«الجونة» السينمائي ينجح في اختبار الجائحة ويتوسع فنياً

الأفلام الإنسانية تقتنص جوائز دورته الرابعة

المنتجة الفلسطينية مي عودة والمخرج أمين نايفة بعد فوز فيلمهما «200 متر» بعدة جوائز (أ.ف.ب)
المنتجة الفلسطينية مي عودة والمخرج أمين نايفة بعد فوز فيلمهما «200 متر» بعدة جوائز (أ.ف.ب)
TT

«الجونة» السينمائي ينجح في اختبار الجائحة ويتوسع فنياً

المنتجة الفلسطينية مي عودة والمخرج أمين نايفة بعد فوز فيلمهما «200 متر» بعدة جوائز (أ.ف.ب)
المنتجة الفلسطينية مي عودة والمخرج أمين نايفة بعد فوز فيلمهما «200 متر» بعدة جوائز (أ.ف.ب)

أسدل مهرجان الجونة السينمائي المصري، الستار على جولته الرابعة مساء أول من أمس، عبر حفل ختام، وصفه الحضور بأنه «مبهج» لخص ما شهدته الدورة الأخيرة من فعاليات وعروض وأنشطة فنية مكثفة ومتنوعة، رغم مخاوف المنظمين في البداية من تفشي عدوى «كورونا» التي تسببت في إلغاء وتأجيل عدد كبير من المهرجانات العربية والعالمية خلال الأشهر الماضية، ووفق نقاد ومتابعين فإن المهرجان نجح عبر دورته الأخيرة في زيادة انتشاره عربياً وعالمياً وتأكيد الانطباع الجيد الذي حققه خلال الأعوام الماضية، لا سيما مع ازدياد التغطية الإعلامية الدولية لفعالياته.
وشبّه انتشال التميمي مدير المهرجان، الدورة الرابعة بـ«سباق الحواجز، الذي كلما تغلبوا على عائق خلاله، كان عليهم أن يواصلوا التغلب على عقبات جديدة»، مشيراً إلى أنه كان يتوقع أن تكون فعاليات الدورة الرابعة أقل من السابقة بسبب الظروف الجارية، لكنها جاءت متكاملة وتفوقت على الدورات الأخرى، مشيداً بفريق العمل والمتطوعين.
ورغم مشاركة ثلاثة أفلام عربية طويلة وخمسة أفلام روائية قصيرة ووثائقية، فإن الحضور العربي لم يكن بالزخم المعتاد نفسه في الدورات الماضية، بالإضافة إلى غياب الفيلم الروائي المصري، كذلك كان هناك غياب نسبي للضيوف الأجانب بسبب ظروف حظر السفر التي فرضتها بعض الدول للحد من تفشي «كورونا»، وتم التواصل مع أصحاب بعض الأفلام الذين لم يتمكنوا من الحضور، وعقدت ندواتهم «أون لاين»، بينما كان وجود الفنانين المصريين طاغياً، خصوصاً بعد توجيه الدعوة لعدد كبير منهم للحضور لأول مرة، واضطر المهرجان خلال دورته الأخيرة إلى تكذيب بعض الإشاعات، التي كان من بينها إصابة الممثلة المغربية ميساء مغربي بفيروس «كورونا»، حيث تم نشر نتيجة تحليلها التي جاءت سلبية. ونجحت إدارة المهرجان في تنظيم دورة «ناجحة» حظيت بعرض 65 فيلما، ضمت عدداً من الأفلام المهمة التي شاركت من قبل في مهرجاني «برلين» و«فينسيا»، وبعض الاختيارات الرسمية لمهرجان «كان السينمائي» على غرار الفيلم الياباني «أمهات حقيقيات».
ولم يتخل المهرجان عن إقامة «ماستر كلاس» المعتاد الذي يشارك فيه كبار السينمائيين بتجاربهم، وكان آخرها درس السينما الذي قدمه المخرج البريطاني بيتر ويبر، الذي أكد فيها أن صناعة الأفلام باتت سهلة جداً ويستطيع أي شخص صنع فيلم وطرحه على «يوتيوب» عكس الصعوبة التي واجهته في بداياته.
كما اهتم المهرجان بتنظيم حلقات نقاشية عبر «جسر الجونة»، وعقد حلقة نقاشية عن تمكين النساء في صناعة السينما أدارتها الإعلامية رايا أبي راشد وشارك فيها عدد من السينمائيات العربيات اللاتي تطرقن لتجاربهن في مجالات سينمائية مختلفة وكيف حققن خطوات ناجحة فيها، كما عقدت حلقات أخرى عن دور المهرجانات السينمائية في زمن «كورونا».
كما احتفلت الفنانة بشرى رئيس العمليات والمؤسس المشارك لمهرجان الجونة بخطوبتها من سالم هيكل، مدير عام مبيعات إحدى توكيلات المهرجان، وظهرت معه خلال الحفل حيث احتفى بها زملاؤها. وفازت الأفلام التي تحمل توجهات إنسانية بنصيب الأسد من جوائز الدورة الرابعة بمهرجان الجونة السينمائي بمدينة الجونة التي تطل على ساحل البحر الأحمر.
واقتنصت السينما العربية ست جوائز مهمة في مسابقات المهرجان الثلاث (الأفلام الروائية الطويلة، الوثائقية الطويلة، والروائية القصيرة) والتي تبلغ قيمة جوائزها المادية نحو 224 ألف دولار، وفاز الفيلم الفلسطيني «200 متر» للمخرج أمين نايفة، بجائزة الجمهور «سينما من أجل الإنسانية» التي تحمل شعار المهرجان، كما حصل على جائزة النقاد «فيبرسي» لأفضل فيلم، إضافة لفوز بطله الممثل الفلسطيني علي سليمان بجائزة أفضل ممثل، واستقبل المخرج جوائز أول أفلامه الطويلة بدموع لم يستطع إخفائها على المسرح، وفي الكواليس أيضا، بينما قفزت منتجة الفيلم مي عودة فرحاً بتتويج فيلمهما بهذه الجوائز، إضافة إلى حصولها هي أيضا على جائزة مجلة «فارايتي الأميركية» لأفضل شخصية في السينما العربية لعام 2020، وحصول المخرج أيضا على جائزة «مينا مسعود»، ووسط فرحتها ودموع المخرج قالت عودة في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «فرحتي لا يعادلها شيء آخر لأن مشوار إنتاج فيلم فلسطيني طويل أشبه بمعجزة، فليس لدينا أرض خصبة لصناعة السينما، وأن يكون ذلك من خلال مخرج فلسطيني يخوض تجربته الطويلة الأولى كمؤلف ومخرج فهذا إنجاز كبير، فقد كانت جهات الإنتاج تسألني باستنكار كيف نساهم في إنتاج فيلم لا نعرف قدرات مخرجه فالسيناريو رائع لكن تنفيذه يحتاج إلى مخرج لديه خبرة وسابق أعمال، فاضطررنا لإنتاج فيلم قصير (العبور) عن الفكرة ذاتها لإقناع المنتجين، حتى ظهر الفيلم في النهاية بمستوى لائق جداً، ويُستقبل بشكل رائع في فينسيا والجونة».
وأهدى نايفة الجوائز لروح جدته التي حُرم منها بسبب جدار الفصل العنصري الإسرائيلي، حيث سلط الضوء على معاناة رب أسرة يفصله الجدار عن زوجته وأطفاله، وعرض لأول مرة في مهرجان «فينسيا» العام الحالي وحصل على جائزة الجمهور أيضا. كما فاز فيلم «الرجل الذي باع ظهره» للمخرجة التونسية كوثر بن هنية بـ«جائزة الجونة لأفضل فيلم عربي طويل»، وأهدتها المخرجة للاجئين.
وكان الفيلمان الفلسطيني والتونسي قد حصلا على دعم منصة الجونة من قبل، حيث أتاح ذلك للمهرجان الانفراد بعرضهما الأول عربيا، كما حصل الفيلم الجزائري «جزائرهم» على «جائزة الجونة لأفضل فيلم وثائقي طويل»، لمخرجته الشابة لينا سويلم التي تروي من خلاله حكاية جديها الجزائريين منذ نزوحهما كمهاجرين في خمسينات القرن الماضي إلى فرنسا.
ورغم غياب السينما المصرية عن مهرجان الجونة في فئة الأفلام الروائية الطويلة، فإنها توجت بجائزة أفضل فيلم روائي قصير لفيلم «ستاشر» للمخرج سامح علاء، الذي حصل بالفيلم ذاته على السعفة الذهبية بمهرجان كان السينمائي قبل يومين، ويعد أول فيلم مصري قصير يتوج بهذه الجائزة.
وأعلن المخرج البريطاني بيتر ويبر رئيس لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الطويلة فوز فيلم «إلى أين تذهبين يا عايدة»، للمخرجة البوسنية ياسميلا زبانيتش بالجائزة الذهبية، كما حصلت بطلته «ياسنا دوريستش»، بجائزة أفضل ممثلة.
ويرى الناقد المصري خالد محمود، أن إقامة الدورة الرابعة من الجونة السينمائي، سوف تُعيد الروح للمهرجانات السينمائية العربية، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «الدورة الأخيرة من المهرجان تعطي مؤشراً إيجابياً عن مصر وسط الأوساط الفنية العالمية، لا سيما بعد عرض قائمة متنوعة ومميزة من الأفلام التي تنتمي لمهرجانات كبرى مما أتاح مشاهدتها للنقاد والجمهور الذين لم يتمكنوا من السفر للخارج بسبب الحظر».
وعن الجوائز، يقول محمود إن «بعض الجوائز ذهبت بالفعل لأفلام قوية تستحقها، لكن كانت هناك أفلام أخرى تستحق الفوز مثل الفيلم البولندي (لن تثلج مجددا)، الذي يعد أجمل عمل سينمائي شاهدته هذا العام، كما كانت الممثلة لوسيا مونيز بطلة الفيلم تستحق جائزة أفضل ممثلة وكان يمكن أن تتقاسمها مع الممثلة البوسنية».
وفي مبادرة جديدة تؤكد توسع المهرجان فنياً، تم الإعلان عن تخصيص جائزة جديدة لأفضل فيلم عن البيئة ابتداء من دورته المقبلة، كما تم منح «جائزة خالد بشارة للسينما المستقلة» لأول مرة، والتي ذهبت إلى المخرج أحمد فوزي صالح عن مشروع فيلمه «هاملت في عزبة الصفيح».
وشهد حفل الختام تكريم الممثل المصري خالد الصاوي، ومنحه جائزة «الإنجاز الإبداعي»، وتم عرض فيلم قصير يحمل شهادات مجموعة من زملائه أشادوا بموهبته، وأهدى الصاوي تكريمه إلى نجوم السينما المصرية الكبار، لبنى عبد العزيز، حسين فهمي، عادل إمام، نجلاء فتحي، ميرفت أمين. فيما اختتم النجم المصري عمرو دياب الحفل، بتقديم مجموعة من أشهر أغنياته التي تفاعل معها ضيوف المهرجان.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».