تضاؤل كروموسوم الذكورة.. يهدد مستقبل الرجال

انكماشه على مر الزمن قد يؤدي الى انقراضهم

تضاؤل  كروموسوم الذكورة.. يهدد مستقبل الرجال
TT

تضاؤل كروموسوم الذكورة.. يهدد مستقبل الرجال

تضاؤل  كروموسوم الذكورة.. يهدد مستقبل الرجال

كروموسوم «واي»، هذه السلسلة الصغيرة من الجينات التي تحدد جنس البشر من الذكور، لا يتمتع بالمتانة التي قد يظنها البعض. وفي الواقع، فإذا تتبعنا كروموسوم «واي» Y chromosome على امتداد تطورنا كبشر، سنجد أنه يتضاءل متقلصا، بمعدل يثير القلق. لذا يطرح التساؤل الآن: هل سيأتي يوم يختفي فيه كروموسوم «واي» تماما؟ وماذا سيحل بالجنس البشري حال حدوث ذلك؟ ويعد هذا واحدا من المواضيع التي ثار حولها جدال منذ أمد بعيد - لكن دراسة نشرت في دورية «نتشر» العام الماضي لمّحت إلى أن عملية تضاؤل هذا الكروموسوم قد وصلت إلى مرحة الاستقرار.

* كروموسوم الذكورة
المعروف أنه يوجد في داخل الإنسان، حاله حال اللبائن (الثدييات) الأخرى، ما يسمى «الجنس الكروموسومي». وبينما توجد لدى المرأة نسختان متوسطتا الحجم من كروموسوم يدعى «إكس» X chromosome (ويشير اسمه لكلمة «المجهول» لأنه كان بمثابة سر غامض بداية اكتشافه)، يوجد لدى الرجل كروموسوم واحد «إكس» وآخر صغير «واي».
يحمل كروموسوم «إكس» قرابة 1600 جين بوظائف متنوعة، بينما لا يحمل «واي» بالكاد إلا بضع عشرات من الجينات، حيث يبلغ عدد الجينات التي يحملها قرابة 50. يوجد منها 27 فقط في جزء مخصص للذكور من الكروموسوم «واي». وتوجد الكثير من الجينات في نسخ متنوعة، أغلبها غير فاعل، وتقبع داخل دوائر عملاقة من الحمض النووي المنقوص الأكسجين (دي إن إيه). ويتكون الجزء الأكبر من كروموسوم «واي» من نسخ متكررة من «حامض نووي منبوذ» «junk DNA». وبذلك نجد أن كروموسوم «واي» يبدو وبجميع الدلائل وهو ينحسر ويقترب من النهاية.
بيد أن كروموسوم «واي» يجب أن يحتوي على جين يحدد الذكورة، الأفراد من حامليه ذكور، بينما من يحمل «إكس» واحدة من دون «واي» ينتمون للإناث.
نحن نعلم أن الجنين البشري الحامل لـكروموسومي «إكس واي» عند عمر 12 أسبوعا، يطور خصيتين تفرزان هرمونات الذكورة وتؤديان لتطور الجنين كذكر. وقد تم اكتشاف هذا الجين المحدد للهوية الذكورية في كروموسوم «واي» عام 1990 على يد طبيب أسترالي شاب يدعى أندرو سنكلير. ويرمز له بالرمز «إس آر واي» SRY. أما الأجنة التي تحدث فيها طفرات في جين «إس آر واي» فلا تظهر لديها خصيتان، وتتطور كإناث.

* الجنس لدى الحيوانات
دعونا نتحول بعيدا عن الإنسان قليلا، ولنتعرف على مجموعة متنوعة من أنظمة تحديد نوع الجنس لدى كائنات أخرى.
يذكر أن بعض الزواحف والأسماك والضفادع لها نظام مماثل لتحديد الجنس يجعل الإناث حاملة لـ«إكس إكس» XX والذكور حاملة لـ«إكس واي» XY، لكن تختلف عن الإنسان بأن لها جينات من نوع مختلف. بينما تضم فقاريات أخرى مثل الطيور والثعابين، نظام تحديد الجنس معاكس تماما، حيث يحمل الذكور «زد زد» ZZ وتحمل الإناث «زد دبليو» ZW. وهنا أيضا نجد جينا مختلف لتحديد الجنس.
من ناحية أخرى، تعتمد الكثير من الزواحف وبعض الأسماك على عوامل بيئية (عادة ما تكون الطقس)، وليس عوامل جينية، في تحديد الجنس. لذا، فإن من الخطأ أن نفترض أن نظام تحديد الجنس في الأجنة البشرية هو ذاته في جميع الفقاريات الأخرى.

* تضاؤل الكروموسوم الذكري
وبالعودة إلى عالم الإنسان، يواجهنا تساؤل: ما الذي حل بكروموسوم «واي» وجعله أصغر بكثير عن نظيره «إكس» وأفقده هذا العدد الكبير من جيناته؟
في وقت مضى، كانت كروموسومات تحديد الجنس لدينا عبارة عن زوج من الكروموسومات العادية، وهو أمر لا يزال قائما في الطيور والزواحف. وتوصل العلماء إلى أن هذه الكروموسومات ما تزال عادية حتى داخل الثدييات أحادية المسلك أو الوحشيات الأولية (مثل خلد الماء والنضناض)، التي تشاركت مع الإنسان في سلف واحد للمرة الأخيرة قبل 166 مليون عام ماضية.
ويعني ذلك أنه على امتداد السنوات الـ166 مليونا الماضية، فقد كروموسوم «واي» البشري غالبية جيناته الخاصة البالغ عددها 1600، بمعدل 10 كل مليون سنة تقريبا.
وبناء على هذا المعدل، سيختفي كروموسوم «واي» خلال قرابة 4.5 مليون عام. وقد أثار هذا التقدير الذي ورد في دراسة صغيرة نشرت عام 2002، رد فعل هستيريا وجدالا كبيرا. وعندما أتحدث عن اختفاء كروموسوم «واي»، يتملك الذعر الرجال الحضور خوفا على رجولتهم.
لكن لماذا الدهشة؟ إن الانحسار ظاهرة مألوفة في جميع أنظمة كروموسومات الجنس. في الواقع، إن امتلاك جين يحدد النوع يعد بمثابة قبلة الموت لأي كروموسوم لأن الجينات الأخرى القريبة الموجودة على «واي» تطور وظائف ترتبط حصريا بالذكور، وتبقى هذه الجينات معا عبر قمع أو تثبيط التبادل مع كروموسوم «إكس».
ويعني ذلك أن «واي» ليس بإمكانه التخلص من الطفرات أو عمليات الحذف أو غزو «الحمض النووي المنبوذ» له عبر تبادل الخصال الجيدة مع كروموسوم «إكس».
أيضا، من السلبيات التي تعترض طريق كروموسوم «واي» المسكين، وجوده داخل الخصيتين في كل جيل، وهو مكان خطير لأن الخلايا به يتحتم انقسامها أو تكاثرها مرات كثيرة كي تفرز حيوانات منوية، وبالتالي تحدث الطفرات بمعدل أعلى بكثير.

* استقرار «واي»
وبطبيعة الحال، من غير المحتمل أن تسير عملية فقدان جينات كروموسوم «واي» في خط مستقيم، حيث يمكن أن تتسارع مع تعرض «واي» لقدر أكبر من غياب الاستقرار، أو يمكن أن تستقر، إذا تبقت الجينات الأساسية داخل «واي».
من جهتها، تعمل مجموعة البحث التابعة للعالم البيولوجي ديفيد بيدج بدأب على الدفاع عن شرف كروموسوم «واي»، مشيرة إلى أنه رغم فقدان الشمبانزي مثلا لقليل من الجينات منذ تشاركنا آخر مرة معه في سلف مشترك منذ 5 ملايين عاما، فإن البشر لم يفقدوا الجينات. وفي الواقع، فقد البشر عددا ضئيلا للغاية من الجينات عبر 25 مليون سنة منذ انفصالنا عن القردة.
إذن، يبقى التساؤل: هل استقر كروموسوم «واي» البشري أخيرا؟ ربما يسفر فقدان أي من الـ27 جينا المتبقية على كروموسوم «واي» والمرتبطة بوظائف الذكورة تحديدا، عن تهديد حيوية حامل الكروموسوم أو مستوى خصوبته. وقد أكدت دراسة أصدرتها مجموعة بيدج عام 2014 أن كروموسوم «واي» باق، موجة أخرى من الجدال.
إلا أنه عند إمعان النظر في الكائنات من حولنا، نجد أنه حتى بعض الجينات الموجودة في كروموسوم «واي» لدى البشر والمسؤولة عن وظائف مهمة (مثل إنتاج الحيوانات المنوية) مفقودة في كروموسوم «واي» لدى الفئران.
الأهم من ذلك أن الأنواع المنتمية لفصيلتين من القوارض فقدت كروموسوم «واي» بأكمله. أما الجينات الموجودة على كروموسوم «واي» فإنها إما انتقلت إلى كروموسومات أخرى أو تم استبدالها - ولا ندري حتى الآن ما حل محلها. وعليه، فإنه من الممكن التخلي عن كروموسوم «واي» والبدء من جديد.
والتساؤل الذي يفرض نفسه الآن: إذا اختفى كروموسوم «واي»، هل سيختفي الرجل؟ حال حدوث ذلك، فإن هذا يعني نهاية الجنس البشري، فليس بمقدورنا التحول إلى جنس يقوم على الإناث فقط (مثلما الحال في بعض السحالي) نظرا لوجود 30 جينا «مطبوعة» تنشط فقط عندما تأتي عن طريق الحيوانات المنوية. لذا، يتعذر على البشر التناسل من دون الرجال.

* انقراض الرجال
إذن، هل يعني ذلك أن البشر سينقرضون بعد 4.5 مليون عاما؟ ليس بالضرورة، حيث تمكنت القوارض من دون كروموسوم «واي» من تطوير جين جديد محدد للجنس، لذا ما الذي يمنع البشر من تحقيق مثل ذلك؟
وربما يكون ذلك قد حدث بالفعل داخل بعض المجتمعات السكانية الصغيرة المنعزلة، حيث تكون الحوادث الجينية أكثر احتمالا بكثير، لكن ليس بإمكاننا معرفة ذلك على وجه اليقين من دون إجراء مسح لكروموسومات جميع البشر على وجه الأرض.
إلا أن مجموعة البشر ذات الجينات الجديدة المحددة للجنس لن تتمكن من التزاوج بسهولة من البشر المحتفظين بنظام «إكس واي» الحالي، ذلك أنه على سبيل المثال أطفال سيدة تملك كروموسوم «إكس إكس» ورجل يملك جينا جديدا للنوع من المحتمل أن يكونوا مخنثين أو على الأقل يفتقدون الخصوبة. ويمكن لهذا العائق المرتبط بالتناسل دفع الفصيلة البشرية الجديدة إلى الانعزال عن الأخرى القائمة، مثلما حدث مع القوارض المفتقرة إلى كروموسوم «واي». وعليه، فإننا إذا عدنا للأرض بعد 4.5 مليون سنة ربما نجد أن بني البشر انقرضوا أو نجد عدة فصائل بشرية مختلفة.
على أي حال، فإن 4.5 مليون فترة طويلة، فنحن كبشر ظهرنا منذ أقل من 100.000 عام. وأعتقد أن هناك كثيرا من السبل التي من المحتمل أن تدفعنا نحو الانقراض قبل الموعد الذي قد يتلاشى فيه كروموسوم «واي».



هل تريد أن تكون قائداً أفضل؟

هل تريد أن تكون قائداً أفضل؟
TT

هل تريد أن تكون قائداً أفضل؟

هل تريد أن تكون قائداً أفضل؟

لعقود من الزمان، كنا نربط القيادة بالسيطرة على فرق العمل، والموظفين، وكل توجهات الشركة أو المؤسسة.

التشبّث بالسيطرة أسرع طرق الفشل

ولكن، وفي عالم متزايد التعقيد ولا يمكن التنبؤ به، فإن التشبث بالسيطرة هو أسرع طريق إلى الفشل. وفي الواقع، قد يكون أهم شيء يمكنك القيام به كقائد هو التخلي عن السيطرة، وإبداء الثقة لمن يعمل حولك، كما كتبت فانيسا هيلز (*).

تحديات العمل والذكاء الاصطناعي

ولعل السؤال يطرح نفسه: هل لديك بالفعل سيطرة الآن في أجواء تسودها تحديات العمل عن بُعد، والعمل الافتراضي، وعمليات دمج الذكاء الاصطناعي في عمليات العمل اليومية، وجهود إشراك الموظفين والاحتفاظ بهم المستمرة، وكل شيء بينه؟ هل لديك سيطرة حقاً، أم أنك تهدر الوقت والطاقة في التشبث بوهم السيطرة؟

الابتعاد عن العقلية الاستبدادية

لقد ابتعدت الشركات في معظمها عن العقلية الاستبدادية التقليدية للقيادة. وسوف يأمل معظمنا في أن يستمر هذا الأمر الجيد.

ولعلك ستجد نفسك اليوم مغموراً بأفكار منشرة حالياً حول «القيادة الخادمة» و«التغيير الهادف للتحول». واليوم، هناك تركيز على تمكين الفرق العاملة. ونحن نعلم أن الحصول على وجهات نظر متنوعة وخلق أماكن عمل عادلة أمر جيد للناس وجيد للأعمال.

لقد ولّت الأيام التي كان فيها قادة الشركات يديرون الأمور بالتجول بين مكاتب العاملين فيها.

القيادة الأصيلة تدور حول الثقة

وفي عالم قد لا تعمل فيه الفرق حتى في نفس البلد - ناهيك عن نفس المكتب - فإن القيادة الأصيلة تدور حول الثقة... الثقة بأن فريقك يقوم بالعمل ولديه القدرة على حل المشكلات... الثقة التي لديك في عملية التوظيف الخاصة بك - أنك اخترت الأشخاص المناسبين للقيام بالعمل الصحيح.

ويمكن لموظفيك معرفة متى لا تثق بهم، فعندما لا تثق بشخص ما، فإنك تتحقق منه... أنك تدير كل شيء... إنك تمسك بزمام الأمور بإحكام، ولا يمكنك التخلي عن ذلك.

وعندما تثق بشخص ما فإنك تتخلى عنه. بمعنى أنك في هذه العملية تتخلى عن السيطرة.

إحلال الثقة محل السيطرة

* تقلّب حياة العمل. ماذا يعني التحكم حتى في الشركة الحديثة؟ لقد ابتكرنا مصطلحات مثل VUCA Volatile Uncertain, Complex, and Ambiguous (متقلب، وغير مؤكد، ومعقد، وغامض).

وكذلك مصطلح BANI (Brittle, Anxious Nonlinear, and Incomprehensible) أي (هش، وقلق- غير خطي، وغير مفهوم) لإثبات مدى تقلب جوانب حياة العمل وعدم موثوقيتها. إذ وبعد كل شيء، وبغض النظر عن مدى إحكام قبضة القائد على زمام الأمور، فإننا نعيش في عالم من عدم اليقين المتأصل.

ربما يكون من الطبيعي، في ظل عدم اليقين هذا، أن يحاول قادة الأعمال الاحتفاظ بنوع من السيطرة على المشهد المتغير. لكن الحقيقة هي أننا لا نستطيع العمل على تمكين الآخرين وفي نفس الوقت توجيه الفرق في الاتجاه الذي قررنا الذهاب إليه بالفعل.

لا يمكننا عقد اجتماعات عامة ثم السيطرة على المحادثة الجارية فيها. لا يمكننا استطلاع آراء موظفينا ثم تجاهل الاقتراحات لأنها لا تتوافق مع رؤيتنا (الضيقة للغاية).

خطوات لقيادة حكيمة

كيف يمكننا إذن أن نحل الثقة محل السيطرة؟

1. ممارسة الغموض إن تقبل «حالة عدم اليقين» ليس بالأمر السهل. فمثل عملية تمرين العضلات، تتطور القدرة على تحمل «حالة عدم اليقين» من خلال التكرار.

ومن الطرق الأقل خطورة للبدء في ذلك تجربة ممارسات جديدة مثل التخطيط لسيناريوهات محتملة، لأنه يمكن أن يساعدك على إعادة التفكير في كيفية الاستجابة في مجموعة متنوعة من المواقف التي لا تملك فيها السيطرة.

2. تقنيات التمكين إن التمكين ليس شيئاً يمكنك إصداره على ورق رسمي. بل يتعين عليك، بصفتك قائداً، أن تعمل بنشاط على تمكين الآخرين. ويمكن أن تجعل خدمات التدريب للموظف المفوض ــ أو المفوض إليه ــ من الأسهل اكتساب عادة تمكين الآخرين وتفويض المسؤولية عندما يكون الأمر أكثر أهمية.

3.تحولات العقلية إن فقدان السيطرة لا يجب أن يكون عائقاً أو معوقاً، بل إنه خطوة في الاتجاه الصحيح. ومع العقلية الصحيحة، فإن عدم معرفة ما ينتظرنا يمكن أن يكون تجربة تحررية بدلاً من تجربة مرعبة.

4.التواضع إن المعرفة التراكمية التي يمتلكها الفريق أقوى بكثير من المعرفة التي يمتلكها أي فرد—حتى لو كنت في أعلى الهيكل التنظيمي. واحتضان هذا التواضع، ومشاركته من خلال الضعف، هو المسار السريع نحو استبدال الرغبة في التحكم بمستوى أعمق من الثقة.

إن القيادة تتعلق بأكثر من مجرد التحكم—إلى الحد الذي تصبح فيه السيطرة احتمالاً حقيقياً في عالمنا غير المؤكد. الثقة هي أقوى عملة للقادة. وللحصول على هذه الثقة، عليك أن تتعلم التخلي عنها.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».