العقوبات على باسيل «رسالة» إلى عون

ترقب لانعكاسها على علاقة أميركا بالرئيس اللبناني

TT

العقوبات على باسيل «رسالة» إلى عون

تأخذ العقوبات التي فرضت على رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل مساراً سياسياً مختلفاً عن تلك التي استهدفت شخصيات ومسؤولين لبنانيين في وقت سابق، لا سيما أنها طالت رئيس أكبر حزب مسيحي في لبنان، إضافة إلى أنه صهر رئيس الجمهورية ميشال عون الذي كان زعيم الحزب نفسه.
والجدال الذي سجّل بين باسيل والسفيرة الأميركية في بيروت التي ردّت عليه بشكل مباشر نافية الأسباب التي تحدث عنها، يظهر هذا الواقع ويطرح علامات استفهام حول مدى انعكاس هذه العقوبات على رئاسة الجمهورية وعلى «التيار» الذي له وجود في الولايات المتحدة عبر مناصرين ورجال أعمال وغيرهم، رغم محاولة باسيل والمحسوبين عليه بعث رسائل إيجابية للولايات المتحدة الأميركية عبر التأكيد على المحافظة على العلاقة الجيدة معها.
وفي حين تقول مصادر مطلعة على موقف رئاسة الجمهورية لـ«الشرق الأوسط» إنه من المبكر الحديث عن تأثر العلاقات بين البلدين نتيجة هذه العقوبات، تذكر بما سبق أن طلبه رئيس الجمهورية لجهة الحصول على مستندات حول الاتهامات التي وجهت إلى باسيل وقبله الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، مؤكدة أنه ستتم متابعة هذا الطلب بالوسائل الدبلوماسية ومشيرة إلى أنه لم يتم التواصل بين الرئاسة والطرف الأميركي منذ فرض العقوبات.
لكن سفير لبنان السابق في واشنطن رياض طبارة يجد في العقوبات على باسيل رسالة إلى رئيس الجمهورية لا تخلو من ضغط باتجاه الإسراع في تشكيل الحكومة. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «حتى الآن ليس واضحاً ما هو الهدف البعيد المدى من هذه العقوبات، لكن إذا نظرنا إلى الماضي القريب، يتبيّن لنا أن العقوبات التي طالت الوزيرين خليل وفنيانوس أدت إلى الإعلان عن انطلاق مفاوضات ترسيم الحدود مع إسرائيل، وبالتالي يبدو أن العقوبات على باسيل تهدف إلى الإسراع بتشكيل الحكومة كي تكون أيضاً موجودة وتوقع على أي اتفاق مرتبط بالترسيم، إضافة إلى حرص الولايات المتحدة على عدم انهيار لبنان، وهذا ما نراه عبر تدخل منها أو من فرنسا أو حتى إيران عند كل مفترق طرق».
ويرفض طبارة القول بأن العقوبات على رئيس «التيار الوطني الحر» هي استهداف لشخصية من الصف الأول للمرة الأولى في لبنان، معتبراً أنها «استكمال للسابقة»، ويوضح أن «العقوبات على الوزير السابق علي حسن خليل كانت رسالة إلى رئيس البرلمان نبيه بري والعقوبات على الوزير السابق يوسف فنيانوس كان موجهة لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وبالتالي فإن العقوبات على باسيل هي لا شك موجهة إلى رئيس الجمهورية ميشال عون». لكنه يستبعد أن تؤثّر على أعضاء ومناصري التيار في الولايات المتحدة.
في المقابل، يشدد مدير البرامج لدى «المؤسسة الأميركية لتكنولوجيا السلام» نزار زكا على ضرورة الفصل بين العقوبات التي طالت باسيل وبين رئاسة الجمهورية وتياره والأعضاء فيه. ويلفت في حديث مع «الشرق الأوسط» إلى الاختلاف بين العقوبات التي سبق أن فرضت على لبنانيين بينهم الوزيران السابقان، وبين باسيل لجهة أن الأخيرة تندرج ضمن قانون «ماغنيتسكي» بينما كانت السابقة تحت قانون محاربة الإرهاب، بحيث إنه يمكن اللجوء بشأن «عقوبات ماغنيتسكي» إلى المحكمة الأميركية لإبطالها.
لكن في الوقت عينه يلفت زكا إلى أن أهميتها تكمن في أنها طالت رئيس أكبر حزب مسيحي في لبنان، وهي مرّت بمسار طويل من التدقيق حتى توضحت كل الإثباتات، كاشفاً أنه كان قد وصل إلى أميركا عبر وزارة الخارجية ومكاتب محاماة وغيرها شكاوى من لبنانيين على مختلف المستويات ضد باسيل وتورطه بالفساد.
من هنا يؤكد زكا أن العقوبات التي تندرج ضمن قانون «ماغنيتسكي» لن تقتصر على باسيل كرئيس حزب بل كانت البداية معه وقد تطال رؤساء أحزاب آخرين بينهم من الحلفاء لأميركا.
أما على خط «التيار الوطني الحر» فيجدد النائب في التيار حكمت ديب التأكيد على ما سبق أن قاله باسيل، مشيراً كذلك إلى أن العقوبات «لن تؤثر على علاقة التيار بالشعب الأميركي والإدارة الأميركية إذا بقيت متمسكة بديمقراطيتها وبالحرية التي نتشاركها معها».
ويتوقف ديب في حديثه لـ«الشرق الأوسط» عند الاختلاف في تعامل الولايات المتحدة الأميركية مع باسيل ومع الشخصيات الأخرى التي سبق أن طالتها العقوبات. ويقول إن «باسيل هو الشخصية الوحيدة التي حصل تفاوض معها قبل فرض العقوبات... إذا كان باسيل فاسداً لماذا تفاوضوا معه تفاوضاً سياسياً، بما يوحي بسياسة العصا والجزرة؟».
وعما إذا كانت هذه العقوبات ستؤثر على العلاقة بين أميركا ورئاسة الجمهورية، يستبعد ديب هذا الأمر، ويؤكد أنه ولو كانت هناك قرابة عائلية وسياسية بين عون وباسيل، «لكن رئيس الجمهورية سيتصرف كرئيس للبلاد وهو ما قام بها عندما طلب الوثائق المتعلقة بالعقوبات على فنيانوس وخليل على غرار ما فعل مع باسيل، والقرار يعود له حيال كل ما يناسب ويرتبط باستمرار العلاقات الطيبة بين البلدين».



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».