المحكمة الأميركية العليا في عهدة المحافظين

صراع شرس للمصادقة قد يغير من موازين القوى في الكونغرس

القاضية باريت بعد تعيينها أمس لدى المحكمة العليا (أ.ف.ب)
القاضية باريت بعد تعيينها أمس لدى المحكمة العليا (أ.ف.ب)
TT

المحكمة الأميركية العليا في عهدة المحافظين

القاضية باريت بعد تعيينها أمس لدى المحكمة العليا (أ.ف.ب)
القاضية باريت بعد تعيينها أمس لدى المحكمة العليا (أ.ف.ب)

يعيش الكونغرس الأميركي لحظات متشنجة يشوبها التوتر وتخيم عليها انقسامات حزبية ازدادت اضطرابا مع قرب الانتخابات الرئاسية والتشريعية. ووصلت هذه الانقسامات إلى ذروتها في عملية المصادقة على مرشحة الرئيس الأميركي إيمي كوني باريت قاضية في المحكمة العليا، فقبل أسبوع من موعد الانتخابات، نجح الجمهوريون بتخطي المعارضة الديمقراطية الشرسة لباريت، وتعزيز الأغلبية المحافظة في المحكمة العليا، لتصبح الكفة 6 - 3 لصالح المحافظين في المحكمة المؤلفة من 9 مقاعد. وهو أمر تباهى بإنجازه زعيم الأغلبية الجمهورية ميتش مكونيل، أحد أبرز الداعمين للتعيينات القضائية المحافظة، وقال مكونيل: «لقد قدمنا مساهمة مهمة لمستقبل بلادنا.
الكثير مما قمنا به في الأعوام الأربعة الأخيرة يمكن عكسه في الانتخابات المقبلة، لكنهم لن يتمكنوا من عكس هذه المصادقة أو القيام بأي شيء حيالها لوقت طويل للغاية».
كلمات فيها الكثير من التحدي، لكنها تعكس الواقع الذي يخشى منه الديمقراطيون، فتعيين القضاة هو لمدى الحياة، وسيكون من المستحيل على أي رئيس مقبل، أو أغلبية جديدة في الكونغرس تغيير كفة الميزان لصالح الليبراليين في المحكمة، إلا إذا سعوا باتجاه زيادة عدد القضاة في المحكمة، وهو أمر يدفع باتجاهه عدد من الليبراليين في الكونغرس. لكن هذه الطريق طويلة ومحفوفة بالعراقيل، ورغم طرح التعديل بجدية من قبل الديمقراطيين، فإن تركيزهم في هذه الساعة الحاسمة قبل الانتخابات انصب على مهاجمة الجمهوريين في مجلس الشيوخ في محاولة للتأثير على حظوظهم بالاحتفاظ بمقاعدهم في الانتخابات التشريعية، وقلب المعادلة لصالح الديمقراطيين من خلال انتزاع الأغلبية في المجلس. ورغم أن الديمقراطيين كانوا على علم بأنهم لن يتمكنوا من الوقوف بوجه الجمهوريين في عملية المصادقة، فإنهم حرصوا على إلقاء عثرات في درب المصادقة، فدفعوا باتجاه جلسات ماراثونية استمرت طوال ليل الأحد من دون توقف، عرضوا فيها قضيتهم على الناخبين بشكل منظم ومدروس من خلال خطابات أدلوا بها في المجلس.
وقال زعيم الأقلية الديمقراطية تشاك شومر: «الديمقراطيون تحدثوا طوال الليل للوقوف بوجه هذه المصادقة الزائفة من قبل الجمهوريين. لن نستسلم».
لكن شومر يعلم جيدا أن سلطاته محدودة في هذا المجال، خاصة أن الجمهوريين يتمتعون بالأغلبية في مجلس الشيوخ، لهذا فقد أعطى لأعضاء حزبه في المجلس مهمة محددة: «اعرضوا القضية على الناخب الأميركي وادعوه باتجاه التصويت للديمقراطيين لانتزاع الأغلبية في مجلس الشيوخ».
وهذا ما قام به الديمقراطيون الذين نفذوا المهمة على أكمل وجه، فتناوبوا طوال الليل في المجلس لعرض قضيتهم، وركز أغلبيتهم على طرح مواقف باريت من موضوعي الرعاية الصحية والإجهاض، فقالت السيناتورة الديمقراطية مازي هيرونو: «زملائي الجمهوريون يعلمون أنهم يستطيعون الاعتماد عليها (باريت) لتدلي بالصوت الحاسم الخامس في المحكمة العليا لإلغاء الرعاية الصحية». وذكّر البعض منهم بموقف زعيم الأغلبية الرافض في العام 2016 لتعيين مرشح الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في المحكمة العليا، ماريك غارلاند قبل الانتخابات الرئاسية، واتهموه بالرياء. وقال السيناتور المستقل الذي غالبا ما يصوت مع الديمقراطيين أنغوس كينغ: «أنا أوافق مع ميتش مكونيل الذي قال في الـ13 من فبراير (شباط) 2016 إنه يحق للأميركيين اختيار قاضي المحكمة العليا وإن هذا المقعد لا يجب شغله إلا بعد انتخاب رئيس جديد». وأضاف كينغ متهكما في إشارة إلى صد تعيين غارلاند: «لقد قال (مكونيل) هذا قبل 8 أشهر من الانتخابات. هذه المصادقة حصلت قبل أسبوع واحد من الانتخابات. هذا غير مقبول». ورغم إجماع الجمهوريين على المصادقة، انشقت سوزان كولينز السيناتورة الجمهورية عن ولاية ماين، وهي الولاية نفسها التي يمثلها كينغ، عن حزبها. كولينز التي تخوض معركة شرسة للحفاظ على مقعدها في المجلس أعربت عن معارضتها لتوقيت المصادقة على باريت قبل الانتخابات، لتغرّد خارج السرب الجمهوري وتدلي بصوتها المعارض ضد المصادقة. ولعلّ هذا الموقف هو خير دليل على مدى تأثير هذا الصراع على الانتخابات التشريعية التي ستجري في اليوم نفسه من الانتخابات الرئاسية. فتأمل كولينز أن يؤدي موقفها المعارض لاستقطاب دعم الناخبين المستقلين لها في الولاية للحفاظ على مقعدها. وهي شرحت موقفها قائلة: «إن صوتي لا يعكس أي معارضة لكفاءة باريت.
لا أعتقد أنه من العدل أن يصوت مجلس الشيوخ على المصادقة قبل الانتخابات». وتواجه كولينز التي تخدم في المجلس منذ العام 1997 منافسة ديمقراطية شرسة هي سارة غايدون في السباق الذي قد يكلفها مقعدها في المجلس، إذ إن موقفها المعارض للمصادقة على باريت أدى إلى غضب ترمب الشديد منها. لكن هذا لم يثن كولينز عن موقفها، على خلاف زميلتها ليزا ماركوفسكي التي كانت أعربت عن معارضتها للمصادقة قبل الانتخابات، لكنها قالت إنها ستصوت لصالح باريت بسبب كفاءتها العالية. كولينز ليست السيناتور الوحيد الذي يعول على موقفه من المصادقة للحفاظ على مستقبله في الكونغرس، فالسيناتور الجمهوري ليندسي غراهام وهو رئيس اللجنة القضائية التي ساءلت باريت، يخوض هو بدوره سباقا حاميا في ولاية كارولاينا الجنوبية، وقد هاجمه منافسه الديمقراطي جايمي هاريسون بشدة بسبب مواقفه الداعمة للمصادقة، وتمكن من خلالها من جمع تبرعات فائقة تفوق فيها على السيناتور الذي خدم في مقعده منذ العام 2003.

مايك بنس رئيسا لجلسة المصادقة
دعا الديمقراطيون نائب الرئيس الأميركي مايك بنس إلى عدم ترؤس جلسة المصادقة على باريت في مجلس الشيوخ. وكتب المشرعون رسالة إلى بنس يدعونه فيها إلى حجر نفسه بسبب إصابة ٥ من أفراد فريقه في البيت الأبيض بفيروس «كورونا» فقالوا إن «وجودك في مجلس الشيوخ ليس أساسيا، وهو مخاطرة يمكن تجنبها، كما أنه خرق للاحترام والبروتوكولات».
وعادة ما يترأس نائب الرئيس جلسات مهمة من هذا النوع بصفته رئيسا لمجلس الشيوخ، وقد جلس بنس في مقعد الصدارة في المجلس خلال المصادقة على مرشحي ترمب في المحكمة العليا تيد كفناه ونيل غورساتش.



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».