الرئيس المصري يحتفل مع القضاة بعيدهم.. ويؤكد ثقته في قدرتهم على مواجهة التحديات

المتحدث باسم ناديهم لـ «الشرق الأوسط» : السيسي استعاد تقليدا أهدر سابقا

السيسي لدى اجتماعه بالقضاة في القاهرة أمس (أ. ف. ب)
السيسي لدى اجتماعه بالقضاة في القاهرة أمس (أ. ف. ب)
TT

الرئيس المصري يحتفل مع القضاة بعيدهم.. ويؤكد ثقته في قدرتهم على مواجهة التحديات

السيسي لدى اجتماعه بالقضاة في القاهرة أمس (أ. ف. ب)
السيسي لدى اجتماعه بالقضاة في القاهرة أمس (أ. ف. ب)

زار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أمس، مبنى دار القضاء العالي (وسط القاهرة)، لمشاركة القضاة الاحتفال بعيدهم، في خطوة من شأنها تعزيز السلطة القضائية التي تعرضت لانتقادات محلية ودولية خلال الفترة الماضية. وقال السيسي إن قاعة مبنى دار القضاء تشهد على الرسالة السامية التي يحملها القضاة الأجلاء الذين لا سلطان عليهم إلا ضمائرهم، فيما قال المستشار عبد الله فتحي، المتحدث الرسمي باسم نادي القضاة، إن زيارة السيسي استعادت تقليدا أهدره المعزول (في إشارة للرئيس الأسبق محمد مرسي الذي عزل منتصف العام قبل الماضي)، الذي سعى وجماعته لإهدار استقلال القضاة، وتشويههم.
وتعد زيارة السيسي إلى دار القضاء العالي هي الأولى له منذ توليه حكم البلاد في يونيو (حزيران) الماضي، والأولى لرئيس مصري منذ ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011. وأكد السيسي خلال اللقاء حرصه منذ تحمله المسؤولية على التأكيد على استقلال القضاة، موضحا أنه لم يحاول التأثير على أي إجراءات.
وواجهت السلطة القضائية خلال الشهور الماضية انتقادات على خلفية أحكام بدت صادمة للرأي العام المحلي والدولي، أبرزها حكم بإعدام المئات من أنصار جماعة الإخوان عقب جلستين فقط من نظر القضية، وحكم آخر بإدانة صحافيين أجنبيين، بالإضافة لأحكام أخرى بحق نشطاء من أبرز رموز ثورة 25 يناير.
وأضاف الرئيس المصري في كلمة له خلال الاحتفال بث التلفزيون المصري تسجيلا لها إن بلاده شرعت في تأسيس دولة القانون القائمة على العدل والمساواة، مشيرا إلى أن «مرحلة البناء الراهنة تتطلب جهودا مضاعفة، الأساس الحاكم لها يتمثل في سيادة القانون علينا جميعا، مما يلقي على عاتق مؤسسات الدولة القضائية مهمة جسيمة». وقال السيسي أمام نحو مائتي قاض «أثق أن القضاء المصري بخبرته قادر على التفاعل مع معطيات مجتمعنا وأحداثه المصيرية وكل ما يهدده.. وقد حرصت على تشكيل اللجنة العليا للإصلاح التشريعي لدراسة كل القرارات والقوانين ومراجعتها، وسيظل قضاة مصر حصنا للعدالة، يبذلون قصارى الجهد بوحي من ضمائرهم، ويشاركون في بناء وطننا وتدعيم سيادة القانون به.. الكل سواسية أمام منصات القضاء وأمام القانون».
وأعرب الرئيس السيسي عن شكر وتقدير الدولة المصرية لكل ما يقوم به القضاء المصري والهيئة القضائية، من تأدية الأمانات والحقوق إلى أصحابها. وأضاف أن السلطة القضائية «ضربت مثلا رائعا ونموذجا يحتذى به، وستظل مدركة عظم دورها، متكاملة في عملها، متحدة في نبل مقاصدها، وسيظل القائمون عليها أهلا لها وأهلا للحكمة. تحية لقضاء مصر العظيم وشيوخه الأجلاء».
ودخلت السلطة القضائية في صراع مفتوح مع الرئيس الأسبق مرسي وجماعة الإخوان المسلمين، التي سعت لسن قانون من شأنه استبعاد آلاف القضاة من مناصبهم، وعلقت حينها بعض المحاكم العمل احتجاجا على مشروع القانون، بالإضافة لعدم الأخذ بملاحظات القضاة على مواد تتعلق بهم في الدستور، مما أدى إلى امتناع ألوف القضاة عن الإشراف على استفتاء على دستور البلاد أجري في عام 2012.
وفي أبرز لحظات الصراع بين جماعة الإخوان والقضاة، حاصر مئات من أنصار «الإخوان» مبنى المحكمة الدستورية العليا (جنوب القاهرة). وقال قضاة بالمحكمة إن حشود «الإخوان» منعتهم من دخول مبنى المحكمة، حيث كانوا يستعدون لإصدار حكم من شأنه حل مجلس الشورى (الغرفة الثانية في البرلمان حينها) والذي أنيطت به سلطة التشريع استثنائيا.
وقال المستشار فتحي لـ«الشرق الأوسط» إن زيارة السيسي اكتسبت أهميتها الخاصة من كونها استعادت تقليدا أهدره الرئيس المعزول مرسي، كما أنها جاءت بعد سلسلة من الإهانات التي وجهها الرئيس الإخواني وجماعته لقضاة مصر، واستماتتهم في محاولات إهدار استقلال القضاة. وتابع فتحي قائلا إن «قضاة مصر يعتبرون الرئيس السيسي رجلا وطنيا صميما، كما أنه محل تقدير الشعب المصري الذي أولاه ثقته، وزيارته لدار القضاء هي زيارة ممثل الشعب إلى قضاة مصر تقديرا لهم على جهودهم وحرصا منه على صون استقلالهم».
وهاجم مرسي قضاة خلال الشهور الأخيرة من حكمه، واتهم في آخر خطاب جماهيري له أحد القضاة بتزوير الانتخابات البرلمانية عام 2005.
وقدم المستشار محمد حسام عبد الرحيم، رئيس مجلس القضاء الأعلى رئيس محكمة النقض، هدية تذكارية للرئيس السيسي. وقال المستشار عبد الرحيم إن السيسي أكد في كل المحافل الداخلية والخارجية وآخرها في الأمم المتحدة أن قضاء مصر مستقل لا سلطان عليه غير القانون، ولا تدخل مطلقا في شأن من شؤون العدالة، مضيفا أن الرئيس السيسي وقف للذود عن القضاء في مواجهة بعض محاولات التدخل من بعض الدول التي أرادت التعقيب على بعض الأحكام التي لم ترق لها وطلبت عدم تنفيذها.
وكانت آخر زيارة لرئيس مصري لمبنى دار القضاء العالي في عام 2010، حيث زاره الرئيس الأسبق حسني مبارك بمناسبة الاحتفال بعيد القضاة الذي يوافق 9 يناير من كل عام.
وشهد محيط دار القضاء إجراءات أمنية مشددة، قامت بها وزارة الداخلية بالتنسيق مع قوات الحرس الجمهوري، لتأمين الزيارة، في أحد أكثر الأماكن ازدحاما في القاهرة، حيث الوزارات والهيئات الحكومية، فضلا عن أنها منطقة مكدسة بالمحال التجارية.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.