الحكومة السورية تتجاوز «خطها الأحمر» وتزيد سعر الخبز

أنباء عن توقف أفران في ريف دمشق عن البيع بسبب أزمتي الوقود والطحين

TT

الحكومة السورية تتجاوز «خطها الأحمر» وتزيد سعر الخبز

رفعت الحكومة السورية، مساء الخميس، سعر «ربطة» الخبز في مناطق سيطرتها، بالتزامن مع توقف عدة أفران في ريف دمشق بسبب أزمة الوقود والطحين.
وأفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) بأن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك حددت «سعر بيع كيلوغرام الخبز المدعوم، من دون كيس، للمستهلك بمبلغ 75 ليرة سورية، وسعر الربطة 1100 غرام ضمن كيس نايلون بـ100 ليرة سورية»، مشيرة إلى أن السبب هو «حالة حرب وحصار جائر منع من توفير القمح والدقيق» (يتجاوز سعر صرف الدولار الأميركي 2200 ليرة).
ولجأت مخابز حكومية في دمشق إلى نصب أقفاص من الشبك الحديدي لتنظيم الوقوف في طابور الخبز. وأفادت «إذاعة المدينة» المحلية بأن مدير مخابز دمشق، نائل اسمندر، رفض التعليق على صحة صورة الأقفاص، واكتفى بالقول إن هذه الطريقة لتنظيم الدور، والفصل بين الرجال والنساء والعسكر، كما أشار إلى أن «ثقافة الدور غير موجودة في بلادنا».
وفي محاولة بائسة لحل أزمة الخبز التي اشتدت في سبتمبر (أيلول) الماضي، فرضت وزارة التجارة الداخلية سياسة تقنين في توزيع الخبز، حيث حددت حصة الفرد في اليوم الواحد بـ3 أرغفة، وذلك بتخصيص ربطة (7 أرغفة وزن نحو 800 غرام) لعائلة من شخصين، وربطتين لعائلة من 4 أشخاص. ويتم تسلمها عبر «البطاقة الذكية» وفقاً لنظام الشرائح. كما تم منع المخابز من البيع خارج «البطاقة الذكية» باستثناء نسبة 5 في المائة من المبيعات تذهب للحالات الخاصة التي لا تملك بطاقة، كطلاب الجامعات والمقيمين في غير محافظاتهم أو غيرهم، وفق جداول بالأسماء والرقم الوطني ورقم الهاتف.
وكان رئيس مجلس الوزراء، حسين عرنوس، حاول قبل يومين «طمأنة» السوريين بالقول إن الخبز المدعوم لا يزال «خطاً أحمر لن يتم المساس به، إلا في الحدود البسيطة». وذكر موقع صحيفة «الوطن» السورية أن عرنوس قال إن القمح الذي اشترته دمشق يكفي لإنتاج الخبز لمدة شهر ونصف الشهر فقط.
ونقل الموقع الموالي للحكومة السورية عن عرنوس قوله، في اجتماع مع نقابات عمال أمس: «تم خلال العام الحالي شراء 690 ألف طن من القمح، منها 300 ألف طن في الحسكة»، في شمال شرقي سوريا، دون تحديد ما إذا كانت الكمية الباقية مشتراة محلياً أيضاً.
لكن مكتب عرنوس عاد وأوضح، أول من أمس، ضرورة أخذ تصريحات رئيس الوزراء من الأقنية الرسمية. وخلال سنوات الحرب، تحولت سوريا من بلد حقق اكتفاءً ذاتياً في إنتاج القمح إلى بلد مستورد، حيث تراجع إنتاج القمح من نحو 4 ملايين طن إلى أقل من 1.5 مليون طن عام 2019 في عموم سوريا، غالبيته يتركز في المناطق الشرقية الخارجة عن سيطرة النظام.
وتبدو الحكومة السورية التي وقعت خلال العام الماضي عقداً لاستيراد مليون و200 ألف طن قمح من روسيا، هذا العام عاجزة عن ذلك، في ظل تشديد العقوبات الاقتصادية الأميركية. كما امتنعت الإدارة الذاتية عن بيع القمح لدمشق.
يذكر أن أكثر من 9 ملايين مواطن سوري يعيشون تحت خط الفقر، مهددين بانعدام الأمن الغذائي، بحسب «برنامج الغذاء العالمي»، نتيجة افتقاد مادة الخبز، وارتفاع أسعار المواد الغذائية في سوريا، فربطة الخبز التي تباع بالسعر المدعوم بـ50 ليرة، وصل سعرها في السوق السوداء إلى ألف ليرة، بينما قفز سعر ربطة الخبز السياحي في السوق من 500 ليرة إلى 1500 ليرة خلال الشهر الأخير. وكانت الصدمة عمّت أوساط الموالين للنظام في الشارع ومواقع التواصل الاجتماع من قرار الحكومة رفع سعر لتر البنزين «الممتاز المدعوم».
وتشهد مناطق سيطرة الحكومة منذ سنوات أزمة محروقات حادة، وساعات تقنين كهرباء طويلة، تفاقمت مؤخراً بشكل كبير بسبب عدم توافر الفيول والغاز اللازمين لتشغيل محطات التوليد، مما دفع بها إلى اتخاذ سلسلة إجراءات تقشفية.
وأصدر الرئيس بشار الأسد مرسومين تشريعيين، نصّ أحدهما على صرف منحة لمرة واحد بمبلغ مقطوع قدره 50 ألف ليرة سورية، على أن تُعفى من ضريبة الدخل أو أي اقتطاع، وفق ما أوردته رئاسة الجمهورية على منصاتها الرسمية. وتضمن المرسوم الثاني تعديل «الحد الأدنى المعفى من الضريبة على دخل الرواتب والأجور، ليصبح 50 ألف ليرة سورية، بدلاً من 15 ألفاً».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.