الممر الملاحي القطبي يهدد بعواقب مناخية

القطب الشمالي الأسرع احتراراً على الأرض

ممر الملاحة القطبية (الى الأعلى) وممر الملاحة عبر قناة السويس
ممر الملاحة القطبية (الى الأعلى) وممر الملاحة عبر قناة السويس
TT

الممر الملاحي القطبي يهدد بعواقب مناخية

ممر الملاحة القطبية (الى الأعلى) وممر الملاحة عبر قناة السويس
ممر الملاحة القطبية (الى الأعلى) وممر الملاحة عبر قناة السويس

يمثّل «الممرّ الشمالي الشرقي» طريقاً بحرية ضيّقة تمرّ بين روسيا والقطب الشمالي، وينحدر للمرور في ألاسكا وصولاً إلى الصين. يسيطر الجليد على هذه الطريق في معظم أشهر السنة؛ ما يُجبر التجّار الذين يسعون لنقل بضائعهم من شمال أوروبا إلى آسيا على المرور عبر قناة السويس والالتفاف حول الهند، ما يطيل الرحلة لأسبوعين و2400 ميلاً بحرياً إضافياً.
و«الممر الشمالي الشرقي»The Northeast Passage (NEP) مصطلح جغرافي أميركي - أوروبي لطريق الملاحة القطبية هذه. وهي طريق، أي المحيط الهادي على طول سواحل القارة القطبية التابعة للنرويج وروسيا. أما الممر الشمالي الغربي فيمر عبر جزر كندا.

ملاحة قطبية
وبفضل التغيّر المناخي، تشهد حركة السير في هذه الطريق نشاطاً زائداً معظمه لمنتجات قد تساهم في تسريع ذوبان الجليد القطبي.
يعتبر القطب الشمالي المكان الأسرع احتراراً على الأرض فمنذ الثمانينات وحتّى عام 2010، ارتفع عدد الأيّام التي يغطّي بها الجليد أقلّ من نصف الممرّ الشمالي الشرقي من 84 يوماً في السنة إلى 150، وأصبحت الطريق أكثر ملاءمة لمرور السفن. كانت الرحلة المتواصلة الأولى عبر هذه الطريق من نصيب سفينة شحن صينية عام 2015، وشهد الممر منذ ذلك الحين آلاف الرحلات التي سجّلت رقماً قياسياً بلغ 2700 في عام 2019.
غطّى الجليد حديثاً كامل الممرّ وأنذر بدخول الشتاء بعد بقائه سالكاً طوال 112 يوماً لأوّل مرّة في تاريخه، ولكن ليس قبل تسجيل رقمٍ قياسي آخر، وهو أعلى رقم للصادرات الروسية من الغاز الطبيعي المسال في شهر واحد مرّت عبره إلى مرافئ آسيوية.
يزداد الطلب على الغاز الطبيعي هذه الأيّام مع تخلّي أنظمة توليد الكهرباء حول العالم عن الفحم المضرّ. ينطبق هذا الأمر بشدّة على آسيا والبلاد الغنية بالنفط كقطر وروسيا والولايات المتحدة التي تتنافس بشدّة على السيطرة على سوق تصدير الغاز الطبيعي الذي يشهد آخر السباقات العظيمة إلى الوقود الأحفوري. وتعتبر الصين زبوناً أساسياً في هذه السوق، وقد أعلنت أخيراً عن أهداف مناخية طموحة قد تؤدّي - حسب التوقّعات - إلى مضاعفة استهلاكها للغاز في السنوات الخمس عشرة المقبلة.
تحصل الصين على معظم غازها عبر خطوط أنابيب من دول آسيوية وجنوب روسيا. ولكنّ القطب الشمالي، الذي يتوقّع علماء الجيولوجيا أنّه يحتوي على خمس النفط والغاز غير المستغلّ في العالم، قد يؤدّي إلى قلب السوق العالمية إذا استمرّت تسهيلات الوصول إليه (مع انخفاض كلفة استغلاله) عبر الطريق الشمالي الشرقي.
يمثّل فتح الممرّ بالنسبة لروسيا خياراً أكثر مرونة من خطوط الأنابيب؛ لأنه سيتيح لها تأمين مخزون زبائن كثُر في مرافئ مختلفة، وسيسمح بتأسيس طريق شحن أقلّ كلفة بين احتياطات الغاز الضخمة في غرب روسيا ومرافئ الصين، ويقدّم لها بالتالي فرصة للتغلّب على منافسيها في الأسواق الآسيوية.

احترار القطب
يشكّل الممرّ الخالي من الجليد شرطاً أساسياً لنجاح محطة «يامال» للغاز الطبيعي المسال التي افتتحتها روسيا عام 2017 ورفعت قدرة البلاد لتصدير الغاز الطبيعي المسال ثلاثة أضعاف تقريباً. تقوم هذه الشركة على احتياطي غاز ضخم في جزيرة يامال شمال غربي روسيا، أي على مسافة أبعد بكثير من أن تصلح خطّ أنابيب للصين. في ورقة بحثية صدرت عام 2018، اعتبر علماء اقتصاد ألمانيون مختصون بالطّاقة، أن الممرّ الخالي من الجليد «سيغيّر قواعد اللعبة» بالنسبة لروسيا؛ لأنه سيتيح لها تحدّي الطموحات الأميركية في سوق الغاز الآسيوي عبر محطّة يامال. وتجدر الإشارة إلى أن الأخيرة شحنت في سبتمبر (أيلول) 700000 طنّ من الغاز الطبيعي المسال إلى آسيا محقّقة رقماً قياسياً في حجم صادراتها الشهرية.
لم تتضح ملامح منافسة الولايات المتحدة كمصدّر للغاز الطبيعي المسال إلى آسيا حتّى اليوم. ففي يوليو (تموز)، صادقت إدارة الرئيس ترمب على بناء أولى محطات البلاد للغاز على الساحل الغربي في ولاية أوريغون، ولكن المشروع توقّف بسبب معارضة مسؤولين محليين؛ تخوّفاً منهم من تأثير المحطّة على المناخ. ومع وصول جو بايدن إلى الرئاسة، لا شكّ في أنّ الاحترار الحالي للقطب الشمالي والذي سيزيد إذا ما بدأت أعمال الحفر لاستخراج الوقود الأحفوري، سيكون له حسابات مختلفة على أجندة الرئيس الجديد المناخية.

- «كوارتز» - خدمات «تريبيون كيديا»



لماذا تؤثر الطفرات الجينية المسببة للأمراض على بعض الأشخاص دون غيرهم؟

لماذا تؤثر الطفرات الجينية المسببة للأمراض على بعض الأشخاص دون غيرهم؟
TT

لماذا تؤثر الطفرات الجينية المسببة للأمراض على بعض الأشخاص دون غيرهم؟

لماذا تؤثر الطفرات الجينية المسببة للأمراض على بعض الأشخاص دون غيرهم؟

قلبت دراسة جديدة أجراها باحثون من جامعة «كولومبيا» في الولايات المتحدة مبدأ من مبادئ علم الوراثة رأساً على عقب، وكشفت عن السبب وراء عدم ظهور أي أعراض على بعض الأشخاص الذين يحملون جينات مسببة للأمراض. وقد كشفت الدراسة عن آلية رائدة تفسر لماذا يعاني الأفراد الذين لديهم طفرات جينية متطابقة غالباً من نتائج صحية مختلفة تماماً.

ويلقي هذا الاكتشاف الضوء على أسئلة قديمة حول التنوع الجيني، ويقدم طرقاً واعدة لتطوير التشخيص والعلاج. وقد حيّرت هذه الأسئلة العلماء والأطباء لعقود من الزمن، ماذا يحدث عندما تميل الخلايا أكثر نحو جينات أحد الوالدين أكثر من الآخر؟ ولماذا يظل بعض الأفراد الذين يرثون الطفرات الجينية المسببة للأمراض من والديهم غير متأثرين بينما يعاني آخرون من الطفرة نفسها من أعراض منهكة؟

قد تقدم للدراسة الجديدة التي نُشرت في مجلة «Nature» في 1 يناير (كانون الثاني) 2025، بقيادة دوسان بوجونوفيتش بمركز «كولومبيا للأخطاء الوراثية في المناعة» بكلية «فاجيلوس للأطباء والجراحين»، جامعة «كولومبيا» بنيويورك بالولايات المتحدة الأميركية، وآخرين، بعض الإجابات.

اختيار جين الأب أو الأم

باستثناء الحيوانات المنوية والبويضات، فإن جميع خلايا الجسم الأخرى تحتوي على نسختين من كل جين: نسخة موروثة من كل من الوالدين. وكان من المفترض أن النسختين تلعبان دوراً متساوياً في وظيفة الخلية، إلا أن الأبحاث في السنوات الأخيرة أظهرت أن هذا ليس الحاصل دائماً، فقد تظهر بعض الخلايا تحيزاً، فتقوم بشكل انتقائي بتعطيل نسخة أحد الوالدين من الجين، وعلى الرغم من أن هذه الظاهرة المعروفة باسم التعبير الأحادي الأليل MAE monoallelic expression تم تحديدها لأول مرة منذ أكثر من عقد من الزمان، فإن قدرتها على التأثير على نتائج المرض لم تظهر إلا مؤخراً.

ماذا يعني تعبير الأحادي الأليل؟ كان يُعتقد تقليدياً أن نسختي الجين، واحدة من كل والد، نشطتان بشكل متساوٍ في الخلية. ومع ذلك يحدث التعبير الأحادي الأليل عندما تقوم الخلية بتنشيط نسخة أحد الوالدين من الجين بشكل انتقائي بينما تسكت الأخرى. وهذا التعبير الانتقائي يؤثر على ما يقرب من 5 في المائة من الجينات في الخلايا المناعية، ويختلف حسب نوع الخلية، ويمكن أن يتغير بمرور الوقت. وتقدم هذه الظاهرة تبايناً غير متوقع في كيفية ظهور المعلومات الجينية في الصحة والمرض.

وبناء على ما قاله دوسان بوجونوفيتش سنرى في كثير من الأمراض أن 90 في المائة من الأشخاص الذين يحملون طفرة هم مرضى، لكن 10 في المائة ممن يحملون الطفرة لا يمرضون على الإطلاق. وباستخدام فريق دولي من المتعاونين نظر الباحثون إلى عائلات كثيرة تعاني من اضطرابات وراثية مختلفة تؤثر على أنظمتها المناعية، في كل حالة كانت النسخة المسببة للمرض أكثر عُرضة للنشاط لدى المرضى وقمعها لدى الأقارب الأصحاء الذين ورثوا الجينات نفسها.

ويعد هذا الاكتشاف ذا أهمية، خاصة فيما يتعلق بالأخطاء الخلقية في المناعة inborn errors of immunity (IEIs) وهي مجموعة من الاضطرابات الوراثية التي تؤثر على الجهاز المناعي، مما يؤدي إلى قابلية الإصابة بالعدوى، وأمراض المناعة الذاتية، والالتهابات، والحساسية، والسرطان.

ومع وجود أكثر من 450 جيناً مرتبطاً بالأخطاء الخلقية في المناعة، يختلف طيف الأعراض وشدتها على نطاق واسع، حتى بين الأفراد الذين يحملون الطفرة الجينية نفسها. وعادة ما تُعد الأخطاء الخلقية في المناعة أمراضاً أحادية الجين وناجمة عن طفرة جينية واحدة.

ومن الناحية النظرية، يجب أن يؤدي وجود طفرة إلى نتائج يمكن التنبؤ بها، ومع ذلك في الممارسة العملية يظل بعض الحاملين من دون أعراض، بينما يعاني آخرون من حالات تهدد الحياة، كما يساعد فهم كيفية تأثير التعبير الأحادي الأليل على الأخطاء الخلقية في المناعة في تفسير سبب اختلاف هذه الاضطرابات من شخص لآخر.

أخطاء المناعة الخلقية

تركز الدراسة على الأخطاء الوراثية في المناعة، وهي اضطرابات وراثية تؤثر على الجهاز المناعي. وعلى الرغم من كونها أحادية الجين (ناجمة عن طفرات في جين واحد)، فإن الأفراد المصابين بأخطاء المناعة الخلقية غالباً ما يعانون من مجموعة واسعة من الأعراض من الخفيفة إلى المهددة للحياة. كما تؤثر أخطاء المناعة الخلقية على كيفية التعبير عن جينات معينة مرتبطة بالمناعة، مثل جينات STAT1 وCARD11، فعلى سبيل المثال، أظهر الأفراد الذين لديهم الطفرة نفسها في هذه الجينات أعراضاً مختلفة تماماً بسبب الأليل (الأم أو الأب) النشط، ولا تقتصر أخطاء المناعة الخلقية على الجينات المرتبطة بالمناعة، بل من المرجح أن تسهم الظاهرة في التباين في مجموعة واسعة من الأمراض الوراثية.

ويمكن أن يُساعد تحليل التعبير الأحادي الأليل في الخلايا في فهم شدة الأمراض لدى الأفراد الذين يحملون الطفرات الوراثية نفسها إذا تمكن العلماء من استهداف النسخ الجينية المسببة للمرض، وتثبيطها، أو تعزيز النسخ السليمة؛ إذ قد يؤدي ذلك إلى تخفيف الأعراض، أو منع تطور المرض، وقد يُسهم التعبير الأحادي الأليل في تفسير كيفية تطور الأورام، واختلاف استجابتها للعلاج.

تشير هذه الدراسة إلى أن فهم التعبير الأحادي الأليل يمكن أن يفتح أفقاً جديداً في تشخيص وعلاج الأمراض الوراثية، ويُقدم رؤى حول كيفية تأثير الوراثة والبيئة على الصحة، وبينما يصف بوجونوفيتش هذه النتائج بأنها «مجرد غيض من فيض»، فإنها تقدم دليلاً قوياً على أهمية دراسة كيفية تفاعل الجينات مع البيئة والجسم لفهم الأمراض المعقدة.