الكتابة «بالقَفْز والوَثْب» تكرس نوعاً من الانفتاح المتواصل

الكتابة «بالقَفْز والوَثْب» تكرس نوعاً من الانفتاح المتواصل
TT

الكتابة «بالقَفْز والوَثْب» تكرس نوعاً من الانفتاح المتواصل

الكتابة «بالقَفْز والوَثْب» تكرس نوعاً من الانفتاح المتواصل

عن منشورات المتوسط بإيطاليا، صدر للمفكر المغربي عبد السلام بنعبد العالي كتاب جديد بعنوان «الكتابة بالقَفْز والوَثْب»، استهله بمقولة تضعُ القارئ في محلِّ تساؤل عن طبيعة هذه الكتابة: «لا يمكننا التفكير في المتعدِّد من غير إقامة جسور بين الاختلافات، من غير أن نؤكِّد الاختلافات في علائقها المُتبادلة». أما بالنسبة للناشر، فإن «الكتابة (بالقَفْز والوَثْب) لا تستهدف خلاصة خطاب و(زبدة) فكر»، ورغم ذلك، فهي «ليست نظرة (خاطفة)، ولا هي توقُّف وعدم حراك. إنها (حاضر) متحرِّك، حتَّى لا نقول هارباً، فهي تُومِئ إلى وجهة، من غير أن تدلَّ على طريق». وينطلق الكاتب، في مقدِّمة كتابه الفلسفي، من تفكيكِ عبارة العنوان التي هي اقتباس عن الناقد المغربي عبد الفتاح كيليطو الذي اقتبسها بدوره عن الفرنسي مونتيني، ضمن محاضرة تحدَّث فيها عن مساره وطريقته في الكتابة، مشيراً إلى أن رولان بارت يربط الكتابة المتقطِّعة، في كتابه عن نفسه (رولان بارت بقلم رولان بارت)، بأمرَيْن اثنَيْن: «الموسيقى، وموسيقى فيبرن على الخصوص، ثمَّ رياضة الكاتش»، حيث «يُقرِّب بارت التكثيف في الكتابة المتقطِّعة من التكثيف الموسيقي، ليُبيِّن أن الكتابة المتقطِّعة تضبطها موسيقى مغايرة، وأن كثافتها أقرب إلى التكثيف الموسيقي الذي (يضع) النغمة محل (الاسترسال)... فيُومِئ إلى وجهة، كما يتجلَّى هذا في المقطوعات الموجزة لفيبرن: غياب للإيقاع، وجلال ومهارة في سرعة التخلُّص». ويتساءل بنعبد العالي عن علاقة الكتابة المتقطّعة برياضة الكاتش، فيقول: «نعلم أن صاحب (أسطوريات) كان قد سَبَقَ له أن عقد مقارنة مطوَّلة بين مباراة الكاتش ومباراة الملاكمة، فاستنتج أن الأخيرة عبارة عن حكاية تُبنَى تحت مراقبة أعين المشاهد. أمَّا في الكاتش، فالمعنى يُستمَدُّ من اللحظة، وليس من الدوام والاستمرار».
ويشدد بنعبد العالي على أنه لم يتوقَّف طويلاً عند هذه المقارنة كي يستنتج أن الجاحظ أقرب إلى الكاتش منه إلى الملاكمة، وإنما ليتبيَّن معنا أنه «لا يكفينا تحديد طبيعة الكتابة (بالقَفْز والوَثْب) بِرَدِّها إلى حالة نفسية، وتفسيرها بمَلَل القارئ أو حتَّى مَلَل الكاتب، لا يكفينا التأويل السيكلوجيّ، وإنما لا بدَّ من التأويل (الشِّعْرِيّ) الذي يُمكِّننا من أن نذهب حتَّى القول إنه مَلَل الكتابة ذاتها». وتوضيحاً لذلك، يضيف بنعبد العالي: «ربَّما ينبغي تقصِّي الزَّمانيَّة التي تفترضها هذه الكتابة. فالظاهر أنها تكرِّس مفهوماً مغايراً عن الزمان».
هكذا، وعلى عكس هذا السعي نحو الغايات واستخلاص النتيجة، وعلى عكس هذه الكتابة التي تكون فيها المعاني غاياتٍ، كما يتَّضح من دلالة اللفظ الفرنسي (معنى) الذي يجمع بين المعنى والسعي والاتِّجاه والغاية، تُكرِّس الكتابة «بالقَفْز والوَثْب»، بحسب بنعبد العالي، نوعاً من «الانفتاح المتواصل»، لعلَّه ما يعنيه أصحاب البلاغة والنَّقْد الأدبي بـ«الاستطراد» الذي يقول عنه «إنه خُرُوج لا ينفكُّ يتمُّ». نقرأ على ظهر غلاف الكتاب الذي جاء في 136 صفحة من القطع الوسط مقولة لمارتن هايدغر: «ما دام هذا الكتاب باقياً أمامنا من غير أن يُقرأ، فإنه يكون تجميعاً لمقالات ومحاضرات. أما بالنسبة لمن يقرأه، فإن بإمكانه أن يغدو كتاباً جامعاً، أي احتضاناً واستجماعاً لا يكون في حاجة لأن ينشغل بتشتت الأجزاء وانفصالها عن بعضها... إن كان المؤلف محظوظاً، فإنه سيقع على قارئ يُعمل الفكر فيما لم يُفكر فيه بعد».
- من صفحات الكتاب:
«... كون الفيروس قادراً على الانتقال، في أي لحظة، من جسد إلى آخر، يجعل كلَّ جسد من أجساد الجماعة مجرَّد حلقة عضوية ضمن سلسلة، تمتدُّ بين (الأفراد)، وهي حلقة لا خارج لها. ها هنا لا تكفي الفرادة المعنوية للشخص، كي تفصله عن الآخرين، وتُميِّزه عنهم، فيصبح مضطرَّاً إلى (صناعة) مسافات تُبعده عمَّا عداه، و(تعزله) عن (الآخرين) الذين لم يعودوا، في الحقيقة، آخرين بالمعنى المعهود، وإنما غدوا امتداداً للذات. من هنا هذا الشعور الغريب الذي اجتاح الجميع منذُ انتشار الوباء بأن الفرد لم يعد مسؤولاً عمَّا يظهر عليه من أعراض. لم يعد الأفراد مسؤولين، كلٌّ عن جسده، وإنما عن جسدٍ غريب، لا يخصُّ شخصه، وإنما هو جسد ممتدٌّ عبر كلِّ الآخرين، موصول إليهم».
ولبنعبد العالي مؤلفات كثيرة، بينها: «الفلسفة السياسية عند الفارابي»، و«أسس الفكر الفلسفي المعاصر»، و«حوار مع الفكر الفرنسي»، و«لا أملك إلَّا المسافات التي تُبعدني»، و«في الترجمة»، و«ضيافة الغريب»، و«جرح الكائن»، و«القراءة رافعة رأسها»، و«ضد الراهن»، وغيرها. وله في الترجمة: «الكتابة والتناسخ» و«أتكلم جميع اللغات لكن بالعربية» لعبد الفتاح كيليطو، و«درس السيميولوجيا» لرولان بارت، و«الرمز والسلطة» لبيير بورديو.


مقالات ذات صلة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

ثقافة وفنون أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أطلّت الكاتبة التشيلية الأشهر إيزابيل الليندي، عبر منصة «مايسترو»، في «هيئة الإذاعة البريطانية»، من صالونها الهادئ الذي يضم تفاصيلها الشخصية والحميمية

سحر عبد الله
يوميات الشرق «معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

انطلقت، الخميس، فعاليات «معرض جدة للكتاب 2024»، الذي يستمر حتى 21 ديسمبر الجاري في مركز «سوبر دوم» بمشاركة نحو 1000 دار نشر ووكالة محلية وعالمية من 22 دولة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان

انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
TT

انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

كرمّت «مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية»، صباح اليوم (الأحد)، الفائزين بجوائز الدورة الـ19 للجائزة، مع انطلاق هذه الدورة التي حملت اسم مؤسس وراعي الجائزة الراحل عبد العزيز سعود البابطين، تخليداً لإرثه الشعري والثقافي.

وأُقيم الاحتفال الذي رعاه أمير الكويت، الشيخ مشعل الأحمد الصباح، في مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، بحضور (ممثل أمير البلاد) وزير الإعلام والثقافة وزير الدولة لشؤون الشباب عبد الرحمن المطيري، ومشاركة واسعة من الأدباء والمثقفين والسياسيين والدبلوماسيين وأصحاب الفكر من مختلف أنحاء العالم العربي، كما حضر الحفل أعضاء المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

جانب من حضور دورة الشاعر عبد العزيز سعود البابطين (الشرق الأوسط)

وقال وزير الثقافة والإعلام الكويتي، عبد الرحمن المطيري، في كلمته، إن هذا الملتقى «الذي يحمل في طياته عبق الشعر وأريج الكلمة، ليس مجرد احتفالية عابرة، بل هو تأكيد على أن الثقافة هي الروح التي تحيي الأمم، والجسر الذي يعبر بنا نحو مستقبل زاخر بالتسامح والتعايش والمحبة».

وأضاف: «إن لقاءنا اليوم ليس فقط تكريماً لمن أبدعوا الكلمة وشيَّدوا صروح الأدب، بل هو أيضاً دعوة لاستلهام الإرث الثقافي الكبير الذي تركه لنا الشاعر الراحل عبد العزيز سعود البابطين (رحمه الله)، والذي كان، وسيبقى، قامة ثقافية جمعت بين جمال الكلمة وسمو الرسالة... رسالة تُعبِّر عن القيم التي تجمع بين الحضارات. ومن هنا جاءت مبادراته الرائدة، التي عرَّف من خلالها الشرقَ بالشعر العربي، وقدَّم للغرب بُعدَه الإنساني، جاعلاً من الشعر جسراً يربط القلوب، ومفتاحاً للحوار بين الثقافات».

رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين يلقي كلمته في افتتاح الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

في حين قال رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية»، سعود البابطين، إن هذه الدورة تأتي احتفاءً «بالشعر، فن العرب الأول على مر العصور، وتكريماً للمبدعين والفائزين مِنَ الشعراءِ والنقاد، ووفاءً ومحبة لشاعر هذه الدورة (عبد العزيز البابطين) الذي أخلص في رعاية الشعر العربي وخدمة الثقافة العربية بصدق ودأب وتفانٍ طيلة عمره كله، بلا ملل ولا كلل».

وفي خطوة لافتة، قدَّم رئيس مجلس الأمناء، أمين عام المؤسسة السابق، الكاتب عبد العزيز السريع، الذي رافق مؤسس الجائزة منذ نشأتها، ليتحدث عن ذكرياته مع راعي الجائزة الراحل، والخطوات التي قطعها في تذليل العقبات أمام إنشاء المؤسسة التي ترعى التراث الشعري العربي، وتعمل فيما بعد على بناء جسور التواصل بين الثقافات والحضارات.

وأعلن البابطين، في ختام كلمته عن مضاعفة القيمة المالية للجوائز ابتداءً من هذه الدورة، وفي الدورات المقبلة لـ«جائزة عبد العزيز البابطين».

ونيابة عن الفائزين، تحدَّث الأديب والشاعر الكويتي الدكتور خليفة الوقيان، مشيداً بـ«جهود (مؤسسة البابطين الثقافية) في دعمها اللامحدود للفعل والنشاط الثقافي داخل وخارج الكويت».

وأضاف: «في هذا المحفل الثقافي البهيج، يمرُّ في الذاكرة شريط لقاءات تمَّت منذ 3 عقود، كان فيها الفقيد العزيز الصديق عبد العزيز البابطين يحمل دائماً هَمّ تراجع الاهتمام بالشعر، ويضع اللَّبِنات الأولى لإقامة مؤسسة تُعنى بكل ما من شأنه خدمة ذلك الفن العظيم، ثم ينتقل عمل المؤسسة إلى الأفق الدولي، من خلال ما يُعنى بقضية حوار الثقافات والحضارات».

وألقى الشاعر رجا القحطاني قصيدة عنوانها «إشعاع الكويت»، من أشعار الراحل عبد العزيز البابطين.

يُذكر أن فعاليات الدورة الـ19 مستمرة على مدى 3 أيام، بدءاً من مساء الأحد 15 ديسمبر (كانون الأول) إلى مساء الثلاثاء 17 ديسمبر الحالي. وتقدِّم الدورة على مسرح مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي 5 جلسات أدبية، تبدأ بجلسة بعنوان «عبد العزيز البابطين... رؤى وشهادات»، تليها 4 جلسات أدبية يعرض المختصون من خلالها 8 أبحاث عن الشاعر عبد العزيز سعود البابطين المحتَفَى به، و3 أمسيات شعرية ينشد فيها 27 شاعراً.

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

الفائزون:

* الفائز بالجائزة التكريمية للإبداع الشعري الشاعر الدكتور خليفة الوقيان، وقيمة الجائزة 100 ألف دولار.

* الفائزان بجائزة الإبداع في مجال نقد الشعر «مناصفة»، وقيمتها 80 ألف دولار: الدكتور أحمد بوبكر الجوة من تونس، والدكتور وهب أحمد رومية من سوريا.

* الفائزة بجائزة أفضل ديوان شعر، وقيمتها 40 ألف دولار: الشاعرة لطيفة حساني من الجزائر.

* الفائز بجائزة أفضل قصيدة، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر عبد المنعم العقبي من مصر.

* الفائز بجائزة أفضل ديوان شعر للشعراء الشباب، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر جعفر حجاوي من فلسطين.