ماذا نتعلم من الموجة الثانية للإنفلونزا الإسبانية؟

خلال موجة الخريف المميتة من وباء الإنفلونزا الذي ضرب العالم عام 1918، لقي الملايين من الناس حتفهم لأنهم لم يعرفوا ما نعرفه الآن عن كيفية انتشار الفيروسات وأمراض الجهاز التنفسي، وفقاً لشبكة «سي إن إن».
وقد نواجه مصيراً مشابهاً إذا استمر بعض الناس في تجاهل ما علمنا إياه قرن من التقدم العلمي والإدراك المتأخر حول إنهاء الأوبئة.
وظهرت جائحة الإنفلونزا الإسبانية عام 1918 على ثلاث موجات، من ربيع عام 1918 إلى شتاء عام 1919، مما أدى في النهاية إلى مقتل ما بين 50 و100 مليون شخص على مستوى العالم. وكانت الموجة الأولى في ربيع عام 1918 معتدلة نسبياً. وحدثت غالبية وفيات الإنفلونزا في خريف عام 1918، أي الموجة الثانية والأسوأ من الوباء.
ويتوقع خبراء الصحة أن تزداد إصابات «كوفيد - 19» هذا الشتاء لأن الفيروس المسبب لـه هو «كورونا»، وأن فيروسات «كورونا» الأخرى تنتشر أكثر خلال هذا الفصل. وفي الشتاء، يكون الهواء الأقل رطوبة، ويمكن للجسيمات الحاملة للفيروسات أن تبقى في الهواء لفترة أطول. بالإضافة إلى ذلك، فإن أغشية الأنف لدينا تكون أكثر جفافاً وأكثر عرضة للعدوى. ومع ازدياد برودة الطقس، نقضي مزيداً من الوقت في الداخل دون تهوية كافية، مما يعني أن احتمال انتشار الفيروس أكبر.
وقال الدكتور جيريمي براون، طبيب رعاية الطوارئ ومؤلف كتاب «الإنفلونزا: مائة عام من البحث عن أكثر الأمراض فتكاً في التاريخ»، إن «كوفيد - 19» لم «يودِ بحياة العديد من الأشخاص حتى الآن مثل الإنفلونزا. وبشكل أساسي، مات نحو 675 ألف شخص في الولايات المتحدة بنهاية جائحة عام 1918».
وتابع: «سيكون هذا الرقم اليوم ما يعادل نحو ثلاثة ملايين شخص في الولايات المتحدة. والخبر السار هو أننا لم نرَ هذه الأرقام المروعة حقاً. لكن بالطبع، القصة التي نتحدث عنها لم تنتهِ بعد».
* لماذا كانت الموجة الثانية مميتة للغاية؟
هناك العديد من الاحتمالات التي جعلت الموجة الثانية عام 1918 مروعة للغاية، بما في ذلك الفيروس الذي ربما تحور، وأنماط الحركة والسلوك البشري في ذلك الوقت. وكان الشتاء يعني أن الإنفلونزا تنتشر بشكل أكبر، وأن الناس كانوا في منازلهم في كثير من الأحيان.
وقال جون إم باري، مؤلف كتاب «الإنفلونزا العظمى: قصة أخطر جائحة في التاريخ»: «أظن أنه لم يكن قادراً على إصابة كثير من الناس في الربيع وكان عليه التكيف نوعاً ما... ثم ظهرت طفرة أكثر حدة كانت جيدة جداً في إصابة الناس».
ولدى مرضى الإنفلونزا عام 1918، غالباً ما تطور الالتهاب الرئوي سريعاً وقتل الناس في اليوم الثاني. وبسبب الحرب العالمية الأولى، سهلت تحركات القوات العسكرية والمعسكرات المزدحمة الانتشار المستشري.
وأينما سافر العسكريون، سافر الفيروس أيضاً، مما أدى إلى إصابة من 20 في المائة إلى 40 في المائة من أفراد الجيش والبحرية الأميركية في الخريف بالإنفلونزا والالتهاب الرئوي.
وذكرت دراسة أجريت عام 2010 أن «الإنفلونزا والالتهاب الرئوي قتلت الجنود والبحارة الأميركيين خلال الحرب أكثر مما قتلت أسلحة العدو».
وكانت العقبة الهائلة هي الافتقار إلى المعرفة بشخصية الفيروس وسلوكه وخطورته. وجاء الوباء قبل إدراك شكل الفيروس وكيفية عزله والتعرف عليه. ودفع الانتقام من الموجة الثانية بعض الناس والأطباء إلى الاعتقاد أنهم يتعاملون مع مرض مختلف عما أصابهم في ذلك الربيع.
وبلغت وفيات الإنفلونزا ذروتها في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 1918، الذي ربما كان الشهر الأكثر دموية للوباء.

* التأثير الاجتماعي

مزّقت إنفلونزا عام 1918 نسيج المجتمع. ما يقرب من نصف الوفيات كانت بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و40 عاماً، على عكس الوباء الحالي، حيث يعتبر كبار السن أكثر عرضة للإصابة بأمراض خطيرة والوفاة من «كورونا».
وتم إلغاء وإغلاق العديد من الفعاليات والمدارس والأماكن العامة.
وفرضت السلطات قوانين ارتداء الأقنعة وإجراءات عقابية بما في ذلك غرامات ضد الأشخاص الذين يخالفون القواعد.
وكان الفيروس يصيب في الغالب البالغين في أوج عطائهم يعني أن العديد من الأطفال فقدوا أحد والديهم أو كليهما. ولقد فقد العالم أجيالاً من الشباب.
* ميزة العصر الحديث
بالانتقال إلى عام 2020، أتاحت لنا التطورات العلمية المتعددة ميزة طفيفة في التخفيف من انتشار وآثار أمراض الجهاز التنفسي مثل الإنفلونزا و«كورونا». وسمحت التحسينات التكنولوجية للباحثين بمشاهدة الخلايا والفيروسات من خلال المجاهر الإلكترونية، مما يتيح أيضاً التقاط ملايين الصور لها. ويمكن لعلماء الأحياء الدقيقة الآن عزل وتحديد ووصف بنية الفيروسات.
وقالت جينا كولاتا، مراسلة العلوم والطب في صحيفة «نيويورك تايمز»: «رغم أننا نجري اختبارات فيروس (كورونا)، فإن أحد أوجه القصور هو أننا لا نمتلك قدرة كافية على الاختبار وأن الاختبارات تستغرق وقتاً طويلاً».
وأضافت: «وعندما تبدأ في الإصابة بشيء مثل فيروس (كورونا) حيث يمكن أن تحاكي الأعراض أعراض الإنفلونزا (حمى شديدة وقشعريرة) يمكنك إرباك نظام الاختبار بسهولة حقاً إذا بدأ موسم الإنفلونزا بالفعل».
* ما الذي نستطيع فعله؟
رغم أن حالات «كورونا» تتزايد ويمكن أن ترتفع هذا الشتاء، فإن هناك أشياء يمكننا القيام بها لوقف انتشاره. ولا تزال الاحتياطات مثل التباعد الجسدي وتجنب التجمعات والسفر غير الضروري وغسل اليدين وارتداء الأقنعة مهمة.
ويمكن أن يساعد تخزين المواد الغذائية والطبية والتأهب للطوارئ بطريقة مسؤولة وتراعي الآخرين، في الحد من الرحلات إلى المتاجر، وبالتالي تقليل فرص انتشار الوباء.
وفي عام 1918، لم يكن هناك لقاح معتمد ومنظم. هذه المرة مع فيروس «كورونا»، تقوم «وارب سبيد» وبرامج أخرى باختبار اللقاحات لتتمكن من توفيرها للناس بحلول ربيع عام 2021.