فك رموز «حجر رشيد» الكائن الحيّ

بهدف اكتشاف قواعد تنظيم الجينات

فك رموز «حجر رشيد» الكائن الحيّ
TT

فك رموز «حجر رشيد» الكائن الحيّ

فك رموز «حجر رشيد» الكائن الحيّ

في وقت مبكر من عام 1975، اكتشف علماء الأحياء أن أجزاء ترميز البروتين في الشمبانزي والجينوم البشري متطابقة بنسبة تزيد عن 99 في المائة، ومع ذلك، من الواضح أن الشمبانزي والبشر يختلفان بشكل كبير... لماذا؟
تنظيم جيني
تكمن الإجابة في حقيقة أن كيفية استخدام الحمض النووي لا تقل أهمية عن أجزاء ترميز البروتين، والمقصود بذلك أن الجينات التي يتكون منها الجينوم لا تُستخدم دائماً، يمكن تشغيلها أو إيقاف تشغيلها أو الاتصال ببعضها لأعلى أو لأسفل بمرور الوقت، وتتفاعل مع بعضها البعض بطرق معقدة. وتقوم بعض الجينات بتشفير التعليمات الخاصة بإنتاج بروتينات معينة، بينما يشفر البعض الآخر معلومات حول تنظيم الجينات الأخرى.
الآن، طور الباحثون في مختبر روب فيليبس، أستاذ علم الأحياء والفيزياء الحيوية، أداة جديدة لتحديد كيفية تنظيم الجينات المختلفة في بكتيريا «إشريكية قولونية» الشائعة.
ورغم استخدام «الإشريكية القولونية» ككائن حي نموذجي في علم الأحياء والهندسة الحيوية لعقود من الزمن، فإن الباحثين يفهمون السلوك التنظيمي لحوالي 35 في المائة فقط من جيناتها، وتلقي الطريقة الجديدة من مختبر فيليبس الضوء على كيفية تنظيم ما يقرب من 100 جين غير معترف به سابقاً وتضع الأساس لدراسة العديد من الجينات الأخرى، وتم الإعلان عن هذا الإنجاز في 19 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بدورية «إي لايف».
يشرح تقرير نشره الموقع الإلكتروني لمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا تفاصيل هذا الإنجاز، الذي تم تشبيهه بفك رموز «حجر رشيد»، الذي كان سبباً في معرفة العالم باللغة الهيروغليفية المصرية.
يقول الباحثون، في التقرير الذي تم نشره في 26 أكتوبر (تشرين الأول)، «تخيل أنك تستطيع قراءة الأبجدية وعلامات الترقيم لبعض اللغات الجديدة، لكنك لا تستطيع أن تفهم ما تعنيه الكلمات الفردية، أو أنه يمكنك قراءة كتاب والتعرف على كل حرف تقرأه دون أن يكون لديك أي فهم لما تقوله جملة أو فقرة، هذا مشابه للتحدي الذي يواجهه علماء الأحياء في العصر الجينومي الحديث، حيث أصبحت هناك إمكانية لمعرفة تسلسل جينوم الكائن الحي، لكن فهم كيفية تنظيم كل جين أصعب بكثير، ويعد فهم تنظيم الجينات أمراً أساسياً لفهم الصحة والمرض».

فك رموز الجينات
يوضح فيليبس ما فعلوه لحل لهذه المشكلة قائلاً: «طورنا أداة عامة يمكن للباحثين استخدامها على أي كائن جرثومي تقريباً، وحلمنا هو أن أي باحث يمكنه مثلاً النزول إلى قاع المحيط والعودة ببعض البكتيريا التي لم يسبق لها مثيل، ويمكنه استخدام أداتنا عليها لتحديد ليس فقط تسلسل الجينوم الخاص به، ولكن كيف يتم تنظيمه». في الطريقة الجديدة، يقوم الباحثون بعمل اضطرابات منهجية على الجينوم، ويرون ما يحدث بشكل أساسي، حيث يتم إجراء ما يعادل الأخطاء المطبعية في الجينوم، ويلاحظ تأثير تلك الأخطاء المطبعية على الوظيفة الخلوية.
على سبيل المثال، إذا استبدلت الحرف «k» في كلمة «walk» بالحرف «x» لجعل «walx»، فإن القصد من الكلمة الأصلية يظل واضحاً إلى حد ما، ليس هذا هو الحال إذا قمت بتبديل الحرف «w» بالحرف «t» لإنتاج «talk». يشير هذا إلى أن الحرف «w» يحمل معلومات مهمة حول معنى الكلمة الأصلية. بالطريقة نفسها، فإن إجراء تغييرات على الجينوم باستخدام أبجدية الحمض النووي يسمح للباحثين بمعرفة الأحرف الأكثر أهمية من أجل «المعنى» الصحيح.
وللتحقق من صحة طريقتهم، قام فيليبس وزملاؤه أولاً بفحص 20 جيناً معيناً للإشريكية القولونية، وهي جينات يعرف الباحثون بالفعل كيفية إيقاف تشغيلها وتشغيلها، وميزت طريقتهم هذه الجينات العشرين بشكل صحيح، وبعد ذلك، انتقل الفريق إلى 80 جيناً آخر أقل فهماً لفهم كيفية عملها أيضاً.
في الوقت الحالي، تم استخدام هذه الطريقة فقط على الخلايا البكتيرية، ولكن في النهاية يتصور فيليبس القدرة على فحص الخلايا حقيقية النواة (مثل الخلايا البشرية)، التي تكون أكثر تعقيداً، باستخدام نسخة معدلة من الطريقة. ولا يزال هذا الجهد رغم أنه وضع الأساس العلمي لفلك رموز الجينوم في مراحله الأولى، لكن تم قطع خطوة يراها د. محمد فهمي أستاذ الوراثة بجامعة الإسكندرية بمصر، مهمة جداً على طريق فهم جينوم الخلايا البشرية. يقول فهمي لـ«الشرق الأوسط»، الانتقال بهذا العمل إلى الخلايا البشرية «سيساعد في فهم العلاقة بين بعض الأمراض والمسببات الجينية لها، وهذا اختراق طبي مهم».



«البنزول» مادة مسرطنة تنتشر في منتجات العناية الشخصية

«البنزول» مادة مسرطنة تنتشر في منتجات العناية الشخصية
TT

«البنزول» مادة مسرطنة تنتشر في منتجات العناية الشخصية

«البنزول» مادة مسرطنة تنتشر في منتجات العناية الشخصية

​يبدو أن مركب «البنزول» المسمَّى أيضاً «البنزول الحلقي» ظهر في كل مكان خلال السنوات الأخيرة.

معقِّمات بمواد مسرطنة

أولاً، كانت معقمات اليدين التي تحتوي على «مستويات غير مقبولة» من هذه المادة المسرطنة. ثم كانت هناك عمليات سحب من السوق لرذاذات القدم المضادة للفطريات، إضافة إلى ظهور تقارير مثيرة للقلق عن وجوده في مزيلات العرق والشامبو الجاف وكريمات الوقاية من الشمس الملوثة، كما كتب كنفول شيخ، وجانا مانديل*.

وأدت بعض هذه النتائج إلى ظهور عناوين الأخبار المذعورة، ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي؛ إذ حذَّر المؤثرون في مجال العافية - على «تيك توك» - الناس من التوقف عن ارتداء واقيات الشمس. وذهب أحد الأطباء على المنصة إلى مقارنة استخدام الشامبو الجاف المنتج بمادة البنزول بعملية التدخين. كما تم رفع كثير من الدعاوى القضائية الجماعية بشأن تأثيراته.

رُصد البنزول في واقيات الشمس

«تسلل» البنزول الطبيعي

يوجد «البنزول» (Benzene)، بشكل طبيعي في النفط الخام. ولا يضاف عمداً إلى هذه المنتجات؛ بل إنه يُستخدم لتصنيع المواد الكيميائية، مثل الأصباغ والمنظفات والدهانات والبلاستيك. وقد ينتهي به الأمر إلى التسلل إلى منتجات العناية الشخصية، عندما لا تتم تنقية المواد الكيميائية التي يوجد البنزول فيها بشكل كافٍ، أو عندما تتفاعل بعض المكونات النشطة في المنتجات بعضها مع بعض أو تتحلل.

لا توجد بيانات حتى الآن تشير إلى أن المستويات المنخفضة من التعرض للبنزول من منتجات العناية الشخصية تحمل مخاطر صحية كبيرة. وحذَّر بعض الخبراء من أن كثيراً من النتائج الأكثر إثارة للقلق حول البنزول، جاءت من مختبر واحد تعرّض لانتقادات؛ لانحرافه عن طرق الاختبار القياسية.

ومع ذلك؛ ونظراً لارتباط مستويات عالية من التعرض للبنزول بالسرطان، يقول الخبراء إنه من الجدير إلقاء نظرة فاحصة على الشامبو الجاف وواقي الشمس، وغيرهما.

ويشعر الباحثون بالقلق من أن المكونات التي تساعد المستحضرات الواقية من الشمس على الذوبان في الجلد، قد تسرّع من امتصاص الجسم له.

تنشُّق البنزول

نظراً لأن البنزول يمكن أن يتبخر بسهولة؛ فقد يستنشق الأشخاص أيضاً بعض المواد الكيميائية أثناء وضع المنتج موضعياً، ما يعني أنهم قد يتعرّضون له من خلال الطريقتين كلتيهما، كما قال لوبينغ تشانغ، عالم السموم في جامعة كاليفورنيا، بيركلي. لكن حقيقة تبخره بسرعة تشير إلى أن التعرُّض الجلدي ليس مصدر قلق كبيراً مثل تعرض العمال للبنزول بانتظام في الهواء.

أبحاث محدودة

ولا تشير الأبحاث المحدودة حول هذا الأمر حتى الآن إلى أي خطر كبير. في إحدى الدراسات، فحصت مجموعة من الباحثين الأكاديميين بيانات من أكثر من 27 ألف شخص استخدموا كريمات طبية تحتوي على «بيروكسيد البنزويل» (benzoyl peroxide) الذي يعمل مطهِّراً. وعندما قارنوها ببيانات من مرضى لم يتعرضوا لبيروكسيد البنزويل، لم يجد الباحثون أي خطر متزايد للإصابة بالسرطان المرتبط بالبنزول بين أولئك الذين يستخدمون الكريمات.

ومع ذلك، قال بعض الخبراء إنهم قلقون بشأن هذه التعرضات المحتملة؛ نظراً لأن هذه المنتجات يتم استخدامها مباشرة على الجسم – يومياً عادةً - وفي أماكن صغيرة سيئة التهوية، مثل الحمامات.

ارتفاع مستويات البنزول في الجسم

وفي حين تظهر الدراسات الاستقصائية الأميركية أن مستويات البنزول في الهواء قد انخفضت - بفضل القيود الأكثر صرامة على البنزول - فقد زادت مستويات البنزول في عيّنات البول من الأميركيين في العقود الأخيرة. في الوقت نفسه، وجد العلماء أن مزيداً من المنتجات قد تحتوي على البنزول، بما في ذلك الحفاضات والمناديل التي تستخدم لمرة واحدة، والسدادات القطنية، والفوط الصحية.

وقالت إمي زوتا، الأستاذة المساعدة في علوم الصحة البيئية في كلية ميلمان للصحة العامة بجامعة كولومبيا، إن اكتشاف البنزول في هذه المنتجات يسلّط الضوء على الفجوات في الرقابة التنظيمية على سلامة منتجات العناية الشخصية. وأضافت أن كثيراً من اختبارات سلامة المنتجات طوعية: «لذا؛ فإن الصناعة تضع معاييرها الخاصة».

تلوث منتجات العناية بالبنزول

كان كثير من الاهتمام حول التلوث بالبنزول في منتجات العناية الشخصية مدفوعاً بشركة اختبار مخدرات صغيرة، مقرّها في نيوهافن بولاية كونيتيكت. فقد أفادت شركة «فاليشور» (Valisure)، بالعثور على تلوث بالبنزول في معقمات اليدين، وبخاخات الجسم، وكريمات الوقاية من الشمس، والشامبو الجاف، وأدوية حب الشباب التي تحتوي على بيروكسيد البنزويل. وانتشرت بعض هذه النتائج على نطاق واسع على منصات التواصل الاجتماعي، مثل «تيك توك» و«تروث سوشيال».

لكن بعض العلماء شكّكوا في منهجية شركة «فاليشور»، زاعمين أن بروتوكول الاختبار الخاص بها ينطوي في كثير من الأحيان على تسخين المنتجات إلى درجات حرارة تتجاوز درجات الحرارة التي قد تصل إليها في الحياة العادية؛ وهو ما قد يؤدي إلى تسريع تحلل المكونات، ويشير إلى خطر أعلى للتعرّض للبنزين مما قد يواجهه المستهلكون بالفعل.

أدلة تاريخية حول «سرطان البنزول»

ينظر كثير من الأبحاث حول البنزول بشكل خاص - حتى الآن - إلى التعرّض المنتظم لمستويات عالية من المادة الكيميائية في البيئات المهنية.

تأتي الأدلة على أن البنزول قد يسبب السرطان لدى البشر، من ملاحظات العمال في الصناعات الدوائية والبترولية التي تعود إلى عشرينات القرن العشرين. في عام 1987، قالت الوكالة الدولية لأبحاث السرطان، إن هناك «أدلة كافية» على أن البنزول مسبب للسرطان لدى البشر والحيوانات. واليوم، تتفق منظمة الصحة العالمية، ووكالة حماية البيئة الأميركية، وبرنامج علم السموم الوطني الأميركي، على أن البنزول يمكن أن يسبب السرطان، وخصوصاً سرطان الدم.

هناك أيضاً أدلة على أن استنشاق مستويات عالية من البنزول لفترات طويلة من الزمن يرتبط بسرطانات الدم الأخرى، وسرطان الرئة، فضلاً عن فقر الدم، وانخفاض القدرة على محاربة العدوى، وعدم انتظام الدورة الشهرية.

توصيات دولية

يوصي مسؤولو السلامة المهنية في جميع أنحاء العالم عموماً، بأن يقتصر التعرض في مكان العمل على جزء واحد من البنزول لكل مليون جزء من الهواء، أو جزء واحد في المليون على مدار يوم عمل مدته 8 ساعات.

ويتعرض كثير منا للبنزول أيضاً - من خلال انبعاثات المركبات ودخان السجائر ومواقد الغاز - ولكن بمستويات أقل بكثير.

وقد قدَّرت إحدى الدراسات أن التعرض البيئي للشخص العادي ينبغي أن يكون أقل من 0.015 جزء في المليون في اليوم، أو أقل بنحو مائة مرة من الحد المهني المذكور أعلاه.

خطوات لتقليل التعرض للبنزول

أظهرت حفنة من الدراسات المختبرية أن كمية معينة من البنزول على الأقل يمكن أن تخترق حاجز الجلد.

أكد الخبراء أنه لا داعي للذعر بشأن البنزول في منتجات العناية الشخصية؛ لكن اقترح كثير منهم التأكد من تخزين هذه العناصر بشكل صحيح لتجنب تحللها.

وفيما يلي بعض الخطوات البسيطة لتقليل تعرضك:

- واقي الشمس: لم يقترح أي من الخبراء الذين تمت مقابلتهم التخلص من واقي الشمس خوفاً من البنزول. حتى في الاختبارات التي أجرتها شركة «فاليشور»، لم يكن لدى غالبية واقيات الشمس مستويات يمكن اكتشافها. وقال تشانغ: «فوائد واقيات الشمس معروفة جيداً». ولكن إذا كنت تريد أن تكون حذراً، فيجب عليك تجنب تخزين واقي الشمس في سيارتك، والابتعاد عن الهباء الجوي. فكثير من المنتجات التي وُجد أنها تحتوي على البنزول هي عبارة عن رشاشات للرذاذ.

- الشامبو الجاف: إذا كنت قلقاً بشأن التعرض المحتمل للبنزين، فحاول التبديل إلى الشامبو الجاف الذي يأتي في تركيبات مسحوقة بدلاً من منتجات مرشاشات الرذاذ.

- كريمات حب الشباب: إذا كنت ترغب في الاستمرار في استخدام منتجات بيروكسيد البنزويل، فخزِّنها في مكان بارد ومظلم، مثل خِزانة أو ثلاجة، فسيساعد ذلك في بقاء مكوناتها مستقرة لفترة أطول. يمكنك أيضاً التحدث مع طبيب حول بدائل بيروكسيد البنزويل التي قد تناسبك. ويجب عليك دائماً التحقق من منتجاتك من خلال قائمة إدارة الغذاء والدواء القابلة للبحث للمنتجات التي تم سحبها من الأسواق، وتنبيهات السلامة.

* خدمة «نيويورك تايمز»