الصحافة المغربية في زمن «كوفيد ـ 19»... قصة موت غير معلن

الجائحة أعادت الدفء لعلاقة الناس مع الإعلام المسموع والمرئي

الصحافة المغربية في زمن «كوفيد ـ 19»... قصة موت غير معلن
TT

الصحافة المغربية في زمن «كوفيد ـ 19»... قصة موت غير معلن

الصحافة المغربية في زمن «كوفيد ـ 19»... قصة موت غير معلن

إذا كانت جائحة «كوفيد 19» قد أعادت الدفء بين الجمهور المغربي ووسائل الإعلام المسموعة - المرئية، خاصة التلفزيون، فإنها بالمقابل زادت من حجم التحديات التي تواجهها الصحافة الورقية في البلاد على غرار بقية دول العالم. إذ غدت الأخيرة تعيش «قصة موت غير معلن» لأسباب متعددة يعود الجزء الأكبر منها للثورة التكنولوجية التي سبقت اكتشاف أول حالة إصابة بفيروس «كوفيد - 19» في الثالث من مارس (آذار) الماضي.
ما بين 22 مارس و26 مايو (أيار) الماضي، توقّف طبع الصحف في المغرب، بناءً على قرار اتخذته وزارة الثقافة والاتصال، بحجة «تفعيل الإجراءات المتخذة في إطار مواجهة انتشار جائحة كوفيد 19 المستجد»، مما جعل الصحف الورقية، تتحوّل إلى النشر الإلكتروني المجاني. وفي ظل هذا الوضع، أصبح مطروحاً بحدة، إعادة النظر في آليات تدبير الصحافة الورقية، وفق نموذج اقتصادي جديد، يتلاءم مع المتغيرات الراهنة، وذلك بالاعتماد بشكل أكبر على الفرص التي أضحت توفرها الثورة الرقمية.
لقد بلغت خسائر قطاع الصحافة في المغرب 243 مليون درهم (24 مليون دولار أميركي) خلال ثلاثة أشهر فقط، بنتيجة قرار وقف طبع الصحف الورقية. أيضاً عرفت إيرادات الإعلانات تراجعاً مهولاً بنسبة 110 في المائة، ما بين 18 مارس و18 مايو 2020. وذلك بالمقارنة مع الفترة نفسها من سنة 2019. كما جاء في التقرير الذي أصدره أخيراً «المجلس الوطني للصحافة» حول آثار الجائحة على قطاع الصحافة بالمغرب.
تقرير «المجلس الوطني للصحافة» وصف تداعيات الجائحة بأنها كانت «قاسية». وهو ما سيعمّق أكثر أزمة الصحافة المغربية التي كانت أصلاً قد تفاقمت خلال السنوات الثلاث الماضية قبل انتشار الجائحة، والتي سجلت مبيعاتها انخفاضاً كبيراً بمعدل 33 في المائة بالنسبة للصحف اليومية، و65 في المائة بالنسبة للصحف الأسبوعية، و58 في المائة فيما يخص المجلات.
وإذا كان قرار إغلاق المقاهي، التي تشكل مصدراً مهماً لترويج الصحف (تمثل 85 في المائة من المبيعات)، قد فاقم من خسائر الصحف المغربية التي لا يتجاوز مجموع مبيعاتها 200 ألف نسخة، فإن تراجع حصة الصحافة الورقية والإلكترونية من الإعلان التجاري زادت الطين بلة حيث تراجعت ما بين 2010 و2018 بنسبة 50 في المائة. بل وتفاقم هذا التراجع أكثر خلال الأشهر الخمسة الأولى من السنوات الثلاث الماضية، مسجلاً نسبة 72.4 في المائة.

مخطط تنفيذي لزيادة الدعم
جدير بالذكر أن الحكومة المغربية كانت قد وضعت «مخططاً تنفيذياً» يرمي إلى الرفع من حجم الدعم الممنوح للصحافة الورقية، بغية إنقاذها من احتمال التوقف لأسباب متعددة... ضمنها سرعة انتشار الخبر الإلكتروني، ووسائل التواصل الاجتماعي، وضعف نسب المقروئية وهشاشة النموذج الاقتصادي للمقاولة الصحافية.
وراهناً تخصص الدولة دعماً سنوياً للصحف يناهز 60 مليون درهم (6 ملايين دولار) لمواجهة التحديات التي تعرقل مسارها وتكاد تؤثر على استمراريتها، وليس أقلها تراجع الموارد الإعلانية. وتحكم الشركات العملاقة للإنترنت في أسعار هذه السوق فضلاً عن تراجع المقروئية الذي تفاقم بفعل انتشار الصحافة الإلكترونية.
ولكن رغم أن هذا الدعم الحكومي المقدم للصحافة الورقية يرمى أيضاً إلى تأهيل المقاولات الصحافية وتعزيز احترافيتها، فإنه أصبح من المفروض إقناع الصحف بـ«التخلصّ من عقلية الورق» عوض المطالبة المستمرة بالرفع من الدعم المالي المخصص الذي لا تصرفه بعض المقاولات في المجالات المخصّصة له». وهذا ما ترصده الهيئات المهنية في تقاريرها، وذلك للإبقاء على «صناعة تعيش على أنقاض مهنة انتهت» من حيث شكل، إلا أنها قابلة على البقاء والصمود كمهنة رغم المنافسة الشرسة من طرف ما يسمى «البدائل الإلكترونية».
من ناحية أخرى، بخلاف الصحافة الورقية، استطاعت المحطات الإذاعية والقنوات التلفزيونية العمومية، أن تستعيد زمام المبادرة، وتحقق بذلك تصالحاً مع الرأي العام عبر مواكبتها تداعيات «كوفيد - 19»، خاصة إبان فترة الحجر الصحي. وبالفعل، حققت نسب مشاهدة عالية، وفق هيئة قياس نسب المشاهدة «ميديا ميتري»، فاقت ما كانت تسجله من معدلات قبل زمن الجائحة.
في سياق ذلك، وصف يونس مجاهد، رئيس «المجلس الوطني للصحافة» في المغرب خلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، تناول الإعلام المسموع والمرئي لجائحة «كوفيد - 19» بـ«العمل الجيد». واستدل في ذلك، بما يلاحظ من تنوّع في البرامج والنشرات الإخبارية، وانفتاح على خبراء في ميادين مختلفة، واستخدام للرسوم البيانية، والقيام بتغطيات ميدانية بهدف تمكين الجمهور من مواكبة دقيقة لوضعية وتداعيات انتشار الجائحة.
ويقول مجاهد، وهو أيضاً رئيس الاتحاد الدولي للصحافيين، إن هذا التطور الملحوظ في أداء التلفزيون يؤكد من جديد الأهمية البالغة للإعلام التقليدي (الصحافة الورقية والراديو والتلفزيون) في تكريس قواعد المهنية واحترام أخلاقيات المهنة والالتزام بنشر الأخبار بناء على مصادر موثوقة، على خلاف ما يروج غالباً في وسائل التواصل الاجتماعي.
من جهته، يقول رئيس «بيت الشعر بالمغرب» مراد القادري، لـ«الشرق الأوسط» حول تمثلاته لأداء الإعلام في ظروف انتشار الجائحة «منذ بدأ فيروس كورونا في الانتشار، هرولنا جميعاً إلى وسائل الإعلام في بحْثٍ عمّا يطفئُ الفضُول. وبقدر ما نجحتْ بعضُ الصّحف والقنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية في تقْديم خِدمة إعلامية موضوعية ونزيهة، احترمت فيها المُقتضيات الإعلامية والبيانات الطبية والعلمية، بقدر ما سقطت أخرى في مقارباتٍ شعبوية أو روّجت لأخبارٍ كاذبة، زادت من الهلع بين النّاس عوض أن تُطمئنهم وتُهدّئ من روعهم».
هذا الرأي نفسه ذهب إليه الإعلامي المغربي عبد المجيد فنيش، حينما دعا الصحافة إلى جعل هذه الأزمة الصحية «مدخلاً لمصالحة أعمق مع المواطن في الآتي من الأيام». مشيراً إلى أن الأزمات تقوي دوماً الجبهات الداخلية، وإذا كان من المهم تسجيل مجهود استثنائي في التناول الإعلامي لجائحة «كوفيد - 19». فإن مجهودات ما زالت مطلوبة في المستقبل.
في المقابل، رغم تنويه «الهيئة العليا للاتصال المسموع والمرئي» (الهاكا)، التي تتولى تنظيم البث الإذاعي والتلفزيوني بالمغرب - في تقريرها الأخير حول خصائص المعالجة والمواكبة الإعلامية للإذاعات والقنوات التلفزيونية للأزمة الوبائية - بنجاح مؤسسات المسموع والمرئي في «تكييف برامجي استثنائي»، فإنها رصدت «بعض النقائص» التي طبعت مجهود اليقظة والتعبئة الإعلامية الذي أفردتها هذه الدعامات الإعلامية للأزمة الصحية.
ولقد لاحظت «الهاكا» في تقريرها، الذي يندرج ضمن عمليات الرصد الاستثنائية التي أطلقتها منذ 17 مارس الماضي للمعالجة الإعلامية لأزمة «كوفيد - 19». من لدن متعهدي الاتصال المسموع والمرئي، اهتماماً غير كاف بمخاطر التعرض المفرط لوسائل الإعلام والطابع المثير للقلق بالنسبة للجمهور الناشئ، مع «ضعف التوازن بين مجهودي الإخبار والتحليل» للجائحة. ومن ثم، سجّلت وجود «تفاوت» في خطاب الخبرة الصحية وخطاب الفعل السياسي والنقابي والجمعوي في حين كان نصف المتدخلين من خارج الفعاليات السياسية والاجتماعية، مع تمثيل نسائي «غير منصف» لم يتجاوز عتبة 13 في المائة.
الإعلامي محمد برادة، مؤسس أول شركة توزيع صحف مغربية «سابريس»، رأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه «وبصفة عامة، لم تكن الصحافة الوطنية بحاجة إلى جائحة لتعميق آلام الأزمة الخانقة التي تعيشها منذ فترة غير قصيرة». هذه الأزمة «التي تتجلى، في نظره، بشكل يزداد قسوة وتنعكس سلبياته على انتشار الصحافة ليتقلص إشعاعها وتتفاقم أوضاعها البشرية والمادية».
ويتابع برادة، الذي هو أيضاً المدير العام للموقع الإلكتروني «جهات نيوز»، فيقول إن هذه الجائحة جاءت «لتضع الصحافيين أمام مسؤوليات استثنائية انطلاقاً من قناعات إنسانية ووطنية ومهنية... ودور الصحافة في مثل هذه الحالات المفاجئة يصبح مضاعفاً ويفرض المساهمة الفعلية في التوعية ومواكبة التطورات المتسارعة لهذه الجائحة».



إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي
TT

إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي

يرى البعض في فرنسا أن موسم رحيل «العصافير الزرقاء» يلوح في الأفق بقوة، وذلك بعدما أعلنت مجموعة كبيرة من الشخصيات والمؤسسات الإعلامية انسحابها من منصّة التواصل الاجتماعي «إكس» (تويتر سابقاً).

الظاهرة بدأت تدريجياً بسبب ما وصف بـ«الأجواء السامة» التي اتسّمت بها المنصّة. إذ نقلت صحيفة «كابيتال» الفرنسية أن منصة «إكس» فقدت منذ وصول مالكها الحالي إيلون ماسك أكثر من مليون مشترك، إلا أن الوتيرة أخذت تتسارع في الآونة الأخيرة بعد النشاط الفعّال الذي لعبه ماسك في الحملة الانتخابية الأميركية، ومنها تحويله المنصّة إلى أداة دعاية قوية للمرشح الجمهوري والرئيس العائد دونالد ترمب، وكذلك إلى منبر لترويج أفكار اليمين المتطرف، ناهيك من تفاقم إشكالية «الأخبار الزائفة» أو «المضللة» (الفايك نيوز).

نقاش إعلامي محتدم

ومهما يكن من أمر، فإن السؤال الذي صار مطروحاً بإلحاح على وسائل الإعلام: هل نبقى في منصّة «إكس»... أم ننسحب منها؟ حقاً، النقاش محتدم اليوم في فرنسا لدرجة أنه تحّول إلى معضلة حقيقية بالنسبة للمؤسسات الإعلامية، التي انقسمت فيها الآراء بين مؤيد ومعارض.

للتذكير بعض وسائل الإعلام الغربية خارج فرنسا كانت قد حسمت أمرها باكراً بالانسحاب، وكانت صحيفة «الغارديان» البريطانية الأولى التي رحلت عن المنصّة تاركة وراءها ما يناهز الـ11 مليون متابع، تلتها صحيفة «فون غوارديا» الإسبانية، ثم السويدية «داكنز نيهتر».

أما في فرنسا فكانت أولى وسائل الإعلام المنسحبة أسبوعية «ويست فرنس»، وهي صحيفة جهوية تصدر في غرب البلاد، لكنها تتمتع بشعبية كبيرة، إذ تُعد من أكثر الصحف الفرنسية قراءة بأكثر من 630 ألف نسخة تباع يومياً ونحو 5 ملايين زيارة على موقعها عام 2023. ولقد برّر نيكولا ستارك، المدير العام لـ«ويست فرنس»، موقف الصحيفة بـ«غياب التنظيم والمراقبة»، موضحاً «ما عاد صوتنا مسموعاً وسط فوضى كبيرة، وكأننا نقاوم تسونامي من الأخبار الزائفة... تحوّلت (إكس) إلى فضاء لا يحترم القانون بسبب غياب المشرفين». ثم تابع أن هذا القرار لم يكن صعباً على الأسبوعية الفرنسية على أساس أن منصّة التواصل الاجتماعي هي مصدر لأقل من واحد في المائة من الزيارات التي تستهدف موقعها على الشبكة.

بصمات ماسك غيّرت «إكس» (تويتر سابقاً)

«سلبيات» كثيرة بينها بصمات إيلون ماسك

من جهتها، قررت مجموعة «سود ويست» - التي تضم 4 منشورات تصدر في جنوب فرنسا هي «سود ويست»، و«لاروبوبليك دي بيريني»، و«شارانت ليبر» و«دوردون ليبر» - هي الأخرى الانسحاب من منصّة «إكس»، ملخصّة الدوافع في بيان وزع على وسائل الإعلام، جاء فيه أن «غياب الإشراف والمراقبة، وتحديد عدد المنشورات التابعة لحسابات وسائل الإعلام، وإبدال سياسة التوثيق القديمة بواسطة أخرى مدفوعة الثمن، كانت العوامل وراء هذا القرار».

أيضاً الموقع الإخباري المهتم بشؤون البيئة «فير» - أي «أخضر» - انسحب بدوره من «إكس»، تاركاً وراءه عشرين ألف متابع لدوافع وصفها بـ«الأخلاقية»، قائلا إن مضامين المنصّة تتعارض مع قيمه التحريرية. وشرحت جولييت كيف، مديرة الموقع الإخباري، أنه لن يكون لهذا القرار تأثير كبير بما أن الحضور الأهم الذي يسجّله الموقع ليس في «إكس»، وإنما في منصّة «إنستغرام»، حيث لديه فيها أكثر من 200 ألف متابع. ولكن قبل كل هؤلاء، كان قرار انسحاب برنامج «لوكوتيديان» الإخباري الناجح احتجاجاً على التغييرات التي أحدثها إيلون ماسك منذ امتلاكه «إكس» قد أطلق ردود فعل كثيرة وقويّة، لا سيما أن حساب البرنامج كان يجمع أكثر من 900 ألف متابع.

سالومي ساكي

... الفريق المتريّث

في المقابل، وسائل إعلام فرنسية أخرى فضّلت التريّث قبل اتخاذ قرار الانسحاب، وفي خطوة أولى اختارت فتح باب النقاش لدراسة الموضوع بكل حيثياته. وبالفعل، عقدت صحيفة «ليبيراسيون»، ذات التوجّه اليساري، جلسة «تشاور» جمعت الإدارة بالصحافيين والعمال يوم 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي للبحث في مسألة «البقاء مع منصّة (إكس) أو الانسحاب منها؟». وفي هذا الإطار، قال دون ألفون، مدير الصحيفة، في موضوع نشر بصحيفة «لوموند»، ما يلي: «نحن ما زلنا في مرحلة التشاور والنقاش، لكننا حدّدنا لأنفسنا تاريخ 20 يناير (كانون الثاني) (وهو اليوم الذي يصادف تنصيب دونالد ترمب رئيساً للمرة الثانية) لاتخاذ قرار نهائي».

الوضع ذاته ينطبق على الأسبوعية «لاكروا» التي أعلنت في بيان أن الإدارة والصحافيين بصّدد التشاور بشأن الانسحاب أو البقاء، وكذلك «لوموند» التي ذكرت أنها «تدرس» الموضوع، مع الإشارة إلى أن صحافييها كانوا قد احتفظوا بحضور أدنى في المنصّة على الرغم من عدد كبير من المتابعين يصل إلى 11 مليوناً.

من جانب آخر، إذا كان القرار صعب الاتخاذ بالنسبة لوسائل الإعلام لاعتبارات إعلانية واقتصادية، فإن بعض الصحافيين بنوا المسألة من دون أي انتظار، فقد قررت سالومي ساكي، الصحافية المعروفة بتوجهاتها اليسارية والتي تعمل في موقع «بلاست» الإخباري، إغلاق حسابها على «إكس»، ونشرت آخر تغريدة لها يوم 19 نوفمبر الماضي. وفي التغريدة دعت ساكي متابعيها - يصل عددهم إلى أكثر من 200 ألف - إلى اللّحاق بها في منصّة أخرى هي «بلو سكاي»، من دون أن تنسى القول إنها انسحبت من «إكس» بسبب إيلون ماسك وتسييره «الكارثي» للمنّصة.

وفي الاتجاه عينه، قال غيوم إرنر، الإعلامي والمنتج في إذاعة «فرنس كولتو»، بعدما انسحب إنه يفضل «تناول طبق مليء بالعقارب على العودة إلى (إكس)». ثم ذهب أبعد من ذلك ليضيف أنه «لا ينبغي علينا ترك (إكس) فحسب، بل يجب أن نطالب المنصّة بتعويضات بسبب مسؤوليتها في انتشار الأخبار الكاذبة والنظريات التآمرية وتدّني مستوى النقاش البنّاء».

«لوفيغارو»... باقية

هذا، وبين الذين قرّروا الانسحاب وأولئك الذين يفكّرون به جدياً، يوجد رأي ثالث لوسائل الإعلام التي تتذرّع بأنها تريد أن تحافظ على حضورها في المنصّة «لإسماع صوتها» على غرار صحيفة «لوفيغارو» اليمينية. مارك فويي، مدير الصحيفة اليمينية التوجه، صرح بأنها لن تغيّر شيئاً في تعاملها مع «إكس»، فهي ستبقى لتحارب «الأخبار الكاذبة»، وتطالب بتطبيق المراقبة والإشراف بحزم وانتظام.

ولقد تبنّت مواقف مشابهة لـ«لوفيغارو» كل من صحيفة «لي زيكو» الاقتصادية، ويومية «لوباريزيان»، وقناة «تي إف1» و«إم 6»، والقنوات الإخبارية الكبرى مثل «بي إف إم تي في»، و«سي نيوز». وفي حين تتّفق كل المؤسّسات المذكورة على أن المنّصة «أصبحت عبارة عن فضاء سام»، فهي تعترف في الوقت نفسه باستحالة الاستغناء عنها، لأن السؤال الأهم ليس ترك «إكس»، بل أين البديل؟ وهنا أقرّ الصحافي المعروف نيكولا دوموران، خلال حوار على أمواج إذاعة «فرنس إنتير»، بأنه جرّب الاستعاضة عن «إكس» بواسطة «بلو سكاي»، لكنه وجد الأجواء مملة وكان النقاش ضعيفا، الأمر الذي جعله يعود إلى «إكس»، حيث «الأحداث أكثر سخونة» حسب رأيه.

أما الصحافي المخضرم جان ميشال أباتي، فعلى الرغم من انتقاده الشديد للمنصّة وانسحاب برنامج «لوكوتيديان» - الذي يشارك فيه - من «إكس» - فإنه لم يفكر في إغلاق حسابه لكونه الإعلامي الفرنسي الأكثر متابعة؛ إذ يسجل حسابه أكثر من 600 ألف متابع.

في هذه الأثناء، وصفت كارين فوتو، رئيسة موقع «ميديا بارت» الإخباري المستقّل الوضع «بالفخ الذي انغلق على وسائل الإعلام»، حيث «إما البقاء وتعزيز أدوات الدعاية لليمين المتطرّف وإما الانسحاب والتخلّي عن مواجهة النقاش». وللعلم، من الملاحظ أن المنصّة غدت حاجة شبه ماسة لأصحاب القرار والساسة، حيث إن بعضهم يتوجه إليها قبل أن يفكّر في عقد مؤتمر صحافي، وهذا ما حدا بالباحث دومينيك بوليي، من معهد «سيانس بو» للعلوم السياسية، إلى القول في حوار لصحيفة «لوتان» إن منصّة «إكس» بمثابة «الشّر الذي لا بد منه»، إذ تبقى المفضّلة لدى رجال السياسة للإعلان عن القرارات المهمة، وللصحافيين لتداولها والتعليق عليها، مذكّراً بأن الرئيس الأميركي جو بايدن اختار «إكس» للإعلان عن انسحابه من السباق الرئاسي الأخير.