حياة أربعة مفكرين ثوريين... بنيامين وفتغنشتاين وهايدغر وكاسيرر

أحدثوا ثورة فلسفية عبر العقد الممتد ما بين الحرب الكبرى والكساد العظيم

هايدغر - فتغنشتاين - بنيامين - كاسيرر
هايدغر - فتغنشتاين - بنيامين - كاسيرر
TT

حياة أربعة مفكرين ثوريين... بنيامين وفتغنشتاين وهايدغر وكاسيرر

هايدغر - فتغنشتاين - بنيامين - كاسيرر
هايدغر - فتغنشتاين - بنيامين - كاسيرر

في سنة 1929 التقت مجموعة متميزة من الباحثين في فندق «غراند بيلفيدير» في منتجع التزلج السويسري في دافوس، المكان الذي اكتسب شهرة أدبية من خلال «رواية» الجبل السحري لتوماس مان، وذلك في مؤتمر فلسفي كبير. في اللقاء دخل اثنان من أكثر المفكرين تأثيراً في تلك الفترة، مارتن هايدغر وإرنست كاسيرر، في جدل فلسفي صار أسطورياً. كان كاسيرر، الأستاذ المهذب من هامبورغ الذي جسد البرجوازي الليبرالي، والمثقف الكوني، يمثل المؤسسة الفلسفية. القادم الجديد والأصغر بكثير، مارتن هايدغر، بشعره الأسود ولونه المائل إلى السمرة نتيجة للأيام التي قضاها في التزلج، كان مصمماً على هز هذه المؤسسة. كان صراع شخصيات وفلسفات متعارضة. فبينما مثّل كاسيرر، المرجع العالمي في كانط، والذي كان في قمة مجده، القيم التنويرية للعقل البشري للتسامح والتقدم الحضاري، كان هايدغر، الذي كان قد نشر قبل عامين عمله الوجودي الكبير «الوجود والزمن»، يمثل ما في الحداثة من نزعة وطنية ورؤية صوفية رومانسية مضادة لليبرالية. كان جدلهما حول الحالة الإنسانية في القاعة الكبرى من الفندق بحضور جمهور ضخم يتضمن رودولف كارناب، وإميل ليفيناس، ونوربرت إلياس، يبرز هاتين الرؤيتين المتعارضتين للعالم. كان مرآة لروح العصر التي سادت ما بين الحربين.
تشكل المواجهة في دافوس الإطار لكتاب فولفرام آيلنبرغر الرائع «عصر السحرة»، الذي يتتبع الدروب التي سلكها أربعة من كبار المفكرين المتحدثين بالألمانية والذين أحدثوا ثورة فلسفية عبر العقد الممتد ما بين الحرب الكبرى والكساد العظيم: كاسيرر، وهايدغر، ولودفيغ فتنغشتاين، وفالتر بنيامين. يرى آيلنبرغر عشرينات القرن الماضي على أنها اللحظة الكبرى الأخيرة للفلسفة الألمانية. الشخوص الأربعة في كتابه استطاع كل واحد منهم أن يشكل المدارس الرئيسة للفكر التي هيمنت على عالمنا الفلسفي: الهرمنيوطيقا، والوجودية، والفلسفة التحليلية، والنظرية النقدية. كان ذلك هو التحول المتطرف للحرب العالمية الأولى، التي هزت الثقافة السياسية واليقينيات الأخلاقية حول التقدم الإنساني، وكذلك الانقلابات الجوهرية التي تلت والتي أنتجت الثورات الفكرية الرئيسة في تلك السنوات.
يتتبع «عصر السحرة» حياة وأعمال أربعة فلاسفة مشبّكاً سيرهم الشخصية والفكرية. يروي حكاياتهم متوازية، يقفز إلى الخلف وإلى الأمام في سلسلة من اللقطات السريعة بطريقة بالغة التأثير وتصنع سردية ملونة وسريعة الخطو. المواضع الأكثر إثارة من الكتاب هي تلك المتعلقة بإرنست كاسيرر، الذي نشر ما بين 1923 و1929 كتابه ذا المجلدات الثلاثة «فلسفة الأشكال الرمزية»، الكتاب الذي يَدرس الإنسان بوصفه مخلوقاً يصنع الإشارات ويقرأها، ويتأمل في استعمال الأشكال الرمزية، وأهمها اللغة، في حياة الإنسان. كان كاسيرر ابناً لأسرة برجوازية ألمانية يهودية من روسيا البيضاء، وهو أحد الديمقراطيين القلة الملتزمين في عصره. في سنة 1928 ألقى خطاباً في مجلس شيوخ هامبورغ بمناسبة الذكرى السنوية العاشرة لدستور مقاطعة فايمار مدافعاً بحرارة عن الجمهورية التي تتعرض لهجوم. أنذرته زوجته، توني، بأن إعلان الولاء للجمهورية كان شديد الخطورة في الأجواء السياسية السائدة آنذاك، لا سيما وهو بروفسور يهودي. كان جار لهم معادٍ للسامية في حي ونترهود الراقي في هامبورغ قد تهجم عليها لفظياً بقوله: «هل تظنون أنكم لا تزعجوننا؟ إن مجرد رؤيتكم – إنكم تنتمون إلى فلسطين». بعد تولي هتلر أُبعد كاسيرر عن وظيفته الجامعية وهرب الزوجان إلى سويسرا.
عندما كانت أسرة كاسيرر تحزم أمتعتها، كان هايدغر، «نبي الكينونة»، يصعد المنصة مديراً معيناً حديثاً لجامعة فرايبورغ ليعلن دعمه الثابت للنظام الجديد في كلمته سيئة السمعة «تأكيد الجامعة الألمانية لذاتها». ستدّعي تلميذته وعشيقته السابقة حنة أرنت أن شخصيته لم تكن سيئة لأنه لم تكن له شخصية (تبرئة). بدأ هايدغر حياته برجوازياً نكرة قادماً من الغابة السوداء، ثم خدم في الحرب العالمية الأولى وبعد عودته انطلق في مسيرة صاروخية، أولاً في ماربورغ وبعد ذلك في فرايبورغ حيث شغل الكرسي الذي كان يشغله راعيه، الفينومينولوجي إدموند هوسرل. في «الوجود والزمن» (1927)، الذي يتناول الوجود الإنساني، قدم هايدغر ميتافيزيقا لطبيعة الوجود. هو قلق حول فناء الإنسان، يعرّف الإنسان بأنه «وجود (دازاين) ملقى به في العالم» –يجعل المرء يتأمل في الاحتمالات المتاحة لوجوده. لكن الدرجة المثالية التي رفع إليها، من زاوية شعبوية، التجذر العضوي في البيئة الطبيعية، واللغة والتقاليد، وكذلك رومانسيته الريفية، وكراهيته المَرضية للبرجوازية الليبرالية، هي في المقام الأول ما أثار إعجاب الكثير من المثقفين الشبان آنذاك.
لودفيغ فتغنشتاين خدم أيضاً كجنديٍّ في الحرب. أكمل كتابه «رسالة منطقية فلسفية»، الذي مثَّل مرحلة جديدة في الفلسفة التحليلية، حيث تناول مسألة ما يمكن للبشر أن يقولوه من معنى، وما لا يمكنهم قوله، في معسكر لأسرى الحرب في إيطاليا. عند نشره عام 1921 احتفى به العالم بوصفه عبقرية القرن. كان فتغنشتاين وريثاً لإحدى أغنى الأسر الصناعية في فيينا، ولكنه أهدى كل إرثه –أي المئات من الملايين– لإخوته، وقرر أن يتحول إلى التدريس في مدرسة ابتدائية في ريف النمسا. لقد اعتقد أنه بعمله حل كل مشكلات الفلسفة «بشأن كل المسائل الأساسية». وكما هو متوقع لم يحقق تلامذته توقعاته. ونتيجة لما شعر به من إحباط كان كثيراً ما يضربهم بمفاصل يده على رؤوسهم أو بضربات بعصاه؛ في إحدى المرات ضرب صبياً على الرأس بدفتر التمارين حتى تمزق. في سنة 1929 تحققت له فرصة ثانية. وافقت جامعة كيبمرج على قبول «رسالة منطقية فلسفية» لتكون أطروحة دكتوراه. يقال إنه عند نهاية المناقشة قام المرشح ذو الأربعين عاماً بالتربيت بأدب على أكتاف ممتحنيه المتوترين، بيرتراند رسل وج. إي. مور، قائلاً: «لا تقلقوا، أدري أنكم لن تفهموه أبداً». كتب مور في تقرير اللجنة: «في رأيي أن هذا عمل عبقري؛ إنه في كل الحالات يرقى لمتطلبات الدرجة في كيمبرج». وكان جون مينارد كاينز قد لاحظ قبل ذلك بأشهر، في لقائه بفتغنشتاين في عربة قطار باتجاه كيبمرج: «حسناً، لقد وصل الإله، قابلته اليوم الساعة 5:15 في القطار».
أخيراً هناك فالتر بنيامين الذي يصفه آيلنبرغر بأنه «فيمار الرجل الواحد» الذي عاش الحياة الخطرة لمثقف مستقل. درس بنيامين في فرايبورغ على يد فيلسوف الكانطية الجديدة هاينريش ريكيرت، مع هايدغر، الذي كرهه بنيامين كراهية شديدة. في عام 1914 استطاع أن يحتال على أداء الخدمة العسكرية. ولقيت رسالة الدكتوراه التي كتبها حول «مفهوم النقد الفني في الرومانسية الألمانية» ترحيباً واسعاً. غير أن خروجه على التقاليد واستقلاليته الفكرية واهتماماته شديدة التنوع، كل ذلك بلغ حداً جعله غير مناسب للعمل في الجامعة فتحول للكتابة الحرة. تجول في أوروبا بين برلين وموسكو وباريس وكانت لديه، بتعبيره «شهية لا تنطفئ» للكازينوهات والنوادي الليلية والمواخير. ومع أنه مر بفترات من الاكتئاب والتدمير الذاتي فإن تلك لم تَخلُ من أوقات ارتفعت فيها إنتاجيته بشكل غير عادي. نصوصه تمتد عابرةً لحدود التخصصات والأساليب، واصلةً ما بين فلسفة اللغة والنظرية الأدبية إلى علم الاجتماع والتاريخ الثقافي. ويقدم آيلنبرغر رؤى معمقة حول أعمال أساسية له مثل مقالته حول «مهمة المترجم» (1921)، وهي تأملات في طبيعة اللغة، ومقالة «التشابهات الاختيارية لدى غوته» (1924)، وهي نقد لمؤسسة الزواج البرجوازية (وخطة الحياة البرجوازية بصفة عامة). حين غزت القوات الألمانية فرنسا عام 1940، حيث كان بنيامين يقيم لسنوات تعود إلى العقد السابق، هرب إلى الغرب وفي أحد فنادق جبال البيرينييه، قبيل الوصول إلى الحدود الإسبانية، انتحر.
مقاربة آيلنبرغر السيرية تعتمد على تتبع شخوصه إلى غرف نومهم. يلاحظ أنه «بين فلاسفتنا الأربعة كان كاسيرر الوحيد الذي لم تتحول غريزته الجنسية إلى مشكلة وجودية». يناقش مغامرات فتغنشتاين المثلية في «بريتر بارك» في فيينا، ويقتبس هايدغر وهو يكتب لمعشوقته حنة أرنت ذات الأعوام التسع عشرة أن «العفريت يسيطر عليَّ». وحين خانت هايدغر زوجته إلفريد مع فريديل قيصر، وكان طبيباً في مستشفى جامعة فرايبورغ، حاملة منه بالصبي هيرمان، تعامل هايدغر مع الأمر بهدوء. أما بنيامين فقد انطلق في استعراض من العلاقات؛ في إحدى تلك العلاقات لاحق النحاتة جولا كون، التي بدورها كانت على علاقة مع صديق بنيامين القديم إريك شون، الذي كانت زوجة بنيامين دورا على علاقة مكشوفة به. لكن عشق بنيامين الحقيقي كان مخرجة المسرح الشيوعية من لاتفيا آسيا لاتشيش. في ربيع عام 1929 كتبت دورا لغيرشوم (غيرهارد) شولم تقول:
«يسير فالتر في طريق سيئ جداً، يا عزيزي غيرهارد، ولا أستطيع أن أخبرك بأكثر من ذلك لأن الأمر يحطم قلبي. إنه بالكامل تحت تأثير آسيا ويفعل أشياء يقاوم القلم كتابتها وتمنعني من تبادل حتى الكلمات معه. إنه موجود الآن فقط بوصفه رأساً وأعضاءً تناسلية، وكما تعلم، أو يمكنك أن تتخيل، في حالات كتلك ينهزم الرأس سريعاً».
عبر الكتاب، يُبرز المؤلف المشتركات بين الفلاسفة الأربعة. الأهم بين تلك كانت اللغة التي احتلت موقعاً مركزياً لهم جميعاً في فهمهم للحالة الإنسانية. لقد جسّد كل واحد من أولئك المفكرين الكارزميين فلسفته؛ كانوا جميعاً، ربما باستثناء كاسيرر، شخصيات وصل الإعجاب بهم في حياتهم إلى درجة التقديس. ومع ذلك ففي النهاية كان الأربعة وبطرق مختلفة على تفاوت شديد، ويميل المؤلف أحياناً إلى المبالغة في إبراز تشابهاتهم على حساب النظر المدقق في اختلافاتهم. كما أن حياة تلك الشخصيات نادراً ما تقاطعت. يضاف إلى ذلك أن الفترة الزمنية المختارة (1919 – 1929) -التي توصف بأنها فترة «اختراع الفكر الحديث»– فترة اعتباطية. فقد كتب فالتر بنيامين بعض أعماله الأكثر أهمية، مثل «العمل في عصر إعادة الإنتاج الآلية» و«حول مفهوم التاريخ»، بعد تلك الفترة؛ كما أن عمله في معهد البحوث الاجتماعية، منطلق مدرسة فرانكفورت، لم يبدأ إلا في ثلاثينات القرن. وكتب فتغنشتاين «رسالة منطقية فلسفية» قبل 1919 و«أبحاث فلسفية» بعد 1929. أما كاسيرر فلم يكتب «فلسفة التنوير» و«منطق العلوم الثقافية» و«أسطورة الدولة» خلال وجوده في المنفى. ومر هايدغر بـ«انعطافته» بعد ذلك العقد. وحسب سيرة كل منهم، كان يمكن لسنة 1933، التي أثّرت في الفلاسفة الثلاثة ذوي الخلفية اليهودية بشكل مباشر، أن تكون الانقطاع الأكثر تقليدية ولكن الأكثر منطقية. ففي النهاية مثّل تولي النازيين الحكم هجوماً على الحياة العقلية في ألمانيا لن تستعيد البلاد عافيتها منه أبداً.
إن كتاب «عصر السحرة» مكتوب بلغة رفيعة ومرويٌّ على نحو جميل. آيلنبرغر، وهو الباحث العارف بالفلسفة، يمتلك مهارة التكثيف المركب للأفكار لتأتي في لغة سهلة، دون أن يكون ذلك على حساب العمق. كتابه يمزج السيرة بالفلسفة بالتاريخ ليخبر ليس فقط قصة الفلاسفة أنفسهم وإنما ليقدم أيضاً صورة فكرية مثيرة لعصرهم. ترافق نشر الطبعة الألمانية بنقاش حول الحالة الراهنة للفلسفة الأكاديمية. كتب آيلنبرغر، وهو فيلسوف غير مرتبط بمؤسسة، في مقالة في صحيفة «ديي تسايت» أن كليات الفلسفة أراضٍ يباب مقارنةً بعالم العمالقة الراحلين. المسائل التي تناقَش في مجلات الفلسفة الأكاديمية اليوم ليست مهمة لأحد، حتى للكتاب أنفسهم -كما يقول- وليس فيها شيء جديد أو مثير أو أصيل. وإن بدا هذا حكماً قاسياً، فإن كتاب «عصر السحرة» يثبت بكل تأكيد أن سنوات ما بين الحربين كانت بين أعظم ما شهدته البشرية من نشاط فكري.

* أستاذ التاريخ في
مدرسة لندن للاقتصاد.
المقالة مراجعة لكتاب «عصر السحرة: اختراع الفكر الحديث،
1919 - 1929»،
تأليف: فولفرام آيلنبرغر.
وترجمه عن الألمانية
شون وايتسايد.
المصدر: «ملحق التايمز الأدبي»



بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)
مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)
TT

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)
مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى، فإن المصرية مريم شريف تفوقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بالدورة الرابعة لـ«مهرجان البحر الأحمر السينمائي» التي تَنافس على جوائزها 16 فيلماً، وترأس لجنة تحكيمها المخرج العالمي سبايك لي، لتحوز جائزة «اليسر» لأفضل ممثلة عن أدائها لشخصية «إيمان»، الشابة التي تواجه التّنمر بسبب قِصرِ قامتها في فيلم «سنو وايت»، وذلك خلال حفل ختام المهرجان الذي أقيم الخميس في مدينة جدة السعودية.

وعبّرت مريم عن سعادتها بهذا الفوز قائلة لـ«الشرق الأوسط»: «الحمد لله، هذه فرحة كبيرة تكلّل جهودنا طوال فترتي التحضير والتصوير، لكنني أحتاج وقتاً لأستوعب ذلك، وأشكر أستاذة تغريد التي أخضعتني لورشِ تمثيلٍ عدة؛ فكُنا نجلس معاً لساعات طوال لتُذاكر معي الدّور وتوضح لي أبعاد الشخصية، لذا أشكرها كثيراً، وأشكر المنتج محمد عجمي، فكلاهما دعماني ومنحاني القوة والثقة لأكون بطلة الفيلم، كما أشكر مهرجان (البحر الأحمر السينمائي) على هذا التقدير».

المخرجة تغريد أبو الحسن بين منتج الفيلم محمد عجمي والمنتج محمد حفظي (إدارة المهرجان)

سعادة مريم تضاعفت بما قاله لها المخرج سبايك لي: «لقد أذهلني وأبهجني برأيه حين قال لي، إن الفيلم أَثّر فيه كثيراً بجانب أعضاء لجنة التحكيم، وإنني جعلته يضحك في مشاهد ويبكي في أُخرى، وقلت له إنه شرفٌ عظيم لي أن الفيلم حاز إعجابك وجعلني أعيش هذه اللحظة الاستثنائية مع أهم حدث في حياتي».

وأضافت مريم شريف في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أنها لم تُفكّر في التمثيل قبل ذلك لأن السينما اعتادت السخرية من قِصار القامة، وهو ما ترفضه، معبّرة عن سعادتها لتحقيق العمل ردود أفعال إيجابية للغاية، وهو ما كانت تتطلّع إليه، ومخرجته، لتغيير أسلوب تعامل الناس مع قِصار القامة لرؤية الجمال في الاختلاف، وفق قولها: «نحن جميعاً نستحق المساواة والاحترام، بعيداً عن التّهكم والسخرية».

وكان قد شهد عرض الفيلم في المهرجان حضوراً لافتاً من نجوم مصريين وعرب جاءوا لدعم بطلته من بينهم، كريم فهمي الذي يشارك بصفة ضيف شرف في الفيلم، وبشرى التي أشادت بالعمل، وكذلك أمير المصري ونور النبوي والمنتج محمد حفظي.

قُبلة على يد بطلة الفيلم مريم شريف من الفنان كريم فهمي (إدارة المهرجان)

واختارت المخرجة أن تطرح عبر فيلمها الطويل الأول، أزمة ذوي القامة القصيرة الذين يواجهون مشاكل كبيرة، أقلّها تعرضهم للتنمر والسخرية، وهو ما تصدّت له وبطلتها عبر أحداث الفيلم الذي يروي قصة «إيمان» قصيرة القامة التي تعمل موظفة في أرشيف إحدى المصالح الحكومية، وتحلم مثل كل البنات بلقاءِ فارس أحلامها وتتعلق بأغنية المطربة وردة الجزائرية «في يوم وليلة» وترقص عليها.

وجمع الفيلم بين بطلته مريم شريف وبعض الفنانين، ومن بينهم، كريم فهمي، ومحمد ممدوح، ومحمد جمعة، وخالد سرحان، وصفوة، وكان الفيلم قد فاز بوصفه مشروعاً سينمائياً بجائزة الأمم المتحدة للسكان، وجائزة الجمعية الدولية للمواهب الصاعدة في «مهرجان القاهرة السينمائي».

وعلى الرغم من أن مريم لم تواجه الكاميرا من قبل، بيد أنها بدت طبيعية للغاية في أدائها وكشفت عن موهبتها وتقول المخرجة: «كنت مهتمة أن تكون البطلة غير ممثلة ومن ذوات القامة القصيرة لأحقق المصداقية التي أردتها، وحين التقيت مريم كانت هي من أبحث عنها، وكان ينقصنا أن نقوم بعمل ورش تمثيل لها، خصوصاً أن شخصية مريم مختلفة تماماً عن البطلة، فأجرينا تدريبات مطوّلة قبل التصوير على الأداء ولغة الجسد والحوار، ووجدت أن مريم تتمتع بذكاء لافت وفاجأتني بموهبتها».

لم يكن التمثيل يراود مريم التي درست الصيدلة في الجامعة الألمانية، وتعمل في مجال تسويق الأدوية وفق تأكيدها: «لم يكن التمثيل من بين أحلامي لأن قِصار القامة يتعرضون للسخرية في الأفلام، لكن حين قابلت المخرجة ووجدت أن الفيلم لا يتضمّن أي سخرية وأنه سيُسهم في تغيير نظرة كثيرين لنا تحمست، فهذه تجربة مختلفة ومبهرة». وفق تعبيرها.

ترفض مريم لقب «أقزام»، وترى أن كونهم من قصار القامة لا يحدّ من قدرتهم ومواهبهم، قائلة إن «أي إنسان لديه مشاعر لا بد أن يتقبلنا بدلاً من أن ننزوي على أنفسنا ونبقى محبوسين بين جدران بيوتنا خوفاً من التنمر والسخرية».

تغريد أبو الحسن، مخرجة ومؤلفة الفيلم، درست السينما في الجامعة الأميركية بمصر، وسافرت إلى الولايات المتحدة للدراسة في «نيويورك أكاديمي» قبل أن تُخرج فيلمين قصيرين، وتعمل بصفتها مساعدة للمخرج مروان حامد لسنوات عدّة.

المخرجة تغريد أبو الحسن وبطلة الفيلم مريم شريف (إدارة المهرجان)

وكشفت تغريد عن أن فكرة الفيلم تراودها منذ 10 سنوات: «كانت مربية صديقتي من قِصار القامة، اقتربتُ منها كثيراً وهي من ألهمتني الفكرة، ولم أتخيّل أن يظهر هذا الفيلم للنور لأن القصة لم يتحمس لها كثير من المنتجين، حتى شاركنا الحلم المنتج محمد عجمي وتحمس له».

العلاقة التي جمعت بين المخرجة وبطلتها كانت أحد أسباب تميّز الفيلم، فقد تحولتا إلى صديقتين، وتكشف تغريد: «اقتربنا من بعضنا بشكل كبير، وحرِصتُ على أن تحضر مريم معي ومع مدير التصوير أحمد زيتون خلال معاينات مواقع التصوير حتى تتعايش مع الحالة، وأخبرتها قبل التصوير بأن أي مشهد لا ترغب به سأحذفه من الفيلم حتى لو صوّرناه».

مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

وتلفت تغريد إلى مشروعٍ سينمائيّ يجمعهما مرة أخرى، في حين تُبدي مريم سعادتها بهذا الالتفاف والترحيب من نجوم الفن الذين شاركوها الفيلم، ومن بينهم: كريم فهمي الذي عاملها برفق ومحبة، ومحمد ممدوح الذي حمل باقة ورد لها عند التصوير، كما كان كل فريق العمل يعاملها بمودة ولطف.