توقعات بعودة تدريجية لعمل السفارات في طرابلس

سياسيون ليبيون قلقون من اغتيالات تطال دبلوماسيين

TT

توقعات بعودة تدريجية لعمل السفارات في طرابلس

يتوقع سياسيون ليبيون عودة تدريجية لغالبية السفارات الأجنبية والعربية للعمل من العاصمة طرابلس، عقب التفاهمات الليبية الأخيرة في الحوار السياسي بتونس ونتائج اللجنة العسكرية المشتركة في جنيف وغدامس.
وقال عضو مجلس النواب بطبرق، حسن البرغوثي، لـ«الشرق الأوسط» إنه رغم بدء بعض السفارات ممارسة مهامها من العاصمة منذ فترة، فإن هناك سفارات أخرى تباشر أعمالها من تونس مثل الولايات المتحدة الأميركية وروسيا ودول عربية أيضا، مشيرا إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في جنيف، والمزمع تدعيمه بقرار من مجلس الأمن الدولي بدد الكثير من المخاوف بشأن عودة الحرب، وبالتالي سيسهم في التقليل من الاحتياطات الأمنية الكبيرة التي كانت الدول تفكر بها لضمان سلامة بعثاتها إذا ما عادت للعمل داخل ليبيا. وتابع: «الجميع يلاحظون أن ليبيا ذاهبة نحو الاستقرار، والمسألة مجرد وقت لإعداد الترتيبات والتجهيزات لعودة عمل كافة السفارات من طرابلس».
وتأتي هذه التوقعات على خلفية تصريح للسفير الأميركي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، لم يستبعد فيها إمكانية عودة سفارة بلاده للعمل من طرابلس، وهو ما عدّه البعض أنه يفتح الباب لعودة جميع السفارات المتبقية للعمل من طرابلس.
غير أن البرغوثي لفت إلى أكثر المخاوف التي يتم تداولها كعثرات أمام عودة السفارة لممارسة أعمالها من العاصمة، انتشار الميليشيات المسلحة وتحديدا بالغرب الليبي والتخوف من احتمال قيامها باغتيال أو خطف أي دبلوماسي، وذهب إلى أن اللجنة العسكرية المشتركة «تولي اهتماما بالملف الأمني بما يضمنه من ضبط كافة الكيانات التي تهدد كيان الدولة». وتوقع البرغوثي حسم هذا الملف، لكنه رأى أن «نقل العاصمة إلى سرت يمكن أن يسرع بنقل السفارات إلى هناك لكونها مدينة هادئة ومستقرة وخالية من المظاهر المسلحة».
بدوره، توقّع المحلل السياسي الليبي محمد بويصير عودة تدريجية لعمل السفارات في العاصمة، انطلاقا من توقيت الإعلان عن تشكيل مجلس رئاسي جديد وحكومة وحدة وطنية، كما توقع أن تتوج المحادثات السياسية الراهنة بالنجاح ليكون عودة السفارة الأميركية للعاصمة أولى الثمار والمكافآت التي قد يحصل عليها الليبيون. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «تحقق تلك الخطوة على الأرض ينهي معاناة قطاع كبير جدا من الليبيين طالبي العلاج أو الدراسة ممن يضطرون حاليا لتحمل مشقة وتكلفة الانتقال إلى تونس للحصول على التأشيرة من سفارات الدول التي توجد سفاراتها هناك».
وإلي جانب رهن الأمر بانتظار التقدم بالمسار السياسي، أرجع بويصير «التردد الراهن في نقل السفارة الأميركية للمخاطر الأمنية التي تحيط بباقي سفارتها في العالم، فضلا عن الذكرى المريرة لمقتل سفيرهم ببنغازي عام ٢٠١٢».
وكان السفير الأميركي كريستوفر ستيفنز، و3 من العاملين بالقنصلية ببنغازي قتلوا في هجوم إرهابي على مقرها في عام ٢٠١٢، لكن بويصير قلل من التخوفات بشأن انتشار الميليشيات المسلحة بالغرب الليبي. وقال: «الميليشيات تنتشر بعموم ليبيا ولا تتركز في منطقة أو مدينة دون غيرها، وهناك تهويل كبير بالأمر، إذ إن الأوضاع تسير بشكل طبيعي بالعاصمة، وأنا وغيري نزورها بشكل مستمر، وهناك سفارات تمارس عملها من هناك كالإيطالية والتركية». واستدرك: «هناك كثير من الميليشيات تتبع وزارة الداخلية التابعة لحكومة (الوفاق) مثل الردع، كما أن ميليشيات مصراتة لا تتحرك إلا بموافقة المجلس المحلي للمدينة، وهذا المجلس له ممثلون في ملتقى تونس للحوار السياسي، أي أنه داعم للعملية السياسية».
وفسر بويصير تهديدات بعض قيادات الميليشيات، ومنهم صلاح بادي قائد ما يعرف بـ«لواء الصمود» للمشاركين في ملتقى تونس، بأنه «عنف لفظي، وهو أعلى سقف يمكن لهؤلاء الوصول إليه»، متابعا: «استخدام السلاح لتغيير الأوضاع بات غير وارد، وهذه الأصوات ستختفي بالتدريج، فالوقت ليس في صالح أي كيان خارج عن القانون».
أما الدكتور أحمد سيد أحمد الخبير في الشؤون الأميركية والعلاقات الدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، فرأى أن «عودة السفارات وخاصة الأميركية للداخل الليبي يعني عودة البلاد إلى المنظومة الدولية، بعد أن ظلت لسنوات كثيرة بسبب الحرب تعامل من قبل أطراف دولية وإقليمية بكونها شبه دولة»، لافتا إلى أنه رغم الاعتراف الدولي بحكومة «الوفاق» إلا التنازع والتصارع على الأرض ألقى بشكوك واسعة حول قضية الشرعية.
ورأى أحمد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «التلميح بنقل السفارة الأميركية يأتي في إطار الرسائل السياسية الداعمة للحوار السياسي، ولكنه ليس بعيدا أيضا عن رغبة الولايات المتحدة بأن تواصل من مقر سفارتها بالعاصمة استمرار إشرافها المباشر على رسم ملامح خطة عمل السلطة الليبية المقبلة»، ولفت إلى أنه يمكنها تتابع ما سوف تعقده تلك السلطة من اتفاقيات سياسية أو اقتصادية، وبالتالي ضمان مصالح الشركات الأميركية في قطاع النفط الليبي وتوسيع حصتها به، ثم الفوز بنصيب الأسد في حصص إعادة الإعمار بالمستقبل القريب، وربما أيضا بصفقات التسليح إذا ما استقرت الأوضاع بالمستقبل البعيد.
وانتهى الخبير المصري إلى أنه فضلا عن أن الوجود المباشر لأميركا في ليبيا سيعزز من قدرتها على محاربة الإرهاب بالقارة السمراء وتوسيع شبكة أجهزة استخباراتها ونفوذها بالمنطقة، فهو سيضمن أيضا تحجيم دور الدول المنافسة لها وخاصة روسيا والصين.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.