بصرف النظر عن الادعاءات والشكوك التي أطلقت طوال فترة الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة، اقتربت ساعة الحقيقة في المنافسة بين الرئيس دونالد ترمب الذي يسعى إلى البقاء أربع سنوات إضافية في البيت الأبيض، ونائب الرئيس السابق جو بايدن الذي يجهد لإنهاء عهد خصم عنيد يرفض أن يعلن مسبقاً ما إذا كان سيقبل النتائج، بعد فرز الأصوات في ليل 3 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
أدت المعركة الانتخابية معطوفة على المخاوف من انتشار فيروس «كوفيد - 19» في الولايات المتحدة، إلى ارتفاع الإقبال على الاقتراع المبكر وبواسطة البريد، ليصل إلى مستويات قياسية، بعدما بلغ أكثر من 75 مليون شخص يشكلون أكثر من 50 في المائة من عدد الذين اقترعوا في انتخابات عام 2016 (138 مليوناً و847 ألف ناخب). ويتوقع أن يصل العدد إلى نحو 91 مليون أميركي من الذين سجلوا للإدلاء بأصواتهم قبل موعد 3 نوفمبر. وازدادت الشكوك بعدما كرّر ترمب أكثر من مرة أن هناك عمليات «تزوير» و«احتيال» تحصل في البطاقات الانتخابية عبر البريد، علما بأن نحو 48 في المائة من هؤلاء مسجلون في لوائح الحزب الديمقراطي، ونحو 29 في المائة مسجلون في لوائح الحزب الجمهوري، و22 في المائة مسجلون في لوائح ليست محددة لهذا الطرف أو ذاك. وهذا يعني تلقائياً أن بايدن لديه الحصة الكبرى من الذين انتخبوا في وقت مبكر أو عبر البريد. وبينما تبقى الورقة المستورة عند الذين ينوون الإدلاء بأصواتهم في يوم الانتخاب، يتساءل مراقبو عمليات الاقتراع والأجواء المحيطة بها عما إذا كانت كل هذه الأسباب والعوامل مجتمعة ستسمح بإعلان الفائز في ليلة الانتخابات.
سوابق أميركية
على الرغم من أن هناك جوانب لا سابق لها في انتخابات 2020، واجهت الولايات المتحدة أجواء متوترة ومشحونة خلال فترة الانتخابات أو بعدها. وتدل الأمثلة القليلة على الانتخابات المتنازع عليها في التاريخ الأميركي أنها وقعت على خلفية الانقسامات الحزبية العميقة. وهذا يعني أنه حتى بعد إعلان الفائز، ستكون هناك عواقب لهذه الانتخابات يمكن أن تستمر لعقود. هذه المرة يدعي ترمب أن العدد غير المسبوق من بطاقات الاقتراع عبر البريد سيؤدي إلى احتيال لمصلحة الديمقراطيين. ولذلك، يرفض التزام التداول السلمي للسلطة إذا أدى فرز الأصوات إلى إعلان خسارته. وكان هذا بمثابة إعلان نية بأن ترمب سيطعن في النتائج. وإذا فعل، فستدخل البلاد في دوامة من المواجهات القانونية والسياسية التي يمكن أن تقرر فيها الرئاسة من قبل مجموعة من المحاكم وساسة الولايات والكونغرس.
منازعات قضائية
تظهر بيانات التصويت المبكر أن الديمقراطيين يصوتون عبر البريد بأعداد أكبر بكثير من الجمهوريين. وفي ولايات مثل بنسلفانيا وويسكونسن، يعتقد الخبراء أن تأخير إعلان نتائج الانتخابات يمكن أن يوحي بشكل خاطئ بأن ترمب حسم المعركة قبل أن يكتمل فرز بطاقات الاقتراع عبر البريد، علما بأن هذه الأصوات لمصلحة بايدن. ويمكن أن تؤدي النتائج المتقاربة في الولايات المتأرجحة إلى عمليات تقاض حول إجراءات التصويت وفرز الأصوات. ويمكن أن تصل القضايا المرفوعة في هذه الولايات إلى المحكمة العليا في نهاية المطاف، مثلما حصل في انتخابات فلوريدا لعام 2000، عندما فاز الجمهوري جورج دبليو بوش على الديمقراطي آل غور بفارق 537 صوتاً فقط حين أوقفت المحكمة العليا عملية إعادة الفرز.
المجمع الانتخابي
يحدد الدستور الأميركي المرشح الفائز بمن يحصل على أكثرية 270 من الأصوات الـ538 في المجمع الانتخابي (ويسمى كل واحد من هذه الأصوات الـ538 باسم «الناخب»)، وليس بمن يحصل على غالبية التصويت الشعبي. ولعل أبرز مثال على ذلك أن ترمب خسر التصويت الشعبي أمام هيلاري كلينتون عام 2016، لكنه حصل على 304 أصوات مقابل 227 لها في المجمع الانتخابي. ويجتمع الناخبون الـ538 في 14 ديسمبر (كانون الأول) للإدلاء بأصواتهم. ويلتقي مجلسا الكونغرس في 6 يناير (كانون الثاني) لفرز الأصوات وتسمية الفائز. ويشير بعض الأكاديميين إلى سيناريو محتمل يقدم فيه الحاكم والمجلس التشريعي في ولاية ما متنازع عليها، نتيجتين انتخابيتين مختلفتين. وهذا ما يمكن أن يحصل في ولايات متأرجحة مثل بنسلفانيا وميشيغن وويسكونسن ونورث كارولينا التي يوجد لديها حكام ديمقراطيون ومجالس تشريعية يسيطر عليها الجمهوريون.
ووفقاً لخبراء قانونيين، من غير الواضح في هذا السيناريو ما إذا كان يتعين على الكونغرس قبول النتيجة التي تأتي من الحاكم أو غيره. ومع أن معظم الخبراء لا يرجحون هذا السيناريو، سجلت سوابق في فلوريدا عام 2000. وفي عام 1876، عينت ثلاث ولايات «ناخبين متنازعين»، مما دفع الكونغرس في العام التالي إلى إصدار قانون «الفرز الانتخابي»، الذي يطلب من مجلسي النواب والشيوخ الجديدين أن يحسم كل منهما بشكل منفصل أي لائحة من «الناخبين المتنازعين» يجب قبولها. وبما أن الكونغرس الجديد يؤدي اليمين في 3 يناير، لا يعرف ما يمكن أن يحصل إذا احتفظ الجمهوريون بسيطرتهم على مجلس الشيوخ وبقي الديمقراطيون مسيطرين على مجلس النواب، واختلفا على النتيجة. وهناك أيضاً سيناريوهات أكثر تعقيداً يمكن أن تؤدي إلى قضايا في المحاكم أو حتى إلى إلغاء جزء من الأصوات الانتخابية.
«انتخابات طارئة»
يطرح بعض المراقبين سيناريو مستبعدا، يبحث عدم حصول أي من المرشحين على أكثرية الأصوات الانتخابية، ما سيؤدي إلى «انتخابات طارئة»، وفق وكالة «رويترز». وهذا يعني أن مجلس النواب يختار الرئيس المقبل، بينما يختار مجلس الشيوخ نائب الرئيس، على أن يحصل وفد كل ولاية على صوت واحد في مجلس النواب. وتجرى الانتخابات الطارئة أيضاً إذا تعادل المرشحان 269 - 269 في المجمع الانتخابي. وهناك العديد من المسارات المعقولة للوصول إلى طريق مسدود خلال هذا العام، فأي نزاع انتخابي في الكونغرس سينتهي قبل موعد نهائي محدد في 20 يناير، عندما تنتهي ولاية الرئيس الحالي وفقاً لنص الدستور. وبموجب قانون الخلافة الرئاسي، إذا لم يعلن الكونغرس اسم الفائز بالرئاسة أو نائب الرئيس بحلول ذلك الوقت، فسيكون رئيس مجلس النواب بمثابة الرئيس بالنيابة. وفي الوضع الحالي تتولى المنصب رئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي.