إلى أين تتجه «السفينة» البريطانية بعد مغادرتها «المرفأ» الأوروبي؟

رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون (رويترز)
رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون (رويترز)
TT

إلى أين تتجه «السفينة» البريطانية بعد مغادرتها «المرفأ» الأوروبي؟

رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون (رويترز)
رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون (رويترز)

قبل سنة من الآن، كان الاهتمام في أوروبا منصباً على عقد اتفاق يتيح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بطريقة منظمة، بمعنى أن يكون «بريكست» بمثابة طلاق ودّي. وقد خاض رئيس الوزراء بوريس جونسون معركة مريرة داخل حزب المحافظين ليزيح تيريزا ماي، ثم ليتسلم زعامة الحزب فرئاسة الوزراء. بعد ذلك، خاض معركة تفاوضية شاقة مع الاتحاد ليعدّل اتفاق الخروج، ونجح في ذلك وفي إقناع النواب البريطانيين بالمصادقة عليه، وضمن خروج بلاده من التكتل القارّي في نهاية العام المنصرم.
ظن الجميع أن القطار انطلق على السكة الصحيحة، وأن المرحلة الانتقالية التي يشكلها العام 2020 ستفضي إلى عقد اتفاق تجاري كبير بين لندن وبروكسل يرسي أسس علاقة مميزة على ضفتي بحر المانش. إلا أن العام يدخل شهريه الأخيرين والأمور عالقة، وبالتالي لا آفاق واضحة لشكل العلاقة بين الجانبين بعد أن تنتهي مفاعيل الأنظمة الأوروبية التي ظلت تحكم الروابط خلال العام الحالي.
شروط من هنا، وشروط مضادة من هناك، خلاف على الصيد البحري، وعودة إلى الواجهة لمسألة الحدود بين آيرلندا الشمالية التي تشكل جزءاً من المملكة المتحدة وجهورية آيرلندا المنتمية إلى الاتحاد الأوروبي...
كل هذا وسواه يدفع إلى السؤال إلى أين تتجه بريطانيا في علاقتها الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي؟
بعد جولات من المفاوضات بين الفريقين بقيادة الدبلوماسي الفرنسي ميشال بارنييه عن الجانب الأوروبي والوزير ديفيد فروست عن الجانب البريطاني، لم يسفر «الاشتباك» عن شيء ملموس.
وفيما تضغط المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في اتجاه التوصل إلى تسوية، تساندها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين، تنقل صحيفة «ذا غارديان» البريطانية عن مسؤولين أوروبيين اعتقادهم أن بوريس جونسون يتريّث في انتظار ما ستؤول إليه نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني). ويرى إيفان رودجرز الذي كان ممثل بريطانيا في مقر الاتحاد الأوروبي ببروكسل بين 2013 و2017، أن رئيس الوزراء البريطاني سيخاطر على الأرجح بعدم عقد اتفاق إذا فاز صديقه دونالد ترمب المؤيد لـ«بريكست» على خصمه الديمقراطي جو بايدن.
يضيف روجرز أن مسؤولين أوروبيين عدة يعتقدون أن جونسون سيستخلص من فوز ترمب، إن حصل، أن «التاريخ يسير في مصلحته» مع بقاء حليفه اليميني في البيت الأبيض. وبالتالي، من المرجح أن يخال أنه يستطيع أن يبرم صفقة تجارية سريعة وكبيرة مع الاتحاد الأوروبي، في حين أن إدارة بايدن ستعطي الأولوية لإعادة بناء العلاقات مع الاتحاد التي تضررت في عهد ترمب لأسباب عدة أهمها العلاقات التجارية.
أبعد من ذلك، ثمة اعتقاد أن بايدن وأركان حزبه لا يملكون الكثير من الإعجاب بجونسون وفريقه، ويظنون أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لم يضعف الأخير فحسب بل الغرب عموماً. وبالتالي ستجنح إدارة ديمقراطية في البيت الأبيض إلى تعزيز علاقة واشنطن ببرلين وباريس وكذلك بقيادة الاتحاد في بروكسل، على حساب لندن.

*حرية قرار؟
يصفّق جونسون وفريقه وكل الجمهور البريطاني الذي اختار تأييد «بريكست» في استفتاء يونيو (حزيران) 2016 الذي أجرته حكومة ديفيد كاميرون، لمغادرة الاتحاد القارّي واستعادة حرية القرار الاقتصادي وإلى حد ما السياسي. وفي أذهان هؤلاء تاريخ طويل من الفرادة والتميز عن البرّ الأوروبي في بلاد لا تحتفل بعيد استقلال لأنها لم تُطوَّع.
وها هو بوريس جونسون وبتشجيع من مؤيدي «بريكست»، يصر على أن بريطانيا ستزدهر أياً يكن شكل العلاقة مع الاتحاد الأوروبي. وفي 16 أكتوبر (تشرين الأول) صارح الرجل شعبه عندما قال إن المملكة المتحدة قد تدخل عام 2021 دون اتفاق بشأن العلاقة المستقبلية. ودعا البريطانيين إلى عدم القلق وتقبّل هذا الاحتمال بثقة وتفاؤل.
الأمر الوحيد المؤكد سواء توصلت لندن وبروكسل إلى اتفاق أو لا، هو أن العلاقة الاقتصادية بين الجانبين ستتغير في العمق. فبدلاً من التجارة المفتوحة تماماً التي ميزت تلك العلاقة منذ اعتماد السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي عام 1993، تتجه المملكة المتحدة نحو روابط تجارية مثقلة بالحواجز والعوائق. وهذا أمر حيوي للكثير من الشركات البريطانية والعاملين لديها. وقبل أيام طالبت مجموعة من الشركات الصناعية في المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي بإبرام اتفاق يحافظ على فعالية سلاسل التوريد والخدمات اللوجستية لكي تبقى المصانع تعمل من دون عوائق.
وتشكل صناعة السيارات مثالاً ساطعاً هنا. ففي 2019 أنتجت بريطانيا 1.3 مليون سيارة، صدرت منها أكثر من مليون، ومن المليون نحو 600 ألف إلى دول الاتحاد الأوروبي. فكيف سيحصل التصدير الآن إلى هذه الدول إذا فُرضت رسوم جمركية؟ بل كيف سيتواصل التصنيع الذي يعتمد في أجزاء واسعة منه على قطع تستوردها بريطانيا من دون رسوم حالياً من دول الاتحاد؟ وهل ستبقى شركات صناعة السيارات الأجنبية في بريطانيا في هذه الحالة أم تغلق أبوابها وتذهب إلى بلدان أخرى؟
وقد أُفهم المفاوض البريطاني ديفيد فروست مراراً وتكراراً أن السيارات البريطانية التي ستصدَّر إلى الاتحاد الأوروبي لن تعفى من الرسوم والحواجز الجمركية، وبالتالي ستواجه هذه الصناعة الحيوية الكثير من الصعاب بدءاً من العام 2021.
ويتضح حجم المشكلة أكثر إذا سحبناها على مجمل النشاط التجاري في بلاد لطالما اعتمدت على التجارة والتصدير، علماً أن دول الاتحاد الأوروبي هي الشريك التجاري الأول للمملكة المتحدة.

*آفاق فك الارتباط
من هنا يبدو مذهلاً في عالم يزداد فيه التداخل والتشابك في الروابط الاقتصادية أن تجنح بلاد إلى فك ارتباطها والتخلي عن عضويتها في نادٍ حقق، رغم الصعاب، نجاحات كثيرة. وثمة من يتوقع أن يعي البريطانيون بعد بضع سنوات أن عليهم أن يطلبوا إقامة علاقات تجارية حرة مع الاتحاد الأوروبي، على غرار علاقات سويسرا والنرويج معه، أي بشروط بروكسل، وإلا ستعاني بريطانيا اقتصادياً معاناة كبيرة.
وليس من شك هنا في أن وحدة المملكة المتحدة ستكون على المحك إذا تعثرت المغامرة الاقتصادية، وأول من سيطالب بالاستقلال ستكون اسكوتلندا، وربما في موازاة عودة الاضطرابات إلى آيرلندا الشمالية بسبب مسألة الحدود مع آيرلندا...
فهل نرى لندن تراجع حساباتها بعد بضعة أعوام في اتجاه طرق الباب الأوروبي مجدداً؟
سؤال يجيب عنه المستقبل المتوسّط، وهو بحث آخر له وقت آخر.



لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
TT

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)

يمثل الصعود العسكري للصين، وبخاصة برنامج تحديث ترسانتها النووية، هاجساً قوياً لدى دوائر صناعة القرار والتحليل السياسي والاستراتيجي في الولايات المتحدة، خصوصاً في ظل التقارب المزداد بين بكين، وموسكو التي تلوح بمواجهة عسكرية مباشرة مع الغرب على خلفية الحرب التي تخوضها حالياً في أوكرانيا.

وفي تحليل نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، يتناول ستيفن سيمبالا أستاذ العلوم السياسية في جامعة براندواين العامة بولاية بنسلفانيا الأميركية، ولورانس كورب ضابط البحرية السابق والباحث في شؤون الأمن القومي في كثير من مراكز الأبحاث والجامعات الأميركية، مخاطر التحالف المحتمل للصين وروسيا على الولايات المتحدة وحلفائها.

ويرى الخبراء أن تنفيذ الصين لبرنامجها الطموح لتحديث الأسلحة النووية من شأنه أن يؤدي إلى ظهور عالم يضم 3 قوى نووية عظمى بحلول منتصف ثلاثينات القرن الحالي؛ وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين. في الوقت نفسه، تعزز القوة النووية الصينية المحتملة حجج المعسكر الداعي إلى تحديث الترسانة النووية الأميركية بأكملها.

وأشار أحدث تقرير للجنة الكونغرس المعنية بتقييم الوضع الاستراتيجي للولايات المتحدة والصادر في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلى ضرورة تغيير استراتيجية الردع الأميركية للتعامل مع بيئة التهديدات النووية خلال الفترة من 2027 إلى 2035. وبحسب اللجنة، فإن النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والقيم التي يستند إليها يواجه خطر نظام الحكم المستبد في الصين وروسيا. كما أن خطر نشوب صراع عسكري بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا يزداد، وينطوي على احتمال نشوب حرب نووية.

ولمواجهة هذه التحديات الأمنية، أوصت اللجنة الأميركية ببرنامج طموح لتحديث الترسانة النووية والتقليدية الأميركية، مع قدرات فضائية أكثر مرونة للقيام بعمليات عسكرية دفاعية وهجومية، وتوسيع قاعدة الصناعات العسكرية الأميركية وتحسين البنية التحتية النووية. علاوة على ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى تأمين تفوقها التكنولوجي، وبخاصة في التقنيات العسكرية والأمنية الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وتحليل البيانات الكبيرة، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية.

ولم يقترح تقرير اللجنة أرقاماً دقيقة للأسلحة التي تحتاجها الولايات المتحدة ولا أنواعها، لمواجهة صعود الصين قوة نووية منافسة وتحديث الترسانة النووية الروسية. ورغم ذلك، فإن التكلفة المرتبطة بتحديث القوة النووية الأميركية وبنيتها التحتية، بما في ذلك القيادة النووية وأنظمة الاتصالات والسيطرة والدعم السيبراني والفضائي وأنظمة إطلاق الأسلحة النووية وتحسين الدفاع الجوي والصاروخي للولايات المتحدة، يمكن أن تسبب مشكلات كبيرة في الميزانية العامة للولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، فالأمر الأكثر أهمية هو قضية الاستراتيجية الأميركية والفهم الأميركي للاستراتيجية العسكرية الصينية والروسية والعكس أيضاً، بما في ذلك الردع النووي أو احتمالات استخدامه الذي يظهر في الخلفية بصورة مثيرة للقلق.

في الوقت نفسه، يرى كل من سيمبالا صاحب كثير من الكتب والمقالات حول قضايا الأمن الدولي، وكورب الذي عمل مساعداً لوزير الدفاع في عهد الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، أنه من المهم تحديد مدى تنسيق التخطيط العسكري الاستراتيجي الروسي والصيني فيما يتعلق بالردع النووي والبدء باستخدام الأسلحة النووية أو القيام بالضربة الأولى. وقد أظهر الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين، تقارباً واضحاً خلال السنوات الأخيرة، في حين تجري الدولتان تدريبات عسكرية مشتركة بصورة منتظمة. ومع ذلك فهذا لا يعني بالضرورة أن هناك شفافية كاملة بين موسكو وبكين بشأن قواتهما النووية أو خططهما الحربية. فالقيادة الروسية والصينية تتفقان على رفض ما تعدّانه هيمنة أميركية، لكن تأثير هذا الرفض المشترك على مستقبل التخطيط العسكري لهما ما زال غامضاً.

ويمكن أن يوفر الحد من التسلح منتدى لزيادة التشاور بين الصين وروسيا، بالإضافة إلى توقعاتهما بشأن الولايات المتحدة. على سبيل المثال، حتى لو زادت الصين ترسانتها النووية الاستراتيجية إلى 1500 رأس حربي موجودة على 700 أو أقل من منصات الإطلاق العابرة للقارات، سيظل الجيش الصيني ضمن حدود معاهدة «ستارت» الدولية للتسلح النووي التي تلتزم بها الولايات المتحدة وروسيا حالياً. في الوقت نفسه، يتشكك البعض في مدى استعداد الصين للمشاركة في محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، حيث كانت هذه المحادثات تجري في الماضي بين الولايات المتحدة وروسيا فقط. ولكي تنضم الصين إلى هذه المحادثات عليها القبول بدرجة معينة من الشفافية التي لم تسمح بها من قبل بشأن ترسانتها النووية.

وحاول الخبيران الاستراتيجيان سيمبالا وكورب في تحليلهما وضع معايير تشكيل نظام عالمي ذي 3 قوى عظمى نووية، من خلال وضع تصور مستقبلي لنشر القوات النووية الاستراتيجية الأميركية والروسية والصينية، مع نشر كل منها أسلحتها النووية عبر مجموعة متنوعة من منصات الإطلاق البرية والبحرية والجوية. ويظهر التباين الحتمي بين الدول الثلاث بسبب الاختلاف الشديد بين الإعدادات الجيوستراتيجية والأجندات السياسة للقوى الثلاث. كما أن خطط تحديث القوة النووية للدول الثلاث ما زالت رهن الإعداد. لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة وروسيا ستواصلان خططهما لتحديث صواريخهما الباليستية العابرة للقارات والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة بأجيال أحدث من منصات الإطلاق في كل فئة، في حين يظل الغموض يحيط بخطط الصين للتحديث.

ورغم أن الولايات المتحدة تمتلك ترسانة نووية تتفوق بشدة على ترسانتي روسيا والصين، فإن هذا التفوق يتآكل بشدة عند جمع الترسانتين الروسية والصينية معاً. فالولايات المتحدة تمتلك حالياً 3708 رؤوس نووية استراتيجية، في حين تمتلك روسيا 2822 رأساً، والصين 440 رأساً. علاوة على ذلك، فالدول الثلاث تقوم بتحديث ترساناتها النووية، في حين يمكن أن يصل حجم ترسانة الأسلحة النووية الاستراتيجية الصينية إلى 1000 سلاح بحلول 2030.

ولكن السؤال الأكثر إلحاحاً هو: إلى أي مدى ستفقد الولايات المتحدة تفوقها إذا واجهت هجوماً مشتركاً محتملاً من جانب روسيا والصين مقارنة بتفوقها في حال التعامل مع كل دولة منهما على حدة؟ ولا توجد إجابة فورية واضحة عن هذا السؤال، ولكنه يثير قضايا سياسية واستراتيجية مهمة.

على سبيل المثال، ما الذي يدفع الصين للانضمام إلى الضربة النووية الروسية الأولى ضد الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)؟ ولا بد أن نتخيل سيناريو متطرفاً، حيث تتحول الأزمات المتزامنة في أوروبا وآسيا إلى أزمات حادة، فتتحول الحرب الروسية - الأوكرانية إلى مواجهة بين روسيا وحلف «الناتو»، في الوقت الذي تتحرك فيه الصين للاستيلاء على تايوان، مع تصدي الولايات المتحدة لمثل هذه المحاولة.

وحتى في هذه الحالة المتطرفة، لا شك أن الصين تفضل تسوية الأمور مع تايوان بشروطها الخاصة وباستخدام القوات التقليدية. كما أنها لن تستفيد من الاشتراك في حرب بوتين النووية مع «الناتو». بل على العكس من ذلك، أشارت الصين حتى الآن بوضوح تام إلى روسيا بأن القيادة الصينية تعارض أي استخدام نووي أولاً في أوكرانيا أو ضد حلف شمال الأطلسي. والواقع أن العلاقات الاقتصادية الصينية مع الولايات المتحدة وأوروبا واسعة النطاق.

وليس لدى الصين أي خطة لتحويل الاقتصادات الغربية إلى أنقاض. فضلاً عن ذلك، فإن الرد النووي للولايات المتحدة و«الناتو» على الضربة الروسية الأولى يمكن أن يشكل مخاطر فورية على سلامة وأمن الصين.

وإذا كان مخططو الاستراتيجية الأميركية يستبعدون اشتراك روسيا والصين في توجيه ضربة نووية أولى إلى الولايات المتحدة، فإن حجم القوة المشتركة للدولتين قد يوفر قدراً من القوة التفاوضية في مواجهة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.

وربما تدعم الصين وروسيا صورة كل منهما للأخرى بوصفها دولة نووية آمنة في مواجهة الضغوط الأميركية أو حلفائها لصالح تايوان أو أوكرانيا. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فمن المرجح أن توفر «الفجوة» بين أعداد الأسلحة النووية غير الاستراتيجية أو التكتيكية التي تحتفظ بها روسيا والصين والموجودة في المسرح المباشر للعمليات العسكرية، مقارنة بتلك المتاحة للولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي، عنصر ردع ضد أي تصعيد تقليدي من جانب الولايات المتحدة ضد أي من الدولتين.

أخيراً، يضيف ظهور الصين قوة نووية عظمى تعقيداً إلى التحدي المتمثل في إدارة الاستقرار الاستراتيجي النووي. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع تطوير سياسات واستراتيجيات إبداعية لتحقيق استقرار الردع، والحد من الأسلحة النووية، ودعم نظام منع الانتشار، وتجنب الحرب النووية. ولا يمكن فهم الردع النووي للصين بمعزل عن تحديث قوتها التقليدية ورغبتها في التصدي للنظام الدولي القائم على القواعد التي تفضلها الولايات المتحدة وحلفاؤها في آسيا. في الوقت نفسه، فإن التحالف العسكري والأمني بين الصين وروسيا مؤقت، وليس وجودياً. فالتوافق بين الأهداف العالمية لكل من الصين وروسيا ليس كاملاً، لكن هذا التحالف يظل تهديداً خطيراً للهيمنة الأميركية والغربية على النظام العالمي.