«صباح الخيل»... رؤية فنية جديدة لعلاقة البشر مع الأحصنة

معرض الفنانة المصرية لينا أمين يضم 25 لوحة زيتية

الفنانة لينا أمين
الفنانة لينا أمين
TT

«صباح الخيل»... رؤية فنية جديدة لعلاقة البشر مع الأحصنة

الفنانة لينا أمين
الفنانة لينا أمين

ماذا عندما يجمع التشكيلي بين الفن والفروسية؟... هل يأتي تجسيده للخيل بشكل مختلف؟... وهل يمثل طرحه الفني انعكاساً لأشياء أخرى تخرج من دائرة إبراز جماليات الحصان وحركته ورشاقته لتصيغ رؤى مغايرة تجاه هذا الحيوان بكل خصوصيته وتاريخه الطويل مع الإنسان؟... زيارة معرض الفنانة لينا أمين والمقام الآن تحت عنوان «صباح الخيل» بغاليري «دروب» بحي غاردن سيتي في وسط القاهرة تقدم لنا إجابات بصرية وافية عن هذه التساؤلات، ذلك لأنّ الفنانة الفارسة العاشقة للخيل منذ الطفولة قرّرت أن تتخلص من التناول «الشكلي» التقليدي عند رسم الخيل، إلى حد أنها لم تكتف بنقل تجربتها الذاتية ومشاعرها وذكرياتها المشتركة مع حصانها، لكنها تركت لريشتها فرصة أن تجسد مشاعره وحكاياته هو أيضاً على مسطح لوحاتها.
على مدى التاريخ كان الحصان ملهماً للفن، ربما يعود ذلك إلى الأواصر القوية التي تجمع بين الإنسان والخيل منذ القدم، وهو ما يرتبط جانب أساسي منه بدوره في الحروب والدفاع عن المصير والأرض والهوية في أزمنة سابقة، عبّر التشكيلي عن هذه العلاقة الخاصة وقدم أعمالاً خالدة، مستلهمة من هذا الحيوان الرشيق النبيل، على سبيل المثال بالعودة إلى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، نستطيع أن نلتقي بروائع لفنانين كان شغفهم الأساس برسم الخيل، ومنهم الفرنسي تيودور سيركول (1791 - 1824) صاحب لوحة سباق «إبسون» التي رسمها سنة 1821. وهي من مقتنيات متحف اللوفر، وأيضاً الفنان العالمي إدغار ديغا (1834 - 1917) الذي أبدع عدداً كبيراً ومتنوعاً من اللوحات والمنحوتات في الخيل، وهناك إبداعات أخرى بمراحل تاريخية تالية للفنانين إدوار مانيه، وغوستاف مورو، وإرنست ميسونييه، وبول دوبوا، وبعضها من مقتنيات أعرق الأسر في أوروبا على وجه التحديد، وبعضها الآخر يمثل جزءاً أساسياً من مجموعات متاحف ومؤسسات كبرى مثل متحف «أورساي» والمكتبة الوطنية الفرنسية، ومركز السينما «السينماتيك»، والأكاديمية الملكية البريطانية، ومن اللافت أنّه ليس الرّسم وحده من احتفى بالخيل، لكن امتد الأمر إلى النّحت والفوتوغرافيا والموسيقى والسينما.
لكن ربما القليل من الفنانين هم من جمعوا بين ممارسة رياضة ركوب الخيل ورسمها أو تناولها في أعمال إبداعية أخرى، ومن هنا تتمتع أعمال لينا أمين في المعرض المستمر حتى 26 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، بطابع خاص يعكس ثراء تجربتيها الحياتية والفنية معاً، تقول لـ«الشرق الأوسط»: «ليست المرة الأولى التي أقدم من خلالها الحصان في لوحاتي، لكن لم يسبق لي أن جعلته من قبل يأخذ دور البطولة المطلقة إلى هذا الحد، وذلك لأنّني وجدت نفسي أستسلم لرغبة عارمة داخلي لسرد حكايتي مع الفروسية التي عشقتها منذ طفولتي بكل ما يحيط بها من لحظات ومشاعر وذكريات سواء مع حصاني العزيز أو مع عالم الخيل الذي عشت داخله وعرفته عن قرب لسنوات طويلة».
تدفقت الذكريات والحكايات على المساحات البيضاء، لتأخذنا عبر أسلوب فني يتراوح ما بين المدرستين التأثيرية والتعبيرية إلى أمكنة وأزمنة ومواقف مختلفة، فتارة يجد المتلقي نفسه داخل سباق الخيل، يتابع سرعة الحصان ومهارة الفرسان المرتدين ملابس متعددة الألوان فوق الخيول، بشعورها الناعمة وانسيابية حركتها، وقد ينحاز لفارس دون آخر، في إحدى نوعي السباق الرئيسيين، الأول السباق فوق أرض مسطحة، فنتابع الفرسان وهم ينتقلون من نقطة إلى أخرى، أو أثناء العدو حول المضمار في اتجاه نهايته، والآخر سباق الحواجز والموانع، فنزداد شغفاً أثناء مراقبة الفرسان الممتطين خيولهم فيقفزهم فوق الحواجز باحتراف ورشاقة.
وتارة أخرى نبتعد عن أجواء المنافسة الرياضية إلى المنافسة «الجمالية»، حين نتأمل «البورتريهات» الخاصة ببعض الخيل، ومنها الحصانين اللذين تمتلكهما، فنشاهد خيل عربي في حالة ثبات، في إشارة لمسابقات الجمال التي تقام لها، حيث تُثبّت للتقييم والمقارنة بينها لاختيار الأكثر جمالاً وفق قواعد هذه المسابقات، وقد عملت الفنانة على إبراز جماليات الخيل العربي، برشاقته وتفاصيله الدقيقة، وجماله الجسدي، من دون أن تغفل الحصان الأجنبي الذي يمثّل جانباً كبيراً من تجربتها، إذ يقتنيه كثيرون في مصر.
وخلال هذه الأجواء وتلك نقلت لنا لينا مشاعر متباينة يمر بها الفارس والحصان معاً في علاقتهما القوية، إذ تجسد تعلق الفارس بحصانه وحنانه وخوفه عليه في أكثر من عمل فني، مثل لوحة صديقتها مع حصانها، كما تعكس مشاعر الحصان من حزن وسعادة وتعب ونشاط، إضافة إلى لحظات ضعف مقابل لحظات أخرى يسودها الشموخ والثقة، تقول: «عشت مع الخيل طويلاً، ووصلتني مشاعرها المختلفة، التي تمس القلب، إن الفارس بمجرد أن يدخل الإسطبل يستطيع أن يحدّد على الفور حالة حصانه، ويتعامل معه على أساسها».
إلى هذا تجسد أيضاً لوحات المعرض، وعددها 25 لوحة، مواقف ومشاهد عديدة، تمزج ما بين الجمال والرشاقة والحركة، فنرى الخيل أثناء لعبها أو صراعها مع بعضها بعضاً، وأثناء التريض، ومن ثم أثناء استرخائها وراحتها، أو في لحظات تواصل نادرة مع صاحبها، تتابع لينا أمين قائلة: «بعد مرور سنوات تتحوّل العلاقة بين الفارس والحصان إلى علاقة قوية دافئة، لا يعرف كنهها سوى من مرّ بهذه التجربة».
استخدمت الفنانة بالتة ألوان محدودة، ولم تستطع الاستغناء فيها عن لونها المفضل، وهو اللون الأزرق، رغم أنّه قد لا يكون مناسباً للوهلة الأولى بالنسبة للخيل، لكن من اقترب من هذا العالم جيداً، يعرف أنّ مقتني الخيل يطلقون في لغتهم الدارجة على الحصان الأبيض اسم الحصان الأزرق، ولذلك استغلت الفنانة ذلك في إضافة خلفية أو ظلال زرقاء على الحصان الأبيض في اللوحات، إضافة إلى استخدامها اللون البني واسع الانتشار في الخيل.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».