سامي محمد.. صاحب النسيج المتفرد من الحجر واللون

أول كويتي يروض الصخر وتدخل أعماله المزادات العالمية

الفنان سامي محمد  -  سامي محمد يضع لمسات أخيرة على إحدى منحوتاته
الفنان سامي محمد - سامي محمد يضع لمسات أخيرة على إحدى منحوتاته
TT

سامي محمد.. صاحب النسيج المتفرد من الحجر واللون

الفنان سامي محمد  -  سامي محمد يضع لمسات أخيرة على إحدى منحوتاته
الفنان سامي محمد - سامي محمد يضع لمسات أخيرة على إحدى منحوتاته

يتعامل النحات الكويتي سامي محمد مع الصخر، مثل شاعر لم يجد ورقة يكتب عليها قصيدة، وكتب على منديل. ويبدو الإزميل في يده مثل ريشة رسام تشكيلي. بين يديه تتحول الحجارة الصماء إلى كائنات بشرية صارخة. ينحت وجه إنسان له أكثر من فم مكمم، بكل ما يعنيه هذا التشكيل، ويصنع أناسا لهم عذاباتهم. لذلك، فهو «يؤنسن» الحجر، ويجعل المتلقي يتعاطف مع الصخر الذي يبدو مغموسا بالألم.
تلتقي الفنان سامي محمد، الذي وصل إلى العالمية، وحين تنظر إلى كفيه تلمس مظهرهما الشاعري، وتستغرب كيف للحجر أن يطيع هذا النبض الشفيف.
حظي سامي محمد بتقدير شعبي، فأطلقت مجموعة اسمه على ملتقاها الأدبي. ثم تشكلت مجموعة شبابية أخرى من الفنانين التشكيليين، سموا أنفسهم باسم مجموعة «سامي محمد»، الذي حظي بتقدير رسمي من خلال نيله جائزة الدولة. وأصبح له حضوره العالمي. وصارت أعماله تدرّس في بعض الجامعات الأجنبية. وحصل على دبلوم تقدير من «كان سيرلامير» في فرنسا. وفي رصيده اليوم، عدد كبير جدا من الجوائز الذهبية. وهو أول فنان كويتي تدخل أعماله المزادات العالمية من قبل صالة كرستي العالمية. كما حصل على جائزة الإبداع من مؤسسة الفكر العربي.

* ولادة مع الطين
الطين الذي يستخدمه الفنان سامي محمد في أعماله، كان ذات يوم، المنزل الذي عاش فيه حين ولد في عام 1943. في حي الصوابر بمنطقة شرق، وهو أحد أقدم أحياء مدينة الكويت القديمة. كان والده خياط «بشوت»، وكان فنانا أيضا في مجاله، اشتهر بتطريز زخارف «الكرمك» التي يزين بها حواشي البشت. وقد توفي لاحقا في السعودية.
بدأ سامي محمد رحلته مع النحت في سن العاشرة. وقدم أول عمل له في مدرسته، وحصل به على أول جائزة في حياته، من مدير دائرة المعارف، آنذاك، الشيخ عبد الله الجابر. وفي عام 1966. حصل على منحة دراسية في الخارج، فالتحق بكلية الفنون الجميلة في القاهرة، وتخرج منها عام 1970. وأسس بعدها بعام، بالتعاون مع عدد آخر من الفنانــين التشــكيليين، الجمعيــة الكويتية للفنون التشكيلية. ثم منح بعثة دراسية أخرى في الخـــارج، من قبل وزارة الإعلام. فالتحق في عام 1974 «بمعهد ومحترف جونسون التقني للنحت» في مدينة برنستون، ولاية نيوجيرسي الأميركية. وحين تلمسوا براعته، صار يعطي الطلاب المستجدين هناك دروسا في تشريح الجسم البشري.
وأخذ يمثـــل بلده في الكثير من المحافل الفنية العالمية، مثل تورونتو ومونتـريال الكنديتين، وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا، وغيرها.
حين يحدثك سامي محمد عن مشواره، يؤلمك أنه يمر على محطة يحكيها ولا يواريها، وذلك حين أصيب بمرض في القلب، ويسميهــــا طبيا: «أرثمية القلب». اصطحبني ذات أمسية في سيارته، فلفت نظري أسطوانة أكسجين يضعها في المقعد الخلفي للسيارة. ولم يـــدع فضولي يطول إذ أخبرني بأنه قد يحتاجها للتنفس في أي لحظة. مع ذلك، ما زال سامي محمد يبدع وبقوة حتى الآن، ويقهر الصخر بقلب مرهف. لكنه قوي كما الحرير، نعومته لا تعني ضعفه. لذلك فهو يسمي مجموعاتـــــه النحتية بأسماء حادة، مثل: «الغضب»، «بعد الانفجار»، «هاجس الحرية».
له تفرده، فهو يحمل موهبتـــــين توأمتين بداخله: الأولى هي النحت، والثانية هـــــي الرســــــم التشكيلي. في موهبته الأولى، اشتهر الفنان سامي محمد بأعماله التــــي تجســـــد الإنسان وهــــو في حالات الخلاص والانعتاق أو المعاناة. بينما يهوى في أعماله التشكيلية رسم التراث ومفردات البيئة القديمة، ليكتمل في إبداعه هذا النسيج المتفرد من حجر ولون.



«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية
TT

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ حول منظومتها، لتقوم بطرح أسئلة تُفند بها ذلك الخطاب بداية من سؤالها: «هل تحتاج الأمومة إلى كتاب؟»، الذي تُبادر به القارئ عبر مقدمة تسعى فيها لتجريد كلمة «أمومة» من حمولاتها «المِثالية» المرتبطة بالغريزة والدور الاجتماعي والثقافي المُلتصق بهذا المفهوم، ورصد تفاعل الأدبين العربي والعالمي بتجلياتهما الواسعة مع الأمومة كفِعل وممارسة، وسؤال قبل كل شيء.

صدر الكتاب أخيراً عن دار «تنمية» للنشر بالقاهرة، وفيه تُفرد أبو النجا أمام القارئ خريطة رحلتها البحثية لتحري مفهوم الأمومة العابرة للحدود، كما تشاركه اعترافها بأنها كانت في حاجة إلى «جرأة» لإخراج هذا الكتاب للنور، الذي قادها «لاقتحام جبل من المقدسات، وليس أقدس من الأمومة في مجتمعاتنا ولو شكلاً فقط»، كما تقول، وتستقر أبو النجا على منهجية قراءة نصوص «مُتجاورة» تتقاطع مع الأمومة، لكاتبات ينتمين إلى أزمنة وجغرافيات مُتراوحة، ومُتباعدة حتى في شكل الكتابة وسياقها الداخلي، لاستقراء مفهوم الأمومة وخطابها كممارسة عابرة للحدود، ومحاولة فهم تأثير حزمة السياسات باختلافها كالاستعمارية، والقبلية، والعولمة، والنيوليبرالية، وغيرها.

فِعل التئام

يفتح اختيار شيرين أبو النجا للنصوص الأدبية التي تستعين بها في كتابها، في سياق القراءة المُتجاورة، مسرحاً موازياً يتسع للتحاوُر بين شخصيات النصوص التي اختارتها وتنتمي لأرضيات تاريخية ونفسية مُتشعبة، كما ترصد ردود أفعال بطلاتها وكاتباتها حِيال خبرات الأمومة المُتشابهة رغم تباعد الحدود بينها، لتخرج في كتابها بنص بحثي إبداعي موازِ يُعمّق خبرة النصوص التي حاورت فيها سؤال الأمومة.

يضع الكتاب عبر 242 صفحة، النصوص المُختارة في مواجهة المتن الثقافي الراسخ والنمطي لمنظومة الأمومة، تقول الكاتبة: «الأمومة مُتعددة، لكنها أحادية كمؤسسة تفرضها السلطة بمساعدة خطاب مجتمعي»، وتتوقف أبو النجا عند كتاب «كيف تلتئم: عن الأمومة وأشباحها»، صدر عام 2017 للشاعرة والكاتبة المصرية إيمان مرسال بوصفه «الحجر الذي حرّك الأفكار الساكنة المستكينة لفكرة ثابتة عن الأمومة»، على حد تعبير أبو النجا.

تتحاور الكاتبة مع منطق «الأشباح» وتتأمل كيف تتحوّل الأمومة إلى شبح يُهدد الذات سواء على المستوى النفسي أو مستوى الكتابة، تقول: «في حياة أي امرأة هناك كثير من الأشباح، قد لا تتعرف عليها، وقد تُقرر أن تتجاهلها، وقد تتعايش معها. لكن الكتابة لا تملك رفاهية غض الطرف عن هذه الأشباح»، ومن رحِم تلك الرؤية كانت الكتابة فعل مواجهة مع تلك «الشبحية»، ومحاولة تفسير الصراع الكامن بين الذات والآخر، باعتبار الكتابة فعلاً يحتاج إلى ذات حاضرة، فيما الأمومة تسلب تلك الذات فتصير أقرب لذات منشطرة تبحث عن «التئام» ما، ويُجاور الكتاب بين كتاب إيمان مرسال، وبين كتاب التركية إليف شافاق «حليب أسود: الكتابة والأمومة والحريم»، إذ ترصد أبو النجا كيف قامت الكاتبتان بتنحّية كل من الشِعر والسرد الروائي جانباً، في محاولة للتعبير عن ضغط سؤال الأمومة وفهم جوهرها بعيداً عن السياق الراسخ لها في المتن الثقافي العام كدور وغريزة.

تقاطعات الورطة

ترصد أبو النجا موقع النصوص التي اختارتها ثقافياً، بما يعكسه من خصائص تاريخية وسياسية ومُجتمعية، المؤثرة بالضرورة على وضع الأمومة في هذا الإطار، فطرحت مقاربةً بين نص المُستعمِر والمُستعمَر، مثلما طرحت بمجاورة نصين لسيمون دو بوفوار المنتمية لفرنسا الاستعمارية، وآخر لفاطمة الرنتيسي المنتمية للمغرب المُستعمرة، اللتين تشير الكاتبة إلى أن كلتيهما ما كان من الممكن أن تحتلا الموقع الذي نعرفه اليوم عنهما دون أن تعبرا الحدود المفروضة عليهما فكرياً ونفسياً ومجتمعياً.

كما تضع كتاب «عن المرأة المولودة» للأمريكية إدريان ريتش، صدر عام 1976، في إطار السياق الاجتماعي والقانوني والسياسي الذي حرّض آنذاك على انتقاد الرؤى الثابتة حول تقسيم الأدوار بين الجنسين وبين ما يجب أن تكون عليه الأم النموذجية، ما أنعش حركة تحرير النساء التي خرجت من عباءة الأحزاب اليسارية والحركات الطلابية آنذاك، وتشير إلى أن هذا الكتاب أطلق على الأمومة اسم «مؤسسة» بما يجابه أطراف المؤسسة الذكورية التي ترسم بدقة أدوار النساء في العائلة وصورهن، وصاغت ريتش هذا الكتاب بشكل جعله يصلح للقراءة والتأمل في بيئات مُغايرة زمنياً وجغرافياً، ويخلق الكتاب تقاطعات بين رؤية ريتش مع تجربة شعرية لافتة بعنوان «وبيننا حديقة» للشاعرتين المصريتين سارة عابدين ومروة أبو ضيف، الذي حسب تعبير شيرين أبو النجا، يمثل «حجراً ضخماً تم إلقاؤه في مياه راكدة تعمل على تعتيم أي مشاعر مختلفة عن السائد في بحر المُقدسات»، والذات التي تجد نفسها في ورطة الأمومة، والتضاؤل في مواجهة فعل الأمومة ودورها. تجمع شيرين أبو النجا بين النص الأميركي والديوان المصري اللذين يفصل بينهما نحو 40 عاماً، لتخرج بنص موازِ يُعادل مشاعر الأم (الكاتبة) وانسحاقها أمام صراع بين القدرة والعجز، والهوية وانسحاقها، لتقول إنه مهما تعددت الأسئلة واشتد الصراع واختلفت تجلياته الخطابية انسحبت الكاتبات الثلاث إلى حقيقة «تآكل الذات»، وابتلاع الأمومة للمساحة النفسية، أو بتعبير الشاعرة سارة عابدين في الديوان بقولها: «حروف اسمي تتساقط كل يوم/ لأزحف أنا إلى هامش يتضاءل/ جوار متن الأمومة الشرس».

في الكتاب تبرز نماذج «الأم» المُتعددة ضمن ثيمات متفرقة، فتضعنا الناقدة أمام نموذج «الأم الأبوية» التي تظهر في شكلها الصادم في أعمال المصرية نوال السعداوي والكاريبية جامايكا كينكد التي تطرح الكاتبة قراءة تجاورية لعمليهما، وتتوقف عند «الأم الهاربة» بقراءة تربط بين رواية «استغماية» للمصرية كاميليا حسين، وسيرة غيرية عن الناقدة الأمريكية سوزان سونتاغ، وهناك «الأم المُقاومة» في فصل كرسته لقراءة تفاعل النص الأدبي الفلسطيني مع صورة الأم، طارحة تساؤلات حول مدى التعامل معها كرمز للأرض والمقاومة، فيما تُشارك شيرين أبو النجا مع القارئ تزامن انتهائها من هذا الكتاب مع «طوفان الأقصى» وضرب إسرائيل لغزة، في لحظة مفصلية تفرض سؤالها التاريخي: ماذا عن الأم الفلسطينية؟ أمهات الحروب؟ الأمهات المنسيات؟