«أزمة مواصلات» في دمشق تدفع قاطنيها إلى المشي وسط ازدحام

«الشرق الأوسط» ترصد معاناة السوريين من قلة وسائط النقل العامة والخاصة

عمال يصلحون سكة قطار في شمال غربي سوريا (أ.ف.ب)
عمال يصلحون سكة قطار في شمال غربي سوريا (أ.ف.ب)
TT

«أزمة مواصلات» في دمشق تدفع قاطنيها إلى المشي وسط ازدحام

عمال يصلحون سكة قطار في شمال غربي سوريا (أ.ف.ب)
عمال يصلحون سكة قطار في شمال غربي سوريا (أ.ف.ب)

تفاقمت مؤخرا، وبشكل غير مسبوق، أزمة المواصلات في دمشق وريفها، خلال أيام الدوام الرسمي بسبب قلة وسائط النقل الحكومية والخاصة، ذلك نتيجة نقص الوقود الذي تعاني مناطق سيطرة الحكومة منه ورفعها لسعره. وأدى الأمر إلى زياد العبء المعيشي على المواطنين الذين باتت حياتهم كلها أزمات ويعيش أكثر من 87 في المائة منهم تحت خط الفقر.
وتشهد الطرق الرئيسية في وسط دمشق، وكذلك الطرق الرئيسية في أطراف دمشق المؤدية إلى وسط المدينة، في ساعات الصباح الأولى وساعات ما بعد الظهر، انتشار المئات من المواطنين على طول الطرق بانتظار وسائل نقل عامة أو «ميكروباصات» خاصة تنقلهم إلى أماكن عملهم أو تعيدهم إلى منازلهم، بالترافق مع تجمع حشود من المواطنين في المواقف الرسمية.
مشهد انتشار المواطنين على الطرقات وتجمعهم في المواقف الرسمية، يكاد لا يذكر أمام ما يحصل من عملية تدافع فيما بينهم عند قدوم أي باص أو «ميكروباص»، لحجز مكان في وسيلة النقل، وتطور الأمر في الكثير من الأحيان إلى الشجار والضرب.
وحفلت صفحات على موقع التواصل الاجتماعي في «فيسبوك» في الأيام القليلة الماضية بصور ومقاطع فيديو صادمة، لحشود غفيرة تتجمع في محطات النقل وعلى الطرقات، وأخرى لعمليات التدافع والشجار التي تحصل بين المواطنين للتمكن من الصعود إلى الحافلات.
«يونس»، وهو طالب جامعي يقطن في إحدى الضواحي الغربية للعاصمة، يصف لـ«الشرق الأوسط» الوضع بـ«المأساوي»، ويوضح أنه يفضل الذهاب مشيا على الأقدام من حيه إلى الجامعة، رغم بعد المسافة، لأنه ربما ينتظر ساعة أو أكثر لقدوم وسيلة نقل، وقد لا يتمكن من الصعود إليها بسبب الازدحام الشديد وعمليات التدافع التي تحصل، في حين يذكر «أبو ماهر» لـ«الشرق الأوسط» أنه لا يقوى على المشي وليست لديه المقدرة على الصعود في وسائل النقل العامة والخاصة في ظل الازدحام الشديد، ولا دفع أجرة «تاكسي»، ويوضح أنه وفي كل صباح يقوم بالانتظار على قارعة الطريق بعيدا عن التجمعات والتلويح لسيارات خاصة للتوقف والصعود بها، ويضيف: «البلاد ما زال فيها طيبون يتوقفون لأمثالي ونصعد معهم».
وأقر عضو المكتب التنفيذي عن قطاع النقل في محافظة دمشق، مازن الدباس مؤخرا في تصريحات صحافية، بأن سبب أزمة المواصلات الحالية، يعود إلى قلة عدد الباصات وكمية المحروقات، إضافة إلى عمل بعض «الميكروباصات» مع المدارس والشركات الخاصة، ما يقلل عددها خلال فترة الذروة، ويؤدي إلى مزيد من الازدحام على وسائط النقل.
وأشار إلى أن «مؤسسة النقل الداخلي» الحكومية، تسير 120 باص نقل داخلي، للعمل في محافظة دمشق، و100 باص نقل داخلي من الشركات الخاصة، تعمل بالطاقة القصوى، وعلى أكثر من واردية عمل.
«ياسر» الذي يعمل سائقا على إحدى عربات «السرافيس» العاملة على المازوت، يوضح لـ«الشرق الأوسط» أن عملية الانتظار الطويلة أمام المحطات للحصول على مخصصات الوقود اليومية تتسبب للسائقين «بعناء كبير، لا بل تسبب إذلالا ما بعده إذلال»، ويلفت إلى أن المهنة «لم تعد تأتي همها مع الارتفاع الجنوني في أجور إصلاح السيارات»، ويقول: «أي عملية إصلاح بسيطة تكلف ما بين 30 - 40 ألفا»، ويضيف: «كل هذه الأمور دفعت الكثير من السائقين إلى ترك المهنة والتوجه لعمل آخر».
وتأتي أزمة المواصلات، وسط تفاقم أزمات عدم توفر البنزين والمازوت والخبز وانهيار اقتصادي متسارع يضرب البلاد، ورفعت الحكومة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي سعر لتر المازوت الصناعي والتجاري الحر إلى 650 ليرة سورية، بعدما كان 296 ليرة، ولتر البنزين المدعوم إلى 450 ليرة بعدما كان بـ250. وأوكتان 95 إلى 1050 ليرة سورية.
وأكدت الحكومة حينها، أن سعر لتر مازوت التدفئة بقي دون أي تغيير أو تعديل بـ180 ليرة سورية، وكذلك بالنسبة لباقي القطاعات، كالنقل والزراعة والقطاع العام.
وتخصص الحكومة 350 لترا من البنزين المدعوم شهريا لسيارات «التاكسي» بسعر 450 ليرة سورية، يحصل عليها أصحاب السيارات من خلال «البطاقة الذكية»، بينما تخصص 30 لترا يوميا من المازوت لسيارة النقل الخاصة (الميكروباص) العاملة عليه بالسعر المدعوم.
ويذكر أحد العاملين في محطة لتوزيع المازوت لـ«الشرق الأوسط»، أن كثيرا من العاملين على «الميكروباصات»، يستلمون كامل مخصصاتهم ويقومون ببيعها في السوق الحرة التي يصل سعر اللتر فيها ما بين 1000 - 1300 ليرة، وبالتالي يكفون أنفسهم عناء العمل وأجور إصلاح السيارات.
ومنذ فترة ما قبل الحرب خصصت الحكومة سيارة الأجرة «التاكسي» (العاملة على البنزين)، بعدادات إلكترونية تحدد تعريفة أي «طلب»، وبحسب مواقع موالية تم أمس إصدار قرار جديد تضمن رفع أجور «التاكسي» بنسبة زيادة تبلغ 54.4 في المائة.
وبموجب القرار الجديد، أصبح سعر الكيلومتر 115 ليرة، أما الساعة الزمنية 2000 ليرة، مقابل 75 ليرة لفتحة العداد.
وبحسب القرار، يضاف 100 ليرة بحال أظهر العداد رقما يتراوح بين 50 إلى 200 ليرة، و200 ليرة بحال ظهور من 215 إلى 350 ليرة، و300 ليرة للمبلغ المتراوح ما بين 365 إلى 500 ليرة. وفي حال ظهر رقم بين 515 إلى 650 ليرة، يكون المبلغ المطلوب إضافته 400 ليرة، ومن 665 إلى 800 ليرة وما فوق، يصبح المبلغ المضاف 500 ليرة، و815 ليرة وما فوق يضاف إلى الأجرة 600 ليرة.
ولا يلتزم سائقو «التاكسي» و«الميكروباصات» بالتعريفة المحددة، فأبسط «طلب» لا تتجاوز مسافته 2 كيلومتر يشترط صاحب التاكسي تقاضي مبلغ لا يقل عن 2000 ليرة عليه، بينما يتقاضى أصحاب «الميكروباصات» مبلغ 100 ليرة على الراكب في النهار، ويشترطون على الراكب مع حلول الظلام دفع مبلغ يقدر بضعفين أو 3.
وخلال الحرب التي تشهدها سوريا منذ منتصف مارس (آذار) عام 2011، استخدم الجيش النظامي باصات «مؤسسة النقل الداخلي» الحكومية، وباصات النقل التابعة للشركات الخاصة التي كان عددها بالمئات في محافظة دمشق فقط في عمليات تنقل جنوده والميليشيات التابعة له ما أدى إلى تدمير جزء كبير منها.
كما كانت الآلاف من «الميكروباصات» الخاصة تعمل في دمشق والمحافظات الأخرى في مجال نقل المواطنين، إلا أن عددها حاليا تراجع إلى أقل من الربع.



مطالب دولية بمواجهة المجاعة في اليمن ورفض ممارسات الحوثيين

الأمم المتحدة رفضت تحريض الحوثيين واتهام المنظمة باستهداف مناهج التعليم (أ.ب)
الأمم المتحدة رفضت تحريض الحوثيين واتهام المنظمة باستهداف مناهج التعليم (أ.ب)
TT

مطالب دولية بمواجهة المجاعة في اليمن ورفض ممارسات الحوثيين

الأمم المتحدة رفضت تحريض الحوثيين واتهام المنظمة باستهداف مناهج التعليم (أ.ب)
الأمم المتحدة رفضت تحريض الحوثيين واتهام المنظمة باستهداف مناهج التعليم (أ.ب)

في حين تسببت حملة الاختطافات التي شنتها الجماعة الحوثية على الموظفين الأمميين وعاملي الإغاثة بتقليص أنشطة الأمم المتحدة، طالبت عدد من المنظمات الإغاثية العاملة في اليمن إنقاذ ملايين اليمنيين من المجاعة، وإطلاق عمال الإغاثة، بينما جدد مسؤول حكومي الدعوة إلى نقل أنشطة المنظمات وتعاملاتها المالية إلى عدن.

وطالبت المنظمات في إحاطة لاجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة التاسع والسبعين بتأمين إطلاق العشرات من العاملين في قطاع الإغاثة، الذين اعتقلهم الحوثيون منذ ما يزيد على 3 أشهر، وحذّرت من أن الأزمة الحالية قد تقود ملايين اليمنيين إلى المجاعة والموت.

عجز شديد في الوصول إلى المياه والصرف الصحي يعاني منه اليمنيون خصوصاً في مناطق النزوح (أ.ف.ب)

وشكت 11 منظمة من الضغوط الهائلة التي تعرقل الوصول الإنساني والاستجابة، بما في ذلك تقييد حركة الموظفين والموظفات المحليين، والتدخلات في العمليات الداخلية واحتجاز العمال الإنسانيين من طرف الجماعة الحوثية، وعدم تمكنهم من أداء عملهم في بيئة آمنة تحترم القانون الإنساني الدولي.

ووفقاً لإحاطة، كل من «العمل من أجل الإنسانية» الدولية، و«كير» و«المجلس الدنماركي للاجئين» و«دوركاس الدولية للإغاثة» و«لجنة الإنقاذ الدولية»، و«إنترسوس» و«ماري ستوبس الدولية» و«ميرسي كوربس» و«المجلس النرويجي للاجئين» و«أوكسفام» و«إنقاذ الطفولة الدولية» للأمم المتحدة؛ فإن الفيضانات الأخيرة أثرت على أكثر من 56 ألف أسرة في 20 محافظة، وشردت أكثر من 1000 أسرة.

وشملت مطالب المنظمات تقديم تمويل إنساني متعلق بالمناخ لدعم مرونة المجتمع ومواجهة الطوارئ المناخية، وإعادة إنشاء حدث تعهد سنوي مخصص لليمن، وتكثيف الاستثمار التنموي لتعزيز الاستقرار الاقتصادي وإيجاد حلول دائمة للنازحين، وتحسين الوصول وخلوه من التدخلات التشغيلية.

وبينت أن التصعيد الإقليمي للصراع، مع آثاره المترابطة التي تظهر في دول مثل اليمن، قد يؤدي إلى مستوى غير مسبوق من الكارثة الإنسانية في جميع أنحاء المنطقة.

تحرير الأنشطة والأموال

في مواجهة الانتهاكات الحوثية للعمل الإنساني واختطاف العاملين الإغاثيين والموظفين الأمميين، وجّه جمال بلفقيه، رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية دعوة للأمم المتحدة ووكالاتها والمنظمات الإغاثية الدولية إلى نقل أنشطتها إلى المناطق المحررة، وتحويل الأموال التي تخصّ المنظمات إلى البنك المركزي في عدن.

طفلة يمنية في مخيم للنازحين في محافظة مأرب (الأمم المتحدة)

ولفت بلفقيه في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن العملية الإنسانية في اليمن شهدت تغيّرات كبيرة خلال السنوات الأخيرة بفعل عوامل عدة أدت إلى انخفاض الدعم ونقص التمويل، مثل الممارسات الحوثية داخلياً أو في طرق الملاحة والإمدادات، ما زاد من التدهور المعيشي وصولاً إلى المجاعة.

وبحسب بلفقيه، فإن الحل الأمثل لهذه الأزمة هو نقل أنشطة المنظمات إلى المناطق المحررة، وتحويل تعاملاتها المالية إلى البنك المركزي في عدن، ما سينتج عنه التخفف من الممارسات الحوثية، وتقديم خدمات إغاثية أفضل.

وتوقعت المنظمات أن تكون أرقام الوضع الإنساني المتدهور أعلى في المحافظات الخاضعة لسيطرة الجماعة الحوثية، حيث يقيم نحو 70 في المائة من السكان، والتي لم يتم تقديم تقييمات للوضع فيها نظراً للقيود المفروضة على الوصول إلى السكان، والحصول على البيانات.

ويكشف الباحث الاقتصادي اليمني فارس النجار لـ«الشرق الأوسط» أن الاحتياجات الإنسانية في اليمن خلال العام الحالي حسب بيانات الأمم المتحدة تبلغ 4 مليارات دولار، بينما الاحتياج الفعلي لا يقل عن 10 مليارات دولار، ويفسر ذلك بتراكم الأزمات في اليمن بسبب العجز المتوالي في توفير الدعم المطلوب للاحتياجات خلال السنوات السابقة.

بعد اعتقال الحوثيين الموظفين الأمميين وعاملي الإغاثة لجأت الأمم المتحدة إلى تقليص مساعداتها (أ.ف.ب)

وبالمقارنة بين أرقام الاحتياجات الإنسانية في اليمن خلال الأعوام الماضية وصولاً إلى العام الحالي، يوضح النجار أن هناك تراكماً للفجوات بين الأزمات الإنسانية والتمويل الموجه لها، حيث كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الاثني عشر عاماً الماضية، تزيد على 33 مليار دولار، بينما تم تحصيل أقل من 20 مليار دولار، أي أن حجم الفجوة يصل إلى 42 في المائة.

وينفي النجار حدوث تراجع في متطلبات الاستجابة الإنسانية أو تعافٍ اقتصادي في اليمن، منوهاً بالأزمات التي ظهرت في العالم والمنطقة، نتج عنها تراجع الاهتمام بالوضع الإنساني في اليمن، وتوجيه الاهتمام والدعم لمناطق هذه الأزمات.

وانتقد سياسات ونهج المنظمات الأممية والدولية الذي وصفه بالفاسد، مذكّراً برفضها الاستجابة لطلبات الحكومة اليمنية بنقل تعاملاتها المالية عبر البنك المركزي اليمني في عدن، ما جعل التمويلات تصب في صالح الجماعة الحوثية التي لم تتورع عن ممارسة الانتهاكات ضد المنظمات وموظفيها.

تدهور مطرد

كشفت مسؤولة أممية أن التدخل المباشر من الجماعة الحوثية في الأنشطة الإنسانية في الأشهر السبعة الأولى من هذا العام كان مسؤولاً عن 217 حادثة أعيق فيها وصول المساعدات.

وذكرت القائمة بأعمال رئيسة الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة جويس مسويا أن حوادث هذا العام شهدت زيادة كبيرة عن 169 حادثة تم الإبلاغ عنها، العام الماضي.

وأبلغت مسويا مجلس الأمن أن الأمم المتحدة اتخذت خطوات «للحد من تعرض الموظفين للخطر في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون»، وركزت أعمالها على «الأنشطة الأساسية المنقذة للحياة والمستدامة».

عناصر حوثيون في صنعاء حيث تفرض الجماعة الحوثية رقابة مشددة على أعمال الإغاثة (إ.ب.أ)

وأعربت عن رفض الأمم المتحدة الشديد لـ«الادعاءات الكاذبة» التي أطلقتها الجماعة الحوثية ضد العاملين في المجال الإنساني، بما في ذلك الادعاءات الأخيرة بتدخل الأمم المتحدة في النظام التعليمي في اليمن، منوهة بأن ذلك يهدد سلامة الموظفين، ويعوق قدرة الأمم المتحدة وشركائها على خدمة الشعب اليمني.

ويتدهور الوضع الإنساني في اليمن باطراد طبقاً لتعبير مسويا التي نقلت عن 62 في المائة من الأسر شملها استطلاع للأمم المتحدة أنها لا تملك ما يكفي من الطعام، وعدّت تلك النسبة «مرتفعة تاريخياً».

وتواجه 3 مناطق، اثنتان في الحديدة وواحدة في تعز، مستويات حرجة للغاية من سوء التغذية، وهي المرحلة الخامسة من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، حيث توجد مجاعة، بحسب مسويا التي قالت إن من المتوقع أن تصل 4 مناطق أخرى إلى هذا المستوى بحلول أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.

ولفتت إلى أن نداء الأمم المتحدة الإنساني لجمع 2.7 مليار دولار لليمن هذا العام جرى تمويله بنسبة 28 في المائة فقط.