{الشرق الأوسط} في موسم الجوائز‬«5»: مفاجآت ليلة «غولدن غلوبس»

تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.. والأسلوب يغلب الحبكة التقليدية

«نظرية كل شيء»
«نظرية كل شيء»
TT

{الشرق الأوسط} في موسم الجوائز‬«5»: مفاجآت ليلة «غولدن غلوبس»

«نظرية كل شيء»
«نظرية كل شيء»

ها هي اللحظات المنتظرة تقع هذا المساء عندما تنطلق حفلة تسليم جوائز «غولدن غلوبس» مبثوثة من الساعة الثامنة على شاشة «NBC» كما جرت العادة منذ سنوات كثيرة. بعد أسابيع من التوقعات وارتفاع بورصات الأفلام ونجومها وانخفاض بعضها، ها هي الحفلة تنطلق بزيها الرسمي الكامل: كاميرات المحطة المذكورة ستسبح فوق الجالسين في القاعة الكبيرة مستعرضة العدد الكبير من الحضور. النجوم سيصعدون المنصة للتحدث إلى الجمهور مازحين وجادين والجوائز ستعطى تبعا لتصويت صارم اعتادته «جمعية هوليوود للمراسلين الأجانب» منذ أن خرجت من أزمتها مع بيا زادورا في الثمانينات.

* بيا زادورا؟ من هي؟

* في عام 1982 وجدت ممثلة مغمورة اسمها بيا زادورا نفسها في مواجهة ممثلات جديرات في سباق غولدن غلوبس لأفضل وجه واعد (وهي مسابقة تم التخلي عنها لاحقا) أمثال كاثلين تيرنر عن فيلم «سخونة جسد» وإليزابث ماكوفرن عن «راغتايم». أيامها كانت متزوجة من الملياردير الإسرائيلي موشالم ريكليس وحسب روايات غير مؤكدة، فإن هذا لم يرضَ أن تخرج محبوبته من دون جائزة ما دفعه إلى شراء ذمم عدد كاف من صحافيي الجمعية، فإذا بالجائزة تذهب إلى بيا زادورا، التي كانت بالتأكيد تفتقر الموهبة ولم تكن أفضل أداء من أي ممثلة منافسة.
هذا أصاب، آنذاك، سمعة الجمعية وجائزتها بالصميم ونشر سحابة من اليورانيوم الملوث فوقها إلى سنوات كثيرة. وبل هناك من يرغب، وإلى اليوم، العودة إلى مثال زادورا كلما أراد التشكيك بأهمية الجمعية وما تقوم به. لكن للواقع، فإن الجمعية أفاقت من تلك الصدمة وانتبهت إلى دورها الجدي الذي تقوم به وإلى أنها لا تستطيع أن تسمح بتكرار ذلك المنوال. ومن مطلع التسعينات على الخصوص وإلى اليوم وهي تسير على خط مستقيم ونتائجها محاطة بالدرجة القصوى من السرية ذاتها التي تحاط بها جوائز الأوسكار. ومع قيامها كل عام بتوزيع هبات مالية على مؤسسات سينمائية (الأكاديمية، الأرشيفات القومية) أو اجتماعية (الجامعات، مؤسسات الرعاية الاجتماعية المختلفة) وتحولها إلى حدث أساسي في موسم الجوائز وصناعة التسويق لم يعد بالإمكان غض النظر عنها أو قيامها هي بغض النظر عن إنجازاتها.

* أفلام ومخرجون

* مثل كل مرة، فإن آخر المسابقات التي ستعلن نتائجها هذه الليلة في حفل لوس أنجليس هي مسابقة الأفلام الدرامية. هنا، كما في «البافتا» و«الأوسكار» وسواها، يبقى الفيلم هو مسك الختام بالمعنى الكامل للكلمة. مغلفات المسابقات الأخرى تفتح والفائزون بها يعلنون، لكن مسابقة الفيلم هو مثل تتويج كل شيء.
وهناك في الواقع جمع كبير من الأفلام المتنافسة: هناك 5 أفلام في الدراما وهي «صبا» و«فوكسكاتشر» و«لعبة المحاكاة» و«سلما» و«نظرية كل شيء».
5 أفلام في الكوميديا والاستعراضي وهي «بيردمان» و«ذا غراند بودابست هوتيل» و«داخل الغابة» و«فخر» و«سانت فنسنت».
5 في مسابقة الأنيماشن وهي «بيغ هيرو 6» و«كتاب الحياة» و«بوكسترولز» و«كيف تدرب تنينك 2» ثم «The Lego Movie».
هناك 5 أخرى في مجال الفيلم الناطق بلغة غير إنجليزية وتتكون من «فورس مأجوري» (سويد)، «إيدا» (بولاند)، «ليفيثيان» (روسيا) و«تنجارينز» (استونيا) و«محاكمة فيفيان أمسالم» (إسرائيل).
حين يأتي الأمر إلى المخرجين، فإن 5 من المخرجين هم الذين يتسابقون حسب لوائح «غولدن غلوبس». وغالبا، كما هو حال هذا العام، فإن المرشحين لـ«غولدون غلوبس» أفضل مخرج هم من العاملين في السينما الأميركية وليسوا من خارجها وإلا لتم ضم مخرجين آخرين جديرين بالفوز مثل بافل بافليكوفسكي عن «إيدا» وأندريه زيفغنتسف عن «ليفياثان».
في هذه القائمة نجد وس أندرسون عن «ذا غراند بودابست هوتيل» (المندرج في قسم الكوميديا) وأفا دوفرناي عن «سلما» (في قسم الدراما) ورتشارد لنكلتر عن «صبا» (قسم الدراما أيضا) وأليخاندرو غوانزاليس إناريتو عن «بيردمان» (قسم الكوميديا) ثم ديفيد فينشر، المخرج الوحيد الذي لم يصل فيلمه «فتاة مختفية» إلى عداد التنافس بين الأفلام.
إذا ما استثنينا الأفلام الكرتونية المتحركة، فإن الأفلام المتنافسة الأخرى منقسمة، أسلوبيا، إلى فئتين: فئة ذات أسلوب سرد تقليدي، وأخرى ذات أسلوب سرد مختلف. الفريق الثاني أقل، لكن حظوظه تبدو الأقوى وهو يشمل «صبا» و«بيردمان» و«ذا غراند بودابست هوتيل» و«إيدا».
إلى جانب أن أسلوب العمل في كل واحد من هذه الأفلام يحمل بصمة ذاتية استثنائية، فإن كل واحد من هذه الأفلام لديه، ضمن هذا الأسلوب العام، قضية، وربما مشكلة، مع مبدأ الحكاية ذاتها؛ حيث العقدة لا تستولي على السرد بل تتبعه.

* عبر الأزمنة

* لفهم ذلك، تكفي المقارنة بين «صبا» و«فوكسكاتشر» المتنافسين في السباق ذاته (أفضل فيلم درامي). كلاهما جيد بامتياز، لكن الأول يتبع حكاية تقع على امتداد سنوات من دون أن يضطر لتغيير ممثليه، بينما الثاني، يسرد الحكاية في وضعها التاريخي (التسعينات) من دون تفاوت زمني أو مكاني.
ما قام به رتشارد لينكلتر، صاحب «صبا» هو أنه صور بطله عندما كان ولدا صغيرا سنة 2002، ثم صوره في مرحلة متوسطة كان الصبي إيلار كولتران قد أصبح ولدا، ثم سنة 2013 وقد أصبح فتى مراهقا.
مخرج آخر كان أتى بـ3 ممثلين وأنجز الفيلم في 3 أشهر، لكن لينكلتر مارس التصوير على امتداد 12 سنة بمجموع 45 يوما، بذلك أتاح لنفسه ولفيلمه التنفس طبيعيا. ولينكلتر لم يكن بذلك خرج عن معالجاته، فسلسلته المعروفة بـ«قبل»؛ وهي «قبل الشروق» (1995)، و«قبل الغروب» (2005)، ثم «قبل منتصف الليل» (2013)، على حكاية واحدة حول علاقة عاطفية انطلقت من سنة 1995 واستكملت في عام 2013، وقد تستمر لما بعد.. ودائما مع الممثل نفسه إيثان هوك (الذي شارك في أفلام أخرى للمخرج من بينها «صبا») بذلك لم تعد الغلبة لعقدة أو حبكة، بل لمعايشة زمنية على نحو ما حققه المخرج ذاته في فيلم «صبا».
إلى أي حد سيتدخل كل ذلك في توجيه الأصوات إلى «صبا»، فالأفلام المتنافسة في قسم الدراما تكاد تكون متساوية في حسناتها ومزاياها. «سلما» رائع في رصده القضية العنصرية التي يتناولها، و«فوكسكاتشر» ممتاز في تحليله لشخصياته الثلاث، و«نظرية كل شيء» يجاوره في رصد العلاقة بين رجل ذي متطلبات خاصة وزوجته، في حين أن «لعبة المحاكاة» قوي في تعامله مع شخص واحد. وهو ما يدلف بنا إلى ملاحظتين رئيسيتين نضيفهما إلى الملاحظة السابقة حول الأسلوب وتغليب الموقف على الحبكة.
كل هذه الأفلام، ما عدا «صبا»، قائم على استيحاء شخصيات حقيقية وكل هذه الأفلام (بما فيها «صبا») تدور في رحى الأمس أساسا.
«لعبة المحاكاة» عن عالم الحسابات الذي أسهم بهزيمة هتلر عندما استعانت به الاستخبارات البريطانية لفك الرموز المعقدة التي تستخدمها قيادة الجيش النازي في الأربعينات. و«سلما» يأتي بعده زمنيا إذ تقع أحداثه في الستينات أيام مارتن لوثر كينغ، كما يؤديه ديفيد أويلاو بجدارة. و«نظرية كل شيء» عن العالم سيتفن هوكينغ، و«فوكسكاتشر»، يتجاوران إذ يدوران في الثمانينات. أما «صبا» فهو يشمل سنوات متنقلة من التسعينات إلى اليوم.

* رسالة من مخرج

* بعض ذلك التقسيم وارد في مسابقة أفضل فيلم كوميدي أو موسيقي ولو على نحو متأرجح، فـ«كبرياء»، مثلا، هو عن حركة مثلية شاركت في المظاهرات التي أيدت عمال المناجم في الثمانينات. و«بيردمان» في الزمن الحاضر، لكنه يتميز بالأسلوب غير التقليدي الذي يسرد المخرج إيناريتو حكاية الأسرة من خلاله. وفي حين أن «سانت فنسنت» أقل خيالا وأكثر التصاقا بالزمن الحالي، إلا أن المد الخيالي يزداد في الفيلمين الآخرين «داخل الغابة»، وهو فانتازيا شاملة لأساطير وحكايات معروفة من نمط «سندريلا» و«ليلى والذئب» و«ذا غراند بودابست هوتيل» الذي هو أكثر الأعمال جميعا تميزا من حيث تصميمه الفني والإنتاجي، وهو أيضا خيالي صرف تقع أحداثه في بلد غير واقعي وفي زمن يتوسط الحربين العالميتين، لكنه زمن منضو تحت راية الفانتازيا لحد يبدو كما لو أنه لم يكن موجودا بالفعل أيضا.
أما الأفلام المتبارية في سباق «أفضل فيلم أجنبي» فالاختلافات بينها شاسعة: من دراما المحاكم في «محاكمة فيفيان أمسالم» إلى دراما الموقف المتأزم في «فورس ماجوري» ومن حكاية إيدا، المرأة التي اكتشفت أنها ليست كاثوليكية كما اعتقدت، بل يهودية وضعها والداها عند باب بيت الرهبان لتجنيبها الموت خلال الحرب، إلى حكاية إيفو، ذلك المزارع الذي تعصف به رياح عاتية مصدرها ما كان يحدث في استونيا خلال مطلع التسعينات. هذا وصولا إلى الحاضر الأكثر دكانة في «ليفياثان».
3 من هذه الأفلام هي من 3 دول كانت تؤلف معسكرا واحدا وهي «ليفياثان» الروسي، و«تانجرين» الاستوني، و«إيدا» البولندي. وهي أكثر المتوفر نقدا سياسيا رغم أن «محاكمة فيفيان أمسالم» يتعرض لنقد الوضع الاجتماعي بين المتشددين اليهود من خلال سعي زوجة للطلاق من زوجها المتدين الذي يرفض منحها الطلاق.
ولعل «ليفياثان» أكثر هذه الأفلام الأجنبية نقدا؛ إذ لا يحاول تمويه الحقائق على الأرض: «هناك فساد في الدوائر الحكومية الرسمية ينسف اللبنة العائلية ويقضي على مستقبل من لا يملك سوى القانون (المستولى عليه) للتوجه إليه». صحيح أن السينما الروسية شهدت أخيرا أعدادا متزايدة من هذه الأفلام، لكن «ليفياثان» أكثرها جرأة، وها هو المخرج أندريه زيفغنتسف يكتب لي في رسالة إلكترونية بتاريخ 31 ديسمبر (كانون الأول) 2014: «هذا العام كان الأكثر اضطرابا منذ عقود في تاريخ بلادي المضطرب أصلا. كل يوم، ينحدر المجتمع الروسي نظرا لالتزام متزايد للمؤسسات العامة (لتنفيذ) آيديولوجية جامدة من الاضطهاد وعدم التحمل».
موقفه المعبر عنه سينمائيا ليس جديدا على السينما في تلك البلاد. خلال الفترة الشيوعية انبرى كثيرون: لاريشا شوبتكو، سيرغي بارادجانوف، إراكلي كفيركادادزه، أندريه تاركوفسكي، وهناك سواهم. لنقد الوضع القائم وتبعاته على المجتمع الروسي. ليس أن الدولة آنذاك استجابت لذلك النقد وأصلحت شؤونها الإدارية على الأقل، لكن ذلك الصوت النقدي لم يتوقف إلا عندما انهار الاتحاد السوفياتي ولفترة زمنية محدودة، بعدها عادت هذه الأفلام تنتقد الأوضاع الحاضرة على النحو ذاته. زيفغنتسف: «أحد أهم مزايا الفن الروسي هو الإخلاص. حتى في أقسى الأزمنة، نطق المؤلفون والسينمائيون بالحقيقة حيال بلادهم الحبيبة. اعتبروا أنه من أهم مسؤولياتهم كفنانين وفي (ليفياثان) سعيت لأن أستحق هذا التقليد».

* الوضع المحسوس

* من سيخرج فائزا من بين ما ذكرنا من أفلام؟ هذا ليس سهلا رصده على الإطلاق، لكن، وكما تتنبأ أكثر التوقعات، فإن «بيردمان» و«ذا غراند بودابست هوتيل» يأتيان في مقدمة الأفلام الكوميدية، بينما يقفز إلى الواجهة «صبا» يجاوره «نظرية كل شيء» إذا ما تغلبت اللغة العاطفة على تلك الفنية الذي مارسها المخرج بنت ميلر في «فوكسكاتشر». كمخرجين، فإن أسهم أليخاندرو غونزاليز إناريتو عالية تتبعها سريعا تلك التي لدى ديفيد فينتشر عن «فتاة مختفية».
لكن هناك أكثر من مجرد المنافسة بين الممثلين والممثلات (كما ورد معنا في الأيام القليلة السابقة) والمخرجين (كما يرد هنا). تصور مثلا أن تخلو مسابقة أفضل سيناريو (والجمعية لا تفرق بين سيناريو مكتوب خصيصا للسينما وآخر مقتبس) من «ذا غراند بودابست هوتيل» الذي كتبه وس أندرسون. المتوقع هنا أنه إذا لم يفز المخرج بجائزة أفضل فيلم أو أفضل إخراج، فإنه سيفوز بهذه الجائزة. لكن بما أن 4 من الأفلام المتسابقة في هذا القسم هي ذاتها المتسابقة في مباراة أفضل فيلم: «صبا»، و«بيردمان»، و«لعبة المحاكاة»، و«ذا غراند بودابست هوتيل» (الخامس هو سيناريو جيليان فلين عن «فتاة مختفية») فإن حرارة تلك المنافسة تنتقل تلقائيا إلى هذا المجال.
الحفلة، كما جرت العادة ستحفل بالنجوم: من جسيكا شستين، وجنيفر أنيستون، وإميلي بلنت، وريز وذرسبون، وجورج كلوني، ومايكل كيتون، وجايكل جيلنهال، وباتريشا أركيت، وإدوارد نورتون، ومارك روفالو، وبندكت كمبرباتش، و(غالبا) روبرت داوني جونيور، وبراد بت، وأنجلينا جولي، وماثيو ماكونوفي، من بين كثيرين آخرين.
الحراسة الأمنية هي أيضا حافلة. تستلمك تعليمات رجال الأمن والبوليس من على نحو مئتي متر وأنت في طريقك على ولشير بوليفارد أو إذا كنت قادما من ناحية سانتا مونيكا بوليفارد. تتوقع الزحام وتنال ما تتوقعه بكل تأكيد. كلما اقترب فحص البوليس أوراق الدعوة، ودلك على أي جانب من الطريق عليك أن تستمر فيه. وعلى خلفية ما حدث في باريس من هجوم إرهابي أخيرا، فإن المتوقع كذلك أن يعلن بعض الممثلين الذين سيصعدون المنصة إما لتقديم فقرات الحفل أو لاستلام الجوائز عن شغبهم لما وقع.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».