مع اختيار الديمقراطيين نانسي بيلوسي رسمياً مرشحتهم لمنصب رئيس مجلس النواب في الكونغرس الجديد، تتخبط القيادات الديمقراطية في دوامة انقسامات ولّدتها صراعات بين الوجوه التقليدية القديمة، وتلك التقدمية الشابة.
فرئيسة مجلس النواب المخضرمة تمكّنت من إنقاذ نفسها من براثن خسارة دعم حزبها لها في هذه الدورة الانتخابية. لكنها تعلم أن الطريق أمامها لا تزال محفوفة بالتحديات، أولها سيكون اختيارها رسمياً رئيسةً للمجلس في دورته الـــ117 في الثالث من يناير (كانون الثاني). صحيح أن الديمقراطيين اختاروها رئيسةً لهم في انتخاباتهم الداخلية من دون منازع، لكن البعض منهم أعلنوا أنهم سيصوّتون ضدها في انتخابات المجلس الجديد عند افتتاح أعماله؛ ما قد يعرقل من انتخابها رئيسةً للمجلس نظراً لحاجتها إلى 218 صوتاً داعماً لها.
فخسارة الديمقراطيين أكثر من 10 مقاعد في الانتخابات التشريعية في مجلس النواب، أدى إلى تضاؤل الفارق بينهم وبين الجمهوريين بشكل كبير، لتصبح المقاعد الديمقراطية 222 مقابل 213 للجمهوريين.
هذا يعني أن بيلوسي لن تتحمل خسارة أكثر من 4 أصوات ديمقراطية في انتخاب رئاسة المجلس، باعتبار أن الجمهوريين سيصوتون لصالح زعيم أغلبيتهم كيفين مكارثي ولن يصوّت أحد منهم للزعيمة الديمقراطية. لكن رئيسة المجلس المحنكة استعدت لهذه اللحظة منذ فترة، وهي وعدت حزبها بأن العامين المقبلين سيكونان الأخيرين في خدمتها رئيسةً للمجلس؛ كي تفسح المجال بعد ذلك للوجوه الشابة للترشح في هذا المنصب. وهذا مطلب أساسي من مطالب الشباب في الحزب. وهي كررت هذا الموقف، مؤكدة على التزامها بوعدها الذي تقدمت به في عام 2018 عندما واجهت ثورة داخلية عليها من قبل تقديم الحزب والمحافظين فيه على حد سواء، والذين ضغطوا عليها لتغيير وجوه الحزب التقليدية. حينها صوّت 15 ديمقراطياً ضد ترشيحها لرئاسة المجلس في يناير من عام 2019، مع بداية الكونغرس الـ116 لأعماله.
لهذا عمدت بيلوسي إلى تطمين المعارضة عبر التأكيد على أن ولايتها ستنتهي في العامين المقبلين، وعلى الأرجح أن تؤدي هذه التطمينات إلى انتزاعها ولاية جديدة في رئاسة المجلس. وقد بدا هذا واضحاً من خلال تصريحات لبعض النواب الذين صوّتوا ضدها في السباق، مثل النائب جاسون كرو الذي قال «أنا سأصوّت لصالحها هذه المرة؛ لأنها الشخص المناسب لهذا المنصب حالياً». في حين تحدث النائب تيم راين الذي ترشح في السباق ضد بيلوسي لرئاسة المجلس عن دعمه لها فقال «أعتقد أن وعدها بالمغادرة بعد عامين سيسمح للكثيرين غيرها بالتقدم في صفوف الحزب، وهذا أمر جيد».
انقسامات داخلية حادة
تدلّ هذه التأكيدات على أن فوز بيلوسي برئاسة المجلس أمر مرجح، لكن هذا لا يعني أن الانقسامات ستختفي. على العكس، فقد وجّه أعضاء الحزب اللوم إلى بيلوسي والعناصر التقدمية لخسارة مقاعد في مجلس النواب، بدلاً من الفوز بمقاعد. واتهم هؤلاء النواب التقدميين بنشر أجندة ليبرالية خوّفت الناخب الأميركي ودفعته باتجاه التصويت للجمهوريين في بعض الولايات. ويعتبر المعارضون أن بيلوسي فشلت في توحيد أجندة الحزب، ويخشون من فشلها في جمع الأصوات لدعم أجندة الإدارة المقبلة برئاسة جو بايدن. لكن رئيسة المجلس ترفض هذه الاتهامات، كما تختلف مع الكثيرين الذين يتحدثون عن انقسامات في الحزب فتقول «نحن لدينا نسبة اتحاد كبيرة. لقد حزنا لخسارة النواب الذين خسروا في هذه الانتخابات. لكننا مستعدون للمرحلة المقبلة. نحن نحضّر لهذه المرحلة منذ فترة».
تتحدث بيلوسي هنا عن مرحلة تسلم جو بايدن الرئاسة الأميركية، وهو أمر كانت تتوق إليه منذ فترة. هي التي جمعتها علاقة مضطربة جداً مع الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترمب، أدت إلى قطيعة تامة بينهما بدأت منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، واستمرت حتى يومنا هذا.
وتحدثت بيلوسي بشغف عن ولاية بايدن، فقالت «أنا متشوقة جداً للعمل مع جو بايدن والاستعداد لهذه المرحلة الانتقالية في المستقبل». وستكون بيلوسي بالفعل حليفة أساسية لبايدن في مجلس النواب، إضافة إلى الحليف الآخر في مجلس الشيوخ الممثل بزعيم الأقلية الحالية تشاك شومر، الذي ينتظر مصيره الذي ستحدده نتائج ولاية جورجيا في المجلس، والتي ستقرر أن كام شومر سيستلم مقعد زعامة الأغلبية أم سيبقى في منصبه زعيماً للأقلية.
ويعلم بايدن أن تنفيذ الكثير من البنود على أجندته سيتطلب تعاوناً كبيراً مع الكونغرس، وهو اتصل مهنئاً بيلوسي بفوزها، مشدداً في بيان على أنه «يتطلع قدماً للعمل معها ومع القيادات الديمقراطية في مجلس النواب على أجندة مشتركة للسيطرة على (كوفيد – 19) وإعادة بناء الاقتصاد».
وستكون المهمة صعبة؛ فبيلوسي لم تتمكن حتى الساعة من التوصل إلى اتفاق بشأن خطة الإنعاش الاقتصادي في الفترة الحالية، بوجه الخلافات مع الجمهوريين من جهة، والخلافات في صفوف حزبها من جهة أخرى. وقد بدت هذه الخلافات واضحة في تصريحات لليبراليين في الحزب كالنائبة براميلا جايبال، التي تحدثت عن المرحلة المقبلة قائلة «نحن كلنا سنلعب دوراً دقيقاً للتوصل إلى نتائج حقيقة ومهمة لمساعدة الأشخاص الذين يعانون في البلاد. وهذا دور التجمع التقدمي في الكونغرس الذي من دونه لكان المحافظون تمكنوا من تقديم أجندتهم من دون منازع. سنستمر في تمثيل الأشخاص المنسيين بوجه مصالح الشركات ومجموعات الضغط».
وتعكس هذه التصريحات التحديات التي سيواجهها بيلوسي وبايدن لتوحيد الصف الديمقراطي. وكانت خطة بايدن الأساسية لرص الصف تقضي بتعيين وجوه تقدمية في إدارته، كالسيناتورة إليزابيث وارن والسيناتور برني ساندر. لكن هذه المساعي تعرقلت بانتظار نتيجة سباق مجلس الشيوخ في ولاية جورجيا. ففي حال فوز الجمهوريين هناك ومحافظتهم على الأغلبية في المجلس، فهذا يعني أن المصادقة على تعيينات من هذا النوع ستكون صعبة للغاية؛ ما يعني أن تمثيل التقدميين في الإدارة سيكون خجولاً.
وفي هذا السيناريو، ستكون مهمة توحيد الصف بيد بيلوسي التي بدأت في التمهيد للمرحلة المقبلة، من خلال الحديث مع معارضي الداخل الديمقراطي ودعوتهم إلى التركيز على الوحدة والتضامن مع بايدن بوجه المنافسة الجمهورية.
تاريخ حافل يشرف على نهايته
في حال فوز بيلوسي برئاسة المجلس الجديد، ستحمل مطرقة الرئاسة لعامين فقط، مختتمة بذلك عقدين من رئاسة حزبها. فالنائبة عن ولاية كاليفورنيا، البالغة من العمر ثمانين عاماً، وصلت إلى الكونغرس في عام 1987، وترأست الديمقراطيين منذ عام 2003 زعيمةً للأقلية، ثم رئيسةً للمجلس في عام 2006، حيث أصبحت المرأة الأولى في التاريخ الأميركي التي تستلم رئاسة مجلس النواب.
وقد تواجهت بيلوسي منذ عام 2018 مع التقدميين في الحزب مثل ألكسندريا أوكاسيو كورتيز، لكنها تكاتفت معهم في مواجهة الرئيس الأميركي دونالد ترمب. وقد اصطف الليبراليون حولها منذ أن قررت البدء في إجراءات عزل ترمب في المجلس، ودافعوا عنها كل مرة وصفها الرئيس بـ«نانسي المجنونة».