رسالة قصيرة من «المنسّق» تنهي القطيعة بين السلطة وإسرائيل

نجاح بايدن ووساطة نرويجية قادا إلى الاتفاق... والفصائل غاضبة

فلسطينيون يحتجون على زيارة بومبيو لمستوطنة قرب البيرة في الضفة (أ.ب)
فلسطينيون يحتجون على زيارة بومبيو لمستوطنة قرب البيرة في الضفة (أ.ب)
TT

رسالة قصيرة من «المنسّق» تنهي القطيعة بين السلطة وإسرائيل

فلسطينيون يحتجون على زيارة بومبيو لمستوطنة قرب البيرة في الضفة (أ.ب)
فلسطينيون يحتجون على زيارة بومبيو لمستوطنة قرب البيرة في الضفة (أ.ب)

أعادت السلطة الفلسطينية جميع الاتصالات مع إسرائيل بما فيها الاتصالات الأمنية، بعد رسالة من منسق أعمال الحكومة في الأراضي الفلسطينية، قال فيها إن إسرائيل ملتزمة بالاتفاقات، منهية بذلك مرحلة قصيرة ومثيرة من عمر العلاقة، قبل أن تعود إلى الوضع الطبيعي.
وقالت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، إن «اتصالات مباشرة وعبر دول أوروبية قادت إلى تبادل رسائل قصيرة، ثم رسالة مقتضبة من السلطة إلى إسرائيل ردت عليها الأخيرة وانتهى كل شيء». وأضافت المصادر «طيلة الفترة السابقة كانت ثمة خطوط للاتصال، بعضها مباشر، وآخر عبر فرنسا ألمانيا بريطانيا والنرويج». وتابعت، أن «النرويج كثفت دورها في الفترة الأخيرة، لكن استعادة العلاقة بشكلها الماضي لم تكن في حاجة إلى أي وسيط، فقد خاطب وزير الشؤون المدنية حسين الشيخ، منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية، كميل أبو ركن، وسأله عن مصير الاتفاقات، ورد الأخير بأن إسرائيل ملتزمة بها، وهذا كل شيء».
وأعلنت السلطة رسمياً إعادة العلاقات مع إسرائيل بعد نحو 6 أشهر من وقفها بسبب خطة ترمب التي تسمح بضم أجزاء من الضفة، وتلى ذلك إعلان القيادة الفلسطينية أيضاً الامتناع عن تسلم أموال العوائد الضريبية؛ ما أدخل السلطة في أزمة مالية خانقة. ويشمل القرار إعادة التنسيق الأمني والمدني في هذه المرحلة، وقد يعني ذلك العودة إلى المفاوضات السياسية في مرحلة مقبلة. وقال رئيس الحكومة الفلسطينية، محمد أشتية «تلقت السلطة الفلسطينية رسالة كنا ننتظرها، تقول إن إسرائيل مستعدة للالتزام بالاتفاقيات الموقّعة معنا». وأوضح أشتية، أن السلطة الفلسطينية وضعت ثلاثة شروط، وطلبت من الجانب الإسرائيلي اختيار أحدها مقابل استئناف العلاقات، الشرط الأول هو استئناف المفاوضات تحت إشراف اللجنة الرباعية الدولية، والثاني هو استئناف المفاوضات المباشرة من النقطة التي توقفت فيها في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، والثالث، تصريح إسرائيلي مكتوب بأن الحكومة الإسرائيلية ملتزمة بالاتفاقيات مع السلطة الفلسطينية.
وفوراً أعلن حسين الشيخ الذي تلقى الرسالة الإسرائيلية «نصراً فلسطينياً»، وهو إعلان أثار عاصفة انتقادات كبيرة في الأراضي الفلسطينية وغضباً متنامياً على سياسات السلطة. وأضاف أن «القيادة ستعمل على إنهاء مرحلة كبيرة من الألم ومن الضغط والحصار الذي تعرضت له إلى جانب الشعب الفلسطيني». وتابع، أن هذا الوضع الجديد ربما يؤدي إلى مسيرة سياسية برعاية دولية، خاصة مع وجود موقف أميركي مختلف وجديد بعد القطيعة التي استمرت لأكثر من 3 سنوات مع الإدارة الحالية.
وفوراً رحب مسؤولون إسرائيليون كبار «بهذه الخطوة»، وقالوا «هذا شيء كنا نجهز له منذ أسابيع عدة». وأعلن في إسرائيل، أن وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس نقل رسائل مفتوحة للفلسطينيين في اجتماعه مع سفراء الاتحاد الأوروبي، بأنه يريد تنسيقاً أمنياً متجدداً، وبناءً عليه جرت اتصالات هادئة بين منسق العمليات في الأراضي مع نظرائه الفلسطينيين.
وأكدت وسائل إعلام إسرائيلية، أن غانتس كان المسؤول عن الاتصالات الأخيرة مع السلطة الفلسطينية، وقد تبادل مبعوثوه رسائل مع المسؤولين الفلسطينيين؛ ما خلق تقارباً بين الطرفين.
ويؤمن غانتس أن انتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة يشكل للفلسطينيين «أفقاً» جديداً، و«ذريعة للنزول عن الشجرة التي صعدوها»، بحسب مقربين منه. وساعد على ذلك دول أوروبية. ونقل المراسل السياسي في موقع «واللا» الإلكتروني، باراك رافيد، عن مسؤولين إسرائيليين، أن الحكومة النرويجية هي من توسط بين إسرائيل والفلسطينيين، لصياغة خطة طريق من أجل استئناف التنسيق، وبعد ذلك، أصدر غانتس تعليمات لمنسق عمليات الحكومة في المناطق الفلسطينية، باستئناف الحوار مع الفلسطينيين، وبناءً على هذه الأوامر، التقى المنسق حسين الشيخ، وهناك تمت صياغة الخطوط العريضة حول مخطط تبادل الرسائل. وتشير التقديرات الأمنية في إسرائيل، إلى أن استئناف التنسيق الأمني سيؤدي إلى عودة المفاوضات السياسية. وقالت صحيفة «يديعوت أحرنوت»، أنه وفي هذا الإطار لا يستبعد أن يكون هناك اتفاق على عودة المفاوضات؛ لأن السلطة الفلسطينية سوف تطلب تجديد المفاوضات.
واستعداداً لكل شيء، استدعى أمس غانتس كبار المسؤولين الأمنيين، إلى جانب جنرالات الجيش الإسرائيلي؛ لمناقشة التفاصيل. وذكرت الصحيفة الإسرائيلية، بأن الجيش سيضع خطة عمل لتجديد التنسيق بشكل آمن في الضفة الغربية. ويفترض أن يتفق الجانبان الآن على آلية لإعادة تنظيم العلاقات بين الطرفين.
ومن وجهة نظر إسرائيل، فإن عودة التنسيق قد تقلل بشكل كبير من احتمال تكثيف المصالحة الفلسطينية الداخلية بين «فتح» و«حماس». وهذا التصور موجود فعلاً لدى «حماس» و«الجهاد» والفصائل الأخرى التي هاجمت بقوة، قرار السلطة العودة إلى العلاقات مع إسرائيل.
وقالت حركة «حماس» و«الجهاد» وفصائل أخرى، إن قرار السلطة عودة العلاقة مع إسرائيل، يمثل «طعنة للجهود الوطنية نحو بناء شراكة وطنية، وضرباً لكل القيم الوطنية، وانقلاباً على كل مساعي المصالحة». لكن هذه الانتقادات لم تلق آذاناً صاغية لدى السلطة التي لديها مشروع واضح.
واجتمع أمس بشكل سريع، ممثلو وزارة المالية الفلسطينية مع ممثلين عن وزارة المالية الإسرائيلية، لترتيب تسلم أموال الضرائب المتراكمة منذ 6 أشهر. وبناءً عليه أكد إبراهيم ملحم، الناطق باسم الحكومة، أن الرواتب ستدفع مطلع الشهر المقبل.
لكن هذا قد يتضمن بحسب «القناة 11» الإسرائيلية، تغييراً في معايير صرف رواتب أسرى فلسطينيين. وقالت القناة، إن السلطة الفلسطينية نقلت رسالة إلى مصادر دبلوماسية غربية، أبدت فيها استعدادها لتغيير المعايير القاضية بصرف رواتب أسرى فلسطينيين أمنيين مسجونين في إسرائيل، وذلك كبادرة حسن النية تجاه الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن. ويقضي هذا التغيير بتحديد مستوى هذه المعاشات وفقاً للمكانة الاقتصادية والاجتماعية لعائلات السجناء وعدد أفرادها، وليس وفقاً لشدة العقوبات التي أنزلت على هؤلاء أو خطورة العمليات التي ارتكبوها.
ووفقاً لتقرير القناة، فإن اقتراح السلطة يهدف إلى منع تعرضها لدعاوى قضائية تقدم بحقها في الولايات المتحدة، بعد الاستئناف المتوقع للدعم المالي الأميركي لها خلال فترة ولاية بايدن.



مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
TT

مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)

جاء فوز دونالد ترمب بانتخابات الرئاسة الأميركية مُحمّلاً بتطلعات مصرية لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، والعمل معاً من أجل إحلال «سلام إقليمي»، وهو ما عبر عنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في منشور له عبر حسابه الرسمي على موقع «إكس» الأربعاء، هنأ خلاله الرئيس الأميركي المنتخب.

وقال السيسي: «نتطلع لأن نصل سوياً لإحلال السلام والحفاظ على السلم والاستقرار الإقليمي، وتعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة وشعبيهما الصديقين»، وأضاف: «البلدان لطالما قدما نموذجاً للتعاون ونجحا سوياً في تحقيق المصالح المشتركة»، مؤكداً تطلعه إلى مواصلة هذا النموذج في «هذه الظروف الدقيقة التي يمر بها العالم».

وأثارت أنباء فوز ترمب تفاعلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، لتتصدر وسوم عدة الترند في مصر، مصحوبة بمنشورات لتهنئة للرئيس الأميركي المنتخب. وبينما عول سياسيون وإعلاميون مصريون على ترمب لوقف الحرب الدائرة في غزة منذ أكثر من عام، ووضع حد للتصعيد في المنطقة، أكدوا أن «مواقف الرئيس المنتخب غير التقليدية تجعل من الصعب التنبؤ بسياسة الإدارة الأميركية في السنوات الأربع المقبلة».

ولا يرى الإعلامي وعضو مجلس النواب المصري (البرلمان) مصطفى بكري «اختلافاً بين ترمب ومنافسته الخاسرة كامالا هاريس من القضية الفلسطينية»، لكنه أعرب في منشور له عبر «إكس» عن سعادته بفوز ترمب، وعده «هزيمة للمتواطئين في حرب الإبادة».

أما الإعلامي المصري أحمد موسى فعد فوز ترمب هزيمة لـ«الإخوان»، ومن وصفهم بـ«الراغبين في الخراب». وقال في منشور عبر «إكس» إن هاريس والرئيس الأميركي جو بايدن «كانوا شركاء في الحرب» التي تشنها إسرائيل على لبنان وغزة.

وعول موسى على ترمب في «وقف الحروب بالمنطقة وإحلال السلام وعودة الاستقرار». وكذلك أعرب الإعلامي المصري عمرو أديب عن أمله في أن «يتغير الوضع في المنطقة والعالم للأفضل بعد فوز ترمب».

مفاهيم السلام

رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية ووزير خارجية مصر الأسبق، السفير محمد العرابي، أكد أن «العلاقات بين مصر والولايات المتحدة لن تواجه عقبات أو مشكلات على المستوى الثنائي خلال عهد ترمب»، لكنه أشار إلى أن «مواقف الرئيس المنتخب من القضية الفلسطينية وأفكاره غير التقليدية بشأنها قد تكون أحد الملفات الشائكة بين القاهرة وواشنطن».

وأوضح العرابي لـ«الشرق الأوسط» أن «ترمب يتبنى مفاهيم عن السلام في الإقليم ربما تختلف عن الرؤية المصرية للحل»، مشيراً إلى أن «القضية الفلسطينية ستكون محل نقاش بين مصر والولايات المتحدة خلال الفترة المقبلة».

وتبنى ترمب خلال ولايته الأولى مشروعاً لإحلال «السلام» في الشرق الأوسط عُرف باسم «صفقة القرن»، والتي يرى مراقبون أنه قد يعمل على إحيائها خلال الفترة المقبلة.

وعدّ سفير مصر الأسبق في واشنطن عبد الرؤوف الريدي وصول ترمب للبيت الأبيض «فرصة لتنشيط التعاون بين مصر والولايات المتحدة لوقف الحرب في غزة، وربما إيجاد تصور لكيفية إدارة القطاع مستقبلاً».

وقال الريدي لـ«الشرق الأوسط» إن «ترمب يسعى لتحقيق إنجازات وهو شخص منفتح على الجميع ووجوده في البيت الأبيض سيحافظ على الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة وواشنطن».

تصحيح العلاقات

من جانبه، رأى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي أن فوز ترمب بمثابة «عودة للعلاقات الاستراتيجية القائمة على المصالح المشتركة بين القاهرة وواشنطن». وقال لـ«الشرق الأوسط»: إن «فوز ترمب هو تدعيم للعلاقة بين القيادة المصرية والبيت الأبيض»، مشيراً إلى أن الرئيس المصري لم يزر البيت الأبيض طوال أربع سنوات من حكم بايدن، واصفاً ذلك بأنه «وضع غريب في العلاقات الثنائية سيتم تصحيحه في ولاية ترمب».

وأضاف هريدي أن «فوز ترمب يسدل الستار على الحقبة الأوبامية في السياسة الأميركية، والتي بدأت بتولي الرئيس الأسبق باراك أوباما عام 2009 واستُكملت في ولاية جو بايدن الحالية»، وهي حقبة يرى هريدي أن واشنطن «انتهجت فيها سياسات كادت تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة». ورجح أن تعمل إدارة ترمب على «وقف الحروب وحلحلة الصراعات في المنطقة».

وزار الرئيس المصري السيسي البيت الأبيض مرتين خلال فترة حكم ترمب عامي 2017 و2019. وقال ترمب، خلال استقباله السيسي عام 2019، إن «العلاقات بين القاهرة وواشنطن لم تكن يوماً جيدة أكثر مما هي عليه اليوم، وإن السيسي يقوم بعمل عظيم».

لكن السيسي لم يزر البيت الأبيض بعد ذلك، وإن التقى بايدن على هامش أحداث دولية، وكان أول لقاء جمعهما في يوليو (تموز) 2022 على هامش قمة جدة للأمن والتنمية، كما استقبل السيسي بايدن في شرم الشيخ نهاية نفس العام على هامش قمة المناخ «كوب 27».

بدوره، أكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة قناة السويس الدكتور جمال سلامة أن «مصر تتعامل مع الإدارة الأميركية أياً كان من يسكن البيت الأبيض». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «العلاقات مع واشنطن لن تتأثر بفوز ترمب، وستبقى علاقات طبيعية متوازنة قائمة على المصالح المشتركة».

وعد مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي فوز ترمب فرصة لحلحلة ملف «سد النهضة»، الذي لعبت فيه الولايات المتحدة دور الوسيط عام 2019.

وهنا أكد العرابي أنه «من السابق لأوانه معرفة الدور الذي ستلعبه إدارة ترمب في عدد من الملفات المهمة لمصر ومن بينها (سد النهضة)»، وقال: «ترمب دائماً لديه جديد، وطالما قدم أفكاراً غير تقليدية، ما يجعل التنبؤ بمواقفه أمراً صعباً».

بينما قال هريدي إن «قضية سد النهضة ستحل في إطار ثنائي مصري - إثيوبي»، دون تعويل كبير على دور لواشنطن في المسألة لا سيما أنها «لم تكمل مشوار الوساطة من قبل».