ماكرون يحدد اليوم مصير مبادرته... والحريري يربط تحركه بالموقف الفرنسي

ماكرون مغرداً بالعربية بعد زيارته لبنان في 1 سبتمبر الماضي (تويتر)
ماكرون مغرداً بالعربية بعد زيارته لبنان في 1 سبتمبر الماضي (تويتر)
TT

ماكرون يحدد اليوم مصير مبادرته... والحريري يربط تحركه بالموقف الفرنسي

ماكرون مغرداً بالعربية بعد زيارته لبنان في 1 سبتمبر الماضي (تويتر)
ماكرون مغرداً بالعربية بعد زيارته لبنان في 1 سبتمبر الماضي (تويتر)

يتقرر اليوم (الاثنين) مصير المبادرة الفرنسية المتعلقة بالوضع اللبناني في الاجتماع الطارئ الذي يُعقد في قصر الإليزيه برئاسة الرئيس الفرنسي في ضوء التقرير الذي رفعه إليه مبعوثه إلى بيروت باتريك دوريل للوقوف على الأسباب الكامنة وراء العراقيل التي اصطدم بها الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة سعد الحريري، والتي كانت السبب الأول في تأخير ولادتها بعد أن وصلت المشاورات التي أجراها مع رئيس الجمهورية ميشال عون إلى طريق مسدود أعاد المبادرة إلى نقطة الصفر.
وتقول مصادر سياسية مواكبة للقاءات التي أجراها دوريل في بيروت وشملت المكوّنات الرئيسية المعنية بتشكيل الحكومة وعلى رأسها، إضافة إلى الرئيس عون والحريري، رئيس المجلس النيابي نبيه بري: «إنها لم تحقق التقدم المطلوب الذي من شأنه أن يدفع باتجاه إحداث خرق استثنائي يعيد الاعتبار للمبادرة الفرنسية التي لا بديل عنها لإنقاذ لبنان ووقف انهياره المالي والاقتصادي في ظل استمرار الفراغ الدولي المتمثل بالمجتمعين الدولي والعربي الذي يكاد يغيب كليا عن الساحة اللبنانية».
وتؤكد المصادر السياسية لـ«الشرق الأوسط» أن التقرير الذي رفعه دوريل إلى ماكرون يُفترض أن يشكّل الإطار العام للبحث في طبيعة الخطوة التي ستقوم بها باريس والتي ستأخذها الأطراف اللبنانية في الاعتبار، خصوصا أن ماكرون كان يتابع عن كثب تفاصيل اللقاءات التي عقدها مبعوثه الخاص إلى بيروت في محاولة قد تكون الأخيرة للتقريب في وجهات النظر بين هذه الأطراف.
وتلفت إلى أن دوريل وإن كان أحجم في لقاءاته عن جر الأطراف التي التقاها للدخول في سجالات يراد منها لجوء هذا أو ذاك إلى رمي مسؤولية تعطيل المبادرة الفرنسية على الآخر، وبالتالي تأخير تشكيل الحكومة، فإنه في المقابل حرص على عدم طرح بعض الأسماء المرشّحة لدخول الوزارة أو الطلب من الذين التقاهم بتزويده بما لديهم من أسماء.
وتعزو السبب إلى أنه تجنّب الدخول في كل هذه التفاصيل، سواء بالنسبة إلى توزيع الحقائب على الطوائف اللبنانية أو خصوصا في عدد الوزراء، حرصا منه على إعطاء الأولوية للأسباب التي حالت دون الالتزام بالمبادرة الفرنسية، رغم أن جميع من التقاهم ماكرون في قصر الصنوبر، إضافة إلى عون وبري، أكدوا تمسكهم بها ولم يفصحوا ما إذا كان لدى هؤلاء من تحفّظات.

رفع العتب

وترى هذه المصادر أن دوريل حصر اهتمامه بمعرفة أين تكمن الأعطال التي أضرّت بتشكيل الحكومة، وصولا إلى تفلّت البعض من المبادرة الفرنسية والالتفاف عليها مع أنهم أكدوا له تمسّكهم بها. وتقول إنه سعى للتهدئة في محاولة لخفض منسوب التوتر السياسي، وهذا ما يفسّر طلبه من رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل الاتصال بالحريري، مع أنه بقي في حدود رفع العتب ولم يترتب عليه من نتائج ستكون حاضرة في حال تقرّر تمديد المشاورات بين عون والحريري في ضوء التوجّه العام المرتقب لماكرون في ختام اجتماعه اليوم المخصص لتقويم مصير المبادرة الفرنسية.
وتؤكد أن دوريل، وإن كان امتنع عن فتح بازار سياسي يتعلق بالتوزير وبتوزيع الحقائب، شدد على الإطار السياسي العام للحكومة العتيدة التي يجب أن تكون بتركيبتها الوزارية منزوعة من الحضور الحزبي، لعلها تفتح كوّة في جدار أزمة الثقة بين الحكم والحكومة من جهة وبين اللبنانيين على وجه العموم، يمكن أن تؤسس عليها لاستعادة هذه الثقة لأنها الممر الإلزامي للحكومة للتصالح مع الخارج وتقديم أوراق اعتمادها للمجتمع الدولي.
وتجزم بأن دوريل لم يتطرق إلى احتمال فرض عقوبات فرنسية على من يعيق تشكيل الحكومة، وتقول بأنه حذّر المعنيين من أن يكونوا وراء معاقبة بلدهم في حال أن الحكومة لم تلتزم بالمواصفات السياسية والإصلاحية التي طرحها ماكرون باسمه وبالنيابة عن المجتمع الدولي والتي تتمثل بحرمانه من المساعدات المالية والاقتصادية وبحصر جدول أعمال المؤتمر الدولي بتقديم مساعدات إنسانية للبنانيين، مع أن الحريري ليس في وارد التسليم بحكومة محكومة سلفا بحصار دولي وعربي.

حشر الجميع

لذلك يتريّث الحريري في تحديد الخطوط العريضة لخريطة الطريق التي سيتبعها قبل أن يكون على إلمام لا يعتريه أدنى شك بالتوجّه العام الذي سيصدر عن ماكرون التزاما منه بالمبادرة الفرنسية وعدم الالتفاف عليها، وهذا ما تحرص عليه جميع الأطراف وإن كانت غالبيتها على توافق مع الرئيس المكلف في خصوص رؤيته للتركيبة الوزارية.
فالحريري - بحسب المصادر - ليس في وارد الإقدام على خطوة شعبوية تؤدي إلى مزيد من الانهيار وتتعارض مع روحية المبادرة الفرنسية العالقة على ما سيقرره ماكرون الذي يُفترض أن يضع النقاط على الحروف بتحديد الجهات المسؤولة عن تعطيل مبادرته في حال ارتأى التمسك بها وعدم ترك لبنان يواجه مصيره بغياب من يمد له يد العون.
وبالنسبة إلى «حزب الله» تؤكد المصادر بأن رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد جدد أمام دوريل استعداد الحزب لتقديم المساعدة لتسهيل تشكيل الحكومة وإنما قدر المستطاع، وتقول إن هذا الاستعداد يبقى منقوصا ويقتصر على بيع باريس مواقف لا تُصرف في إزالة العوائق التي تؤخر ولادتها ما لم تترجم إلى خطوات ملموسة بالضغط على عون وباسيل لأن الحزب هو الأقدر للعب مثل هذا الدور الضاغط.
وعليه، فإن الموقف المرتقب لماكرون سيؤدي إلى حشر الجميع لاختبار مدى التزامهم العملي وفي اللحظة الأخيرة بالمبادرة الفرنسية، وصولا إلى تكريس فرز سياسي بين مؤيد ومعارض لها إذا ما أصر الأخير على شروطه من دون أن يتّعظ بما أصاب مؤتمر عودة النازحين السوريين من نكسات لانعقاده في دمشق بغياب الدول المانحة واقتصاره على حضور «أهل البيت» باعتبار أن ما حصل هو بمثابة رسالة لمن يريد الدخول في مواجهة مع المجتمع الدولي.



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».