مصادقة رئاسية على قانون الانتخابات في العراق

وسط جدل حول الموعد المقترح للاقتراع وإشكالية المحكمة الاتحادية

TT

مصادقة رئاسية على قانون الانتخابات في العراق

أقر الرئيس العراقي برهم صالح بالتحفظات على قانون الانتخابات الذي صادق عليه أول من أمس بعد أن صوت عليه مجلس النواب. وفي كلمة له في ساعة متأخرة مساء الخميس، قال صالح إن القانون «لا يمثل كل ما نطمح إليه». وأضاف في كلمته أنه «التزاماً بواجبي الدستوري صادقت على قانون الانتخابات تمهيداً لإجراء انتخابات مبكرة نزيهة وعادلة».
وأقر صالح بأن «إقرار هذا القانون يأتي بعد سجال طويل، وقد كان إصلاح القانون الانتخابي مطلباً وطنياً لتأمين حق العراقيين في اختيار ممثلين عنهم بعيداً عن الضغوط والابتزاز وسرقة أصواتهم». وأوضح أن «هذا القانون يمثل تطوراً نحو الأفضل، ولبنة أساسية نحو طريق الإصلاح، ويؤكد الاعتبار للشعب باعتباره المصدر الأساسي لشرعية الحكم، وصولاً إلى الإرادة الحرة للعراقيين في حكم رشيد خادم لهم». وتابع أن «مؤسسات الدولة المعنية مدعوة اليوم بعد إقرار ومصادقة قانون الانتخابات، إلى الإسراع في تحقيق متطلبات إجراء انتخابات مبكرة نزيهة وعادلة في مختلف مراحل إجرائها، وبما في ذلك التسجيل البايومتري، والعمل على أن يكون هناك تنسيقٌ فاعلٌ وجادٌ بين الأمم المتحدة والمفوضية المستقلة للانتخابات لتأمين الرقابة والإشراف لضمان نزاهة العملية الانتخابية».
وعدّ صالح أن «ما شهدته العمليات الانتخابية السابقة، من طعون وشكوك وهواجس كانت سبباً رئيسيا في عزوف المواطنين عن الانتخابات، وقوضت ثقة المواطنين بشرعية النظام القائم والعملية الانتخابية برمتها». وحذر من أن «الفساد الانتخابي آفة خطيرة؛ فهي تهدد السلم المجتمعي والسلامة الاقتصادية. فالفساد الانتخابي والفساد المالي مترابطان ومتلازمان ومتخادمان، ويديم أحدهما الآخر». وأوضح: «إننا أمام مرحلة حساسة وحاسمة من تاريخ العراق الحديث، وعلى الجميع من قوى سياسية ومجتمعية تحمل المسؤولية الوطنية المطلوبة في تمكين جيل سياسي جديد يأخذ على عاتقه إكمال مشروع الإصلاح المنشود، وفاء منا للدماء الزكية التي أريقت في طريق الإصلاح والتغيير».
ورغم التحفظات، سواء التي عبر عنها رئيس الجمهورية أو أطراف أخرى، فإن القانون لا يزال يثير الجدل بين مختلف القوى السياسية. وفي هذا السياق يدافع النائب في البرلمان العراقي محمد الكربولي، نائب رئيس تحالف القوى العراقية، عن القانون قائلاً، لـ«الشرق الأوسط»، إنه «ينطوي على منجزات مهمة لا بد من النظر إليها وفق رؤية متكاملة». وأضاف الكربولي أن «القانون الجديد يمنع المحكومين بقضايا النزاهة من الترشح للانتخابات المقبلة حتى لو كانوا مشمولين بالعفو». وأكد أن «الانتخابات سوف تجري عبر البطاقة البايومترية، وهي عامل حاسم لمنع التزوير الذي كان يجري على نطاق واسع في الانتخابات السابقة، فضلاً عن أنه أقر عمر 28 سنة للشباب لغرض المشاركة بالانتخابات».
من جهته، فإن النائب السابق في البرلمان العراقي ونائب رئيس الجبهة التركمانية حسن توران له رأي مختلف بشأن القانون. وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط» يقول توران إن القانون «تتخلله عدة ثغرات وخاصة فيما يتعلق بعدم الالتزام في استخدام البطاقة البايومترية المحدثة». وأضاف: «هناك ما يتعلق بأجهزة العد الفرز الإلكتروني حيث تركت دون معالجة جادة لتلافي التزوير الذي حصل خلال انتخابات عام 2018». وحول كركوك يقول توران إن «الأمر بالنسبة لكركوك لم يعالج بشكل صحيح حيث توجد محاباة للمكونات الأخرى (في إشارة للأكراد والعرب) على حساب المكون التركماني»، مبيناً أن «مشكلة كركوك سوف تبقى دون حل ما دام لم يتم تدقيق سجل الناخبين التي هي أصل المشكلة هناك».
وفيما يستعد البرلمان لحسم إشكالية المحكمة الاتحادية فإن الموعد المقترح للانتخابات من قبل الكاظمي في السادس من شهر يونيو (حزيران) 2021 بات هو الآخر موعداً قلقاً ربما يدفع مفوضية الانتخابات إلى اقتراح موعد جديد يلي موعد يونيو بثلاثة شهور، مثلما تروج العديد من الأوساط السياسية. يُضاف إلى ذلك الأزمة التي لا تزال قائمة بشأن المحكمة الاتحادية التي تحتاج إلى جولات مقبلة من التوافق السياسي سواء بخصوص إكمال نصابها بعد وفاة وتقاعد ثلاثة من أعضائها التسعة أو تعديل قانونها. وفي هذا السياق يقول الخبير القانوني أحمد العبادي لـ«الشرق الأوسط» إن «المحكمة الاتحادية تعاني أصلاً من نقص بعدد أعضائها وبالتالي فإنه سواء كان الشاغر عضواً أو اثنين من أعضائها، فإن موضوعها بحاجة إلى حسم». وأضاف: «يتعين على البرلمان الاتجاه إلى تعديل قانون المحكمة الاتحادية فيما يتعلق بتعيين القضاة وكيفية اختيارهم وترشيحهم لعضوية المحكمة الاتحادية العليا». وعد العبادي أن «قانون المحكمة الاتحادية لا يقل في الواقع من حيث الأهمية عن قانون الانتخابات لأن أحدهما يكمل الآخر».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.