اضطلع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدور الوسيط في اتفاق السلام في إقليم ناغورني قره باغ الذي حقق مكاسب إقليمية لأذربيجان المدعومة من تركيا. واستطاع عبر دوره أن يحول دون وجود تركي أقوى في منطقة تعتبرها موسكو حديقتها الخلفية.
فقد كانت الاشتباكات العنيفة بين القوات الأذربيجانية والقوات الأرمنية في الإقليم اختباراً لنفوذ موسكو في جنوب القوقاز الذي كان جزءاً من الاتحاد السوفياتي تعتبره روسيا حيوياً للدفاع عن جناحها الجنوبي.
وسبق أن انهارت ثلاثة اتفاقات لوقف إطلاق النار توسطت موسكو في واحد منها على الأقل. كما أسقطت أذربيجان طائرة مروحية عسكرية تابعة لروسيا بطريق الخطأ، الإثنين، مما أسفر عن سقوط قتيلين.
وفيما دعم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الهجوم الأذربيجاني عسكريا ودبلوماسيا وحاول إحباط مساعي الوساطة، استطاع بوتين أن يحقق حلما روسيا يرجع لأكثر من عقدين بإدخال قوات روسية لحفظ السلام إلى ناغورني قرة باغ على أساس تجديد وجودها كل خمس سنوات، وفي الوقت نفسه أبقى خارج الإقليم القوات التركية التي ستساعد في إدارة مركز لمراقبة وقف إطلاق النار من الخارج.
ويوسع ذلك الوجود العسكري الروسي ويضع حدا، أقله حتى الآن، للتنافس الجيوسياسي بين موسكو وأنقرة يماثل ما تكشفه التطورات في سوريا وليبيا، وفق تحليل لوكالة «رويترز» للأنباء.
وبهذه الصفقة تحاشى بوتين استيلاء قوات أذربيجانية مدعومة من تركيا على إقليم ناغورني قرة باغ الذي قالت قوات الإنفصاليين الأرمن إنه سيسقط بعد أيام. وأكد بوتين مجدداً أيضاً نفوذ روسيا في المنطقة بالتوسط في اتفاق لم تكن تركيا أحد الموقعين عليه.
وقال الكسندر جابويف، الباحث في مركز كارنيغي بموسكو: «صفقة اليوم تعالج من أكثر من جانب مصالح روسية أساسية في الصراع وربما كانت أفضل نتيجة يمكن أن تحصل عليها موسكو» على الأقل في الأجل القصير. وأضاف: «روسيا وضعت جنود حفظ السلام البالغ عددهم 2000 جندي في ناغورني قره باغ، وهو أمر كانت موسكو تريده في 1994 غير أنها عجزت عن تحقيقه. وفي الوقت نفسه لن توجد قوات حفظ سلام تركية مسلحة وهو أمر بالغ الأهمية لموسكو».
من جهتها، قالت أنقرة إن اتفاق وقف إطلاق النار انتصار لإذربيجان حليفتها، في حين وصف إردوغان الذي لم يعلق حتى الآن على الاتفاق، دعم أنقرة بأنه جزء من مسعى تركيا لاحتلال «مكانتها المستحقة في النظام العالمي».
وقال أوزغور أونلوهيسارجيكلي مدير «صندوق مارشال الألماني»، وهو مؤسسة بحثية في أنقرة، إن الوجود الروسي في المنطقة عامل سلبي لتركيا وأذربيجان، لكن الموقف الأذري أقوي بكثير الآن مما كان قبل ستة أسابيع. وأضاف: «أذربيجان حققت نجاحا عظيما في الميدان، ويعزز وقف إطلاق النار ذلك».
ولفت إلى أن أنقرة لم تكن تحتاج إلى إذن كي ترسل قواتها لمراقبة وقف إطلاق النار، غير أنه من غير الواضح ما إذا كانت موسكو قد قبلت ذلك.
ولا شك في أن وجود قوات حفظ السلام الروسية المدعمة بعربات مدرعة يجمد الصراع ويجعل من المستحيل على أذربيجان أو أي قوات مدعومة من تركيا أن تحقق تقدما أكبر.
وثمة عائد آخر محتمل لموسكو التي يربطها اتفاق دفاعي بأرمينيا ولديها قاعدة عسكرية فيها. فقد تولى رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان السلطة بفضل احتجاجات في الشوارع عام 2018 دفعت الحكومة القائمة آنذاك لتقديم استقالتها.
وكانت علاقات موسكو بباشينيان غير مستقرة منذ ذلك الحين إذ اعتبرته أقل موالاة لموسكو ممن سبقوه من رؤساء الحكومات في ما يتعلق بالسياسات الرئيسية واعتبرته شخصا أطاح جيلاً من الموالين للكرملين.
ويفرض اتفاق قرة باغ، الذي يعتبره كثيرون من مواطني أرمينيا خيانة، ضغوطاً على باشينيان إذ تطالب أحزاب سياسية معارضة باستقالته. وقد اقتحمت مجموعات غاضبة من المحتجين مباني حكومية ليلا بما في ذلك مقر إقامته الرسمي الذي تعرض للنهب، فيما اضطر باشينيان لنفي اداعاءات بأنه هرب إلى خارج البلاد.
اتفاق قره باغ سمح لبوتين بالحدّ من النفوذ التركي في جنوب القوقاز
اتفاق قره باغ سمح لبوتين بالحدّ من النفوذ التركي في جنوب القوقاز
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة