طريق الحرير الأسطوري، الممتد لمسافة 4 آلاف ميل بين الصين وأوروبا الغربية؛ حيث ازدهرت التجارة منذ القرن الثاني قبل الميلاد إلى القرن الرابع عشر الميلادي، مسؤول عن إحدى فواكهنا المفضلة والأكثر قيمة، وهو التفاح المستأنس.
وكان المسافرون الذين يقومون بتعبئة الوجبات الخفيفة يقطفون التفاح في مكان واحد ويأكلونه ويرمون قلوبها على بعد أميال كثيرة، ونمت البذور لتصبح أشجاراً في مواقعها الجديدة، وتزاوجت مع الأنواع البرية، وخلقت أكثر من 7000 نوع من التفاح الموجود اليوم.
جعل التهجين مع الأنواع البرية جينوم التفاح معقداً للغاية وتصعب دراسته. وتناول فريق عالمي من الباحثين متعددي التخصصات بقيادة مشتركة من تشانغجون فاي، عضو هيئة التدريس في معهد بويس تومبسون في جامعة كورنيل، وغان يوان تشونغ، العالم في وزارة الزراعة الأميركية، هذه المشكلة من خلال تطبيق تقنيات التسلسل المتطورة وخوارزميات المعلوماتية الحيوية لتجميع مجموعات كاملة من كل من الكروموسومات للتفاح المستأنس والسلالات البرية الرئيسية.
اكتشف الباحثون أن تاريخ التدجين الفريد للتفاح أدى إلى مصادر غير مستغلة للجينات التي يمكن استخدامها لتحسين المحاصيل، مثل تحسين الحجم والنكهة والحلاوة والملمس، وتم وصف النتائج في ورقة بحثية نُشرت في مجلة «نيتشر جينتيك» يوم 2 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020.
كانت هذه الدراسة الجديدة ثمرة تعاون سابق، نُشر في «نيتشر كومينيكيشن» عام 2017. تتبع خلاله الباحثون تاريخ تدجين التفاح وتطوره على طول طريق الحرير، وألهمتهم مناقشات المتابعة لبناء جينومات مرجعية أفضل وجديدة للتفاح من خلال تطبيق تقنيات التسلسل والتجميع الجديدة على المواد الموجودة في مستودع جنيف المستنسخ التابع لوزارة الزراعة الأميركية.
يحتوي المستودع، الموجود في محطة التجارب الزراعية لولاية نيويورك في مدينة جنيف بمقاطعة أونتاريو، على أكبر مجموعة من ملحقات التفاح في العالم، ويمكن إرجاع كثير من هذه المدخلات إلى طريق الحرير.
في العمل الحالي، قام الباحثون بتسلسل وتجميع ومقارنة الجينومات المرجعية الكاملة لـ3 أنواع؛ تفاح جالا، وهو صنف تجاري رئيسي، وأسلاف التفاح البريين الرئيسيين، الكرابابل الأوروبي «M. sylvestris» والتفاح البري في آسيا الوسطى «M. sieversii»، اللذين يمثلان معاً نحو 90 في المئة من جينوم التفاح المستأنس.
من خلال مقارنة الجينومات الثلاثة، تمكن الباحثون من تحديد الأنواع الماضية التي ساهمت في الجينات المسؤولة عن كثير من السمات في التفاح المستأنس. على سبيل المثال، وجد الفريق أن الجين الذي يعطي التفاح قوامه المقرمش يقع بالقرب من الجين الذي يجعله عرضة للعفن الأزرق، وبالتالي يمكن بعد معرفة هاتين المنطقتين الجينوميتين، اكتشاف طريقة للحفاظ على جين النسيج والتكاثر أو تعديل جين العفن الأزرق لإنتاج صنف أكثر مقاومة للأمراض.
وقام الفريق أيضاً بتجميع الجينومات الشاملة للأنواع الثلاثة؛ حيث يلتقط الجينوم الشامل جميع المعلومات الجينية في النوع، على عكس الجينوم المرجعي الذي يلتقط كائناً فردياً واحداً.
وحدد الفريق البحثي نحو 50 ألف جين في عموم جينوم التفاح المستأنس، بما في ذلك نحو 2000 جين لم تكن موجودة في الجينوم المرجعي المنشور سابقاً لأنواع التفاح، وهذه الجينات المفقودة تبين أنها مهمة، لأن كثيراً منها يحدد السمات ذات الأهمية الأكبر لمربي التفاح. باستخدام الحمض النووي الريبي المستخرج من مراحل مختلفة من ثمار تفاح جالا التجاري، حددوا أيضاً الجينات المرتبطة بالنسيج والرائحة.
ويثني الدكتور حمدي أبو حسين الأستاذ بكلية الزراعة جامعة الزقازيق المصرية على نتائج الدراسة، التي يمكن أن تعطي لمربي النباتات استخدام هذه المعلومات التفصيلية لتحسين الصفات الأكثر أهمية بالنسبة للمستهلكين، والتي هي اليوم في الأساس المسؤولة عن الطعم والنكهة.
يضيف أبو حسين: «الأهم من ذلك أن المعلومات ستساعد المربين على إنتاج تفاح أكثر مقاومة للإجهاد والأمراض».
موارد جينومية من «طريق الحرير» لتحسين التفاح
تحديد 50 ألف جين في مادته الوراثية
موارد جينومية من «طريق الحرير» لتحسين التفاح
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة