبة الإسكندرية؛ حتى يُتاح لزائري المكتبة مشاهدتها في أي وقت بشكل سلس وبسرعة فائقة. علاوة على ذلك، تتيح مكتبة الإسكندرية لمستخدمي سفارات المعرفة التمتع بخدمات مكتبة الوسائط المتعددة، واستخدام نظام الحاسب الآلي فائق السرعة (Supercomputer).