السرطان يقهر عزة الدوري

حياة «ظل صدام» أصبحت لغزاً بعد 2003

عزة الدوري
عزة الدوري
TT

السرطان يقهر عزة الدوري

عزة الدوري
عزة الدوري

أخيراً أعلن حزب البعث العربي الاشتراكي وفاة عزة الدوري، الرجل الثاني في النظام العراقي السابق الذي لازم الرئيس السابق صدام حسين مثل ظله، وسادس القادة المطلوبين على اللائحة الأميركية التي ضمت 55 قيادياً بارزاً. الخبر جاء على لسان الدكتور خضير المرشدي، الناطق باسم حزب البعث، الذي أعلن وفاة الدوري دون أن يذكر أسباب الوفاة.
المرشدي كان طوال السنوات الماضية ينفي وفاة الدوري أو الإعلان عن اعتقاله من قبل السلطات العراقية، بما فيها إحدى المرات التي ظهر فيها رجل مسجى يشبه الدوري تماماً قيل إنه تم اعتقاله ومقتله.
الدوري كان هو الآخر يكذب أخبار موته ببعض المناسبات السنوية التي يختارها لكي يظهر في خطاب متلفز وهو يرتدي كامل بزته العسكرية. المناسبة غالباً ما تكون ذكرى تأسيس حزب البعث في السابع من أبريل (نيسان)، أو ذكرى سقوط بغداد على أيدي الأميركيين في التاسع من أبريل عام 2003، وحيث إن الوقائع التي يتطرق إليها معاصرة بالقياس إلى تكرار الإعلان عن وفاته أو اعتقاله، فإن الأحاديث الخاصة بكيفية تخفي هذا الرجل المريض بالسرطان منذ أكثر من أربعة عقود من الزمن تعود مجدداً حتى تحولت حياته لا موته، الذي كان متوقعاً في أي لحظة، إلى لغز من الألغاز.
الدوري الذي كان يحتاج إلى تبديل دائم للدم، كان لا بد أن يكون في مكان تتوفر فيه مستلزمات طبية مناسبة. مع ذلك، فإنه لا السلطات الأميركية التي تمكنت في غضون السنوات الأولى من إلقاء القبض على أبرز رموز النظام السابق، وفي مقدمتهم رأس النظام صدام حسين نفسه بعد أشهر من سقوط بغداد، عجزت عن الوصول إلى الدوري.
رفاق الدوري الكبار تساقطوا إما بتسليم أنفسهم للأميركيين مثل طارق عزيز ووزير الدفاع الأسبق سلطان هاشم، أو تم اعتقالهم مثل صدام حسين أو طه ياسين رمضان أو علي حسن المجيد، وسواهم من كبار أعضاء القائمة التي ربما لم يبق منها أحد خارج الاعتقال أو الحياة لمن بقي متخفياً، وآخرهم عزة الدوري.
الدوري الذي بقي عصياً، سواء على الأميركيين أو السلطات العراقية، قهره السرطان الذي تمكّن منه أخيراً بعد مطاردة استمرت نحو أربعة عقود. فقبل سقوط النظام السابق كان الدوري المعروف بتشدده الديني فضلاً عن صرامته في العمل الحزبي والسياسي دائم الاستبدال للدم بسبب مرض السرطان. وبعد سقوط النظام كان الجميع يتوقع أن الدوري الذي كان أحد أبرز المخلصين لصدام حسين سيكون أول من سوف يُمسك به أو يسلم نفسه بسبب مرضه الخطير وصعوبة توفير متطلباته. السلطات العراقية التي سبق لها أن أعلنت وفاته مرات عدة صمتت هذه المرة. الأميركان أنفسهم الذين كان الدوري سادس مطلوب لهم بعد صدام حسين وابناه وأبناء عمه صمتوا هم أيضاً. البعثيون الذين كانوا يتندرون في السابق عندما يعلن عن موت الدوري هم من نعوه بأكثر من بيان. الاستثناء الوحيد هو النعي الصادر عن السياسي والمفكر العراقي حسن العلوي الذي نعى الدوري وعدّ وفاته خسارة كبيرة.
السؤال الذي بات يطرح الآن ماذا سيكون مصير حزب البعث بعد وفاة الدوري، خصوصاً في ظل تعددية أجنحته؟ الإجابة عن هذا السؤال لن تتأخر كثيراً، لا سيما أن الدوري كان يمثل آخر رمز من رموز الشرعية الحزبية حتى في ظل الصراعات بين جناحي الحزب في العراق بزعامة الدوري وسوريا بزعامة يونس الأحمد.



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».