نازحون في إدلب يتحدثون عن أسباب تفكيرهم بالانتحار

«الشرق الأوسط» ترصد تنامي الظاهرة في الشمال السوري

امرأة تعلق قطعة قماش لتجفيفها قرب مخيم أطمة للنازحين شمال سوريا (رويترز)
امرأة تعلق قطعة قماش لتجفيفها قرب مخيم أطمة للنازحين شمال سوريا (رويترز)
TT

نازحون في إدلب يتحدثون عن أسباب تفكيرهم بالانتحار

امرأة تعلق قطعة قماش لتجفيفها قرب مخيم أطمة للنازحين شمال سوريا (رويترز)
امرأة تعلق قطعة قماش لتجفيفها قرب مخيم أطمة للنازحين شمال سوريا (رويترز)

لم تتردد ميساء درباس، ذات الثلاثين سنة، في وضع حد لحياتها حين اختارت الانتحار بالسم أو «حبوب الغاز» بعد تعنيف زوجها لها وحرمانها من أبنائها.
وعانت المعلمة ميساء حياة زوجية صعبة مع زوجها، «لكن رغم صبرها على كل ما لاقته منه من معاملة سيئة، فإنه طردها من منزله وحرمها رؤية أبنائها، فدفعها شعورها بالظلم واليأس من الاحتفاظ بأطفالها إلى الانتحار»، حسب قول أحد معارفها.
في منطقة تعج بأكثر من 5 ملايين نسمة، تتواتر الأنباء حول زيادة حالات الانتحار في الشمال السوري نتيجة عوامل عدة؛ أولها الفقر المدقع وسوء الأوضاع الاقتصادية، وآخرها العنف والضغوط النفسية المتنوعة، حسب قول خبراء في الاجتماع.
ولم تكن حادثة ميساء الأولى ولا الأخيرة؛ وإنما شملت محاولات الانتحار فئات عمرية متعددة، فهي لا علاقة لها بالعمر أو الجنس؛ إذ ارتفعت حالات الانتحار شمال غربي سوريا منذ بداية العام الحالي بنسبة 38 في المائة بين الربعين الأول والثاني من العام، وفق إحصاءات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في 21 أغسطس (آب) الماضي.
في بنش بريف إدلب الشمالي لم يعد يحتمل رامي مراد، الرجل الأربعيني، سوء الأوضاع المعيشية والفقر الذي وصل لحد عجزه عن تأمين الطعام لأبنائه الستة، ما دفعه للانتحار بعد تناوله حبة غاز تسببت بوفاته في 5 أغسطس. كان مراد فيما مضى ميسور الحال؛ غير أن النزوح وخسارته أمواله وأرزاقه بعد تدميرها على يد النظام، أدّيا لتدهور حالته المادية والنفسية.
وسجلت حالات انتحار عدة في الشمال السوري بـ«حبوب الغاز (فوستوكسين)» الموجودة وبكثرة في الصيدليات الزراعية التي تستعمل وتبيع مواد سامة لتعقيم المخازن التي تحوي مواد غذائية ومؤناً فتعمل على الحفاظ عليها من انتشار الحشرات والقوارض.
وسُجلت 8 حالات انتحار بحبوب الغاز في إدلب وريفها في الآونة الأخيرة؛ بينهم أطفال ونساء. هذه الحبوب تقتل من يتناولها خلال أقل من 10 دقائق، وهي تباع بحرية ودون أدنى رقابة حكومية على بيعها.
لم تكن حبات الغاز الطريقة الوحيدة للانتحار في الشمال المحرر؛ وإن كانت أكثرها، وإنما تم الانتحار بطرق ووسائل أخرى متعددة؛ منها الانتحار شنقاً، أو حرقاً، أو بواسطة إطلاق النار المباشر، أو القفز من المرتفعات... وغيرها.
أقدم الشاب عامر زعتور على قتل زوجته والانتحار على خلفية شجار بينهما بعد أن طلبت الطلاق منه. حدث ذلك في باريشا بريف إدلب الشمالي في سبتمبر (أيلول) الماضي. ويروي إحسان دياب، وهو أحد أصدقاء الزوج، أن صديقه «كان يعاني من الاكتئاب وضغوط نفسية في الفترة الأخيرة؛ لأنه يعاني العقم وعدم الإنجاب، وهو ما جعل الزوجة تطلب الطلاق منه، ما دفع به في نهاية المطاف وبعد يأسه من إقناع زوجته بالبقاء معه، إلى قتلها بإطلاق النار عليها، ليقوم بالانتحار على الفور» بعد ارتكابه جريمته.
أما بالنسبة للنازحة صباح العاني، وهي أرملة تعيش في مخيمات أطمة الحدودية، فهي تقول إنها حاولت الانتحار أكثر من مرة، لكنها كانت تتراجع في اللحظة الأخيرة بعد التفكير في أطفالها وكيف سيتدبرون أمورهم بعد وفاتها. تقول العاني إن فقر حالها وعجزها عن تأمين متطلبات أبنائها والدواء لابنتها المصابة بالتهاب كلوي حاد، يدفع بها للتفكير في ذلك. وتقول: «أتألم أكثر من ابنتي لعجزي عن مساعدتها وتوفير الأدوية لها. كم هي الحياة قاسية، كم هي لحظات قاتلة حين ترين أبناءك أمامك بحاجة لكل شيء ولا تستطيعين تقديمه لهم. إنه أصعب شعور على الإطلاق يمكن أن يمر به المرء في حياته كلها».
وفي السياق ذاته، حاولت روعة الشايب (25 عاماّ) إنهاء حياتها بالانتحار مرات عدة، لكن محاولاتها باءت بالفشل. وتقول إن زواجها انتهى بالطلاق بعد المعاملة السيئة التي تلقتها من زوجها الذي لم يكن يتوانى عن ضربها وتعنيفها جسدياً ولفظياً ونفسياً عند أي فرصة، فحصلت على الطلاق بعد 5 سنوات من الزواج لم تحسبها روعة من عمرها؛ على حد وصفها، ليأتي دور الأهل بأخذ دور الزوج في التعنيف وفرض جملة من الممنوعات عليها بحجة أنها مطلقة. وتقول: «ممنوع الخروج أو استقبال الضيوف أو العمل أو الدراسة، كأنهم يقولون لي يجب على المطلقة ألا تعيش وأن تدفن نفسها في الحياة، فسارعت لتسهيل الأمر عليهم وقتل نفسي، لكنني لم أستطع بعد أن رميت نفسي من الطابق الثاني لأصاب بكسور فقط، وتضاف إلى معاناتي النفسية آلام جسدية أيضاً».
الطبيب النفسي راشد عثمان يعرف الانتحار بأنه قيام الشخص بعمل ما يؤذي به نفسه ويؤدي بها إلى الموت عمداً، ويلجأ الأشخاص إلى هذه الوسيلة؛ التي وصفها بـ«المحرمة شرعاً»، «للتخلص من كدر الحياة إثر اضطرابات نفسية».
وشهدت السنوات الأخيرة تسجيلاً كبيراً لعدد حالات الانتحار ومحاولاته. وقالت منظمة الصحة العالمية إن الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل سجلت أعلى نسبة من محاولات وحالات الانتحار بلغت 75 في المائة من نسبة حالات الانتحار.
من جهته؛ أوضح الطبيب العثمان أنه «يجب على الجهات المسؤولة؛ من مؤسسات ومنظمات وحكومات وأسر، اتخاذ أشد الإجراءات الوقائية للحد من الظاهرة والتقليل منها بدلاً من ترسيخها»، مشيراً إلى أن «المسؤولية تقع على عاتق المجتمع بأكمله وليس على الفرد بعينه».



شبكة الإنذار المبكر: المجاعة ستنتشر على الأرجح في شمال غزة إذا استمر الحصار

تفاقم انعدام الأمن الغذائي بشدة في شمال قطاع غزة نتيجة الحصار (رويترز)
تفاقم انعدام الأمن الغذائي بشدة في شمال قطاع غزة نتيجة الحصار (رويترز)
TT

شبكة الإنذار المبكر: المجاعة ستنتشر على الأرجح في شمال غزة إذا استمر الحصار

تفاقم انعدام الأمن الغذائي بشدة في شمال قطاع غزة نتيجة الحصار (رويترز)
تفاقم انعدام الأمن الغذائي بشدة في شمال قطاع غزة نتيجة الحصار (رويترز)

حذرت شبكة الإنذار المبكر من المجاعة، اليوم الخميس، من أن المجاعة ستنتشر، على الأرجح، في شمال قطاع غزة، إذا استمر منع دخول الإمدادات الغذائية.

وقالت الشبكة، في تقرير، إن «انعدام الأمن الغذائي في القطاع تفاقم بشدة في محافظة شمال غزة».

وأضافت: «يحذر محللون من أن المجاعة ستكون النتيجة النهائية، على الأرجح، في محافظة شمال غزة، إذا لم يجرِ السماح بزيادة كبيرة في تدفقات المساعدات الغذائية».

وقالت الشبكة: «تشير التقديرات إلى أنه حتى أوائل نوفمبر (تشرين الثاني)، كان ما بين 75 و95 ألف شخص في شمال غزة معزولين عن الإمدادات الغذائية وخدمات التغذية لمدة 40 يوماً على الأقل، كما تقلصت الخدمات الصحية المتوفرة بشكل متزايد».

وفيما يتعلق ببقية أنحاء قطاع غزة، ذكرت الشبكة أن خطر المجاعة يظل جدياً للغاية؛ نظراً للقيود الجديدة المفروضة على تدفق الإمدادات الغذائية التجارية والتحديات الشديدة المستمرة التي تؤثر على توصيل المساعدات الإنسانية.