واتارا لولاية ثالثة رئيساً لساحل العاج

فاز بغالبية ساحقة... والمعارضة تتحدث عن هجمات على منازل قادتها

حركة عادية في مدينة داوكرو (وسط شرقي ساحل العاج) بعد إعلان فوز الرئيس واتارا بولاية ثالثة صباح أمس (أ.ف.ب)
حركة عادية في مدينة داوكرو (وسط شرقي ساحل العاج) بعد إعلان فوز الرئيس واتارا بولاية ثالثة صباح أمس (أ.ف.ب)
TT

واتارا لولاية ثالثة رئيساً لساحل العاج

حركة عادية في مدينة داوكرو (وسط شرقي ساحل العاج) بعد إعلان فوز الرئيس واتارا بولاية ثالثة صباح أمس (أ.ف.ب)
حركة عادية في مدينة داوكرو (وسط شرقي ساحل العاج) بعد إعلان فوز الرئيس واتارا بولاية ثالثة صباح أمس (أ.ف.ب)

أعلنت لجنة الانتخابات في كوت ديفوار (ساحل العاج)، أمس (الثلاثاء)، إعادة انتخاب الرئيس الحسن واتارا لولاية جديدة، وبأغلبية ساحقة تتجاوز 94 في المائة، فيما قال مرشح المعارضة الرئيسي هنري كونان بيدي إن الشرطة هاجمت منازل المنافسين السياسيين الرئيسيين للرئيس الفائز.
ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن بيدي قوله في منشور على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» صباح أمس: «تعرّض محل إقامتي للهجوم بطلقات نارية كثيفة»، مضيفاً أن شركة الأمن الجمهورية، وهي وحدة مرموقة في الشرطة الإيفوارية، كانت وراء الهجوم. وأشار بيدي أيضاً إلى هجمات تعرض لها منزل مرشح آخر في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 31 أكتوبر (تشرين الأول)، وهو باسكال أفي نجيسان، ومنزلا اثنين من الساسة المعارضين رفيعي المستوى.
وجاءت هذه الهجمات بعد إعادة انتخاب الرئيس واتارا (78 عاماً) لولاية ثالثة مثيرة للجدل في ساحل العاج بنتيجة 94.27 في المائة من الأصوات في الدورة الأولى بعدما قاطعت المعارضة الانتخابات، وفقاً للنتائج التي أعلنتها اللجنة الانتخابية المستقلة فجر الثلاثاء.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن رئيس اللجنة إبراهيم كوليبالي كويبيير قوله بعد تلاوة النتائج: «انتخب بالتالي الحسن واتارا رئيساً للجمهورية». وبحسب أرقام اللجنة، بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات 53.90 في المائة.
وأعرب الاتحاد الأوروبي عن «قلقه العميق إزاء التوتر والاستفزازات والتحريض على الكراهية التي سادت ولا تزال مستمرة في البلاد حول هذه الانتخابات».
وخرّب ناشطو المعارضة الذين دعوا إلى «العصيان المدني» أو أغلقوا نحو خمسة آلاف مركز اقتراع، ما سمح لـ17601 مركز من أصل 22381 بفتح أبوابها، الأمر الذي أدى إلى تراجع عدد الناخبين المدرجين على القوائم الذين تمكنوا من الإدلاء بأصواتهم من 7.495.082 إلى 6.066.441 ناخباً، وفق ما أوردت الوكالة الفرنسية نقلاً عن اللجنة.
وقد حصل واتارا على 3.031.483 صوتاً من إجمالي 3.215.909 أصوات تم الإدلاء بها في هذا الاقتراع الذي تخللته أعمال عنف مميتة.
وبحسب النتائج التي أعلنتها لجنة الانتخابات، يأتي المرشح المستقل كواديو كونان بيرتان في المرتبة الثانية مع حصوله على 1.99 في المائة من نسبة الأصوات، متقدماً على المرشحين الآخرين اللذين دعيا إلى المقاطعة لكنهما حصلا على أصوات. واحتل الرئيس السابق هنري كونان بيدي المركز الثالث بنسبة 1.66 في المائة، فيما جاء رئيس الوزراء السابق باسكال أفي نغيسان رابعاً مع 0.99 في المائة من الأصوات.
وأمام اللجنة الانتخابية المستقلة ثلاثة أيام لإحالة هذه النتائج إلى المجلس الدستوري الذي لديه سبعة أيام لمصادقتها.
وكان وتارا قد انتخب رئيساً عام 2010 وأعيد انتخابه لولاية ثانية عام 2015، وهو أعلن في مارس (آذار) رفضه السعي إلى ولاية ثالثة، قبل أن يغيّر رأيه في أغسطس (آب) بعد الوفاة المفاجئة لرئيس الوزراء أمادو غون كوليبالي الذي كان من المقرر أن يخلفه، بحسب الوكالة الفرنسية.
ويحدد دستور ساحل العلاج ولاية الرئيس بفترتين، لكن حكماً للمجلس الدستوري قضى بأن الإصلاحات التي أقرت عام 2016 تسمح لواتارا بالترشح مجدداً. ورفضت المعارضة، من جهتها، مسعاه باعتباره غير دستوري. وأعلنت المعارضة التي لم تعترف بنتائج الانتخابات الرئاسية مساء الاثنين، أنها أنشأت «مجلساً وطنياً انتقالياً (...) برئاسة بيدي» بهدف تشكيل «حكومة انتقالية».
ولفتت وكالة الصحافة الفرنسية إلى مقتل ما لا يقل عن تسعة أشخاص خلال أعمال العنف التي اندلعت أثناء عملية الاقتراع السبت وعقبها. كذلك، قتل أربعة أشخاص من العائلة نفسها جراء حريق اندلع في منزلهم أثناء اضطرابات الأحد في تومودي، على مسافة أربعين كيلومتراً من ياموسوكرو، العاصمة السياسية للبلاد (وسط).
وقتل ثلاثون شخصاً على الأقل في أعمال عنف سبقت الانتخابات، وأججت المقاطعة المخاوف من تكرار الأزمة التي شهدتها البلاد في عامي 2010 و2011.
ومساء الاثنين، دوت أصوات طلقات نارية مجهولة المصدر، دون وقوع إصابات، أمام منازل أربعة من قادة المعارضة في أبيدجان.
وقال موريس كاكو غيكاهوي الرجل الثاني في حركة المعارضة الرئيسية برئاسة بيدي لوكالة الصحافة الفرنسية: «كنا في منزل الرئيس بيدي. سمعنا ثماني طلقات. كان الصوت مرتفعاً جداً. اهتزت النوافذ. قال لي الشبان في الخارج إنهم رأوا مركبات تمر بسرعة عالية، ولم يصب أحد».
وإذا اعتبرت بعثة المراقبة التابعة للاتحاد الأفريقي أن «الانتخابات جرت بطريقة مرضية عموماً» فإن مركز كارتر، وهو مؤسسة أنشأها الرئيس الأميركي السابق الحائز جائزة نوبل للسلام جيمي كارتر، كانت لديه انتقادات. وجاء في تقريره أن «السياقين السياسي والأمني جعلا من المستحيل تنظيم انتخابات رئاسية تنافسية وذات صدقية».
وقد غادر الآلاف من مواطني ساحل العاج المدن الكبرى، متوقعين اضطرابات، بعد عشر سنوات من الأزمة التي أعقبت الانتخابات الرئاسية لعام 2010 والتي أسفرت عن مقتل ثلاثة آلاف شخص عقب رفض الرئيس لوران غباغبو (في السلطة منذ عام 2000) الاعتراف بهزيمته أمام واتارا.
وتثير هذه الأحداث في ساحل العاج، أكبر منتج للكاكاو في العالم، مخاوف من حدوث أزمة جديدة في المنطقة التي تعرضت لهجمات المتشددين في منطقة الساحل وانقلاب مالي وانتخابات متنازع عليها في غينيا واحتجاجات سياسية في نيجيريا.



الشراكة مع فرنسا تثير جدلاً واسعاً في نيجيريا

الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
TT

الشراكة مع فرنسا تثير جدلاً واسعاً في نيجيريا

الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)

في وقت تسحب فرنسا قواتها من مراكز نفوذها التقليدي في الساحل وغرب أفريقيا، وتبحث عن شركاء «غير تقليديين»، يحتدمُ الجدل في نيجيريا حول السماح للفرنسيين بتشييد قاعدة عسكرية في البلد الأفريقي الغني بالنفط والغاز، ويعاني منذ سنوات من تصاعد وتيرة الإرهاب والجريمة المنظمة.

يأتي هذا الجدل في أعقاب زيارة الرئيس النيجيري بولا تينوبو نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى فرنسا، والتي وصفت بأنها «تاريخية»، لكونها أول زيارة يقوم بها رئيس نيجيري إلى فرنسا منذ ربع قرن، ولكن أيضاً لأنها أسست لما سمّاه البلدان «شراكة استراتيجية» جديدة.

وتمثلت الشراكة في اتفاقيات تعاون هيمنت عليها ملفات الطاقة والاستثمار والمعادن، ولكنّ صحفاً محلية في نيجيريا تحدّثت عن اتفاقية تسمحُ للفرنسيين بإقامة قاعدة عسكرية داخل أراضي نيجيريا، وذلك بالتزامن مع انسحاب القوات الفرنسية من دول الساحل، خصوصاً تشاد والنيجر، البلدين المجاورين لنيجيريا.

لا قواعد أجنبية

ومع تصاعد وتيرة الجدل، تدخل الجيش النيجيري ليؤكد أن ما يجري تداوله بخصوص «قاعدة عسكرية» أجنبية فوق أراضي نيجيريا مجرد «شائعات»، نافياً وجود خطط للسماح لأي قوة أجنبية بإقامة قاعدة عسكرية في نيجيريا.

وتولّى قائد الجيش النيجيري، الجنرال كريستوفر موسى، بنفسه مهمة الرد، فأوضح أن «زيارة الرئيس بولا تينوبو الأخيرة إلى فرنسا، وُقِّعت خلالها عدد من الاتفاقيات الثنائية، لم تشمل السماح بإنشاء قواعد عسكرية أجنبية في نيجيريا».

وكان قائد الجيش يتحدّث خلال حفل عسكري بمقر وزارة الدفاع في العاصمة أبوجا، بمناسبة تغيير شعار القوات المسلحة النيجيرية، وقال إنه يوّد استغلال الفرصة لتوضيح ما جرى تداوله حول «قاعدة عسكرية أجنبية» في نيجيريا. وقال: «لقد أوضح الرئيس بشكل لا لبس فيه أن ما تم توقيعه هو اتفاقيات ثنائية تتعلق بالتجارة، والثقافة، والتقاليد، والتعاون، والاقتصاد، ولا وجود لأي شيء يتعلق بقاعدة عسكرية أجنبية».

وأوضح الجنرال موسى أن الرئيس تينوبو «يدرك تماماً عواقب مثل هذا القرار، ويعلم أن من واجبه حماية نيجيريا، ومن ثم، لن يسمح مطلقاً لأي قوة أجنبية بدخول نيجيريا»، ولكن قائد الجيش أكد: «سنستمر في التعاون بشكل ثنائي من خلال التدريب المشترك وإرسال ضباطنا كما هو معتاد، ولكن إنشاء قاعدة عسكرية أجنبية في نيجيريا ليس ضمن خطط الرئيس».

كراهية فرنسا

ورغم تصريحات قائد الجيش، فإن الجدل لم يتوقف؛ حيث عَبَّر «تحالف جماعات الشمال»، وهو هيئة سياسية ناشطة في نيجيريا، عن إدانته قرار السماح للعسكريين الفرنسيين بدخول أراضي نيجيريا، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، حين انتقد بشكل لاذع عقد شراكة مع فرنسا.

وقال التحالف: «إن القرار يتعلق باتفاقية ثنائية جرى توقيعها بين نيجيريا وفرنسا تمنح الأخيرة وصولاً غير مقيد إلى الموارد المعدنية في نيجيريا»، وذلك في إشارة إلى اتفاقية وقعها البلدان للتعاون في مجال المعادن النادرة.

المنسق الوطني لتحالف جماعات الشمال، جميل علي تشارانشي، اتهم الرئيس تينوبو بالسعي نحو «تسليم سيادة نيجيريا إلى فرنسا، والتغطية على ذلك بمبررات مضللة»، ثم وصف ما يقوم به تينوبو بأنه «مناورة دبلوماسية مكشوفة».

الناشط السياسي كان يتحدث بلغة حادة تجاه فرنسا؛ حيث وصفها بأنها «دولة عدوانية؛ تدعم وتمول تفكيك المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)»، قبل أن يحملها مسؤولية «جو الحرب الذي تعيشه منطقة غرب أفريقيا».

وخلُص الناشط السياسي إلى أنه مصدوم من «إمكانية أن تخضع نيجيريا، بتاريخها الفخور بالدفاع عن السيادة الأفريقية، لتأثير أجنبي، نحن نرفض ذلك، وسنعارضه بشدة»، على حد قوله.

شراكة مفيدة

الرئيس النيجيري بولا تينوبو لدى حضوره حفل تنصيب رئيس تشاد في ندامينا 23 مايو (رويترز)

في المقابل، ارتفعت أصوات في نيجيريا تدافع عن تعزيز التعاون والشراكة مع فرنسا، وعدّت الحديث عن «قاعدة عسكرية» محاولة للتشويش على الطموحات الاقتصادية للبلدين.

في هذا السياق، قال المحلل السياسي النيجيري، نيكسون أوكوارا: «إن العالم يتّجه بسرعة نحو نظام متعدد الأقطاب، وإعادة صياغة التحالفات التقليدية، وهذا الواقع الجديد يتطلب من نيجيريا الاصطفاف مع شركاء يقدمون فوائد استراتيجية دون التنازل عن سيادتها».

وأضاف المحلل السياسي أن «فرنسا، رغم تاريخها غير الجيد في أفريقيا، فإنها تمنح لنيجيريا فرصة إعادة التفاوض على العلاقات من موقع قوة؛ حيث تواجه فرنسا معضلة تراجع نفوذها بشكل مطرد في الساحل وغرب أفريقيا».

وشدّد المحلل السياسي على أن نيجيريا يمكنها أن تربح «مزايا اقتصادية كبيرة» من الشراكة مع فرنسا، كما أكّد أنّه «مع تصاعد التحديات الأمنية في منطقة الساحل، يمكن للخبرات والموارد العسكرية الفرنسية أن تكمل جهود نيجيريا لتحقيق الاستقرار في المنطقة».

تعاون عسكري

التعاون العسكري بين فرنسا ونيجيريا عرف صعوداً مهماً عام 2016، حين وقع البلدان اتفاقية للتعاون العسكري والأمني، خصوصاً في مجالات الاستخبارات، والتدريب والإعداد العملياتي.

في الفترة الأخيرة، بدأ الحديث عن رغبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تعزيز هذا التعاون، وهو الذي عمل لستة أشهر في السفارة الفرنسية في أبوجا، حين كان طالباً في المدرسة الوطنية للإدارة. وبوصفها خطوة لتطوير التعاون العسكري بين البلدين، أعلن الجنرال حسن أبو بكر، قائد القوات الجوية النيجيرية، الأسبوع الماضي، أن بلاده تستعد للاستحواذ على 12 طائرة من طراز «ألفاجيت» مستعملة من القوات الجوية الفرنسية، ستتم إعادة تشغيل 6 منها، في حين ستُستخدم الـ6 أخرى مصدراً لقطع الغيار.

ورغم أنه لم تعلن تفاصيل هذه الصفقة، فإن نيجيريا أصبحت خلال السنوات الأخيرة «زبوناً» مهماً للصناعات العسكرية الأوروبية، وسوقاً تتنافس عليها القوى المصنعة للأسلحة، خصوصاً سلاح الجو الذي تراهن عليه نيجيريا لمواجهة خطر الإرهاب في غابات حوض بحيرة تشاد، أقصى شمال شرقي البلاد.