أميركا مقبلة على مزيد من الانقسام بدل الوحدة

متظاهر مسلّح يتجول في بورتلاند فجر الأربعاء (إ.ب.أ)
متظاهر مسلّح يتجول في بورتلاند فجر الأربعاء (إ.ب.أ)
TT

أميركا مقبلة على مزيد من الانقسام بدل الوحدة

متظاهر مسلّح يتجول في بورتلاند فجر الأربعاء (إ.ب.أ)
متظاهر مسلّح يتجول في بورتلاند فجر الأربعاء (إ.ب.أ)

استيقظ الأميركيون، الأربعاء، على بعض الأخبار السارة: سارت عملية التصويت من فلوريدا إلى هاواي بشكل جيد. من جانبي، كنت عضواً في فريق مراقبة المجتمع المدني هنا في ولاية مين وأجرينا زيارات لتسعة مراكز اقتراع، الثلاثاء. لم تكن هناك مشكلات في أي مكان، ولا تخويف ولا مظاهرات. وفي مدننا الصغيرة لا توجد طوابير طويلة من الناس ينتظرون الإدلاء بأصواتهم. واتفق جميع مديري مراكز الاقتراع على أن عدد بطاقات الاقتراع التي جرى تلقيها عن طريق البريد كان على الأقل، ضعف ما كان عليه عام 2016. وعلى المستوى الوطني، يبدو أن المشاركة قد تصل إلى 66 في المائة من إجمالي الناخبين، وهي أكبر نسبة خلال 100 عام.
ومع هذا، وصلت إلى الأميركيين أيضاً أخبار سيئة: صوت المزيد من الناخبين لمرشحي الحزب الديمقراطي وصوت المزيد من الناخبين لمرشحي الحزب الجمهوري. وحصد بايدن بالفعل على أصوات أكثر من هيلاري كلينتون عام 2016. وحصل ترمب على أصوات عام 2020 أكثر مما حصل عليه عام 2016، ورغم كل الاتهامات الموجهة ضد ترمب، من السهل أن نتخيل أنه كان سيفوز في الانتخابات دون عناء يذكر لولا جائحة فيروس «كورونا» التي ظهرت في نهاية فترة ولايته، الأمر الذي ساعد الديمقراطيين بعض الشيء.
في غضون ذلك، ثمة حالة استقطاب آخذة في التفاقم داخل الولايات المتحدة. في جورجيا، فازت مرشحة الحزب الجمهوري في الانتخابات بسهولة رغم دعواتها الضمنية لشن أعمال عنف ضد الديمقراطيين. كما أنها تدعم جماعة، يطلق عليها اسم «كانون»، ولديها ملايين المتابعين عبر شبكة الإنترنت، وتؤكد على تورط قيادات الحزب الديمقراطي أمثال هيلاري كلينتون في جرائم الاتجار بالأطفال والقتل وعبادة الشيطان. بالطبع، هذه اتهامات سخيفة ولا توجد هيئة أمنية أو قضائية تؤكدها. ومع ذلك، تظل الحقيقة أن ملايين الأميركيين يعتقدون بوجود مؤامرة. والآن، أصبحت هذه المرأة عضوة في الكونغرس. وفي الوقت ذاته، فاز اليساريون الديمقراطيون في الكونغرس مثل ألكسندرا أوكاسيو كورتيز من نيويورك بإعادة انتخابهم بسهولة.
تبعاً لأفضل السيناريوهات المطروحة حالياً، لن نعرف النتيجة الأولية للانتخابات الرئاسية قبل أيام. من جهته، يحث بايدن المواطنين على التحلي بالصبر، بينما يجري فرز جميع الأصوات. على الجانب الآخر، أعلن الرئيس ترمب ليلة الثلاثاء أنه فاز بالفعل، وطالب بوقف فرز الأصوات التي تصل عبر البريد. وقال إن هذه الأصوات التي تؤيد بايدن تمثل «تزويرا كبيرا»، وتعهد برفع دعاوى قضائية لوقف فرز الأصوات في بنسلفانيا وولايات أخرى. لذا، ينبغي أن يضع الجميع نصب أعينهم مسألة أن النتائج الأولية المعلنة هذا الأسبوع لن تكون النتيجة النهائية. وينبغي متابعة الدعاوى القضائية في أماكن مثل بنسلفانيا.
وثمة شيء آخر ينبغي وضعه في الاعتبار: إذا استمر ترمب في التحذير من الاحتيال، لانتزاع أي شرعية من فوز بايدن، كيف سيكون رد فعل الميليشيات اليمينية؟ جدير بالذكر أن منظمة مستقلة معنية بالتحليلات السياسية، حذرت، الأسبوع الماضي، من أن مخاطر العنف من جانب الميليشيات اليمينية أكبر في بنسلفانيا وميتشيغان وويسكونسن وجورجيا. هذه الولايات، هي نفسها التي كانت لا تزال تحسب الأصوات، الأربعاء، خاصة الأصوات عبر البريد التي تميل لصالح بايدن.
من ناحيتهم، يحث بعض سياسيي الحزب الجمهوري ترمب على ضرورة وقف تصريحاته التي تحرض ضمنياً على عنف الميليشيات، لكن ترمب لم يظهر اهتماماً كبيراً لهذه الأصوات.
إذا فاز ترمب في نهاية الأمر، لن تتغير السياسة داخل الولايات المتحدة ولن تكون هناك أي مصالحة بين المعسكرين السياسيين. وسيبقى الحزب الديمقراطي مسيطراً على مجلس النواب وستكون هناك معارك سياسية أكثر حدة حول الموازنات والضرائب وقانون الهجرة والفساد. وبالمثل، لن تتغير سياسة ترمب الخارجية. وسينتقل الحزب الديمقراطي أكثر إلى اليسار بعد فشل بايدن المعتدل.
أما إذا كان الفوز من نصيب بايدن في النهاية، فسيكون فوز الحزب الديمقراطي هذا مهماً للغاية، ولكنه محدود في الوقت ذاته. خلال عام 2020 داعب الحزب الديمقراطي الأمل في الحصول على غالبية مقاعد مجلس الشيوخ. وبدلاً عن ذلك، يبدو أن الحزب الجمهوري سيحتفظ بالسيطرة. وبذلك، سيجد بايدن صعوبة في الحصول على موافقة مجلس الشيوخ الخاضع لسيطرة الجمهوريين على أعضاء حكومته وكبار مسؤوليه؛ وستستغرق الموافقة شهوراً بدلاً عن أسابيع.
بجانب ذلك، سيعيق مجلس الشيوخ الجمهوري مبادرات الحزب الديمقراطي الصادرة عن البيت الأبيض ومجلس النواب بشأن إصلاح العدالة الاجتماعية وإصلاح الشرطة وإصلاح الضرائب وإصلاح القطاع الصحي. وسيحارب الحزب الجمهوري البرامج الحكومية الجديدة باهظة الثمن من أجل تقليص عجز الموازنة الوطنية وإحراج الديمقراطيين. في ظل الكونغرس المنقسم وزيادة الاستقطاب، ليس من الواضح ما إذا كان بإمكان إدارة ترمب أو إدارة بايدن إيجاد تسوية واتفاق بين الديمقراطيين والجمهوريين على إجراءات اقتصادية جديدة سريعة لمساعدة الاقتصاد الأميركي مع تفاقم الوباء في الشتاء.
من ناحيتي، أفقد الأمل بمرور الوقت في أن تتمكن الحكومة الوطنية من حل مشكلات الولايات المتحدة. هنا في ولاية مين وفي المدن بجميع أنحاء البلاد، يواصل المواطنون حياتهم العادية ويذهبون إلى العمل ويهتمون بتربية أبنائهم. ورغم وجود انقسامات سياسية، يتعاون الناس أيضاً بعض الأحيان ويجدون حلولا عملية. أعتقد أن حلولنا السياسية يجب أن تأتي أكثر فأكثر على مستوى المحليات (البلديات) والولايات، وليس من واشنطن.
- خاص بـ«الشرق الأوسط»



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».