رهان على تدخل أميركي لتذليل عقد مفاوضات بيروت وتل أبيب

TT

رهان على تدخل أميركي لتذليل عقد مفاوضات بيروت وتل أبيب

تنتظر الجلسة الخامسة من مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، تدخل الوسيط الأميركي لتذليل عقد، طرأت في الجلسة الرابعة من المفاوضات، أول من أمس، على ضوء «الطرح الاستفزازي» الإسرائيلي الذي قدّم خرائط جديدة، تقضم أجزاء إضافية من المياه الاقتصادية اللبنانية، رداً على الخريطة التي قدمها الوفد اللبناني في الجلسة الثانية، وتعلن حق لبنان بجزء من حقل «كاريش» الإسرائيلي للطاقة.
واتسمت الجلسة الرابعة من المفاوضات غير المباشرة التي عقدت في رأس الناقورة، أقصى جنوب غربي لبنان، في مركز الأمم المتحدة، وبرعايتها، ووساطة وتسهيل أميركيين، بـ«التشنّج»، بحسب ما قالت مصادر لبنانية على صلة وثيقة بالمفاوضات. وأوضح مصدر لـ«الشرق الأوسط» أن الجانب الإسرائيلي «رفع السقف بمطالب جديدة لا تستند إلى أي أمر قانوني، رداً على الخرائط والوثائق والقرائن القانونية والطبوغرافية والتاريخية والجغرافية التي قدمها لبنان في الجلسة الثانية».
وقدم لبنان في الجلسة الثانية خرائط جديدة تصحح المسار السابق، وتثبت حقه بمساحة تبلغ 2290 كيلومتراً مربعاً جنوب الخط الذي تزعمه إسرائيل. وينطلق الخط المرسوم على الخريطة الجديدة من نقطة الحدود الدولية على اليابسة التي انطلقت منها نقطة الترسيم البرية في العام 1923 وأودعت على أساسها الخريطة عصبة الأمم، كما تم تثبيتها في اتفاق الهدنة بين لبنان وإسرائيل في العام 1949.
وقالت المصادر إن الجانب الإسرائيلي رد في الجلسة الرابعة بخرائط جديدة تزعم الحق بمساحات كبيرة داخل المياه اللبنانية، وتقضم جزءاً من رقعات التنقيب عن الطاقة في المياه الاقتصادية التي تحمل الأرقام 9 و10 و5. ما يعني أن مساحة القضم في البلوك رقم 5، تبلغ المساحة القصوى إلى الغرب قبالة مدينة صور في جنوب لبنان في الجزء الغربي من الرقعة البحرية.
وأشار مصدر إلى أن «الجلسة اتسمت بالتشنج، بالنظر إلى أن الجانب اللبناني يستند إلى قانون البحار، بينما لا يستند الجانب الإسرائيلي إلى أي شيء قانوني»، رافضاً الإدلاء بمعلومات إضافية التزاماً بالاتفاق على إبقاء تفاصيل المفاوضات قيد الكتمان. وقال: «من الطبيعي أن يحصل شد حبال، فهو أمر متوقع، لكن الثابت أن الوفد اللبناني يتمتع بصلابة، ومتمسك بحقوقه بالكامل بموجب القانون الدولي».
ولفت إلى أن «هناك رهاناً على الوسيط الأميركي الراعي والمسهل للمفاوضات، وكل شيء يجري تحت أنظاره. كما أن هناك رهاناً على الأمم المتحدة، ليكبح الطرفان الدولي والأميركي جموح المطالب الإسرائيلية غير المحقة».
وكانت الخرائط القديمة التي قدمت في العام 2011 تثبت حق لبنان بمساحة تبلغ 860 كيلومتراً شمال الخط الذي طرحته إسرائيل، وظهرت على إثره مبادرة الخبير الحدودي الأميركي فريدريك هوف بخط تسوية يمنح لبنان 58 في المائة من المساحة المتنازع عليها، مقابل 42 في المائة لإسرائيل. لكن تبين أن الخريطة السابقة حددت على أساس نقطة حدودية دفعت إسرائيل بها إلى العمق اللبناني 30 متراً وليس نقطة الحدود اللبنانية، فصحّح لبنان تلك الخرائط وقدمها في الجلسة الثانية من المفاوضات.
ولم يحدد اتفاق الإطار للشروع بالمفاوضات، الذي أعلنه رئيس مجلس النواب نبيه بري مطلع الشهر الماضي، التفاوض على منطقة الـ860 كيلومتراً المتنازع عليها، بل على إطلاق مسار التفاوض، ما يعني أن للبنان الحق بتقديم الخرائط والوثائق التي تثبت أحقيته. ويمثل لبنان فريق مفاوض من عسكريين ومدنيين، تقول المصادر إنهم «يمتازون بالصلابة والخبرة»، متحدثة عن أن رئيس الوفد «من أرفع الضباط الذين يتمتعون بالمهارة التفاوضية والصلابة».
وقالت مديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لوري هايتيان، إن ما يجري اليوم هو «تصحيح مسار ومفاوضات»، لافتة في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن لبنان «يخوض مفاوضات تقنية بقوة، ويمثله فريق تقني مهم جداً يتسلح بالدراسات».
ولم يذهب الوفد اللبناني إلى مطالب عالية السقف تتخطى القانون الدولي، علماً بأنه بناء على سوابق قانونية اعتمدت في مناطق أخرى في العالم، ومن ضمنها الاعتماد إلى النتوءات الصخرية لتحديد الاتجاهات وزوايا الانحراف الجغرافي، يمكن للبنان أن يطالب بمساحة أكبر. وقالت هايتيان إن الاستناد إلى تلك السوابق «كان يمثل خيارات إضافية في عملية التفاوض، لكن لبنان لم يطرحها، بل اقتصرت مطالبته على الاستناد إلى قانون البحار».
و«رغم أن للبنان الحق في جزء من حقل كاريش الإسرائيلي، لم تتوقف أعمال التنقيب فيه، ولا تزال شركة إنرجين اليونانية تقوم بعملية التنقيب، وأنفقت حتى الآن نحو مليار دولار، وتستعد لتثبيت منصة في العام المقبل يجري تصميمها في إحدى الدول الآسيوية»، كما تقول هايتيان.



بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.