موسكو تفرض وجودها في الأزمة السورية

2014 شهد مواقف أكثر تشددا

السيسي برفقة بوتين في موسكو
السيسي برفقة بوتين في موسكو
TT

موسكو تفرض وجودها في الأزمة السورية

السيسي برفقة بوتين في موسكو
السيسي برفقة بوتين في موسكو

العلاقات بين موسكو وسوريا كانت ولا تزال تحدد الكثير من ملامح السياسة الخارجية الروسية على الصعيدين الدولي والإقليمي، فيما تبدو القاسم المشترك لعلاقات روسيا مع حلفائها وخصومها على حد سواء. وقد فرضت الأزمة السورية منذ اندلاعها في عام 2011 واقعا جيوسياسيا جديدا يحدد أيضا التوجهات الرئيسية في علاقات القطبين الأعظمين، ولا سيما بعد اشتعال الموقف في أعقاب الارتباك الذي ساد منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نتيجة تعثر ما سمي بثورات «الربيع العربي». وكانت موسكو أدركت مبكرا أن الأوضاع الملتهبة في هذه المناطق المتاخمة لحدودها الجنوبية، لا بد أن تطال في نهاية المطاف، الكثير من جوانب أمنها ومصالحها القومية، ما دفعها إلى التمسك بمواقف أكثر حسما عن ذي قبل، وهو ما كشفت عنه غير مرة في استخدامها لحق النقض «الفيتو» في مجلس الأمن دفاعا عن سوريا، ومحاولات الولايات المتحدة وحلفائها تكرار ما سبق ونجحت في تمريره من قرارات لحسم الموقف وتنفيذ أهدافها في ليبيا. ونذكر أن موسكو كانت بادرت بطرح وساطتها الرامية إلى إيجاد الحلول السلمية للأزمة السورية، ما أسفر عن إقرار بيان ما يسمى بـ«جنيف-1» الذي صدر في 30 يونيو (حزيران) 2012 بعد مباحثات مضنية شارك فيها وزراء خارجية روسيا والولايات المتحدة وتركيا وعدد من الدول العربية، ونص على ضرورة وقف إطلاق النار وبدء الحوار بين ممثلي فصائل المعارضة الداخلية والخارجية والسلطة الرسمية في دمشق وبحث تشكيل حكومة ائتلافية. غير أن المعارضة عادت ورفضت الاستجابة لبنود اتفاق «جنيف-1»، ولتطرح من جديد مطالبها السابقة وفي مقدمتها تنحي الرئيس السوري بشار الأسد عن منصبه، وهو ما كانت موسكو ترفض مناقشته، وتؤكد دوما على أن ذلك أمر يخص الشعب السوري وحده، ولا يملك أي أحد من الخارج مناقشته أو تقريره، ولا سيما أنه «رئيس منتخب دستوريا وشرعيا». وكان ميخائيل بوغدانوف المبعوث الشخصي للرئيس فلاديمير بوتين في الشرق الأوسط وأفريقيا قال في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن موسكو طالما واجهت ممثلي المعارضة ممن كانوا يطرحون مثل هذا المطلب بالسؤال حول البديل المناسب للأسد من وجهة نظرهم، لتفاجأ بارتباك ومواقف مشوشة لا يمكن الاعتداد بها.
وخلص إلى أن مثل هذه المواقف لا يمكن أن تسفر عن الحلول المنشودة للخروج من الأزمة، بل وقد تفضي في أقصى الأحوال إلى تبادل المواقع بين الأطراف المتحاربة، بما لا يمكن معه وقف الاقتتال وإراقة الدماء. وحذر المسؤول الروسي المعني في الخارجية الروسية بالملف السوري وشؤون البلدان العربية، من مغبة هدم مؤسسات الدولة السورية، في إشارة غير مباشرة لما سبق أن حدث في العراق، ويحدث حاليا في ليبيا بعد انهيار القوات المسلحة في البلدين.
ومع ذلك فلم تتوقف موسكو عن جهودها لتواصل اتصالاتها مع ممثلي المعارضة الداخلية والخارجية بكل أطيافها في موسكو وخارجها في مختلف العواصم الأجنبية إلى جانب اللقاءات الرسمية مع ممثلي السلطات السورية التي جرت في كل من موسكو ودمشق، وهو ما ساهم في نهاية المطاف عن توقيع وثيقة «جنيف-2». على أن ذلك أيضا لم يسفر عن نتائج إيجابية للتخفيف من حدة توتر الأزمة لأسباب كثيرة أوجزتها موسكو في التأكيد على عدم مشروعية ما يجري من تدخل قوى خارجية في سوريا واستمرار المحاولات الرامية إلى تجاوز الشرعية الدولية من جانب قوى خارجية بعينها. وبلغ الأمر بالرئيس الأميركي باراك أوباما حد التهديد بقصف الأراضي السورية بحجة استخدام القوات المسلحة السورية للأسلحة الكيماوية ضد المدنيين.
وتعود موسكو مجددا للتدخل في الوقت المناسب، حيث كشفت في أعقاب لقاء سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسية مع نظيره السوري وليد المعلم في موسكو عن استعداد سوريا للتخلي عن الأسلحة الكيماوية، ولتنزع عمليا فتيل مواجهة عسكرية كان يمكن أن تعيد إلى الأذهان ما حدث في كل من العراق وليبيا. ونذكر أن ميخائيل بوغدانوف المبعوث الشخصي للرئيس فلاديمير بوتين في الشرق الأوسط وأفريقيا، قال في تصريحات نشرتها «الشرق الأوسط» في حينه بأن موسكو تتفق مع الأطراف السورية المعنية الرسمية والمعارضة في مطالبها نحو بناء سوريا الديمقراطية وتعدد الأحزاب والالتزام بمراعاة قوانين حقوق الإنسان وحرية الكلمة والتوجه نحو الانتخابات، بما يتفق ومعايير الدولة العصرية العلمانية، وما تلتزم به السلطات الرسمية، وبدأت بالفعل في اتخاذ خطوات عملية لتنفيذه بعيدا عما يلوح به البعض حول العودة إلى مخلفات القرون الوسطى: «ورفع شعارات الخلافة الإسلامية وتطبيق الشريعة».
وكان بوغدانوف أشار إلى انعكاسات الأزمة الأوكرانية على الأوضاع في سوريا ومواقف بعض الأطراف هناك، مؤكدا أنها كشفت عن الكثير من الدروس والعبر التي جعلت النظام السوري يعرب عن مخاوفه وشكوكه حيال ما يصدر من وعود غربية، وأعاد إلى الأذهان ما جرى في كييف حيث وقع الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش اتفاقه مع المعارضة بضمان 3 من وزراء الخارجية الغربيين وهم وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وبولندا في 21 فبراير (شباط) الماضي، وهو الاتفاق الذي لم يلتزم به ممثلو المعارضة، ومنهم أرسيني ياتسينيوك رئيس الحكومة الحالية، لا سيما فيما يتعلق بتشكيل الحكومة الائتلافية. وقال: إن ياتسينيوك خرج بعد توقيعه على بروتوكول المصالحة بضمانات غربية، لينقلب عليها ويعلن عن خطة تشكيل ما وصفها بـ«حكومة المنتصرين»!!



واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
TT

واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)

بعد يوم من تبني الحوثيين المدعومين من إيران مهاجمة أهداف عسكرية إسرائيلية وحاملة طائرات أميركية شمال البحر الأحمر، أعلن الجيش الأميركي، الأربعاء، استهداف منشأتين لتخزين الأسلحة تابعتين للجماعة في ريف صنعاء الجنوبي وفي محافظة عمران المجاورة شمالاً.

وإذ أقرت وسائل الإعلام الحوثية بتلقي 6 غارات في صنعاء وعمران، فإن الجماعة تشن منذ أكثر من 14 شهراً هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، وهجمات أخرى باتجاه إسرائيل، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة، فيما تشن واشنطن ضربات مقابلة للحد من قدرات الجماعة.

وأوضحت «القيادة العسكرية المركزية الأميركية»، في بيان، الأربعاء، أن قواتها نفذت ضربات دقيقة متعددة ضد منشأتين تحت الأرض لتخزين الأسلحة التقليدية المتقدمة تابعتين للحوثيين المدعومين من إيران.

ووفق البيان، فقد استخدم الحوثيون هذه المنشآت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية تابعة للبحرية الأميركية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن. ولم تقع إصابات أو أضرار في صفوف القوات الأميركية أو معداتها.

وتأتي هذه الضربات، وفقاً للبيان الأميركي، في إطار جهود «القيادة المركزية» الرامية إلى تقليص محاولات الحوثيين المدعومين من إيران تهديد الشركاء الإقليميين والسفن العسكرية والتجارية في المنطقة.

في غضون ذلك، اعترفت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، بتلقي غارتين استهدفتا منطقة جربان بمديرية سنحان في الضاحية الجنوبية لصنعاء، وبتلقي 4 غارات ضربت مديرية حرف سفيان شمال محافظة عمران، وكلا الموقعين يضم معسكرات ومخازن أسلحة محصنة منذ ما قبل انقلاب الحوثيين.

وفي حين لم تشر الجماعة الحوثية إلى آثار هذه الضربات على الفور، فإنها تعدّ الثانية منذ مطلع السنة الجديدة، بعد ضربات كانت استهدفت السبت الماضي موقعاً شرق صعدة حيث المعقل الرئيسي للجماعة.

5 عمليات

كانت الجماعة الحوثية تبنت، مساء الاثنين الماضي، تنفيذ 5 عمليات عسكرية وصفتها بـ«النوعية» تجاه إسرائيل وحاملة طائرات أميركية، باستخدام صواريخ مجنّحة وطائرات مسيّرة، وذلك بعد ساعات من وصول المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى صنعاء حيث العاصمة اليمنية الخاضعة للجماعة.

وفي حين لم يورد الجيشان الأميركي والإسرائيلي أي تفاصيل بخصوص هذه الهجمات المزعومة، فإن يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الحوثيين، قال إن قوات جماعته نفذت «5 عمليات عسكرية نوعية» استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» وتل أبيب وعسقلان.

الحوثيون زعموا مهاجمة حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» بالصواريخ والمسيّرات (الجيش الأميركي)

وادعى المتحدث الحوثي أن جماعته استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» بصاروخين مجنّحين و4 طائرات مسيّرة شمال البحرِ الأحمر، زاعماً أن الهجوم استبق تحضير الجيش الأميركي لشن هجوم على مناطق سيطرة الجماعة.

إلى ذلك، زعم القيادي الحوثي سريع أن جماعته قصفت هدفين عسكريين إسرائيليين في تل أبيب؛ في المرة الأولى بطائرتين مسيّرتين وفي المرة الثانية بطائرة واحدة، كما قصفت هدفاً حيوياً في عسقلانَ بطائرة مسيّرة رابعة.

تصعيد متواصل

وكانت الجماعة الحوثية تبنت، الأحد الماضي، إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من تلقيها 3 غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

ويشن الحوثيون هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة.

مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة الطائرات «هاري رومان»... (الجيش الأميركي)

وأقر زعيمهم عبد الملك الحوثي في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وقال إن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

كما ردت إسرائيل على مئات الهجمات الحوثية بـ4 موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.